جلسة 153
كفارات الصوم
الخامس: الإفطار للظلمة الموهمة، بمعنى أنّ الصائم يتناول طعام الإفطار قبيل الغروب ظنّاً منه بدخول الليل بسبب ظلمة طارئة.
وفي هذه الحالة قد يطرح سؤالان:
الأول: هل يسوغ للصائم الإتيان بالمفطر اعتماداً على الظنّ بدخول الليل أو لابدّ من القطع بذلك؟
الثاني: مع عدم جواز ذلك له هل يجب عليه القضاء والكفّارة؟
أمّا بالنسبة إلى جواب السؤال الأول فقد ذكر صاحب (الحدائق) [1] ـ قدّس سرّه ـ أنّ المشهور قد ذهب إلى جواز الإفطار عند حصول الظنّ بدخول الليل فيما إذا لم يمكن تحصيل العلم بدخوله، كما إذا حصلت ظلمة في السماء قبل الغروب بفترة وتعذّر بسببها تحصيل العلم بدخول الليل، فآنذاك يجوز الاعتماد على الظنّ، وقد ترقّى سيد (المدارك) [2] ـ قدّس سرّه ـ حيث قال: إنّ المسألة لا خلاف فيها بين الأصحاب.
والمناسب بمقتضى القاعدة عدم الجواز؛ وذلك لوجهين:
أحدهما: التمسّك بالاستصحاب الموضوعي فيقال: إنّ المكلّف لديه علم سابق ببقاء النهار أو بعدم دخول الليل [3] ، فإذا شكّ بعد ذلك استصحب الحالة السابقة.
ثانيهما: التمسّك بقاعدة الاشتغال، فإنّ قوله سبحانه وتعالى (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ) [4] يدل على أنّ الذمّة مشتغلة بإتمام الصوم إلى الليل، وبما أنّ الاشتغال اليقيني يقتضي الفراغ اليقيني فيلزم تحصيل اليقين بدخول الليل.
إن قلت: لِمَا لا نجري البراءة باعتبار أنّنا نشكّ في اشتغال ذمّتنا بالإمساك أكثر من الوقت المذكور، فنجري البراءة عن ذلك؟
قلنا: إنّ الذمّة مشتغلة بمقتضى قوله سبحانه وتعالى: (ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ) بالإتمام إلى الليل، فهذا العنوان قد اشتغلت به الذمّة، فيلزم بعد اشتغالها به يقيناً تحصيل الفراغ منه يقيناً، وأمّا الإمساك في الساعة الأولى والثانية وهكذا إلى الليل فهو لم تشتغل به الذمّة. نعم، بعد لزوم الإتمام إلى الليل نقول: يجب الإمساك في الساعة الأولى وفي الثانية من باب الملازمة الخارجية بينهما وليس من باب أنّ الذمّة قد اشتغلت شرعاً بذلك، وعلى هذا فقولك: نشك هل يجب علينا الإمساك في غير الزمان المنصرم؟ مشتمل على المسامحة إذ الذمّة لم تشتغل بالإمساك في الزمان المنصرم ليقال نشكّ في اشتغالها بلحاظ المقدار الزائد عليه، وإنّما هي مشتغلة بالإتمام إلى الليل فيلزم تحصيل الفراغ اليقيني منه.
وهذا الجواب سيّال ونافع يمكن أن نستفيد منه في الموارد الأخرى التي قد يورد فيها الإشكال المذكور.
بقي أمر وهو أنّه قد يقول قائل: لماذا إجراء الاستصحاب وقاعدة الاشتغال معاً؟ أو ليس ذلك لغواً؟ لأنه يكفينا أحدهما، فإذا كان الاستصحاب جارياً فما الفائدة من إجراء قاعدة الاشتغال؟
والجواب: أنّه لا محذور في التعبّد بدليلين كلاهما يؤدّيان إلى المطلوب، فهو أمر عقلائي، نظير ما إذا كانت هناك روايتان تدلان على حكم واحد، فإنّه لا يمكن القول بأنّ الأولى هي الحجّة دون الثانية، أو الثانية هي الحجّة دون الأولى؛ لأنّ التعبّد بالأخرى مع وجود الأولى لغو، كلا، إنّ هذا لا معنى له؛ لإمكان أن يعبّدنا الشارع بطريقين كلاهما يؤدّي إلى غرضه ولا محذور في ذلك.
