33/01/21
تحمیل
الموضوع / التنبيه الثاني / تنبيهات / العلم الإجمالي / أصالة الاشتغال / الأصول العملية.
قلت:- ذلك لا يمكن لوجهين:-
الاول:- ان هذا أصل مثبت ، لأنك ماذا تريد أن تثبت بهذا الاستصحاب ؟ هل تريد أن تثبت وجوب الاجتناب عن الإناء الاول بخصوصه ؟ وهذا لا معنى له لأنه قد طرأ الاضطرار ، فلابد وأن يكون مقصودك هو إثبات وجوب الاجتناب عن الثاني فأنت تستصحب الوجوب الكلي لتثبت بذلك وجوب الاجتناب الشخصي - يعني عن خصوص الإناء الثاني - وهذه ملازمة غير شرعية إذ لازم بقاء الوجوب الكلي هو وجوب الاجتناب عن الإناء الثاني بعد فرض أن الاول قد ارتفع وجوبه بسبب الاضطرار فبضم ارتفاع الوجوب الأول بسبب الاضطرار إلى بقاء الوجوب الكلي من جهة الاستصحاب يلزم بقاء وجوب الاجتناب عن الإناء الثاني وهذه ملازمة ليست شرعية فيكون المورد من الأصل المثبت.
نعم إذا كان مقصودك هو إثبات وجوب اجتناب الكلي فقط وفقط لا أكثر من دون أن تقصد إثبات وجوب الاجتناب عن الإناء الثاني بخصوصه فالمورد لا يكون من الأصل المثبت ، بيد أن هذا لا ثمرة فيه فان الثمرة تترتب على وجوب الاجتناب عن الثاني بخصوصه وليس على بقاء الوجوب الكلي بنحو الكلية.
وثانياً:- بقطع النظر عن محذور الأصل المثبت يمكن أن يقال ان الوجوب الكلي مردد بين ما يقبل التنجُّز وما لا يقبله ، وما كان مردداً من هذا القبيل لا يقبل التنجُّز فان وجوب الاجتناب إذا كان ثابتاً بلحاظ الإناء الاول فهو لا يقبل التنجز لفرض الاضطرار فانه بسبب الاضطرار لا يجب امتثال الوجوب ، وأما إذا كان ثابتاً بلحاظ الإناء الثاني فهو يقبل التنجُّز لأنه ليس فيه اضطرار ، والجامع بين ما يقبل التنجز وما لا يقبله هو في حكم ما لا يقبل التنجُّز فلا ينفع استصحاب الكلي بالشكل المذكور وإنما يقبله لو فرض أنه كان يُنجِّز على كلا التقديرين كما لو فرض أن المكلف علم بأنه قد أحدث ولكن لا يدري أبالأصغر أو بالأكبر بأن خرج بللٌ مشتبهٌ لا يدري أهو بول أو مني ولا مثبت لهذا ولا ذاك ثم توضأ فإذا كان الخارج هو البول فقد ارتفع الحدث وإذا كان الخارج هو المني فلم يرتفع ، فهنا يمكن استصحاب الكلي فان الحدث الأصغر توجد له آثار وكذلك الحدث الأكبر أيضاً واستصحاب الكلي ينجِّز الآثار المشتركة دون الآثار المختصَّة بهذا فقط أو ذاك فقط ، وهذا بخلاف المقام فبالاضطرار يرتفع التنجُّز ولا يترتب أي أثر على وجود التكليف آنذاك وإنما يترتب الأثر والتنجُّز لو كانت النجاسة ثابتةً في الإناء الثاني ، فمثل الاستصحاب المذكور لا ينفع.
والخلاصة:- ان استصحاب الوجوب الشخصي لا يجري واستصحاب الوجوب الكلي لا يجري ، أما الشخصي لا يجري فلوجهين:-
الاول:- ان استصحاب وجوب الاجتناب عن الاول لا علم بحدوثه حتى يجري الاستصحاب وهكذا وجوب الاجتناب عن الثاني ، فاليقين بالحدوث منعدمٌ فكيف يجري الاستصحاب ؟!!
والثاني:- ان الوجوب الاول نتيقن بارتفاعه والوجوب الثاني نتيقن ببقائه على تقدير حدوثه ، فلا شك في البقاء - أي ببقاء الوجوب الشخصي - لكي يجري الاستصحاب.
إذن لا يجري لانعدام اليقين ولانعدام الشك ، أي لانعدام الركنين.
وأما الوجوب الكلي فهو لا يجري لوجهين أيضاً:-
الأول:- انه أصل مثبت بالبيان المتقدم.
والثاني:- ان الجامع بين ما يقبل التنجُّز وما لا يقبله لا يمكن استصحابه واثبات التنجُّز من خلال استصحابه.
وبهذا ننهي الحديث عن هذه الشقوق الثلاثة التي جامعها هو أن يكون الاضطرار إلى فرد معين.
إذا كان الاضطرار إلى فردٍ غير معين:-
ومثال ذلك ما إذا فرض أن كلا الإناءين كان بارداً وعلم بنجاسة أحدهما ، فهنا اختلف الشيخ الأعظم والشيخ الخراساني.
فالشيخ الخراساني(قده) في الكفاية قال:- ان الإناء الذي تمد يدك إليه لتشربه بسبب الاضطرار يجوز شربه جزماً لأجل الاضطرار وكذلك الإناء الثاني يجوز شربه أيضاً إذ لعل الإناء الاول هو النجس وهو الذي يجب الاجتناب عنه وقد ارتفع وجوب الاجتناب بسبب مدِّ اليد عن اضطرارٍ فيعود الشك في الإناء الثاني من الشك في أصل التكليف فتجري البراءة.
وأما الشيخ الأنصاري(قده) فقال:- ان الإناء الاول الذي مُدَّت إليه اليد يجوز شربه جزماً وترتفع حرمته لأجل الاضطرار كما قال الشيخ الخراساني(قده) وأما الإناء الثاني فيجب الاجتناب عنه قضاءً لحق العلم الإجمالي ، فجمعاً بين الحقين نقول يجب ترك الثاني لأجل العلم الإجمالي ويجوز ارتكاب الأول لأجل الاضطرار.
ولكن كيف ندفع ما ذكره الشيخ الخراساني(قده) فانه قال:- ان الإناء الثاني لا يوجد بلحاظه علم إجمالي ، فكيف يدَّعي الشيخ الأعظم(قده) بقاء العلم الإجمالي ؟ فكيف نوجه مقالة الشيخ الأعظم التي يوجه فيها بقاء العلم الإجمالي في مقابل ما ذكره الشيخ الخراساني ؟