36/05/25
تحمیل
الموضوع: الأصول العمليّة / تنبيهات العلم الإجمالي/ دوران
الأمر بين الأقل والأكثر الارتباطيين.
الوجه الثاني لانحلال العلم الإجمالي المدعى في المقام والذي اعتبر المانع الأوّل من جريان البراءة في محل الكلام، الوجه الثاني لانحلال هذا العلم الإجمالي، وبالتالي ارتفاع المانع من جريان البراءة في محل الكلام، الوجه الثاني الذي انتهى الكلام إليه كان هو دعوى انحلاله بالعلم التفصيلي بوجوب الأقل إمّا بالوجوب النفسي الاستقلالي، أو بالوجوب النفسي الضمني، فينحل العلم الإجمالي بهذا العلم التفصيلي.
أجيب عن الوجه الثاني بعدة أجوبة:
الجواب الأوّل: هو أن يقال أنّ العلم التفصيلي لم يتعلّق بأحد طرفي العلم الإجمالي حتّى يكون موجباً لانحلاله حقيقة كما هو المدعى، تقدّم سابقاً أنّ شرط الانحلال الحقيقي أن يتعلّق العلم التفصيلي بأحد طرفي العلم الإجمالي بحيث يصبح أحد طرفي العلم الإجمالي معلوماً بالتفصيل، فينحل العلم الإجمالي قهراً إلى علم تفصيلي بأحد الطرفين وشك في الطرف الآخر، وهذا غير متحقق في محل الكلام، باعتبار أنّ طرفي العلم الإجمالي هما عبارة عن الوجوب الاستقلالي للأقل، والوجوب الاستقلالي للأكثر؛ لأنّ المكلّف يعلم بوجوب الأقل، أو الأكثر، يعلم بوجوب الأقل استقلالاً، أو بوجوب الأكثر استقلالاً، فطرفا العلم الإجمالي هما الوجوب الاستقلالي للأكثر، والوجوب الاستقلالي للأقل، وما يعلمه تفصيلاً ليس هو أحد الطرفين، وإنّما العلم التفصيلي تعلّق بوجوب الأقل المردّد بين كونه استقلالياً وبين كونه ضمنياً، وهذا غير المعلوم بالعلم الإجمالي، المعلوم بالعلم الإجمالي هو الوجوب النفسي الاستقلالي، والمعلوم بالعلم التفصيلي ليس هو هذا، وإنّما هو الوجوب النفسي الأعم من كونه استقلالياً، أو ضمنياً، وهذا بالتالي لا يوجب انحلال العلم الإجمالي؛ لأنّ العلم التفصيلي لم يتعلّق بأحد طرفي العلم الإجمالي، فلا يوجب الانحلال الحقيقي.
يمكن دفع هذا الجواب الأوّل: بأنّه مبني على فرض الاستقلالية والضمنية، وهكذا كما سيأتي الإطلاق والتقييد واللابشرطية والبشرط شيء، مبني على افتراض أنّ هذه الأمور كلّها تكون دخيلة في ما تشتغل به ذمّة المكلّف، فيقال أنّ ما نعلم به إجمالاً هو الوجوب النفسي الاستقلالي المردّد بين أن يتعلّق بالأكثر، أو يتعلّق بالأقل، فكأنّه أخذ الاستقلالية، هذا الوصف قيداً في المعلوم بالإجمال، فما نعلمه بالإجمال ليس هو الوجوب النفسي، وإنّما الوجوب النفسي الاستقلالي؛ وحينئذٍ جاء هذا الجواب؛ لأنّ المعلوم بالتفصيل ليس هو هذا، المعلوم بالتفصيل هو الوجوب النفسي الأعم من الاستقلالي والضمني؛ ولذا رتّب على ذلك هذه النتيجة المتقدّمة وأنّ هذا لا يوجب انحلال العلم الإجمالي، بينما إذا ألغينا قيد الاستقلالية وقيد الضمنية، وقلنا بأنّ الاستقلالية هي حدٌ للوجوب، بمعنى أنّ الوجوب لا ينبسط على ما زاد على ذلك، وإلاّ هي ليست دخيلة في ما تشتغل به العهدة، الاستقلالية والضمنية ليست قيوداً فيها، لوضوح أنّه لا معنى لأن تكون الاستقلالية داخلة في عهدة المكلّف، أن تكون الاستقلالية ممّا يكلّف به المكلّف، الاستقلالية خارجة عن دائرة ما يكلّف به المكلّف، ففي العلم الإجمالي الموجود في محل الكلام ما يعلمه بالإجمال هو عبارة عن وجوب نفسي متعلّق إمّا بالأقل وإمّا بالأكثر، الاستقلالية والضمنية هي من حدود الوجوب وليست هي داخلة في ما يدخل في العهدة ولا لها علاقة في ما يُكلّف به المكلّف، ما يُكلّف به المكلّف هو عبارة عن ذات الواجب، أمّا أنّ كونه واجباً مستقلاً أو واجباً ضمنياً، هذه أمور لا تدخل في العهدة ولا يُكلّف بها المكلّف ولا تشتغل بها الذمّة، ولا معنى لاشتغال الذمة بهذه الأمور، ما تشتغل به الذمّة هو عبارة عن ذات الواجب، أي نفس الواجب، إذا لاحظنا الواجب وما تشتغل به الذمة، سنجد أنّ ما تشتغل به الذمة، المكلّف يعلم علماً تفصيلياً بأنّ الأقل قد اشتغلت به الذمّة بوجوب نفسي، في محل الكلام الأقل يُعلم تفصيلاً بتعلّق الوجوب النفسي به، وأنّ الذمّة اشتغلت به جزماً وعلى كل تقدير وعلى كل حال سواء كان الواجب هو الأكثر أو كان الواجب هو الأقل، على كلا التقديرين، يعني التسعة في محل الكلام هي ما اشتغلت به الذمّة، وممّا وجبت على المكلّف بوجوب نفسيٍ، وشكّنا في امتداد هذا الوجوب النفسي لما زاد على التسعة، وإلاّ لا أقل هو معلوم الوجوب قطعاً، فإذن: بالإمكان أن نقول أنّ العلم الإجمالي انحل بهذا العلم التفصيلي، بأنّ الأقل واجب على كل تقدير، وواجب وجوباً نفسياً، غاية الأمر أننا لا ندري هل أنّ التسعة واجبة لوحدها، أو أنّها واجبة مع إضافة، وجود الإضافة وعدم وجودها لا يؤثر في أنّ التسعة معلومة الوجوب، قطعاً تعلّق بها الوجوب النفسي، لكن هل تعلّق بها وحدها، أو تعلّق بها بإضافة جزءٍ آخر ؟ بالنتيجة التسعة مطلوبة على كل حال وممّا تجب على المكلّف ودخلت في عهدة المكلّف، فإذا دخلت في عهدة المكلّف، إذن: يمكن أن يقال أنّ العلم الإجمالي الموجود في المقام منحل بالعلم التفصيلي بوجوب الأقل بوجوب نفسي، صحيح هو مرددّ بين أن يكون وجوباً استقلالياً، أو وجوباً ضمنياً، لكن بالنتيجة هو يعلم بوجوبٍ نفسيٍ متعلّقٍ بالأقل قطعاً، وهذا علم تفصيلي يوجب انحلال العلم الإجمالي؛ لأنّ العلم الإجمالي هو عبارة عن وجوبٍ نفسيٍ متعلّق إمّا بالأقل أو بالأكثر، وقلنا أنّ الاستقلالية ليست دخيلة في ذلك، لا تدخل في العهدة بلحاظ ما يدخل في عهدة المكلّف يمكن للمكلّف أن يقول: ما دخل في عهدتي يقيناً هو تسعة أجزاء، هذا قطعاً دخل في العهدة، قطعاً اشتغلت به الذمّة على كل تقدير، وهذا موجب للانحلال؛ لأنّه علم تفصيلي بوجوب الأقل قطعاً وعلى كل تقدير، وهذا يوجب انحلال العلم الإجمالي. والنكتة في هذا أنّ الاستقلالية المعلومة بالإجمال ليست دخيلة في المعلوم بالإجمال، لا تدخل في عهدة المكلّف؛ بل لا معنى لاشتغال الذمة بها، وإنّما الذي يدخل في العهدة هو ذات الواجب، هذا هو الذي يدخل في العهدة، بلحاظ ذات الواجب وبلحاظ ما يدخل في العهدة يمكن للمكلّف أن يقول أنّي أعلم قطعاً وبالتفصيل أنّ الأقل قد دخل في العهدة واشتغلت به الذمّة على كل تقدير، هذا علم تفصيلي يوجب انحلال العلم الإجمالي.
الجواب الثاني: هو ما يُستفاد من كلمات المحقق النائيني(قدّس سرّه)[1] ذكره في مقام بيان عدم انحلال العلم الإجمالي؛ لأنّه لا يرى انحلال العلم الإجمالي، ويرى عدم جريان البراءة العقلية في محل الكلام، ويُفصّل بين البراءة العقلية وبين البراءة النقلية، وحاصل ما ذكره هو: أنّ العلم التفصيلي المذكور الذي يُراد أن يُجعل موجباً لانحلال العلم الإجمالي، يقول هذا العلم التفصيلي هو عين العلم الإجمالي وليس شيئاً غيره، فيستحيل أن يكون هو موجباً لانحلال العلم الإجمالي؛ لأنّه عينه؛ لأنّ هذا يؤدي إلى أن يكون العلم الإجمالي حالاًّ لنفسه، وهذا محال، يقول: أنّ العلم التفصيلي المذكور في الوجه الثاني هو نفس العلم الإجمالي وليس شيئاً غيره؛ لأنّ العلم الإجمالي هو عبارة عن العلم بوجوب إمّا الأقل أو الأكثر، والعلم التفصيلي هو أن أعلم بوجوب الأقل، إمّا بوجوبٍ استقلالي، أو بوجوب ضمنيٍ، وجوب الأقل، وجوب التسعة بالوجوب الاستقلالي هو عبارة عن وجوب الأقل في العلم الإجمالي، وجوب الأقل بالوجوب النفسي الاستقلالي في العلم الإجمالي هو عبارة عن وجوب التسعة بوجوب استقلالي وليس شيئاً غيره، وجوب التسعة، إمّا بوجوب استقلالي، أو بوجوب ضمني، وجوب التسعة بوجوب ضمني يعني وجوب الأكثر، فصار العلم التفصيلي الذي هو مردّد بين أن يكون استقلالياً أو ضمنياً هو عبارة عن العلم الإجمالي بوجوب إمّا الأكثر، أو الأقل؛ لأنّ وجوب الأكثر معناه وجوب التسعة ضمناً، وجوب الأقل وجوب ضمني، وجوب الأقل في العلم الإجمالي معناه وجوب التسعة بوجوبٍ استقلالي، فإذن: ما أعلمه بالتفصيل وهو أنّ التسعة واجبة على كل تقدير كما قيل أنّ التسعة واجبة وجوب نفسي لكنّه مردد بين أن يكون استقلالياً أو يكون ضمنياً، هذا الترديد نفسه موجود في العلم الإجمالي؛ لأنّ العلم الإجمالي هو العلم إجمالاً بوجوب إمّا الأقل أو الأكثر، وجوب الأقل يعني وجوب استقلالي للتسعة، أمّا وجوب الأكثر فيعني وجوب ضمني للتسعة؛ فحينئذٍ يكون العلم التفصيلي هو نفس العلم الإجمالي ويستحيل أن يكون موجباً لانحلاله؛ لأنّ الشيء لا يحل نفسه. هذا ما ذكره المحقق النائيني(قدّس سرّه) وجعله إشكالاً على من يدّعي انحلال العلم الإجمالي بالوجه الثاني، يعني بالعلم التفصيلي بوجوب الأقل المردد بين الوجوب الضمني وبين الوجوب الاستقلالي.
