32/05/07
تحمیل
النقطة الرابعة :- الاحوط ان لا يضع المحرم على رأسه مثل الكتاب والحقيبة والطبق ونحو ذلك ، هذا ما ذكره (قده) .
وذكر في المعتمد[1] ان الفقهاء لم يفصلوا بين ما يكون - من هذا القبيل - ساترا لجميع الرأس أو ساترا لبعضه بل قالوا ما كان من هذا القبيل هو لا يجوز سواءً ستر بعض الرأس كالكتاب والحقيبة وبين ان يكون ساترا لجميع الرأس كمن وضع شدّة الحشيش على رأسه فإنها تستر كامل رأسه ، ان الفقهاء لم يفرقوا بين هذين بل قالوا كلاهما محرم ، والحال ان المناسب هو التفصيل فيما إذا كان ساترا لجميع الرأس فلا يجوز كما قال المشهور ، وبين ما إذا كان ساترا لبعض الرأس فيجوز ، غايته خوفا من مخالفة المشهور نقول ان ذلك أحوط أيضا ، وإلا فالقاعدة تقتضي الجواز .
والوجه في هذا التفصيل :- هو أنا إذا رجعنا إلى الروايات وقد تقدمت منا في النقطة الأولى حيث ذكرنا سبع روايات لوجدنا ان غالبها ناظر إلى ستر كامل الرأس كالخمار والقناع والثوب وما شاكل ذلك ، ولا توجد رواية ناظرة إلى ستر بعض الرأس سوى صحيحة عبد الله بن سنان ( ما لم يصب راسك ) ، وإذا لاحظنا الصنف الأول - الذي هو الغالب الدال على حرمة ستر جميع الرأس - لوجدناه يحرم ستر جميع الرأس من دون تفرقة في جنس الساتر، فالساتر متى ما ستر جميع الرأس فلا يجوز سواء كان من جنس الثوب أو من جنس آخر ، ومن هنا نقول ان شدّة الحشيش حيث أنها تستر جميع الرأس فلا يجوز تمسكاً بالنحو الأول من الروايات .
وأما النحو الثاني - أي الذي يختص بستر بعض الرأس - فقد قلنا انه ينحصر برواية واحدة وهي صحيحة ابن سنان ( ما لم يصب راسك ) ، وإذا دققنا النظر في هذه الرواية نجد أن فيها قضية لا بد من ملاحظتها ، وهي أنها وان كانت تدل على حرمة ستر بعض الرأس من دون خصوصية للساتر ، ولكن مورد الرواية هو ذلك الشخص الذي قصد الستر - أي قصد ستر رأسه - فان سنان والد عبد الله ابن سنان شكا للإمام عليه السلام حر الشمس وقال آخذ بطرف ثوبي وأتستر به من حرارة الشمس ؟ فهو قد قصد التستر من حرارة الشمس . انه في هذا المورد قد حرّم الإمام عليه السلام ستر الرأس وقال ( لا باس ما لم يصب راسك ) ، فستر بعض الرأس إنما لا يجوز فيما إذا كان الشخص قاصدا للتستر من البداية ، أما إذا لم يكن كذلك وحصل ستر بعض الرأس من دون قصد التستر فلا محذور في ذلك لان الرواية لا تدل على هذا ، فنجري البراءة .
ومن هنا يجوز للمحرم ان يضع رأسه على السادة بقصد النوم أو لأجل الراحة والحال ان الوسادة تستر بعض رأسه ، أو يضع رأسه على الجدار ، ان كل هذا لم يقل فقيه بحرمته ، وما ذاك إلا لأجل ما ذكرنا وهو ان النحو الثاني الدال على حرمة ستر بعض الرأس يختص بما إذا قصد المكلف الستر من البداية أما إذا لم يقصد الستر فالنص لا يشمله ، فنرجع إلى البراءة
وباتضاح هذا نقول ان من يضع الحقيبة على رأسه هو لا يقصد التستر فيجوز آنذاك ، هذا ما أفاده (قده) .
وفــيــه :-
أولا:- انه ذكر (قده) ان روايات النحو الثاني - أي روايات ستر بعض الرأس تختص بصحيحة ابن سنان - هي خاصة بحسب موردها بمن قصد التستر ، ونحن نقول قد اتضح من خلال ما سبق وجود رواية أخرى يمكن ان نستفيد منها حرمة ستر بعض الرأس ، وهي الرواية الأولى وهي صحيحة عبد الله بن ميمون التي جاء فيها ( ان إحرام الرجل في رأسه ) انه يستفاد منها انه يلزم إبراز الرأس بالكامل وان ستر البعض لا يجوز أيضا ، وهي لا تختص بمن قصد التستر فان الإمام عليه السلام قال ( إحرام المرأة في وجهها وإحرام الرجل في رأسه ) وهذا حكم كلي عام نستفيد من خلاله ان إبراز كامل الرأس لازم وستر البعض لا يجوز من دون اختصاص بمن قصد التستر .
