36/02/09
تحمیل
الموضـوع:- أحكام
المصدود - مسألة ( 440 ).
وأما بالنسبة إلى العمل الثالث من أعمال منى - أعني الحلق أو التقصير في مكانه -:- فيمكن أن نستفيد ذلك مما دلّ على أنّ من نسي الحلق أو التقصير فيقصّر متى ما ذكر أو يحلق في مكانه غايته دلّت بعض الروايات الأخرى على إرسال شعره وإلقائه في منى ولكن هذه قضيّة ثانية وهي واجبٌ تكليفيّ خاصٌّ، والمهم هو أنّ أكثر من رواية قد دلّت على أنّ الناسي يحلق أو يقصّر في مكانه.
وأقرأ روايةً واحدةً في هذا المجال، وقد تقدّمت الإشارة إلى ذلك في مسألة ( 408 ) وأنّ الحلق والتقصير لازمٌ في منى لمن كان متمكناً وأمّا الذي لم يتمكن وكان ممنوعاً من دخول منى فحينئذٍ يمكنه أن يحلق أو يقصّر في مكانه.
ومن جملة الروايات ما رواه مسمع:- ( سألت أبا عبد الله عليه السلام:- عن رجلٍ نسي أن يحلق رأسه أو يقصّر حتى نفر، قال:- يحلق في الطريق أو اين كان )[1]، وموردها وإن كان هو الناسي إلّا أنّه يمكن إلغاء الخصوصيّة من هذه الناحية، بل إعمال الأولويّة باعتبار أنّ الناسي قد يقال له لماذا نسيت وقصّرت في أن تُبقي نفسك متذكّراً ولكن مثل هذا الكلام إن صحّ توجيهه إلى الناسي وعتابه فلا يصحّ توجيهه إلى الشخص في مقامنا لأنّ المفروض أنّ المنع جاء من جهةٍ خارجيّةٍ فهو معذورٌ بتمام معنى الكلمة وأمّا الناسي فقد لا يكون معذوراً كذلك فنستطيع أن نقول له لماذا لم تضع منبهاتٍ - مثلاً - حتى لا تنسى.
إذن إمّا أن نتمسّك بمناسبات الحكم والموضوع أو نتمكن أن نتمسّك بفكرة الاولويّة . وعلى هذا الأساس يمكن لهذا الشخص أن يأتي بعملين من أعمال منى بنحو النيابة - أعني الذبح الرمي - ويأتي بعملٍ واحد مباشرةً في مكانه وهو الحلق أو التقصير - وبذلك يصحّ عمله ويجزيه، ولا يطبّق عليه حكم المصدود، بل تفرغ دمته بذلك . هذا كلّه فيما إذا فرض أنّه يتمكّن من النيابة.
وأما الشق الثاني - أعني إذا لم يتمكّن من النيابة -:- فقد اختلفت كلمات الأعلام فيه، فصاحب الجواهر(قده)[2] ووافقه على ذلك الشيخ النائيني(قده)[3] ذهبا إلى أنّه يطبّق حكم المصدود.
وفي المقابل ذهب السيد الخوئي(قده) في المتن إلى عدم ذلك وأنّ ما يأتي به من أعمالٍ - كما سوف نبيّن - تجزي وتفرغ ذمته بذلك.
أمّا بالنسبة إلى الحلق أو التقصير:- فقد تقدّم قبل قليل حيث قلنا إنّ رواية مسمع وغيرها قد دلّت على أنّ الناسي يمكنه الحلق أو التقصير في مكانه وبإلغاء الخصوصيّة أو الأولويّة نتعدّى إلى مقامنا، فإذن من ناحية الحلق أو التقصير لا مشكلة.
وأمّا من ناحية الذبح فالمفروض أنّه لا تمكنه النيابة والقاعدة تقتضي آنذاك عدم إجزاء عمله ولا تفرغ ذمّته بذلك لأنَّ الذبح جزءٌ من أجزاء الحجّ وإذا لم يتحقّق فمعناه أنّ الواجب المركّب لم يتحقّق، وإِجْزاءُ الناقصِ عن الكاملِ يحتاج إلى دليلٍ وهو مفقودٌ، فالمناسب في مثل هذه الحالة - بعد فرض عدم إمكان النيابة - عدم إجزاء الحجّ، وبالتالي يلزمه تطبيق حكم المصدود فيذبح لأجل الصدّ ويرجع ولا تفرغ ذمّته بذلك، ويكون الحقّ مع صاحب الجواهر والنائيني(قده).
