02-08-1435
تحمیل
الأستاذ الشيخ باقر الايرواني
بحث الفقه
35/08/02
بسم الله الرحمن الرحیم
الموضـوع:-مسألة
( 429 )
/ الواجب الثاني عشر من واجبات حج التمتع ( المبيت بمنى ).
الوجه الثالث:- ما قد يخطر إلى الذهن وهو أن يقال إنّ هذه الرواية ناظرة إلى من فاتته ليلية من ليالي منى بسبب الجهل فهي خاصة بحالة الجهل وسوف يأتينا أنّ من جهل وجوب المبيت بمنى يمكن أن ندّعي أنه لا شيء عليه فهذه الرواية يمكن حملها على ذلك وبذلك ترتفع المنافاة، أو نقول هي ناظرة إلى المعذور - أي فاتته ليلة من ليالي منى بسبب عذرً فقال الامام عليه السلام ( لا شيء عليه ) - وسوف يأتي أنّ من كان معذوراً يمكن أن يقال لا يجب عليه الشاة .
إذن بناء على هذا لا تضرّنا الرواية المذكورة.
أو نقول:- إنّ هذه الرواية ناظرة إلى من فاتته ليلة والروايات الصحيحة السابقة قد أخذ فيها عنوان ( من فاتته ليالي منى ) يعني أجمع فترتفع بذلك المنافاة فالروايات السابقة ناظرة إلى إثبات الشاة في حقّ من فاتته جميع الليالي الثلاث أمّا هذه الرواية فهي ناظرة إلى من فاتته ليلة واحدة، وحينئذٍ ترتفع المنافاة أيضاً.
وفيه:- إنه وجيهٌ لو تمّ الأصل الموضوعي في كلّ واحدٍ من هذه الثلاثة، فإذا تمّ أنّ كلمة ( فاتته ) أظهر في صاحب العذر أو أظهر في حقّ من كان جاهلاً فحينئذٍ يكون الجمع والحمل المذكور وجيهاً فتكون هذه أظهر في النظر إلى حالة العذر من جهلٍ أو غيره بينما تلك مطلقة من هذه الناحية فيجمع حينئذٍ فتكون تلك مختصّة بغير صاحب العذر وهذه مختصّة بصاحب العذر، إنّها إذا كانت أظهر في ذلك - أي الفوات بسبب الجهل أو العذر - فما ذكر من الجمع يكون وجيهاً، إلا أنّ الكلام في الصغرى يعني هل هذه الرواية أظهر في هذا المعنى أي في الفوات عن عذر أو جهل أو هي كتلك الروايات السابقة وأنها سواء من هذه الناحية فكلمة ( فاتته) حياديّة أزاء حالة الجهل وحالة العمد وهكذا حالة العذر وحالة عدمه ولا أظهريّة لها حتى يصحّ هذا الجمع.
وهكذا بالنسبة إلى ما قيل ثالثاً من أنّ هذه الرواية تحمل على من فاتته ليلة وتلك تحمل على من فاتته مجموع الليالي، إنّ هذا يتمّ لو فرض أنّ كلمة ( الليالي ) في تلك الطائفة السابقة ظاهرة في المجموع ولا يقصد منها الجنس والحال أنّ إرادة الجنس شيء وجيه . وعلى هذا الأساس فهذا الجواب الثالث بشقوقه الثلاثة يتمّ لو تمّ الأصل الموضوعي المفروض فيه ولكنّه محلّ تأملٍ فلذلك يكون المصير إلى هذا الوجه مشكلاً.
