33-10-29
تحمیل
الأستاذ الشيخ باقر الايرواني
بحث الفقه
33/10/29
بسم الله الرحمن الرحیم
الموضـوع:- مسـألــة ( 344 ) / أحكــام السـعي / الواجـب الرابـع مـن واجبـات عمـرة التمـتع ( السعي ) / باب السعي / مناسك الحج للسيد الخوئي(قد).
مسألة ( 344 ):- حكم الزيادة في السعي حكم الزيادة في الطواف فيبطل السعي إذا كانت الزيادة عن علم وعمد على ما تقدم في الطواف . نعم إذا كان جاهلاً بالحكم فالأظهر عدم بطلان السعي بالزيادة وإن كانت الاعادة أحوط.
كان كلامنا فيما سبق تحت عنوان السعي وقد ذكر(قده) جملة من أحكامه والتي منها أنه ما أتى بالطواف هل يلزم أن يأتي بالسعي مباشرة ، أو بالأحرى بحيث لا يتأخر إلى غدٍ ، أو كما قال المحقق لا يجوز التأخير عن الغد وليس إلى الغد ؟ والآن نريد أن نتعرض إلى حكم الزيادة في السعي فهل من زاد في سعيه بطل سعيه مطلقا أو على تفصيل ؟
إن هذه المسألة والمسألة اللاحقة تتعرضان إلى ذلك ، فهذه تتعرض إلى الزيادة العمديّة والزيادة عن جهل واللاحقة تتعرض إلى الزيادة عن سهوٍ ، ولعل الأنسب فنيّاً دمج المسألتين في مسألة واحدة فيقال ( الزيادة في السعي لها صور ثلاث:-
الأولى:- أن تكون عن عمدٍ وعلمٍ ، وفي هذه الصورة حكم بالبطلان كما هو واضح.
الثانية:- أن تكون عن جهل بالحكم ، وفي هذه الحالة حكم بالصحة وحكم استحباباً بالإعادة.
الثالثة:- أن تكون عن سهوٍ ، وهذه تتكفلها المسألة الآتية وفيها قد حكم بالصحة أيضاً غايته إذا كان الزائد شوطاً واحداً كاملاً فمن المستحب له ضم ستّة أشواطٍ إليه وإن كانت أقل من شوط ترك الزائد ولا شيء عليه - حتى بنحو استحباب الاكمال - وإذا كانت أكثر من شوط - كشوط ونصف أو شوطين - فيأتي بما يكمله بنيّة رجاء المطلوبية ، ولم يعبر(قده) في المتن عن هذه الصورة بـ( الزيادة السهوية ) بل عبر عنها بـ( الزيادة خطأ ) وكان مقصوده هو الزيادة عن سهوٍ وإنما عبّر عنه بذلك تبعاً للرواية فانها - كما سوف نلاحظ - عبّرت بذلك ، ولكن كان من المناسب أن يعبّر بالسهو بدل الخطأ.
وقبل أن نبين حكم هذه الصور الثلاث لابد من عرض الروايات أوّلاً حتى نتمكن من بيان حكم الصور المذكورة ، وهي على طوائف خمس:-
الطائفة الأولى:- ما دل على أن الزيادة في السعي وهكذا الزيادة في الطواف هما كالزيادة في باب الصلاة فكما أنها مبطلة للصلاة موجبة لإعادتها كذلك الحال بالسبة الى السعي ، والرواية الدالة على ذلك هي رواية عبد الله بن محمد - أو صحيحته على ما سوف يتضح - وهي هكذا ( عن أبي الحسن عليه السلام:- الطواف المفروض إذا زدت عليه مثل الصلاة فإذا زدت عليها فعليك الإعادة . وكذلك السعي )
[1]
ودلالتها واضحة على أن الزيادة في السعي كالزيادة في باب الصلاة توجب الإعادة وسندها هكذا ( الشيخ بإسناده عن موسى بن القاسم عن صفوان بن يحيى عن عبد الله بن محمد ) ، وسند الشيخ إلى موسى بن القاسم صحيح وموسى البجلي من أجلة أصحابنا وهكذا صفوان بن يحيى ، وإنما الكلام في عبد الله بن محمد ، وقد قال صاحب المدارك
[2]
( إنه مشترك بين الثقة والضعيف ) فان المسمّى بهذا الاسم متعدد منهم من وثّق كعبد الله بن محمد المزخرف الحجّال الأسدي ومنهم لم يوثق فهي إذن مشتركة بين الثقة والضعيف .
وقد يستظهر كما استظهر السيد الخوئي(قده) أن عبد الله هنا هو الأسدي الثقة ، فان تم ذلك فبها وإلّا فهناك طريق آخر لإثبات وثاقة هذا الرجل بناءً على تمامية كبرى وثاقة كل من روى عنه الثلاثة فان صفوان قد روى عنه فتثبت وثاقته.