بيد إنّه توجد رواية إذا تمكنّا أن نستفيد إلغاء خصوصيّة المورد فيمكن أن نصحّح عمل المكلف المذكور والمسالة من هذه الناحية تتبع نفسية الفقيه وكيفية استظهاره فربَّ فقيهٍ يقبل بذلك وربَّ فقيه يرفضه وربّ فقيهٍ يقول فيه تردّد وإشكال ومن تردّد فحكمه حكم من يجزم بعدم الظهور في التعدّي، وتلك الرواية هي أنّ من لم يتمكن على الهدي نتيجة عدم وجوده بيد أنه يوجد لديه الثمن فإنه توجد وراية تدلّ على أنّه يودع الثمن عند ثقةٍ حتى إذا أمكن في هذا العام فبها وإلا فإلى السنة الثانية وأمّا الحاج الذي تعذّر عليه ذبح الحيوان فهو يتحلّل - يعني يقصّر ويحلق ويحصل بذلك التحلّل - ويكون هذا الايداع بمثابة الذبح بالفعل، ونصّ الرواية وهي صحيحة حريز عن أبي عبد الله عليه السلام:- ( في متمتعٍ يجد الثمن ولا يجد الغنم، قال:- يخلّف الثمن عند بعض أهل مكة ويأمر من يشتري له ويذبح عنه وهو يجزئ عنه فإن مضى ذو الحجة أخّر ذلك إلى قابل من ذي الحجة )[4]، وهل نخصّص هذه الرواية بموردها ونقول إنَّ هذا تعبّدٌ لأنّ هذا حكمٌ على خلاف القاعدة فنقتصر على مورد التعبّد لا أكثر من ذلك فهل الصحيح هو هذا أو أنّه نلغي خصوصيّة المورد ؟ إنّه لا يبعد عدم الخصوصيّة للمورد وأنّ هذا الحكم جاء من باب أنّ الشخص لا يتمكّن أن يؤدي هذا الواجب أمّا أنَّ ذلك هو لأجل قلّة الحيوانات فهذا لا يرى العرف له خصوصيّةً، فإنّ اطمأننا بهذا فنتعدّى - وهو ليس ببعيد - وأمّا إذا لم نطمئن بإلغاء الخصوصيّة من هذه الناحية فلا نتعدّى، والقضيّة تابعة للجزم والاطمئنان.
وأمّا بالنسبة إلى الرمي:- فهنا يمكن أن نقول إنّه توجد بعض الروايات الدالة على أنّ من نسي الرمي فلا يؤثر ذلك على حجّه باعتبار أنّه من السنن وليس من الفرائض، فإن في الحج يوجد فيه فرضٌ كالوقوف في الموقفين والطواف والسعي وهناك سننٌ من قبيل الرمي فإنّه من السنن كما دلّت عليه الرواية، ولا يبعد أن المقصود من الفريضة ما كان بتشريعٍ إلهي أو قرآني وبالسنّة ما كان بتشريع الرسول صلى الله عليه وآله، فإذا ثبت ذلك - وهو أنه سنّة - نضم إلى ذلك قاعدة ثانية قرأناها في باب الصلاة وهي قاعدة ( لا تنقض السنَّةُ الفريضةَ ) وقد وردت هذه القاعدة كذيلٍ في صحيحة قاعدة لا تعاد.
أمّا الرواية الأولى الدالة على أنّ من نسي رمي الجمار فلا يؤثر ذلك على عمله:- فهي صحيحة معاوية عن أبي عبد الله عليه السلام:- ( سألته عن رجلٍ نسي طواف النساء حتى يرجع إلى أهل، قال:- لا تحلّ له النساء حتى يزور البيت ..... وإن نسي الجمار فليسا بسواء، إنَّ الرمي سنّة والطواف فريضة )[5]، هذا من ناحية هذه الرواية التي دلّت على أنّ الرمي سنّة.