يُلاحظ على هذا الجواب نفس الملاحظة السابقة، يعني هذا الجواب مبني على افتراض أنّ هذا التردد بين التسعة المقيدة بانضمام العاشر الذي هو الأكثر وبين التسعة المطلقة غير المقيدة بانضمام الجزء العاشر الذي هو عبارة عن الأقل، هذا التردد كأنّه أخذ الإطلاق والتقييد دخيلاً في المعلوم بالإجمال، أو بالتعبير الذي ذكره صاحب الحاشية على المعالم أنّ الأمر يدور بين الماهية بشرط شيء وبين الماهية لا بشرط، الماهية بشرط شيء هي عبارة عن المقيد، الذي هو الأكثر، والماهية لا بشرط هي عبارة عن التسعة المطلقة الغير المقيدة بالجزء العاشر، والماهية بشرط شيء تختلف وتباين الماهية لا بشرط، أو الإطلاق والتقييد بينهما تباين، كأنّهم افترضوا أنّ الإطلاق والتقييد، الماهية بشرط شيء والماهية لا بشرط كلّها دخيلة في المعلوم بالإجمال، عندما لاحظوا المعلوم بالإجمال بعد فرض أنّ هذه الأمور دخيلة فيه انتهوا إلى نتيجة أنّ العلم الإجمالي في محل الكلام دائر بين المتباينين لا بين الأقل والأكثر، بناءً على هذه التصورات يأتي جواب المحقق النائيني(قدّس سرّه) عن هذا الوجه، وهو أنّ العلم التفصيلي هو نفس العلم الإجمالي وليس شيئاً آخر، في العلم الإجمالي أنا أعلم بوجوب ماهية إمّا بشرط شيء، وإمّا لا بشرط، الأكثر هو عبارة عن الماهية بشرط شيء، ولنسمه (المقيّد)، الأقل هو عبارة عن ماهية لا بشرط، ولنسمّه (المطلق)، فالأمر يدور بين المطلق وبين المقيد في العلم الإجمالي بين الماهية بشرط شيء وبين الماهية لا بشرط، فيقول أنّ العلم التفصيلي هو نفس العلم الإجمالي، ما أعلمه بالعلم التفصيلي هو وجوب نفسي متعلّق بالأقل، لكنّه مردد بين أن يكون استقلالياً وبين أن يكون ضمنياً، يعني أنا أعلم بوجوب التسعة إمّا مقيّدة بالجزء العاشر، فيكون ماهية بشرط شيء، ومقيّداً، وإمّا غير مقيّدة بالجزء العاشر الذي هو استقلالي، التسعة واجبة إمّا ضمناً، يعني مقيّدة بالجزء العاشر وهو الأكثر، وهي الماهية بشرط شيء، وإمّا استقلالاً، يعني غير مقيّدة بالجزء العاشر، يعني ماهية لا بشرط، وبعبارة أخرى مطلقة، وهذا نفس العلم الإجمالي وليس شيئاً آخراً غير العلم الإجمالي، لكن هذا كلّه مبني على افتراض أنّ الإطلاق والتقييد، أو الماهية بشرط شيء والماهية لا بشرط....وهكذا سائر ما يمكن أن يقال في المقام هو دخيل ويلحظ عندما نريد أن نحل العلم الإجمالي بالعلم التفصيلي، وأمّا إذا قلنا أنّ هذه الأوصاف، الإطلاق والتقييد، والاستقلالية والضمنية، والبشرط شيئية واللا بشرط شيئية ....الخ هذه الأوصاف لا تكون قيوداً في المعلوم بالإجمال بما هو منجّز على المكلّف، وبما هو داخل في العهدة، ليست قيوداً فيه بما هو منجّز على المكلّف الاستقلالية والضمنية والإطلاق والتقييد ليس دخيلاً في المعلوم بالإجمال باعتباره منجّزاً وداخلاً في العهدة، والسر في هذا أنّها أوصاف غير قابلة للتنجيز، ما معنى أنّ وصف الاستقلالية يكون منجّزاً على المكلّف ؟ لا معنى لذلك، وهكذا الإطلاق، وهكذا التقييد، وهكذا الضمنية، هذه أوصاف لا تقبل التنجيز على المكلّف؛ ولذا لا تكون دخيلة في المعلوم بالإجمال بما هو منجّز. نعم، يكون دخيلاً في المعلوم بالإجمال، لكن لا بما هو منجّز، بأن يقال أنا أعلم بوجوب إمّا استقلالي، وإمّا ضمني، أو أعلم بوجوب استقلالي إمّا ثابت للأقل، أو للأكثر، لكن بما هو منجّز وداخل في العهدة الاستقلالية ليست دخيلة فيه، وهذا معناه أنّ المعلوم بالإجمال لابدّ من أن نرفع عنه وصف الاستقلالية، وصف الاستقلالية ليس دخيلاً في المعلوم بالإجمال بما هو منجّز وداخل في العهدة، فإذا لاحظنا ما هو داخل في العهدة ما يتنجّز على المكلّف بالعلم الإجمالي سنجد أنّه ينحل بالعلم التفصيلي، ما يدخل في العهدة وما يُكلّف به المكلّف دائر في الحقيقة بين تسعة أجزاء وبين عشرة أجزاء، يعني تسعة أجزاء بلا إضافة، أو تسعة أجزاء بإضافة. هذا واقع المطلب. صحيح، إذا غضضنا النظر عن هذه النكتة؛ حينئذٍ نقول أنّ ما أعلمه هو إمّا وجوب استقلالي للأقل، أو وجوب استقلالي للأكثر، الاستقلالية ليست دخيلة، إذا نظرنا إلى ما يتنجّز على المكلّف بهذا العلم الإجمالي نجد أنّه دائر بين الأقل والأكثر لا بين المتباينين، وهذا هو معنى أنّ المكلّف يعلم بالتفصيل بوجوب الأقل، ويشك في وجوب ما زاد عليه، وهذا موجب لانحلال العلم الإجمالي.