والأنسب أن يقال بعد مناقشة كلّ ما سبق:- لو خلّينا نحن والطائفتين فمن المناسب حمل الطائفة الأولى على الاستحباب لأن هذه صريحة في أنه لا شيء عليه والقدر المتيقّن من كلمة شيء هو الكفارة، فإذن كأنّه صُرّح وقيل ( لا كفارة عليه ) ومعه يلزم حمل تلك الروايات على الاستحباب ككل موردٍ دلّ فيه أحد الدليلين على الاثبات ودلّ الدليل الثاني على النفي فإنّ ما دلّ على الاثبات يحمل على الاستحباب، ولكن حيث إنّ نفي الكفارة وعدم وجوبها لم يقل به أحد من الأصحاب فمضمون الرواية المذكورة - وهو نفي الكفارة - مهجورٌ فتكون ساقطة عن الاعتبار فيتعيّن الأخذ بالطائفة الأولى بلا مزاحمٍ فإن المزاحم ساقط عن الحجيّة بسبب الهجران، هكذا يقال.
أو يقال:- إنّ التعارض بينهما مستقرّ كما إذا بنينا على أن تلك الروايات الست السابقة لتعددها يصعب حملها على الاستحباب فيحصل التعارض المستقر ولكن التقدّم يكون للطائفة الأولى لأن الثانية موافقة للتّقية فيؤخذ بتلك الدالة على الثبوت باعتبار مخالفتها للقوم وعند التعارض المستقر يصار إلى ذلك . لكن كيف نثبت أنّ الأولى مخالفة للقوم والثانية موافقة لهم ؟ إن المستند في ذلك هو صحيحة صفوان المتقدّمة فإنه عليه السلام قال:- ( سألني بعضهم عمّن لم يبت ليلة من ليالي منى فقلت لا أدري، فقلت له:- ما تقول في ذلك ؟ فقال:- عليه شاة ) فيظهر أنّ القوم يبنون على عدم وجوب شيءٍ عليه فلذلك اتقى الإمام عليه السلام فتكون إذن الروايات الست السابقة مخالفة للتقيّة والثانية موافقة للتقيّة فتطرح الثانية عند التعارض المستقر بسبب موافقتها للتقيّة . أو يقال إنّ الطائفة الأولى لكون عددها ست روايات فتشكل عنوان الاستفاضة والسنّة القطعيّة، وعلى هذا الأساس تطرح الثانية لمخالفتها للسنّة القطعيّة[1].
وعلى أيّ حال تبقى النتيجة واحدة سواء أخذنا بما ذكر أوّلاً - يعني نقول يمكن الجمع العرفي بالحمل على الاستحباب ولكن حيث إن هذه مهجورة فتطرح فيلزم الأخذ بدلالة الطائفة الأولى الدالة على الوجوب من دون حملٍ على الاستحباب -، أو نقول يوجد تعارض مستقر ولكن يلزم طرح الثانية لأجل أنها موافقة للتقيّة أو لأجل أنها مخالفة للسنّة القطعية. هذا كلّه في الرواية الأولى من الروايات الثلاث المعارضة.
الرواية الثانية:- صحيحة سعيد بن يسار:- ( قلت لأبي عبد الله عليه السلام:- فاتتني ليلية المبيت بمنى من شغلٍ، فقال:- لا بأس )[2]، بدعوى أنّ قوله عليه السلام ( لا بأس ) يدلّ على نفي البأس من جميع الجهات بما في ذلك الكفارة فيثبت عدم وجوب الكفارة.
والجواب:- إنّ هذه تختلف عن سابقتها فهذه أمرها سهلٌ فإن السابقة ورد فيها ( ليس عليه شيء ) والقدر المتيقن من كلمة ( شيء ) كما قلنا هو الكفارة، وأمّا هنا فلم يقل ( ليس عليه شيء وإنما قيل ( لا بأس ) ونفي البأس من دون قيدٍ لا يبعد انصرافه إلى نفي البأس من حيثية نفس الحج يعني أنَّ الحج لا يتصدّع ولا يبطل ولا يتأثّر، نعم السكوت عن بيان الكفارة يكون دالاً بالاطلاق المقامي على نفي الكفارة إذ لو كانت الكفارة ثابتة لكان من المناسب للإمام أن يبيّن ذلك، بيد أنّ أمره سهل فإن الاطلاق المقامي وإن اقتضى نفي ثبوت الكفارة ولكن حيث أنّ تلك الروايات الست قد صرحت بثبوتها فترفع اليد عمّا يقتضيه الاطلاق المقامي من نفي الكفارة فإنه إنّما يؤخذ بالاطلاق المقامي فيما لو لم يكن هناك ما يدلّ على ثبوتها أمّا بعد وجود ما يدلّ على الثبوت فهذا السكوت يرفع اليد عن دلالته على نفي الكفارة وعلى الأقل لا يقف أمام دلالة تلك الروايات، وعلى هذا الأساس لا مشكلة في هذه الرواية بل الجمع ممكنٌ وبالتالي يحمل نفي البأس على نفيه من جهة الحج فقط مع السكوت عن جنبة الكفارة.