والخلاصة ممّا تقدم: هي أنّ اللازم على المكلّف في موارد حصول الظلمة الانتظار إلى أن يعلم بدخول الليل جزماً بمقتضى القاعدة، هذا كلّه بالنسبة إلى السؤال الأوّل.
وأمّا بالنسبة إلى جواب السؤال الثاني فقد ذكر سيّد (المدارك) [5] ـ قدّس سرّه ـ وقريب منه في (الحدائق) [6] : أنّ المسألة محلّ خلاف بين الأصحاب، حيث ذهب الشيخ ـ قدّس سرّه ـ والصدوق ـ قدّس سرّه ـ وجمع من الأصحاب إلى عدم وجوب القضاء فضلاً عن الكفّارة، بينما ذهب المفيد ـ قدّس سرّه ـ وأبو الصلاح ـ قدّس سرّه ـ إلى الوجوب.
ومنشأ الخلاف اختلاف الروايات، حيث توجد أربع روايات تدلّ على عدم وجوب القضاء وواحدة تدلّ على وجوبه.
أمّا ما دلّ على عدم الوجوب فالمهم منه صحيحة زرارة، قال أبو جعفر ـ عليه السلام ـ: «وقت المغرب إذا غاب القرص، فإن رأيته بعد ذلك وقد صلّيت أعدت الصلاة ومضى صومك وتكف عن الطعام إن كنت قد أصبت منه شيئاً» [7] .
وقريب من ذلك موثقة زرارة، عن أبي جعفر ـ عليه السلام ـ أنّه قال لرجل ظنّ أنّ الشمس قد غابت فأفطر ثمّ أبصر الشمس بعد ذلك، قال: «ليس عليه قضاء» [8].
وأمّا الرواية الواحدة الدالة على لزوم القضاء فهي موثّقة سماعة، عن أبي عبد الله ـ عليه السلام ـ: في قوم صاموا شهر رمضان فغشيهم سحاب أسود عند الشمس، فقال: «على الذي أفطر صيام ذلك اليوم، إن الله ـ عزّ وجلّ ـ يقول: (أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ)، فمن أكل قبل أن يدخل الليل فعليه قضاؤه؛ لأنّه أكل متعمّداً»[9] .
والمعارضة واضحة، فإن صحيحة زرارة قالت: «... مضى صومك...»، أي أنّ صومك صحيح، غايته تكفّ عن الطعام بلحاظ الفترة المتبقّية، بينما موثّقة سماعة دلّت على وجوب القضاء وعلّلت: لأنّه أكل متعمّداً.
________________________
[1] الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة 13: 100 كتاب الصوم.
[2] مدارك الأحكام في شرح شرائع الإسلام 6: 95 كتاب الصوم.
[3] لا يوجد فارق بين الحكم ببقاء النهار والحكم بعدم دخول الليل إلاّ بلحاظ التعبير، فتارة يعبّر بالاستصحاب الوجودي كما في الأوّل، وأخرى بالاستصحاب العدمي كما في الثاني.
[4] البقرة: 187.
[5] مدارك الأحكام في شرح شرائع الإسلام 6: 95 كتاب الصوم.
[6] الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة 13: 100 كتاب الصوم.
[7] الوسائل 10: 122، أبواب ما يمسك عنه الصائم ووقت الإمساك، ب51، ح1.
[8] الوسائل 10: 123، أبواب ما يمسك عنه الصائم ووقت الإمساك، ب51، ح2.
[9] الوسائل 10: 121، أبواب ما يمسك عنه الصائم ووقت الإمساك، ب60، ح1.