إذن: تارة نلحظ المعلوم بالإجمال مع وصف كونه استقلالي، أو صف كونه لا بشرط، أو بشرط شيء، أو هذه الأمور التي ذُكرت، وأخرى لا نلحظ ذلك، إذا لاحظنا هذه الأمور يصح كلام المحقق النائيني(قدّس سرّه)، العلم التفصيلي هو نفس العلم الإجمالي وليس شيئاً آخر غيره؛ لأنّ ما أعلمه بالإجمال هو وجوب استقلالي للأكثر، أو وجوب استقلالي للأقل، هذا يمكن أن نبدله بعبارة أخرى: أنا أعلم بوجوب التسعة إمّا بوجوب استقلالي، الذي هو الأقل، وإمّا وجوب التسعة بوجوبٍ ضمني، يعني هو عبارة عن وجوب استقلالي للأكثر، فيكون إشكال المحقق النائيني(قدّس سرّه) وارداً، لكن إذا قلنا بأنّ الاستقلالية ليست دخيلة في ما يتنجّز على المكلّف، في ما يدخل في عهدته نتيجة العلم الإجمالي أو العلم التفصيلي؛ حينئذٍ الأمر ليس هكذا، يمكن أن نقول بأنّ العلم الإجمالي ينحل بالعلم التفصيلي؛ بل في الحقيقة نستطيع أن نقول أنّه أصلاً ليس لدينا علم إجمالي من البداية، أصلاً من البداية لا يتشكّل لدينا علم إجمالي حتّى نبحث أنّه هل هناك ما يوجب انحلاله أو ليس هناك ما يوجب انحلاله، إذا لاحظنا مقدار ما يتنجّز على المكلّف سنجد أنّ الأمر يدور بين الأقل والأكثر من البداية، المكلّف يعلم أنّ ذمّته اشتغلت بالتسعة ويشكّ في أنّه اشتغلت بشيء أزيد من ذلك أو لا ؟ فلا يوجد علم إجمالي حتّى نبحث في انحلاله أو عدم انحلاله، وإنّما هناك شك دائر بين الأقل والأكثر بالضبط كما هو الحال في دوران الأمر بين الأقل والأكثر الاستقلاليين.
الجواب الثالث: ما قد يُفهم من كلام صاحب الحاشية على المعالم، حاصل هذا الجواب هو أنّ الدوران في محل الكلام ليس بين الأقل والأكثر، وإنّما هو بين المتباينين ولا يوجد لدينا علم تفصيلي يوجب انحلال هذا العلم الإجمالي. أمّا أنّ الأمر دائر بين المتباينين لا بين الأقل والأكثر فبما أشرنا إليه من أنّ الأمر يدور بين الماهية بشرط شيء، أو الماهية لا بشرط، نستطيع أن نعبر بأنّ الأمر يدور بين الإطلاق وبين التقييد، والإطلاق يباين التقييد والماهية بشرط شيء تباين الماهية لا بشرط، فإذن الأمر يدور بين المتباينين، وأمّا أنّه لا يوجد علم تفصيلي يوجب انحلال هذا العلم الإجمالي، فلما تقدّم أيضاً من انّ الانحلال مشروط بأن يتعلّق العلم التفصيلي بأحد طرفي العلم الإجمالي، وهنا لا يوجد لدينا علم تفصيلي بأحد الطرفين؛ لأنّ طرفي العلم الإجمالي هما عبارة عن الوجوب الاستقلالي للأقل والوجوب الاستقلالي للأكثر ولا يوجد علم تفصيلي بوجوب الأقل استقلالاً، وإنّما المُدعى هو وجوب الأقل وجوباً أعم من كونه استقلالياً، أو ضمنياً، ولا أحد يدّعي أنّ هناك علماً تفصيلياً بوجوب الأقل استقلالاً، وإنّما المدعى في الوجه الثاني أننا نعلم تفصيلاً بوجوب الأقل وجوب نفسي مردد بين الاستقلالي وبين الضمني، وهذا غير طرف العلم الإجمالي، فلا يوجب انحلاله.
هذا الجواب أيضاً نفس الجواب تقريباً وهو أنّ هذا مبني أيضاً على افتراض أنّ الإطلاق والتقييد، أو البشرط شيء أو اللابشرط مأخوذ قيداً ودخيلاً في المعلوم بالإجمال ويُلحظ هذا في المعلوم بالإجمال عندما يُراد ملاحظة نسبته إلى العلم التفصيلي، وأنّ العلم التفصيلي هل يكون موجباً لانحلاله أو لا يكون موجباً لانحلاله؛ حينئذٍ يقال أنّ الأمر يدور بين المتباينين، بين الإطلاق والتقييد، ولعلّه يبني على أنّ الإطلاق هو عبارة عن لحاظ عدم القيد والتقييد هو عبارة عن لحاظ القيد، لحاظ عدم القيد ولحاظ التقييد أمران متباينان؛ فحينئذٍ يقال بأنّ الأمر يدور بين المتباينين، وليس هناك أقل وأكثر، لكن هذا مبني على لحاظ الإطلاق في المعلوم بالإجمال، فلدينا معلوم بالإجمال مردد بين ماهية مطلقة وبين ماهية مقيّدة، بين ماهية بشرط شيء وبين ماهية لا بشرط...وهكذا. لكن كما قلنا إذا لاحظنا ما يتنجّز على المكلّف وما يدخل في عهدته بالعلم الإجمالي الأوّل المتقدّم، فسنجد أنّ الأمر لا يدور بين المتباينين، الحصيلة النهائية عندما يفكر المكلّف بينه وبين نفسه باعتبار هذا العلم الإجمالي، سيجد أنّه يعلم قطعاً بوجوب الأقل ويشك في وجوب ما زاد عليه. هذا قطعاً داخل في عهدته، هل هناك شيء آخر أيضاً دخل في عهدته، أو لا ؟ فمن البداية كما قلنا لا يوجد علم إجمالي؛ لأنّ قوام العلم الإجمالي هو الدوران بين المتباينين، في المقام لا يوجد علم إجمالي يدور بين المتباينين، وإنّما من البداية يدور الأمر بين الأقل والأكثر، الأقل معلوم بالتفصيل، والأكثر مشكوك بالشك البدوي فلا مانع من جريان البراءة فيه.
