جلسة 102
مفطرات الصوم
ثانياً: ما دل على أن من كذب فقد أفطر وعليه قضاؤه، كما في موثقة سماعة، قال: سألته عن رجل كذب في رمضان؟ فقال: «قد أفطر وعليه قضاؤه»، فقلت: فما كذبته؟ قال: «يكذب على الله وعلى رسوله صلّى الله عليه وآله وسلم»[1] ، فإن موردها وإن كان هو الكذب ولكن قد يستفاد التعميم لكلّ مفطر؛ إمّا لعدم احتمال الفرق بين الكذب وبين بقية المفطرات من هذه الناحية، أو لأن قوله ـ عليه السلام ـ: «قد أفطر وعليه قضاؤه»، يدل على ترتب القضاء على حيثية الإفطار، فحيثية الإفطار هي الموجبة للقضاء، وبما أن هذه الحيثية صادقة على كلّ مفطر فيثبت وجوب القضاء في حق كلّ من زاول أحد المفطرات.
وفيه: أن المضمون المذكور قد اُضيف إليه في بعض الروايات الاُخرى قيد التعمد، كما في صحيحة أبي بصير، عن أبي عبد الله ـ عليه السلام ـ: «من كذب على الله وعلى رسوله وهو صائم نقض صومه ووضوءه إذا تعمّد» [2]، فإنها دلت على أن المتعمد يتحقق في حقه نقض الصوم لا كلّ من ارتكب الكذب حتى يتحقق الإطلاق.
على أنه قد تقدم عند البحث عن مفطرية الكذب أن مثل موثقة سماعة لابدّ من حملها على نقض مرتبة الكمال، وأن الحكم بالقضاء فيها استحبابي بقرينة صحيحة أبي بصير الدالة على نقض الوضوء بالكذب، فإن من الواضح أن الوضوء لا ينتقض حقيقة بالكذب، فلابدّ أن يكون المقصود نقض مرتبة الكمال، ومعه يثبت أن الأمر في الصوم كذلك، فمن كذب تنتقض مرتبة الكمال في حقه لا أنه ينتقض الصوم حقيقة.
إذن الطائفة المذكورة قابلة للمناقشة من ناحيتين:
الاُولى: أنها لا تدل على وجوب القضاء.
الثانية: مع التنزل والتسليم بأنها تدل على وجوب القضاء فهي تختص بحالة العمد.
ثالثاً: الروايات الدالة على النهي عن ارتماس الصائم كصحيحة يعقوب بن شعيب، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: «لا يرتمس المحرم في الماء ولا الصائم»[3] ، بتقريب أن إطلاق النهي يستكشف منه إطلاق المفطرية ووجوب القضاء، والمورد وإن كان خاصاً بالارتماس إلاّ أنه يعم غيره بعد عدم احتمال الخصوصية.
وفيه: أن ما ذكر وجيه لو فرض أن النهي المذكور إرشاد إلى الفساد ووجوب القضاء، وكأنه يقول ينتقض الصوم بالارتماس، إلا أنه عُبّر عن الانتقاض بلسان النهي كما في النهي عن الصلاة فيما لا يأكل لحمه أو النجس [4]، فإنه إرشاد إلى فساد الصلاة، وأن من شرائط صحتها كون اللباس من حيوان حلال الأكل وكونه طاهراً. فبناء على أن النهي الوارد في هذه الطائفة إرشادي يمكن التمسك بالإطلاق، حيث يقال: لم يقيد النهي المذكور بقيد معين فيفهم منه أن ناقضية الارتماس للصوم مطلقة، وأمّا إذا قلنا: إن النهي المذكور تكليفي وأنه يحرم على الصائم الارتماس فلا يمكن التمسك آنذاك بإطلاقه، إذ هو ناظر إلى الحرمة التكليفية ويكون أجنبياً عن وجوب القضاء، وحيث إن الثاني محتمل ـ حيث يحتمل إرادة النهي التكليفي ولو بقرينة ذكر المحرم، حيث إن المحرم لا يفسد إحرامه بالارتماس، وإنما هو حرام تكليفاً عليه لا أكثر ـ فلا يمكن الاستناد إليه لإثبات المطلوب، أي وجوب القضاء على المرتمس بشكل مطلق.
رابعاً: ما دل على أن الصائم لا يجوز له أن يحتقن، كما ورد عن ابن أبي نصر، عن أبي الحسن ـ عليه السلام ـ أنّه سأله عن الرجل يحتقن تكون به العلّة في شهر رمضان؟ فقال: «الصائم لا يجوز له أن يحتقن» [5]، والتقريب كما سبق، والجواب هو الجواب، فإن الاستدلال يتم لو فرض أن الرواية ناظرة إلى المفطرية ووجوب القضاء، ولكن من المحتمل أن تكون ناظرة إلى بيان الحرمة التكليفية وأن الاحتقان حرام على الصائم وساكتة عن وجوب القضاء.
ويكفينا في ردّ الاستدلال بهذه الطائفة احتمال إرادة النهي التكليفي حيث تصير مجملة، بل قد يُدعى ظهورها في ذلك، فحينما يقال: (لا يجوز ذلك) يفهم منه أنه حرام تكليفاً، أمّا أنه يجب القضاء لو خالفت فلا يفهم منه ذلك.
خامساً: روايات الجماع الدالة على أن من جامع أو استمنى فعليه الكفارة[6]، فإنها مطلقة وتدل على أن من جامع أو استمنى فعليه الكفارة سواء كان قاصداً أو لم يكن كذلك فنتمسك بإطلاقها، وهي وإن كانت ناظرة إلى الكفارة ولكن حيث إن ثبوتها يستلزم ثبوت القضاء فيفهم بسبب هذه الملازمة وجوب القضاء على مطلق من جامع أو استمنى، وموردها وإن كان خاصاً بالجماع والاستمناء إلاّ أنه بناءً على إلغاء الخصوصية يتعدى إلى غير ذلك.
وفيه: أنها خاصة من البداية بالعامد وليست مطلقة وشاملة لكلّ من جامع أو استمنى ليتمسك بالإطلاق، والقرينة على الاختصاص أن الكفارة لا تثبت إلاّ في حق العامد.
________________________________
[1] الوسائل 10: 33، أبواب ما يمسك عنه الصائم ووقت الإمساك، ب2، ح1.
[2] الوسائل 10: 34، أبواب ما يمسك عنه الصائم ووقت الإمساك، ب2، ح7.
[3] الوسائل 10: 36، أبواب ما يمسك عنه الصائم ووقت الإمساك، ب3، ح1.
[4] الوسائل 4: 345، أبواب لباس المصلي، ب2، ح1.
[5] الوسائل 10: 42، أبواب ما يمسك عنه الصائم ووقت الإمساك، ب5، ح4.
[6] الوسائل 10: 39 ـ 40، أبواب ما يمسك عنه الصائم ووقت الإمساك، ب4.