ولكن ألفت النظر إلى أن هذه الطريقة تامةٌ فيما إذا بحثا ولم نجد شخصاً باسم عبد الله بن محمد قد جُرِح وإنما كل من ذكر كان مجهول الحال فإنه إذا كان مجهول الحال والتضعيف كان لأجل جهالة حاله فهذه الطريقة مجدية فرواية صفوان تثبت وثاقته وهذه كلام سيال أما إذا فرض أن بعض من سمي بهذا الاسم قد ضُعِّف لا من ناحية الجهالة وإنما من ناحية أخرى بأن قيل إنه كذاب أو ما شاكل ذلك ففي مثله لا تنفعنا رواية صفوان عنه بل يصير المورد من موارد الجرح والتعديل فيتعارضان ويتساقطان.
وإذا نظرنا إلى من سمي بهذا الاسم وجدنا الجميع مجهول الحال لا أكثر إلا شخصاً واحداً روى عنه الشيخ في التهذيب
[3]
باسم ( عبد الله بن محمد البلوى - البلوي - ) وقد ذكره الشيخ في رجاله أو فهرسته وقال ( كان واعضاً فقيهاً له كتب ) ، وقال عنه النجاشي في ترجمة محمد بن الحسن بن عبد الله الجعفري ( انه ضعيف مطعون عليه ) فيظهر من هذا التعبير بأنه ليس ضعيف الحال فقط بل أكثر من ذلك فكيف نتغلب على هذه المشكلة من هذه الناحية إذ يحتمل أن عبد الله بن محمد الوارد في روايتنا هو هذا الذي طعن عليه ؟
ويمكن التغلب على هذه المشكلة بأن يقال:- ان الرجل المذكور ليست له روايات وليس شخصاً معروفاً على مستوى الروايات وإنما ورد في الكتب الأربعة في هذا المورد فقط ، ومعه يكون احتمال كون هذا الرجل هو ( البلوى ) ضعيفاً إذ لو كان هو لصّرح باللقب ولقيل ( عبد الله بن محمد البلوى ) وحينما يحذف اللقب معناه أن المراد به شخص معروف لأن المعروف عادة يُكتفى بذكر اسمه بلا حاجة إلى ذكر ما يميزه وأما غير المعروف فلا بد من ذكر ما يميزه - أعني ذكر لقبة - فعدم ذكر اللقب يكون موجباً للاطمئنان بأن هذا الرجل ليس ( البلوى ) . إذا تمّ ما ذكرناه تكون الرواية صحيحة بعد البناء على مقدمتين هما تمامية كبرى وثاقة كل من روى عنه أحد الثلاثة وأن هذا الرجل ليس ( البلوى ) للقرينة التي أشرنا إليها.
الطائفة الثانية:- ما دل على أن من أتى بتسعة أشواط ألغى ثمانية وأخذ بالشوط الواحد وأكمله أسبوعاً ، وتدل على ذلك صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام:- ( إن طاف الرجل بين الصفا والمروة تسعة أشواط فليسعَ على واحدٍ وليطرح ثمانية . وإن طاف بين الصفا والمروة ثمانية أشواط فليطرحها وليستأنف السعي )
[4]
ولرواية كما قلنا صحيحة السند ، ولعل النكتة - والله العالم - في طرح ثمانية أشواط - حيث يظهر من الرواية أن الثمانية هو بنفسه موجب للبطلان والطرح ولذلك قال الإمام عليه السلام ( وان سعى ثمانية طرحها ) - هي أن الثمانية مركبة من سبعة وواحد والسبعة حيث أن فيها زيادة - أي زيادة شوط واحد - فتبطل من حيث الزيادة.
ولكن لِمَ يبطل الواحد إذ المناسب أن يكون صحيحاً فان زيادته توجب بطلان السبعة لا أنه هو بنفسه يكون باطلاً ؟
لعل النكتة هي أن هذا الواحد بُدئ به من المروة وليس من الصفا فيصير باطلاً من هذه الناحية والله العالم ، ولعل الرواية دلت على ذلك ولذلك قالت يطرح ثمانية ويبقى الآخر من التسعة فانه حيث بدئ به من الصفا فيقع صحيحاً ويكمله أسبوعاً.
[1] الوسائل 13 490 12 من أبواب السعي ح2 وذكرها أيضا في الطواف 13 366 34 من أبواب الطواف ح11.
[2] المدارك 8 213.
[3] التهذيب 6 22 في فضل زيارة أمير المؤمنين عليه السلام - رقم التسلسل 50.
[4] المصدر السابق ح1.