الوجه الثاني لانحلال العلم الإجمالي المدعى في المقام والذي اعتبر المانع الأوّل من جريان البراءة في محل الكلام، الوجه الثاني لانحلال هذا العلم الإجمالي، وبالتالي ارتفاع المانع من جريان البراءة في محل الكلام، الوجه الثاني الذي انتهى الكلام إليه كان هو دعوى انحلاله بالعلم التفصيلي بوجوب الأقل إمّا بالوجوب النفسي الاستقلالي، أو بالوجوب النفسي الضمني، فينحل العلم الإجمالي بهذا العلم التفصيلي.
أجيب عن الوجه الثاني بعدة أجوبة:
الجواب الأوّل: هو أن يقال أنّ العلم التفصيلي لم يتعلّق بأحد طرفي العلم الإجمالي حتّى يكون موجباً لانحلاله حقيقة كما هو المدعى، تقدّم سابقاً أنّ شرط الانحلال الحقيقي أن يتعلّق العلم التفصيلي بأحد طرفي العلم الإجمالي بحيث يصبح أحد طرفي العلم الإجمالي معلوماً بالتفصيل، فينحل العلم الإجمالي قهراً إلى علم تفصيلي بأحد الطرفين وشك في الطرف الآخر، وهذا غير متحقق في محل الكلام، باعتبار أنّ طرفي العلم الإجمالي هما عبارة عن الوجوب الاستقلالي للأقل، والوجوب الاستقلالي للأكثر؛ لأنّ المكلّف يعلم بوجوب الأقل، أو الأكثر، يعلم بوجوب الأقل استقلالاً، أو بوجوب الأكثر استقلالاً، فطرفا العلم الإجمالي هما الوجوب الاستقلالي للأكثر، والوجوب الاستقلالي للأقل، وما يعلمه تفصيلاً ليس هو أحد الطرفين، وإنّما العلم التفصيلي تعلّق بوجوب الأقل المردّد بين كونه استقلالياً وبين كونه ضمنياً، وهذا غير المعلوم بالعلم الإجمالي، المعلوم بالعلم الإجمالي هو الوجوب النفسي الاستقلالي، والمعلوم بالعلم التفصيلي ليس هو هذا، وإنّما هو الوجوب النفسي الأعم من كونه استقلالياً، أو ضمنياً، وهذا بالتالي لا يوجب انحلال العلم الإجمالي؛ لأنّ العلم التفصيلي لم يتعلّق بأحد طرفي العلم الإجمالي، فلا يوجب الانحلال الحقيقي.
يمكن دفع هذا الجواب الأوّل: بأنّه مبني على فرض الاستقلالية والضمنية، وهكذا كما سيأتي الإطلاق والتقييد واللابشرطية والبشرط شيء، مبني على افتراض أنّ هذه الأمور كلّها تكون دخيلة في ما تشتغل به ذمّة المكلّف، فيقال أنّ ما نعلم به إجمالاً هو الوجوب النفسي الاستقلالي المردّد بين أن يتعلّق بالأكثر، أو يتعلّق بالأقل، فكأنّه أخذ الاستقلالية، هذا الوصف قيداً في المعلوم بالإجمال، فما نعلمه بالإجمال ليس هو الوجوب النفسي، وإنّما الوجوب النفسي الاستقلالي؛ وحينئذٍ جاء هذا الجواب؛ لأنّ المعلوم بالتفصيل ليس هو هذا، المعلوم بالتفصيل هو الوجوب النفسي الأعم من الاستقلالي والضمني؛ ولذا رتّب على ذلك هذه النتيجة المتقدّمة وأنّ هذا لا يوجب انحلال العلم الإجمالي، بينما إذا ألغينا قيد الاستقلالية وقيد الضمنية، وقلنا بأنّ الاستقلالية هي حدٌ للوجوب، بمعنى أنّ الوجوب لا ينبسط على ما زاد على ذلك، وإلاّ هي ليست دخيلة في ما تشتغل به العهدة، الاستقلالية والضمنية ليست قيوداً فيها، لوضوح أنّه لا معنى لأن تكون الاستقلالية داخلة في عهدة المكلّف، أن تكون الاستقلالية ممّا يكلّف به المكلّف، الاستقلالية خارجة عن دائرة ما يكلّف به المكلّف، ففي العلم الإجمالي الموجود في محل الكلام ما يعلمه بالإجمال هو عبارة عن وجوب نفسي متعلّق إمّا بالأقل وإمّا بالأكثر، الاستقلالية والضمنية هي من حدود الوجوب وليست هي داخلة في ما يدخل في العهدة ولا لها علاقة في ما يُكلّف به المكلّف، ما يُكلّف به المكلّف هو عبارة عن ذات الواجب، أمّا أنّ كونه واجباً مستقلاً أو واجباً ضمنياً، هذه أمور لا تدخل في العهدة ولا يُكلّف بها المكلّف ولا تشتغل بها الذمّة، ولا معنى لاشتغال الذمة بهذه الأمور، ما تشتغل به الذمّة هو عبارة عن ذات الواجب، أي نفس الواجب، إذا لاحظنا الواجب وما تشتغل به الذمة، سنجد أنّ ما تشتغل به الذمة، المكلّف يعلم علماً تفصيلياً بأنّ الأقل قد اشتغلت به الذمّة بوجوب نفسي، في محل الكلام الأقل يُعلم تفصيلاً بتعلّق الوجوب النفسي به، وأنّ الذمّة اشتغلت به جزماً وعلى كل تقدير وعلى كل حال سواء كان الواجب هو الأكثر أو كان الواجب هو الأقل، على كلا التقديرين، يعني التسعة في محل الكلام هي ما اشتغلت به الذمّة، وممّا وجبت على المكلّف بوجوب نفسيٍ، وشكّنا في امتداد هذا الوجوب النفسي لما زاد على التسعة، وإلاّ لا أقل هو معلوم الوجوب قطعاً، فإذن: بالإمكان أن نقول أنّ العلم الإجمالي انحل بهذا العلم التفصيلي، بأنّ الأقل واجب على كل تقدير، وواجب وجوباً نفسياً، غاية الأمر أننا لا ندري هل أنّ التسعة واجبة لوحدها، أو أنّها واجبة مع إضافة، وجود الإضافة وعدم وجودها لا يؤثر في أنّ التسعة معلومة الوجوب، قطعاً تعلّق بها الوجوب النفسي، لكن هل تعلّق بها وحدها، أو تعلّق بها بإضافة جزءٍ آخر ؟ بالنتيجة التسعة مطلوبة على كل حال وممّا تجب على المكلّف ودخلت في عهدة المكلّف، فإذا دخلت في عهدة المكلّف، إذن: يمكن أن يقال أنّ العلم الإجمالي الموجود في المقام منحل بالعلم التفصيلي بوجوب الأقل بوجوب نفسي، صحيح هو مرددّ بين أن يكون وجوباً استقلالياً، أو وجوباً ضمنياً، لكن بالنتيجة هو يعلم بوجوبٍ نفسيٍ متعلّقٍ بالأقل قطعاً، وهذا علم تفصيلي يوجب انحلال العلم الإجمالي؛ لأنّ العلم الإجمالي هو عبارة عن وجوبٍ نفسيٍ متعلّق إمّا بالأقل أو بالأكثر، وقلنا أنّ الاستقلالية ليست دخيلة في ذلك، لا تدخل في العهدة بلحاظ ما يدخل في عهدة المكلّف يمكن للمكلّف أن يقول: ما دخل في عهدتي يقيناً هو تسعة أجزاء، هذا قطعاً دخل في العهدة، قطعاً اشتغلت به الذمّة على كل تقدير، وهذا موجب للانحلال؛ لأنّه علم تفصيلي بوجوب الأقل قطعاً وعلى كل تقدير، وهذا يوجب انحلال العلم الإجمالي. والنكتة في هذا أنّ الاستقلالية المعلومة بالإجمال ليست دخيلة في المعلوم بالإجمال، لا تدخل في عهدة المكلّف؛ بل لا معنى لاشتغال الذمة بها، وإنّما الذي يدخل في العهدة هو ذات الواجب، هذا هو الذي يدخل في العهدة، بلحاظ ذات الواجب وبلحاظ ما يدخل في العهدة يمكن للمكلّف أن يقول أنّي أعلم قطعاً وبالتفصيل أنّ الأقل قد دخل في العهدة واشتغلت به الذمّة على كل تقدير، هذا علم تفصيلي يوجب انحلال العلم الإجمالي.
الجواب الثاني: هو ما يُستفاد من كلمات المحقق النائيني(قدّس سرّه)[1] ذكره في مقام بيان عدم انحلال العلم الإجمالي؛ لأنّه لا يرى انحلال العلم الإجمالي، ويرى عدم جريان البراءة العقلية في محل الكلام، ويُفصّل بين البراءة العقلية وبين البراءة النقلية، وحاصل ما ذكره هو: أنّ العلم التفصيلي المذكور الذي يُراد أن يُجعل موجباً لانحلال العلم الإجمالي، يقول هذا العلم التفصيلي هو عين العلم الإجمالي وليس شيئاً غيره، فيستحيل أن يكون هو موجباً لانحلال العلم الإجمالي؛ لأنّه عينه؛ لأنّ هذا يؤدي إلى أن يكون العلم الإجمالي حالاًّ لنفسه، وهذا محال، يقول: أنّ العلم التفصيلي المذكور في الوجه الثاني هو نفس العلم الإجمالي وليس شيئاً غيره؛ لأنّ العلم الإجمالي هو عبارة عن العلم بوجوب إمّا الأقل أو الأكثر، والعلم التفصيلي هو أن أعلم بوجوب الأقل، إمّا بوجوبٍ استقلالي، أو بوجوب ضمنيٍ، وجوب الأقل، وجوب التسعة بالوجوب الاستقلالي هو عبارة عن وجوب الأقل في العلم الإجمالي، وجوب الأقل بالوجوب النفسي الاستقلالي في العلم الإجمالي هو عبارة عن وجوب التسعة بوجوب استقلالي وليس شيئاً غيره، وجوب التسعة، إمّا بوجوب استقلالي، أو بوجوب ضمني، وجوب التسعة بوجوب ضمني يعني وجوب الأكثر، فصار العلم التفصيلي الذي هو مردّد بين أن يكون استقلالياً أو ضمنياً هو عبارة عن العلم الإجمالي بوجوب إمّا الأكثر، أو الأقل؛ لأنّ وجوب الأكثر معناه وجوب التسعة ضمناً، وجوب الأقل وجوب ضمني، وجوب الأقل في العلم الإجمالي معناه وجوب التسعة بوجوبٍ استقلالي، فإذن: ما أعلمه بالتفصيل وهو أنّ التسعة واجبة على كل تقدير كما قيل أنّ التسعة واجبة وجوب نفسي لكنّه مردد بين أن يكون استقلالياً أو يكون ضمنياً، هذا الترديد نفسه موجود في العلم الإجمالي؛ لأنّ العلم الإجمالي هو العلم إجمالاً بوجوب إمّا الأقل أو الأكثر، وجوب الأقل يعني وجوب استقلالي للتسعة، أمّا وجوب الأكثر فيعني وجوب ضمني للتسعة؛ فحينئذٍ يكون العلم التفصيلي هو نفس العلم الإجمالي ويستحيل أن يكون موجباً لانحلاله؛ لأنّ الشيء لا يحل نفسه. هذا ما ذكره المحقق النائيني(قدّس سرّه) وجعله إشكالاً على من يدّعي انحلال العلم الإجمالي بالوجه الثاني، يعني بالعلم التفصيلي بوجوب الأقل المردد بين الوجوب الضمني وبين الوجوب الاستقلالي.