وأمّا قاعدة ( لا تنقضُ السنّةُ الفريضةَ ):- فهذه أشير إليها في صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام:- ( لا تعاد الصلاة إلّا من خمسة الطهور والوقت والقبلة والركوع والسجود، والقراءة سنَّة، والتشهد سنَّة، والتكبير سنَّة، ولا تنقضُ السنّةُ الفريضةَ )[6].
إذن مادام الرمي سنَّة والمفروض أنّه بقاعدة أنّ ( السنَّة لا تنقض الفريضة ) يلزم إنّه إذا لم يمكن الاتيان بالرمي يلزم أن لا يؤثر ذلك على أصل العمل وهذا منعاه أنّ السنَّة لا تنقض الفريضة.
نعم ههنا أشكال وهو أنّه قد يقال:- إنّ هذه الرواية ورد فيها التعبير ( وإن نسي الجمار ) والتعبير بالجمع يتناسب مع اليوم الحادي عشر والثاني عشر أمّا بالنسبة إلى اليوم العاشر - يعني رمي جمرة العقبة - فهذه الرواية لا تدلّ على أنّه سنّة، فإذا فرض أنّه كان ممنوعاً من رمي اليوم الحادي عشر أو الثاني عشر فالأمر كما ذكر ولكن المفروض أنّ محلّ الكلام هو من تعذّر عليه أعمال منى وأعمال منى أحدها رمي جمرة العقبة . إذن سوف تواجهنا هذه المشكلة فما هو الحلّ في التغلب عليها ؟
هنا لابد وأن يقول الفقيه:- إنّ الرواية وإن عبّرت وقالت ( نسي رمي الجمار ) ولكن ليس المقصود أنّه نسي الكلّ - أي الثلاث - حتى يختص باليوم الحادي عشر والثاني عشر بل المقصود هنا الجنس، فهل تحتمل أنّه مثلاً إذا كان في اليوم الحادي عشر نسي رمي جمرةً واحدةً فهل هذا لا ينفع ونقول إنّ المدار إذا نسي كلّ الجمار لا ما إذا نسي جمرةً واحدةً والنصّ لا يشمله ؟!! وإذا أردنا أن نتعدّى فلابد وان نتعدّى بالأولوية مثلاً ؟!! كلّا إنّ مثل هذا التعبير يفهم منه أنّه لا فرق بين جمرةٍ وأخرى، ولو كان هناك فرقٌ لكان من المناسب للإمام أن ينبّه في مثل هذا المورد ويقول إنّ الرمي سنَّة - يعني في اليوم الحادي عشر والثاني عشر - حتى لا يذهب الوهم إلى اليوم العاشر لأنَّ هذا من موارد ذهاب الذهن إلى رمي اليوم العاشر أيضاً، فعدم التنبيه على هذا وإرادة الجنس من لفظ ( الجمار ) يُقرّب على أنّ المقصود هو الأعم، فمن هذه الناحية لا مشكلة . إذن يسقط عنه الرمي.
إذن المناسب سقوط الرمي عنه لأجل هذه الرواية، ولكن من باب الاحتياط لو تمكّن في العام المقبل من الذهاب فيأتي بالرمي بنفسه، وإذا لم يذهب فبالنائب لرواية عمر بن يزيد التي هي ضعيفةٌ بولده محمد بن عمر بن يزيد والتي نصّها:- ( عن أبي عبد الله عليه السلام:- من أغفل رمي الجمار أو بعضها حتى يمضي أيام التشريق فعليه أن يرميها من قابلٍ فإن لم يحج رمى عنه وليّه فإن لم يكن له وليّ استعان برجلٍ من المسلمين يرمي عنه فإنّه لا يكون رميٌ إلّا في أيام التشريق )[7]، ولو كانت صحيحةً لكنّا نحكم بلزوم ذلك لكن لأجل أنّها ضعيفة السند فحينئذٍ تصلح للانتقال إلى الاحتياط دون الفتوى بذلك.
