جلسة 147
كفارات الصوم
مسالة 1021: تجزي حقة النجف ـ التي هي ثلاث حقق إسلامبول وثلث ـ عن ستة أمداد.
مسألة 1022: في التكفير بنحو التمليك يُعطى الصغير والكبير سواء، كل واحد مدّاً [1].
تقدّم سابقاً أنّ إطعام الفقراء له نحوان، فتارة يكون بتقديم الطعام إلى حدّ الإشباع، وأخرى يكون بتمليك مقدار مدّ، والأول يلزم فيه أن يكون الطعام مطبوخاً ويُدعى الفقراء إلى الأكل إلى حدّ الإشباع، بينما في الثاني لا يلزم أن يكون الطعام مطبوخاً. وإذا كان الفقراء كباراً فالأمر واضح، وأمّا إذا كانوا صغاراً فهل حكمهم حكم الكبار أو أنّه يختلف؟
مقتضى القاعدة الأولية هو التفصيل بين ما إذا كان الصغار بحدٍ يصدق عليهم عنوان المساكين ويكون إطعامهم إطعاماً للمساكين، كما إذا كانت أعمارهم قريبة من سنّ البلوغ، فإنّه يصدق على إطعام أمثالهم عنوان إطعام المساكين. وبين ما إذا لم تكن أعمارهم كذلك ولم يصدق على إطعامهم عنوان إطعام المساكين، كما إذا كان الصبي رضيعاً وفي الأيام الأولى من حياته.
ففي الحالة الأولى يكفي إطعامهم سواءً كان بتقديم المدّ أم بنحو الإشباع، فإنّه ما دام يصدق على إطعامهم عنوان إطعام المساكين فيلزم كفاية ذلك تمسّكاً بإطلاق الدليل، فإنّ ما دلّ على لزوم إطعام المساكين في الكفارة لم يعتبر إلاّ عنوان إطعام المساكين ولم يعتبر شيئاً أزيد من ذلك، فيلزم كفاية إطعام الصغار. وهذا بخلافه في الحالة الثانية فإنّه لا يكفي إطعام الصغار فيها لفرض أنّ الصبي لا يصدق على إطعامه عنوان إطعام المسكين، فلا يكون إطعامه كافياً حتى لو فرض أنّه يأكل بقدر ما يأكل الكبير أو أكثر، فإنّ إطعامه لا يكون كافياً؛ لأنّ المفروض عدم صدق ذلك عليه، هذا ما تقتضيه القاعدة الأولية.
وقد تسأل عن حالة الشك، كما إذا فرض أنّ عمر الصبي كان بحدٍ يشك في صدق المسكين عليه، فما هو الحكم في مثله؟
والمناسب عدم الاكتفاء بإطعامه؛ لأنّ المأمور به عنوان إطعام المسكين وقد اشتغلت الذمّة بهذا العنوان يقيناً فيلزم تفريغها منه يقيناً، وهو لا يتحقق بإطعام المشكوك.
ولا مجال لتطبيق فكرة البراءة بأن يُدّعى أنّنا نشكّ في لزوم إطعام أكثر من هذا، أي أنّ أكثر من إطعام الصبي المذكور نشكّ في اشتغال الذمّة به فنجري البراءة عنه.
والوجه في أنّه لا مجال لذلك أنّ متعلّق اشتغال الذمّة ليس إطعام هذا أو ذاك بخصوصه وبما هو فرد خارجي، ليقال إنّ الزائد على إطعام هذا نشكّ في اشتغال الذمّة به، وإنّما الذمّة مشتغلة بالعنوان الكلي، وهو إطعام المسكين، فإطعام المسكين قد اشتغلت الذمّة به يقيناً، ولابدّ من تفريغها يقيناً، وذلك لا يتحقق بإطعام المشكوك.
