32/12/03
تحمیل
وفيه:- ان الطرف الثاني للعلم الإجمالي إذا كان هو الصلاة مع الغسل فالحق كما ذُكر ، يعني أن هذا الطرف يعلم تفصيلاً ببطلانه ، بيد أن الطرف الثاني هو ليس هذا فان العلم الإجمالي الذي يتشكل هو بالشكل التالي ( ان كانت قاعدة الفراغ باطلة فيجب عليه الغسل وإعادة الطواف وان كان استصحاب بقاء الجنابة عند إرادة الصلاة هو الباطل فيجب عليه الوضوء مع الصلاة لا الغسل مع الصلاة ) والوضوء مع الصلاة لا يجزم ببطلانه بل هو محتمل المطابقة للواقع .
نعم الصلاة مع الغسل هي مقتضى جريان الاستصحاب فان لازم جريانه بقاء الجنابة إلى حين إرادة الصلاة هو لزوم الغسل وأداء الصلاة ، ولكن العلم الإجمالي لا يتشكل مما تقتضيه قاعدة الفراغ ومما يقتضيه الاستصحاب بل يتشكل من العلم ببطلان هذا أو ذاك ، فعلمنا ببطلان أحدهما هو الذي يولّد العلم الإجمالي بالتكليف لا أن علمنا بأن ثبوت أحدهما هو الذي يولد العلم الإجمالي بالتكليف ، كلا فالأمر ليس كذلك.
إذن اتضح أن العلم الإجمالي المقتضي للجمع بين الأمور الأربعة شيء تام كما أفاده الأعلام.
ولكن ربما تقول:- إنا ذكرنا فيما سبق ان العلم بالبطلان يتولد عند قطع النظر عن قاعدة الفراغ أما لو التفتنا إليها فلا يتولد ذلك.
وتوضيحه:- إنا مر قد بنا سابقاً في مسألة من شك في الوضوء - وأأكد في الوضوء - في أثناء الطواف بأنه هل أتى به من البداية أو لا ؟ فان صاحب الجواهر(قده) احتمل جريان قاعدة الفراغ بلحاظ ما مضى من الطواف فيصح ويجري استصحاب الحدث بلحاظ الأشواط المتبقاة ، وهنا أشكل بعض ومنهم السيد الحكيم(قده)
[1]
بأن الوضوء لخصوص الأشواط المتبقاة يجزم بعدم إرادته بل إما أن يتوضأ ويعيد الطواف بكامله أو يمضي في طوافه بلا حاجة إلى وضوء للأشواط المتبقاة ، أما لماذا يجزم ببطلان الوضوء بالنسبة للأشواط المتبقاة ؟ قال لأجل أنه إذا توضأ بلحاظ ما سبق فلا حاجة إلى الوضوء الآن لأنا فرضنا أنه لم يُحدث ، وإذا لم يكن متوضئاً من البداية فيلزمه الوضوء وإعادة الطواف من البداية لا أن يتوضأ ويتم طوافه ، وقلنا ان المشهور على ذلك كما نقل صاحب الجواهر(قده).
وأشكلنا نحن على ذلك وقلنا:- إنما يجزم ببطلان الوضوء لخصوص الأشواط المتبقاة إذا فرض أنا قطعنا النظر عن قاعدة الفراغ ، أما إذا التفتنا إليها وقبلنا بأنها تؤمننا من ناحية الطهارة وتقول ( أنا أأمنكم بمقدار الشوطين اللذين فرغتم منهما ) فحينئذ لا يمكن أن نجزم ببطلان الوضوء للبقية إذ نقول ان الوضوء لما مضى حاصل ببركة قاعدة الفراغ وأما بلحاظ ما بقي فحيث لا مؤمِّن فيجري استصحاب بقاء الحدث . هكذا ذكرنا سابقاً.
وأما في مقامنا فرب قائل يقول:- لنقل بنفس تلك المقالة السابقة هنا فنقول ان هذا العلم الإجمالي يتشكل بقطع النظر عن قاعدة الفراغ أما لو التفتنا إليها فلا يتشكل ، فلماذا لا نسحب الجواب السابق إلى هنا ؟
قلت:- إذا جرت قاعدة الفراغ هناك بلحاظ ما مضى فهي تقول لي ان الوضوء حاصل لما مضى وأما بلحاظ ما يأتي فعندي شك في تحقق الوضوء واحتاج إلى محرز للوضوء ولا يوجد محرز له فيلزم الوضوء ، وأما في مقامنا فيوجد أصلان متنافيان وهما متكاذبان - يعني قاعدة الفراغ بلحاظ الطواف واستصحاب بقاء الجنابة بلحاظ الصلاة وأحدهما كاذب جزماً - فلماذا تلتفت إلى قاعدة الفراغ فقط ولا تلتفت إلى الاستصحاب ، بل إما أن تلتفت إليهما معاً أو لا تلتفت إليهما معاً ، أما أنك تلتفت إلى قاعدة الفراغ فقط ولا تلتفت إلى الاستصحاب فهذا لا وجه له ، وإذا التفتنا إليهما معاً فسوف نعلم بكذب أحدهما وسوف يتشكل العلم الإجمالي كما ذكرنا.
بقي شيء في عبارة المتن:- وهو أنه(قده) ذكر أن المكلف لو أنهى الطواف وشك في الوضوء فالطواف محكوم بالصحة وان كان الأحوط استحباباً أن يتوضأ ويعيد الطواف ، ونص عبارته هكذا ( إذا شك في الطهارة بعد الفراغ من الطواف لم يعتن بالشك وان كانت الإعادة أحوط ) يعني إعادة الطواف بعد الوضوء.
ولكن ما هو منشأ هذا الاحتياط الاستحبابي ؟ بعد فرض جريان قاعدة الفراغ التي هي مؤمن شرعي فان الاحتياط ولو على مستوى الاستحباب يحتاج إلى منشأ ، والمنشأ يكون أحياناً هو إعمال الصناعة الأصولية فالفقيه إذا أعملها وحكمت بنفي التكليف فربما يحتاط استحباباً فيقول هذه صناعة وهي يُحتاط من ناحيتها - خصوصاً على مذاق الإخباري فانه لا يرضى بالصناعة الأصولية وهذا شيء وجيه.
أما إذا فرض أنّا لم نُعمل الصناعة بل أعملنا أمارة ودليلاً شرعياً - وهو قاعدة الفراغ - ففي مثل ذلك لا نحتاج إلى احتياط استحبابي وإلا فيلزم أن يصير الاحتياط في أغلب الموارد - ولا أقل استحبابي - لأننا سوف نستند إلى قاعدة من القواعد الفقهية حتماً ، إذن فلماذا احتاط (قده) ؟
والجواب:- لعل ذلك من جهة وجود مخالف في المسألة وهو مثل الفاضل الهندي(قده) فانّا قد قرأنا له عبارة سابقاً وكان يقول فيها انه لو كان على يقين من الحدث سابقاً فلا بد من الإعادة حتى لو شك بعد الفراغ وعبارته هي ( ان شك في الطهارة بعد يقين الحدث فهو محدث يبطل طوافه شك قبله أو بعده أو فيه )
[2]
.
فلعل المنشأ هو هذا ، وإذا فرض ذلك فهو شيء له وجاهة وإلا فلا.
[1] دليل الناسك.
[2] كاشف اللثام.