وأما بالنسبة إلى العمل الثالث من أعمال منى - أعني الحلق أو التقصير في مكانه -:- فيمكن أن نستفيد ذلك مما دلّ على أنّ من نسي الحلق أو التقصير فيقصّر متى ما ذكر أو يحلق في مكانه غايته دلّت بعض الروايات الأخرى على إرسال شعره وإلقائه في منى ولكن هذه قضيّة ثانية وهي واجبٌ تكليفيّ خاصٌّ، والمهم هو أنّ أكثر من رواية قد دلّت على أنّ الناسي يحلق أو يقصّر في مكانه.
وأقرأ روايةً واحدةً في هذا المجال، وقد تقدّمت الإشارة إلى ذلك في مسألة ( 408 ) وأنّ الحلق والتقصير لازمٌ في منى لمن كان متمكناً وأمّا الذي لم يتمكن وكان ممنوعاً من دخول منى فحينئذٍ يمكنه أن يحلق أو يقصّر في مكانه.
ومن جملة الروايات ما رواه مسمع:- ( سألت أبا عبد الله عليه السلام:- عن رجلٍ نسي أن يحلق رأسه أو يقصّر حتى نفر، قال:- يحلق في الطريق أو اين كان )[1]، وموردها وإن كان هو الناسي إلّا أنّه يمكن إلغاء الخصوصيّة من هذه الناحية، بل إعمال الأولويّة باعتبار أنّ الناسي قد يقال له لماذا نسيت وقصّرت في أن تُبقي نفسك متذكّراً ولكن مثل هذا الكلام إن صحّ توجيهه إلى الناسي وعتابه فلا يصحّ توجيهه إلى الشخص في مقامنا لأنّ المفروض أنّ المنع جاء من جهةٍ خارجيّةٍ فهو معذورٌ بتمام معنى الكلمة وأمّا الناسي فقد لا يكون معذوراً كذلك فنستطيع أن نقول له لماذا لم تضع منبهاتٍ - مثلاً - حتى لا تنسى.
إذن إمّا أن نتمسّك بمناسبات الحكم والموضوع أو نتمكن أن نتمسّك بفكرة الاولويّة . وعلى هذا الأساس يمكن لهذا الشخص أن يأتي بعملين من أعمال منى بنحو النيابة - أعني الذبح الرمي - ويأتي بعملٍ واحد مباشرةً في مكانه وهو الحلق أو التقصير - وبذلك يصحّ عمله ويجزيه، ولا يطبّق عليه حكم المصدود، بل تفرغ دمته بذلك . هذا كلّه فيما إذا فرض أنّه يتمكّن من النيابة.
وأما الشق الثاني - أعني إذا لم يتمكّن من النيابة -:- فقد اختلفت كلمات الأعلام فيه، فصاحب الجواهر(قده)[2] ووافقه على ذلك الشيخ النائيني(قده)[3] ذهبا إلى أنّه يطبّق حكم المصدود.
وفي المقابل ذهب السيد الخوئي(قده) في المتن إلى عدم ذلك وأنّ ما يأتي به من أعمالٍ - كما سوف نبيّن - تجزي وتفرغ ذمته بذلك.
أمّا بالنسبة إلى الحلق أو التقصير:- فقد تقدّم قبل قليل حيث قلنا إنّ رواية مسمع وغيرها قد دلّت على أنّ الناسي يمكنه الحلق أو التقصير في مكانه وبإلغاء الخصوصيّة أو الأولويّة نتعدّى إلى مقامنا، فإذن من ناحية الحلق أو التقصير لا مشكلة.
وأمّا من ناحية الذبح فالمفروض أنّه لا تمكنه النيابة والقاعدة تقتضي آنذاك عدم إجزاء عمله ولا تفرغ ذمّته بذلك لأنَّ الذبح جزءٌ من أجزاء الحجّ وإذا لم يتحقّق فمعناه أنّ الواجب المركّب لم يتحقّق، وإِجْزاءُ الناقصِ عن الكاملِ يحتاج إلى دليلٍ وهو مفقودٌ، فالمناسب في مثل هذه الحالة - بعد فرض عدم إمكان النيابة - عدم إجزاء الحجّ، وبالتالي يلزمه تطبيق حكم المصدود فيذبح لأجل الصدّ ويرجع ولا تفرغ ذمّته بذلك، ويكون الحقّ مع صاحب الجواهر والنائيني(قده).