هذا مضافاً إلى إمكان أن يقال:- إنه قد أخذ فيها قيد الشغل حيث قال ( فاتتني ليلة المبيت عن شغلٍ ) والشغل لعله يمكن أن يقال هو نحو عذرٍ كان ولا يراد منه الشغل على إطلاقه بل العذر مثلاً، وإذا كان المقصود هو العذر فحينئذٍ يكون عدم ثبوت الكفارة وجيهاً كما سوف يأتي.
الرواية الثالثة:- رواية عبد الغفار الجازي قال:- ( سألت أبا عبد الله عيه السلام عن رجل خرج من منى يريد البيت قبل نصف الليل فأصبح بمكة، قال:- لا يصلح له حتى يتصدق بها أو يهريق دماً فإن خرج من منى بعد نصف الليل لم يضرّه شيء )[3] فإنها دلّت على أنّ من أصبح في مكة ولم يبت في منى فعليه الصدقة أو الدم لا خصوص الدم.
والجواب:- إنها لا تنفي وجوب شيء بل هي تتفق مع ما سبق من الروايات على وجوب الدم غايته وجوب الدم هل هو وجوب تعييني أو هو وجوب تخييري ؟ فهي تدلّ على أنه وجوب تخييري لا أنها تنفي الوجوب من الأساس، ومعه يقال:- حيث إنه يوجد هجران من ناحية الصدقة في مكة ولكن الوجوب تخييريّاً فحينئذٍ تكون هذه الرواية ساقطة عن الاعتبار من ناحية الاكتفاء بالصدقة بدل الدم فتكون ساقطة عن الاعتبار بسبب الهجران، وعليه فلا مشكلة في هذه الرواية.
هذا لو تمّ سندها، وقد تقدم أنّ الجازي لم تثبت وثاقته إلّا من خلال كامل الزيارات بناءً على قبول كبرى وثاقة كلّ من ورد في أسانيد كامل الزيارات . مضافاً إلى أنّه ورد في السند النظر بن شعيب وهو أيضاً يمكن أن يقال بأنه لم تثبت وثاقته.
والنتيجة النهائية من كلّ هذا:- إنّه لا مانع من الأخذ بما دلت عليه الطائفة الأولى أعني وجوب الكفارة - وهي الدم - على من ترك المبيت بمنى.
النقطة الثانية:- حكم الجاهل والناسي يعني لو جهل شخص المبيت بمنى أو كان قد نسي ذلك فهل تجب عليه الكفارة ؟
الجواب:- المعروف بين الأصحاب هو الوجوب بدعوى أنّ الروايات الست السابقة لم تقيّد بالعالم أو المتذكّر فإطلاقها شاملٌ للاثنين معاً، فإذن يقال بثبوت الكفارة في حقّ الجميع.
يبقى شيء:- وهو أنه كيف يعالجون حديث الرفع – أي رفع النسيان وما لا يعلمون - ؟
يظهر من كلماتهم أنّهم أجابوا بأنَّ هذا الحديث يرفع المؤاخذة والكفارة ولكن من قال إنّ هذه الشاة هي كفّارة ؟ فلعلها جبران وسدٌّ النقص الحاصل وليست كفّارة، فهي إذن ليست كفّارة حتى ترتفع بواسطة حديث الرفع . فهم إذن اتفقوا على ذلك ولم يُنسَب الخلاف إلّا إلى الشهيد الأوّل(قده) في حواشيه على القواعد، ولكن حمل عليه الكل.
