33/01/17
تحمیل
الموضوع :- مسألة 293 / اشتراط الطهارة في الطواف / شروط الطواف / باب الطواف / مناسك الحج للسيد الخوئي (قد).
والجواب:-
أما بالنسبة إلى التساؤل الاول:- لولا صحيحة زرارة الواردة في الخفقة والخفقتين فان زرارة قد سأل الإمام عليه السلام عن الرجل يكون على وضوء فتصيبه الخفقة والخفقتان والإمام عليه السلام أجري له الاستصحاب وطبق قاعدة عدم نقض اليقين بالشك وهذا معناه أن استصحاب بقاء الطهارة كاف ولا نحتاج إلى أكثر من ذلك.
إذن هذه الصحيحة تكفينا المشكلة في المقام وعليه فلا إشكال من هذه الناحية.
وأما التساؤل الثاني:- وهو أن استصحاب عدم وقوع الصلاة إلى حين نزول الدم يُثبت لنا أنها وقعت بعد نزول الدم فتكون باطلة ، وقلنا هذا الاستصحاب لا يجري لأنه مثبت إذ غاية ما يقول هو أن الصلاة لم تؤدَّ حالة الطهر ، أما أنها أًدِّيَت حالة نزول الدم فهذا يثبت من طريق الملازمة العادية فيكون الأصل مثبتاً ، والتساؤل هو أنه لِمَ لا نقول بأن موضوع البطلان هو عدم وقوع الصلاة حالة الطهر لا وقوع الصلاة حالة نزول الدم ، فإذا بنينا على أن موضوع البطلان هو عدم وقوع الصلاة حالة الطهر فهذا الاستصحاب لا يكون مثبتاً ، أما إذا بنينا على أن موضوع البطلان هو وقوع الصلاة حالة نزول الدم فيصير الأصل مثبتاً ، فتعال نبني على أن موضوع البطلان هو الاول يعني عدم وقوع الصلاة حالة الطهر.
وبكلمة أخرى:- انك بنيت على قضية بشكل مسبق وهي وقوع الصلاة حال نزول الدم وبعد أن بنيت على هذا صار الأصل مثبتاً ، فلماذا بنيت على هذا ؟ بل قل ان موضوع البطلان هو عدم وقوع الصلاة حالة الطهر.
والجواب:-
أولاً:- ان مجرد الاحتمال والتردد يكفينا لسقوط الاستصحاب عن الحجية وهذه قضية فنية يجدر الالتفات إليها ، أي لا حاجة لأن نجزم بكون موضوع البطلان هو وقوع الصلاة حالة نزول الدم ، بل ما دمنا نحتمل ذلك فهذا الاستصحاب عدم الصلاة إلى حالة نزول الدم يسقط عن الاعتبار لاحتمال أن موضوع البطلان هو وقوع الصلاة حالة نزول الدم ومع ثبوت هذا الاحتمال لا نجزم بحجية هذا الاستصحاب فيكفي لسقوطه عن الاعتبار مجرد احتمال أن موضوع البطلان هو وقوع الصلاة أثناء نزول الدم.
وثانياً:- يمكن أن نصعد اللهجة ونقول إنّا نجزم بكون موضوع البطلان هو وقوع الصلاة أثناء نزول الدم ولا يحتمل أن هو عدم وقوع الصلاة حالة الطهر فان عدم وقوع الصلاة شيء عدمي - يعني لا صلاة أثناء الطهر - والمرأة إذا لم تصل أثناء الطهر لا يقال ( إذن صلاتها باطلة ) إذ المفروض أنها لم تصلِّ . إذن لا يحتمل أن يكون موضوع البطلان هو عدم وقوع الصلاة أثناء الطهر .
نعم قد نستعمل هذا التعبير ونقصد به المرآتية عن وقوعه أثناء الحيض ، وبذلك صار موضوع البطلان هو وقوع الصلاة أثناء الحيض لا عدم وقوعها أثناء الطهر.
الوجه الثاني:- التمسك بقاعدة الفراغ وذلك بأن يقال ان هناك قاعدة فقهية مسلمة تقول ( كل ما مضى فأمضه كما هو ) يعني فأمضه كما هو المطلوب شرعاً وقُل انه قد وقع بالشكل المطلوب شرعاً ، وهذه القاعدة من القواعد المباركة التي هي باب ينفتح منه ألف باب ان صح التعبير.