بيد إنّه توجد رواية إذا تمكنّا أن نستفيد إلغاء خصوصيّة المورد فيمكن أن نصحّح عمل المكلف المذكور والمسالة من هذه الناحية تتبع نفسية الفقيه وكيفية استظهاره فربَّ فقيهٍ يقبل بذلك وربَّ فقيه يرفضه وربّ فقيهٍ يقول فيه تردّد وإشكال ومن تردّد فحكمه حكم من يجزم بعدم الظهور في التعدّي، وتلك الرواية هي أنّ من لم يتمكن على الهدي نتيجة عدم وجوده بيد أنه يوجد لديه الثمن فإنه توجد وراية تدلّ على أنّه يودع الثمن عند ثقةٍ حتى إذا أمكن في هذا العام فبها وإلا فإلى السنة الثانية وأمّا الحاج الذي تعذّر عليه ذبح الحيوان فهو يتحلّل - يعني يقصّر ويحلق ويحصل بذلك التحلّل - ويكون هذا الايداع بمثابة الذبح بالفعل، ونصّ الرواية وهي صحيحة حريز عن أبي عبد الله عليه السلام:- ( في متمتعٍ يجد الثمن ولا يجد الغنم، قال:- يخلّف الثمن عند بعض أهل مكة ويأمر من يشتري له ويذبح عنه وهو يجزئ عنه فإن مضى ذو الحجة أخّر ذلك إلى قابل من ذي الحجة )[4]، وهل نخصّص هذه الرواية بموردها ونقول إنَّ هذا تعبّدٌ لأنّ هذا حكمٌ على خلاف القاعدة فنقتصر على مورد التعبّد لا أكثر من ذلك فهل الصحيح هو هذا أو أنّه نلغي خصوصيّة المورد ؟ إنّه لا يبعد عدم الخصوصيّة للمورد وأنّ هذا الحكم جاء من باب أنّ الشخص لا يتمكّن أن يؤدي هذا الواجب أمّا أنَّ ذلك هو لأجل قلّة الحيوانات فهذا لا يرى العرف له خصوصيّةً، فإنّ اطمأننا بهذا فنتعدّى - وهو ليس ببعيد - وأمّا إذا لم نطمئن بإلغاء الخصوصيّة من هذه الناحية فلا نتعدّى، والقضيّة تابعة للجزم والاطمئنان.
وأمّا بالنسبة إلى الرمي:- فهنا يمكن أن نقول إنّه توجد بعض الروايات الدالة على أنّ من نسي الرمي فلا يؤثر ذلك على حجّه باعتبار أنّه من السنن وليس من الفرائض، فإن في الحج يوجد فيه فرضٌ كالوقوف في الموقفين والطواف والسعي وهناك سننٌ من قبيل الرمي فإنّه من السنن كما دلّت عليه الرواية، ولا يبعد أن المقصود من الفريضة ما كان بتشريعٍ إلهي أو قرآني وبالسنّة ما كان بتشريع الرسول صلى الله عليه وآله، فإذا ثبت ذلك - وهو أنه سنّة - نضم إلى ذلك قاعدة ثانية قرأناها في باب الصلاة وهي قاعدة ( لا تنقض السنَّةُ الفريضةَ ) وقد وردت هذه القاعدة كذيلٍ في صحيحة قاعدة لا تعاد.
أمّا الرواية الأولى الدالة على أنّ من نسي رمي الجمار فلا يؤثر ذلك على عمله:- فهي صحيحة معاوية عن أبي عبد الله عليه السلام:- ( سألته عن رجلٍ نسي طواف النساء حتى يرجع إلى أهل، قال:- لا تحلّ له النساء حتى يزور البيت ..... وإن نسي الجمار فليسا بسواء، إنَّ الرمي سنّة والطواف فريضة )[5]، هذا من ناحية هذه الرواية التي دلّت على أنّ الرمي سنّة.