الوجه الثالث:- ما قد يخطر إلى الذهن وهو أن يقال إنّ هذه الرواية ناظرة إلى من فاتته ليلية من ليالي منى بسبب الجهل فهي خاصة بحالة الجهل وسوف يأتينا أنّ من جهل وجوب المبيت بمنى يمكن أن ندّعي أنه لا شيء عليه فهذه الرواية يمكن حملها على ذلك وبذلك ترتفع المنافاة، أو نقول هي ناظرة إلى المعذور - أي فاتته ليلة من ليالي منى بسبب عذرً فقال الامام عليه السلام ( لا شيء عليه ) - وسوف يأتي أنّ من كان معذوراً يمكن أن يقال لا يجب عليه الشاة .
إذن بناء على هذا لا تضرّنا الرواية المذكورة.
أو نقول:- إنّ هذه الرواية ناظرة إلى من فاتته ليلة والروايات الصحيحة السابقة قد أخذ فيها عنوان ( من فاتته ليالي منى ) يعني أجمع فترتفع بذلك المنافاة فالروايات السابقة ناظرة إلى إثبات الشاة في حقّ من فاتته جميع الليالي الثلاث أمّا هذه الرواية فهي ناظرة إلى من فاتته ليلة واحدة، وحينئذٍ ترتفع المنافاة أيضاً.
وفيه:- إنه وجيهٌ لو تمّ الأصل الموضوعي في كلّ واحدٍ من هذه الثلاثة، فإذا تمّ أنّ كلمة ( فاتته ) أظهر في صاحب العذر أو أظهر في حقّ من كان جاهلاً فحينئذٍ يكون الجمع والحمل المذكور وجيهاً فتكون هذه أظهر في النظر إلى حالة العذر من جهلٍ أو غيره بينما تلك مطلقة من هذه الناحية فيجمع حينئذٍ فتكون تلك مختصّة بغير صاحب العذر وهذه مختصّة بصاحب العذر، إنّها إذا كانت أظهر في ذلك - أي الفوات بسبب الجهل أو العذر - فما ذكر من الجمع يكون وجيهاً، إلا أنّ الكلام في الصغرى يعني هل هذه الرواية أظهر في هذا المعنى أي في الفوات عن عذر أو جهل أو هي كتلك الروايات السابقة وأنها سواء من هذه الناحية فكلمة ( فاتته) حياديّة أزاء حالة الجهل وحالة العمد وهكذا حالة العذر وحالة عدمه ولا أظهريّة لها حتى يصحّ هذا الجمع.
وهكذا بالنسبة إلى ما قيل ثالثاً من أنّ هذه الرواية تحمل على من فاتته ليلة وتلك تحمل على من فاتته مجموع الليالي، إنّ هذا يتمّ لو فرض أنّ كلمة ( الليالي ) في تلك الطائفة السابقة ظاهرة في المجموع ولا يقصد منها الجنس والحال أنّ إرادة الجنس شيء وجيه . وعلى هذا الأساس فهذا الجواب الثالث بشقوقه الثلاثة يتمّ لو تمّ الأصل الموضوعي المفروض فيه ولكنّه محلّ تأملٍ فلذلك يكون المصير إلى هذا الوجه مشكلاً.
والأنسب أن يقال بعد مناقشة كلّ ما سبق:- لو خلّينا نحن والطائفتين فمن المناسب حمل الطائفة الأولى على الاستحباب لأن هذه صريحة في أنه لا شيء عليه والقدر المتيقّن من كلمة شيء هو الكفارة، فإذن كأنّه صُرّح وقيل ( لا كفارة عليه ) ومعه يلزم حمل تلك الروايات على الاستحباب ككل موردٍ دلّ فيه أحد الدليلين على الاثبات ودلّ الدليل الثاني على النفي فإنّ ما دلّ على الاثبات يحمل على الاستحباب، ولكن حيث إنّ نفي الكفارة وعدم وجوبها لم يقل به أحد من الأصحاب فمضمون الرواية المذكورة - وهو نفي الكفارة - مهجورٌ فتكون ساقطة عن الاعتبار فيتعيّن الأخذ بالطائفة الأولى بلا مزاحمٍ فإن المزاحم ساقط عن الحجيّة بسبب الهجران، هكذا يقال.