وبعد أن عرفت مقتضى القاعدة الأولية نقول: خرج من ذلك حالة ما إذا أريد الإشباع، فإنّه توجد روايتان دلّتا على أنّ الصغير لا يتحاسب معه حساب الكبير، بل في رواية يحسب الصغيران بمثابة كبير واحد، وفي الأخرى يدفع إليه مقدار ما يدفع إلى الكبير، والروايتان هما:
الأولى: موثقة غياث بن إبراهيم، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: «لا يجزئ طعام الصغير في كفّارة اليمين، ولكن صغيرين بكبير » [2].
الثانية: موثقة السكوني، عن جعفر، عن أبيه، أنّ عليّاً ـ عليه السلام ـ قال: «من أطعم في كفّارة اليمين صغاراً وكباراً فليزوّد الصغير بقدر ما أكل الكبير» [3].
وهي تدلّ على لزوم تزويد الصغير بمقدار ما يأكل الكبير، فلو كان الكبير يأكل طبقاً كبيراً فلابدّ من تقديم ذلك إلى الصغير أيضاً، وحيث إنّ من البعيد أن يكون المقصود تقديم الطبق الكبير أمامه والاكتفاء بأكل بعضه مع بقاء البعض الآخر تالفاً أو بحكم التالف، فيلزم أن يكون المقصود أنّه يزوّد بذلك ولو بلحاظ وجبتين، فنصف الطبق يقدّم له ظهراً والنصف الثاني يقدم له ليلاً، وعلى هذا الأساس يكون مقتضى الجمع بين الروايتين هو التخيير بين أن يحسب الصغيران بمنزلة كبير واحد، وبين أن توزّع وجبة الكبير على صغير واحد فيقدم له نصفها في وقت والنصف الآخر في وقت آخر.
وينبغي ألاّ يغيب علينا أن هذا يختصّ بما إذا كان الصغير يأكل أقل من الكبير، أمّا إذا كان يأكل بمقدار الكبير أو أكثر فحسابه يكون كالكبير، والروايتان وإن كانتا مطلقتين من هذه الناحية إلا أنّ الجمود إلى هذا الحد أمر غير محمود، بل أنّ من الواضح أنّهما ناظرتان إلى الحالة الغالبة، وإلاّ فهل يحتمل أنّ الصغير لو أكل أكثر من كبير فلا يحسب له حساب الكبير؟!
ثم إنّ السيد الخوئي ـ قدّس سرّه ـ ذكر [4] أنّ مورد الروايتين المذكورتين هو كفارة اليمين والتعدي إلى غيرها من الموارد أمر مشكل، إذ لا يمكن الجزم بعدم الخصوصية، فنتمسّك في بقية الموارد بمقتضى القاعدة، وهي الاكتفاء بإطعام الصغير وعدم عدّ الصغيرين بمثابة كبير واحد فيما إذا كان الصغير بحدّ من العمر يصدق عليه عنوان المسكين.
ولكن ما أفاده ـ قدّس سرّه ـ من احتمال الخصوصية لكفّارة اليمين أمر عهدته عليه، والتعدّي أمر وجيه.
ثم إنّ المحقق في الشرائع فصّل بين ما إذا كان الصغير قد جلس على طعام مع كبير قد صاحبَهُ فيحسب بمثابة الكبير، وبين ما إذا كان مستقلاً فيحسب كلّ صغيرين بمثابة كبير واحد، وما أفاده ـ قدّس سرّه ـ لا يستفاد من الروايات. نعم، قد يستفيد الفقيه من ظنّه بملاك الحكم الوصول إلى النتيجة المذكورة، ولكن الظنّ بملاك الحكم لا يغني من الحقّ شيئاً.
____________________________
[1] منهاج الصالحين 1: 272 كتاب الصوم، فصل الكفارات.
[2] الوسائل 22: 387، أبواب الكفارات، ب17، ح1.
[3] الوسائل 22: 387، أبواب الكفارات، ب17، ح2.
[4] مستند العروة الوثقى1 377، كتاب الصوم.