وأمّا قاعدة ( لا تنقضُ السنّةُ الفريضةَ ):- فهذه أشير إليها في صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام:- ( لا تعاد الصلاة إلّا من خمسة الطهور والوقت والقبلة والركوع والسجود، والقراءة سنَّة، والتشهد سنَّة، والتكبير سنَّة، ولا تنقضُ السنّةُ الفريضةَ )[6].
إذن مادام الرمي سنَّة والمفروض أنّه بقاعدة أنّ ( السنَّة لا تنقض الفريضة ) يلزم إنّه إذا لم يمكن الاتيان بالرمي يلزم أن لا يؤثر ذلك على أصل العمل وهذا منعاه أنّ السنَّة لا تنقض الفريضة.
نعم ههنا أشكال وهو أنّه قد يقال:- إنّ هذه الرواية ورد فيها التعبير ( وإن نسي الجمار ) والتعبير بالجمع يتناسب مع اليوم الحادي عشر والثاني عشر أمّا بالنسبة إلى اليوم العاشر - يعني رمي جمرة العقبة - فهذه الرواية لا تدلّ على أنّه سنّة، فإذا فرض أنّه كان ممنوعاً من رمي اليوم الحادي عشر أو الثاني عشر فالأمر كما ذكر ولكن المفروض أنّ محلّ الكلام هو من تعذّر عليه أعمال منى وأعمال منى أحدها رمي جمرة العقبة . إذن سوف تواجهنا هذه المشكلة فما هو الحلّ في التغلب عليها ؟
هنا لابد وأن يقول الفقيه:- إنّ الرواية وإن عبّرت وقالت ( نسي رمي الجمار ) ولكن ليس المقصود أنّه نسي الكلّ - أي الثلاث - حتى يختص باليوم الحادي عشر والثاني عشر بل المقصود هنا الجنس، فهل تحتمل أنّه مثلاً إذا كان في اليوم الحادي عشر نسي رمي جمرةً واحدةً فهل هذا لا ينفع ونقول إنّ المدار إذا نسي كلّ الجمار لا ما إذا نسي جمرةً واحدةً والنصّ لا يشمله ؟!! وإذا أردنا أن نتعدّى فلابد وان نتعدّى بالأولوية مثلاً ؟!! كلّا إنّ مثل هذا التعبير يفهم منه أنّه لا فرق بين جمرةٍ وأخرى، ولو كان هناك فرقٌ لكان من المناسب للإمام أن ينبّه في مثل هذا المورد ويقول إنّ الرمي سنَّة - يعني في اليوم الحادي عشر والثاني عشر - حتى لا يذهب الوهم إلى اليوم العاشر لأنَّ هذا من موارد ذهاب الذهن إلى رمي اليوم العاشر أيضاً، فعدم التنبيه على هذا وإرادة الجنس من لفظ ( الجمار ) يُقرّب على أنّ المقصود هو الأعم، فمن هذه الناحية لا مشكلة . إذن يسقط عنه الرمي.
إذن المناسب سقوط الرمي عنه لأجل هذه الرواية، ولكن من باب الاحتياط لو تمكّن في العام المقبل من الذهاب فيأتي بالرمي بنفسه، وإذا لم يذهب فبالنائب لرواية عمر بن يزيد التي هي ضعيفةٌ بولده محمد بن عمر بن يزيد والتي نصّها:- ( عن أبي عبد الله عليه السلام:- من أغفل رمي الجمار أو بعضها حتى يمضي أيام التشريق فعليه أن يرميها من قابلٍ فإن لم يحج رمى عنه وليّه فإن لم يكن له وليّ استعان برجلٍ من المسلمين يرمي عنه فإنّه لا يكون رميٌ إلّا في أيام التشريق )[7]، ولو كانت صحيحةً لكنّا نحكم بلزوم ذلك لكن لأجل أنّها ضعيفة السند فحينئذٍ تصلح للانتقال إلى الاحتياط دون الفتوى بذلك.