أو يقال:- إنّ التعارض بينهما مستقرّ كما إذا بنينا على أن تلك الروايات الست السابقة لتعددها يصعب حملها على الاستحباب فيحصل التعارض المستقر ولكن التقدّم يكون للطائفة الأولى لأن الثانية موافقة للتّقية فيؤخذ بتلك الدالة على الثبوت باعتبار مخالفتها للقوم وعند التعارض المستقر يصار إلى ذلك . لكن كيف نثبت أنّ الأولى مخالفة للقوم والثانية موافقة لهم ؟ إن المستند في ذلك هو صحيحة صفوان المتقدّمة فإنه عليه السلام قال:- ( سألني بعضهم عمّن لم يبت ليلة من ليالي منى فقلت لا أدري، فقلت له:- ما تقول في ذلك ؟ فقال:- عليه شاة ) فيظهر أنّ القوم يبنون على عدم وجوب شيءٍ عليه فلذلك اتقى الإمام عليه السلام فتكون إذن الروايات الست السابقة مخالفة للتقيّة والثانية موافقة للتقيّة فتطرح الثانية عند التعارض المستقر بسبب موافقتها للتقيّة . أو يقال إنّ الطائفة الأولى لكون عددها ست روايات فتشكل عنوان الاستفاضة والسنّة القطعيّة، وعلى هذا الأساس تطرح الثانية لمخالفتها للسنّة القطعيّة[1].
وعلى أيّ حال تبقى النتيجة واحدة سواء أخذنا بما ذكر أوّلاً - يعني نقول يمكن الجمع العرفي بالحمل على الاستحباب ولكن حيث إن هذه مهجورة فتطرح فيلزم الأخذ بدلالة الطائفة الأولى الدالة على الوجوب من دون حملٍ على الاستحباب -، أو نقول يوجد تعارض مستقر ولكن يلزم طرح الثانية لأجل أنها موافقة للتقيّة أو لأجل أنها مخالفة للسنّة القطعية. هذا كلّه في الرواية الأولى من الروايات الثلاث المعارضة.
الرواية الثانية:- صحيحة سعيد بن يسار:- ( قلت لأبي عبد الله عليه السلام:- فاتتني ليلية المبيت بمنى من شغلٍ، فقال:- لا بأس )[2]، بدعوى أنّ قوله عليه السلام ( لا بأس ) يدلّ على نفي البأس من جميع الجهات بما في ذلك الكفارة فيثبت عدم وجوب الكفارة.
والجواب:- إنّ هذه تختلف عن سابقتها فهذه أمرها سهلٌ فإن السابقة ورد فيها ( ليس عليه شيء ) والقدر المتيقن من كلمة ( شيء ) كما قلنا هو الكفارة، وأمّا هنا فلم يقل ( ليس عليه شيء وإنما قيل ( لا بأس ) ونفي البأس من دون قيدٍ لا يبعد انصرافه إلى نفي البأس من حيثية نفس الحج يعني أنَّ الحج لا يتصدّع ولا يبطل ولا يتأثّر، نعم السكوت عن بيان الكفارة يكون دالاً بالاطلاق المقامي على نفي الكفارة إذ لو كانت الكفارة ثابتة لكان من المناسب للإمام أن يبيّن ذلك، بيد أنّ أمره سهل فإن الاطلاق المقامي وإن اقتضى نفي ثبوت الكفارة ولكن حيث أنّ تلك الروايات الست قد صرحت بثبوتها فترفع اليد عمّا يقتضيه الاطلاق المقامي من نفي الكفارة فإنه إنّما يؤخذ بالاطلاق المقامي فيما لو لم يكن هناك ما يدلّ على ثبوتها أمّا بعد وجود ما يدلّ على الثبوت فهذا السكوت يرفع اليد عن دلالته على نفي الكفارة وعلى الأقل لا يقف أمام دلالة تلك الروايات، وعلى هذا الأساس لا مشكلة في هذه الرواية بل الجمع ممكنٌ وبالتالي يحمل نفي البأس على نفيه من جهة الحج فقط مع السكوت عن جنبة الكفارة.