وهناك كلام بين الفقهاء بعد القبول بها وتسليمها في أنها هل تختص بموارد الالتفات وعدم الجزم بالغفلة أو أنها تجري حتى في حالة الجزم بالغفلة وعدم احتمال الالتفات ؟
ومثال ذلك:- لو أن المكلف بعد أن أنهي وضوءه شك هل وصل الماء وتسرَّب إلى ما تحت الخاتم حتى يكون وضوءه صحيح أو لا ؟ فهنا تارة يحتمل أنه حركه أثناء الوضوء وبالتالي تسرب الماء ومرة يجزم بأنه لم يحركه ، ولا إشكال في أن قاعدة الفراغ حجة في الحالة الأولى - أي احتمال الالتفات حالة العمل - وإنما وقع الكلام في الحالة الثانية - أي حالة الجزم بالغفلة - فهل يمكن تطبيق قاعدة الفراغ هنا أو لا ؟
ومثال آخر:- ما إذا وجد المكلف على بدنه قطعة مانعة بعد الفراغ من الوضوء أو الغسل ويحتمل أنها حدثت بعد الغسل أو الوضوء لا أنها كانت موجودة جزماً من الأوَّل لأنها إذا كانت من الاول جزماً فلا يمكن الحكم بالصحة والتمامية أما إذا فرضنا أنه يحتمل أن المانع حصل هذا بعد ذلك فهنا تأتي الحالتان فتارة يحتمل أنه التفت إلى أعضاء وضوءه أو غسله قُبَيل الغسل أو الوضوء وتارة يجزم بأنه لم يلتفت إليها فهو يجزم بالغفلة ، الكلام هو في هذه الحالة الثانية وأنه هل يحكم بصحة الوضوء أو لا ؟ إذن السؤال هل أن قاعدة الفراغ تختص بموارد الغفلة أو تعم حالة الجزم بحالة الغفلة ؟ فإذا قلنا بأنها تختص بمواد احتمال الغفلة فهي إذن لا تجري في موردنا أي إذا أنهت المرأة صلاتها وذهبت إلى قضاء الحاجة فرأت الدم - فهنا لا معنى لاحتمال الالتفات بل هي تعيش الغفلة التامة لولا ذهابها لقضاء الحاجة ولم تكن تفهم أنه قد نزل وبناءاً على اختصاص قاعدة الفراغ بموارد احتمال الالتفات فلا تجري في المقام.
إذن جريان قاعدة الفراغ في المقام مبنائي ، يعني أن من بنى على عموم قاعدة الفراغ لحالة الجزم بالغفلة فيتمكن من إجرائها إلى جنب الاستصحاب فيكون عنده وجهان لإثبات الصحة ، وأما من ذهب إلى اختصاصها بمورد احتمال الالتفات فلا تجري ويختص إثبات الصحة بالاستصحاب . وهذه قضية واضحة ينبغي الالتفات إليها.
ومن باب الكلام يجر الكلام نذكر باختصار بأن الشيخ النائيني(قده) ذهب إلى عموم قاعدة الفراغ لمورد الجزم بالغفلة بل لعل ذلك هو المشهور ، وفي المقابل ذهب السيد الخوئي(قده)
[1]
وهكذا السيد الشهيد إلى اختصاصها بمورد احتمال الالتفات.
والوجه في الاختصاص أمران:-
الاول:- ان قاعدة الفراغ المعبر عنها بقاعدة الصحة والتي مستندها قوله عليه السلام في موثقة محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام ( كل ما شككت فيه مما قد مضى فأمضه كما هو )
[2]
ليست قاعدة تعبدية جاء بها الشارع ليعبدنا بها وإنما هي قاعدة عقلائية وقد جرت عليها سيرة العقلاء ، فالإنسان بعد أن أجرى عقداً أو إيقاعاً وشك في صحته بعد فترة لا يعير أهمية للشك ، فهي إذن قاعدة عقلائية والشرع قد أمضاها ومعلوم أن العقلاء إنما يحكمون بصحة ما مضى فيما لو فرض أنهم كانوا يحتملون الالتفات في الأثناء أما مع الجزم بالغفلة فلا يحكمون بالصحة ، والنكتة في ذلك هي أن نفس الفراغ أمارة على الإتيان بالعمل بكامل أجزاءه وشروطه وما يطلب فيه وهذه الأمارية إنما تكون محفوظة وثابتة حالة احتمال الالتفات أما مع الجزم بالغفلة فالامارية المذكورة مفقودة.
إذن العقلاء يبنون على الصحة حالة احتمال الالتفات ، وحيث أن القاعدة المذكورة في لسان الإمام عليه السلام هي ليست تأسيسية بل إمضاء لما عليه العقلاء فسوف تتحدد بالحدود العقلائية - يعني في حدود احتمال الالتفات - أما مع الجزم بالغفلة فلا.
[1] مصباح الأصول 3 306.
[2] الوسائل 8 - 237 23 ابواب الخلل في الصلاة ح3.