يُلاحظ على هذا الجواب نفس الملاحظة السابقة، يعني هذا الجواب مبني على افتراض أنّ هذا التردد بين التسعة المقيدة بانضمام العاشر الذي هو الأكثر وبين التسعة المطلقة غير المقيدة بانضمام الجزء العاشر الذي هو عبارة عن الأقل، هذا التردد كأنّه أخذ الإطلاق والتقييد دخيلاً في المعلوم بالإجمال، أو بالتعبير الذي ذكره صاحب الحاشية على المعالم أنّ الأمر يدور بين الماهية بشرط شيء وبين الماهية لا بشرط، الماهية بشرط شيء هي عبارة عن المقيد، الذي هو الأكثر، والماهية لا بشرط هي عبارة عن التسعة المطلقة الغير المقيدة بالجزء العاشر، والماهية بشرط شيء تختلف وتباين الماهية لا بشرط، أو الإطلاق والتقييد بينهما تباين، كأنّهم افترضوا أنّ الإطلاق والتقييد، الماهية بشرط شيء والماهية لا بشرط كلّها دخيلة في المعلوم بالإجمال، عندما لاحظوا المعلوم بالإجمال بعد فرض أنّ هذه الأمور دخيلة فيه انتهوا إلى نتيجة أنّ العلم الإجمالي في محل الكلام دائر بين المتباينين لا بين الأقل والأكثر، بناءً على هذه التصورات يأتي جواب المحقق النائيني(قدّس سرّه) عن هذا الوجه، وهو أنّ العلم التفصيلي هو نفس العلم الإجمالي وليس شيئاً آخر، في العلم الإجمالي أنا أعلم بوجوب ماهية إمّا بشرط شيء، وإمّا لا بشرط، الأكثر هو عبارة عن الماهية بشرط شيء، ولنسمه (المقيّد)، الأقل هو عبارة عن ماهية لا بشرط، ولنسمّه (المطلق)، فالأمر يدور بين المطلق وبين المقيد في العلم الإجمالي بين الماهية بشرط شيء وبين الماهية لا بشرط، فيقول أنّ العلم التفصيلي هو نفس العلم الإجمالي، ما أعلمه بالعلم التفصيلي هو وجوب نفسي متعلّق بالأقل، لكنّه مردد بين أن يكون استقلالياً وبين أن يكون ضمنياً، يعني أنا أعلم بوجوب التسعة إمّا مقيّدة بالجزء العاشر، فيكون ماهية بشرط شيء، ومقيّداً، وإمّا غير مقيّدة بالجزء العاشر الذي هو استقلالي، التسعة واجبة إمّا ضمناً، يعني مقيّدة بالجزء العاشر وهو الأكثر، وهي الماهية بشرط شيء، وإمّا استقلالاً، يعني غير مقيّدة بالجزء العاشر، يعني ماهية لا بشرط، وبعبارة أخرى مطلقة، وهذا نفس العلم الإجمالي وليس شيئاً آخراً غير العلم الإجمالي، لكن هذا كلّه مبني على افتراض أنّ الإطلاق والتقييد، أو الماهية بشرط شيء والماهية لا بشرط....وهكذا سائر ما يمكن أن يقال في المقام هو دخيل ويلحظ عندما نريد أن نحل العلم الإجمالي بالعلم التفصيلي، وأمّا إذا قلنا أنّ هذه الأوصاف، الإطلاق والتقييد، والاستقلالية والضمنية، والبشرط شيئية واللا بشرط شيئية ....الخ هذه الأوصاف لا تكون قيوداً في المعلوم بالإجمال بما هو منجّز على المكلّف، وبما هو داخل في العهدة، ليست قيوداً فيه بما هو منجّز على المكلّف الاستقلالية والضمنية والإطلاق والتقييد ليس دخيلاً في المعلوم بالإجمال باعتباره منجّزاً وداخلاً في العهدة، والسر في هذا أنّها أوصاف غير قابلة للتنجيز، ما معنى أنّ وصف الاستقلالية يكون منجّزاً على المكلّف ؟ لا معنى لذلك، وهكذا الإطلاق، وهكذا التقييد، وهكذا الضمنية، هذه أوصاف لا تقبل التنجيز على المكلّف؛ ولذا لا تكون دخيلة في المعلوم بالإجمال بما هو منجّز. نعم، يكون دخيلاً في المعلوم بالإجمال، لكن لا بما هو منجّز، بأن يقال أنا أعلم بوجوب إمّا استقلالي، وإمّا ضمني، أو أعلم بوجوب استقلالي إمّا ثابت للأقل، أو للأكثر، لكن بما هو منجّز وداخل في العهدة الاستقلالية ليست دخيلة فيه، وهذا معناه أنّ المعلوم بالإجمال لابدّ من أن نرفع عنه وصف الاستقلالية، وصف الاستقلالية ليس دخيلاً في المعلوم بالإجمال بما هو منجّز وداخل في العهدة، فإذا لاحظنا ما هو داخل في العهدة ما يتنجّز على المكلّف بالعلم الإجمالي سنجد أنّه ينحل بالعلم التفصيلي، ما يدخل في العهدة وما يُكلّف به المكلّف دائر في الحقيقة بين تسعة أجزاء وبين عشرة أجزاء، يعني تسعة أجزاء بلا إضافة، أو تسعة أجزاء بإضافة. هذا واقع المطلب. صحيح، إذا غضضنا النظر عن هذه النكتة؛ حينئذٍ نقول أنّ ما أعلمه هو إمّا وجوب استقلالي للأقل، أو وجوب استقلالي للأكثر، الاستقلالية ليست دخيلة، إذا نظرنا إلى ما يتنجّز على المكلّف بهذا العلم الإجمالي نجد أنّه دائر بين الأقل والأكثر لا بين المتباينين، وهذا هو معنى أنّ المكلّف يعلم بالتفصيل بوجوب الأقل، ويشك في وجوب ما زاد عليه، وهذا موجب لانحلال العلم الإجمالي.