هذا مضافاً إلى إمكان أن يقال:- إنه قد أخذ فيها قيد الشغل حيث قال ( فاتتني ليلة المبيت عن شغلٍ ) والشغل لعله يمكن أن يقال هو نحو عذرٍ كان ولا يراد منه الشغل على إطلاقه بل العذر مثلاً، وإذا كان المقصود هو العذر فحينئذٍ يكون عدم ثبوت الكفارة وجيهاً كما سوف يأتي.
الرواية الثالثة:- رواية عبد الغفار الجازي قال:- ( سألت أبا عبد الله عيه السلام عن رجل خرج من منى يريد البيت قبل نصف الليل فأصبح بمكة، قال:- لا يصلح له حتى يتصدق بها أو يهريق دماً فإن خرج من منى بعد نصف الليل لم يضرّه شيء )[3] فإنها دلّت على أنّ من أصبح في مكة ولم يبت في منى فعليه الصدقة أو الدم لا خصوص الدم.
والجواب:- إنها لا تنفي وجوب شيء بل هي تتفق مع ما سبق من الروايات على وجوب الدم غايته وجوب الدم هل هو وجوب تعييني أو هو وجوب تخييري ؟ فهي تدلّ على أنه وجوب تخييري لا أنها تنفي الوجوب من الأساس، ومعه يقال:- حيث إنه يوجد هجران من ناحية الصدقة في مكة ولكن الوجوب تخييريّاً فحينئذٍ تكون هذه الرواية ساقطة عن الاعتبار من ناحية الاكتفاء بالصدقة بدل الدم فتكون ساقطة عن الاعتبار بسبب الهجران، وعليه فلا مشكلة في هذه الرواية.
هذا لو تمّ سندها، وقد تقدم أنّ الجازي لم تثبت وثاقته إلّا من خلال كامل الزيارات بناءً على قبول كبرى وثاقة كلّ من ورد في أسانيد كامل الزيارات . مضافاً إلى أنّه ورد في السند النظر بن شعيب وهو أيضاً يمكن أن يقال بأنه لم تثبت وثاقته.
والنتيجة النهائية من كلّ هذا:- إنّه لا مانع من الأخذ بما دلت عليه الطائفة الأولى أعني وجوب الكفارة - وهي الدم - على من ترك المبيت بمنى.
النقطة الثانية:- حكم الجاهل والناسي يعني لو جهل شخص المبيت بمنى أو كان قد نسي ذلك فهل تجب عليه الكفارة ؟
الجواب:- المعروف بين الأصحاب هو الوجوب بدعوى أنّ الروايات الست السابقة لم تقيّد بالعالم أو المتذكّر فإطلاقها شاملٌ للاثنين معاً، فإذن يقال بثبوت الكفارة في حقّ الجميع.
يبقى شيء:- وهو أنه كيف يعالجون حديث الرفع – أي رفع النسيان وما لا يعلمون - ؟
يظهر من كلماتهم أنّهم أجابوا بأنَّ هذا الحديث يرفع المؤاخذة والكفارة ولكن من قال إنّ هذه الشاة هي كفّارة ؟ فلعلها جبران وسدٌّ النقص الحاصل وليست كفّارة، فهي إذن ليست كفّارة حتى ترتفع بواسطة حديث الرفع . فهم إذن اتفقوا على ذلك ولم يُنسَب الخلاف إلّا إلى الشهيد الأوّل(قده) في حواشيه على القواعد، ولكن حمل عليه الكل.