وثانيا :- انه لو رجعنا إلى صحيحة ابن سنان التي كان موردها من قصد التستر يمكن ان نقول ان موردها وان كان ذلك ولكن جواب الإمام عبه السلام جواب مطلق فهو قد ذكر في الجواب انه ( لا بأس ما لم يصب راسك ) ولم يقيد ذلك بما إذا قصدت التستر ، بل ان إصابة الثوب لبعض الرأس لا يجوز سواء قصدت التستر أم لم تقصد ذلك ، والعبرة بإطلاق الجواب ، فان جواب الإمام عليه السلام ما دام مطلقا فينبغي ان يلحظ هذا الإطلاق ، ومجرد أن سنان قد قصد التستر لا يكون موجباً لتخصيص كلام الإمام عليه السلام ، وقد قرأنا أن المورد لا يخصص الحكم الكلي الوارد ، وعليه يكون المناسب التمسك بإطلاق الجواب .
والنتيجة من كل هذا:- هو أنه لا يجوز ستر بعض الرأس سواء قصد التستر أو لا ، فوضع الكتاب على الرأس مثلا لا يجوز كما نسب (قده) ذلك إلى المشهور .
و قد تسال :- ان ستر الرأس ليس بجائز حتى إذا لم يقصد الشخص التستر ، فكيف نخرِّج جواز النوم على وسادة أو وضع الرأس على الجدار أو ما شاكل ذلك .
قلــت :- يمكن ان نستند في ذلك إلى السيرة فإنها قد جرت على ان المحرم قد ينام حالة إحرامه ولا يحتمل ان السيرة جرت على ان لا ينام
أو ينام بلا وسادة كأن ينام وهو جلوس - مضافا إلى إمكان التمسك بقاعدة لا حرج .
إذن الجواز في هذه الموارد لا نحتاج فيه إلى رواية بل يكفينا ما ذكر كما أوضحنا
النقطة الخامسة :- يوجد موردان يستثنى فيهما جواز ستر الرأس وهما :-
المورد الأول :- عصام القربة - بمعنى حبلها - فان السّقّاء قد يضع حبل القربة أو ما يستمكن به منها ، فان هذا جائز.
والمورد الثاني :- من أصابه الصداع فيجوز أن يشد رأس بمنديل .
وكان من المناسب ان يضيف المورد الثالث وهو الوسادة حالة النوم أو ما شاكل ذلك .
أما بالنسبة إلى المورد الأول - اعني عصام القربة - فيمكن التمسك له بالوجهين التاليين :-
الوجه الأول :- التمسك بفكرة القصور في المقتضي بمعنى ان عصام القربة لو كان من قبيل الحبل فالروايات لا تشمله من البداية فان موردها القناع والخمار وما شاكل ذلك وهو لا يشمل مثل عصام القربة .
نعم ان صحيحة ابن ميمون ورد فيها ان إحرام الرجل في رأسه ولكن مجرد وضع الحبل لا يكون موجباً لعدم إبراز الرأس بل يصدق عليه انه قد ابرز رأسه وانه احرم برأسه ومقدار الحبل لا يؤثر ، نعم لو كان عصام القربة قطعة كبيرة بحيث يستر كثيرا من الرأس فلا يتم ما ذكرنا ، أما إذا كان من قبيل الحبل فالتحريم لا يشمله من البداية فنتمسك بالبراءة آنذاك .
الوجه الثاني :- التمسك بالسيرة ، فانه في ذلك الزمان كان الناس يسقي بعضهم بعضاً وذلك عادة يتحقق من خلال السقاءين والسّقّاء هو محرم أيضا كالخدم في زماننا هذا ، ومن البعيد انه لم يكن يضع عصام القربة على رأسه إذ لو لم يضعه على رأسه لكانت ظاهرة تسترعي الانتباه ولنقلت إلينا ، إذن يحصل اطمئنان بان السيرة كانت على ذلك ، وهذه السيرة التي هي سيرة متشرعية تصير مخصصاً إطلاق الروايات لو كان فيها إطلاق .
[1] المعتمد 4 - 214