إذن: تارة نلحظ المعلوم بالإجمال مع وصف كونه استقلالي، أو صف كونه لا بشرط، أو بشرط شيء، أو هذه الأمور التي ذُكرت، وأخرى لا نلحظ ذلك، إذا لاحظنا هذه الأمور يصح كلام المحقق النائيني(قدّس سرّه)، العلم التفصيلي هو نفس العلم الإجمالي وليس شيئاً آخر غيره؛ لأنّ ما أعلمه بالإجمال هو وجوب استقلالي للأكثر، أو وجوب استقلالي للأقل، هذا يمكن أن نبدله بعبارة أخرى: أنا أعلم بوجوب التسعة إمّا بوجوب استقلالي، الذي هو الأقل، وإمّا وجوب التسعة بوجوبٍ ضمني، يعني هو عبارة عن وجوب استقلالي للأكثر، فيكون إشكال المحقق النائيني(قدّس سرّه) وارداً، لكن إذا قلنا بأنّ الاستقلالية ليست دخيلة في ما يتنجّز على المكلّف، في ما يدخل في عهدته نتيجة العلم الإجمالي أو العلم التفصيلي؛ حينئذٍ الأمر ليس هكذا، يمكن أن نقول بأنّ العلم الإجمالي ينحل بالعلم التفصيلي؛ بل في الحقيقة نستطيع أن نقول أنّه أصلاً ليس لدينا علم إجمالي من البداية، أصلاً من البداية لا يتشكّل لدينا علم إجمالي حتّى نبحث أنّه هل هناك ما يوجب انحلاله أو ليس هناك ما يوجب انحلاله، إذا لاحظنا مقدار ما يتنجّز على المكلّف سنجد أنّ الأمر يدور بين الأقل والأكثر من البداية، المكلّف يعلم أنّ ذمّته اشتغلت بالتسعة ويشكّ في أنّه اشتغلت بشيء أزيد من ذلك أو لا ؟ فلا يوجد علم إجمالي حتّى نبحث في انحلاله أو عدم انحلاله، وإنّما هناك شك دائر بين الأقل والأكثر بالضبط كما هو الحال في دوران الأمر بين الأقل والأكثر الاستقلاليين.
الجواب الثالث: ما قد يُفهم من كلام صاحب الحاشية على المعالم، حاصل هذا الجواب هو أنّ الدوران في محل الكلام ليس بين الأقل والأكثر، وإنّما هو بين المتباينين ولا يوجد لدينا علم تفصيلي يوجب انحلال هذا العلم الإجمالي. أمّا أنّ الأمر دائر بين المتباينين لا بين الأقل والأكثر فبما أشرنا إليه من أنّ الأمر يدور بين الماهية بشرط شيء، أو الماهية لا بشرط، نستطيع أن نعبر بأنّ الأمر يدور بين الإطلاق وبين التقييد، والإطلاق يباين التقييد والماهية بشرط شيء تباين الماهية لا بشرط، فإذن الأمر يدور بين المتباينين، وأمّا أنّه لا يوجد علم تفصيلي يوجب انحلال هذا العلم الإجمالي، فلما تقدّم أيضاً من انّ الانحلال مشروط بأن يتعلّق العلم التفصيلي بأحد طرفي العلم الإجمالي، وهنا لا يوجد لدينا علم تفصيلي بأحد الطرفين؛ لأنّ طرفي العلم الإجمالي هما عبارة عن الوجوب الاستقلالي للأقل والوجوب الاستقلالي للأكثر ولا يوجد علم تفصيلي بوجوب الأقل استقلالاً، وإنّما المُدعى هو وجوب الأقل وجوباً أعم من كونه استقلالياً، أو ضمنياً، ولا أحد يدّعي أنّ هناك علماً تفصيلياً بوجوب الأقل استقلالاً، وإنّما المدعى في الوجه الثاني أننا نعلم تفصيلاً بوجوب الأقل وجوب نفسي مردد بين الاستقلالي وبين الضمني، وهذا غير طرف العلم الإجمالي، فلا يوجب انحلاله.
هذا الجواب أيضاً نفس الجواب تقريباً وهو أنّ هذا مبني أيضاً على افتراض أنّ الإطلاق والتقييد، أو البشرط شيء أو اللابشرط مأخوذ قيداً ودخيلاً في المعلوم بالإجمال ويُلحظ هذا في المعلوم بالإجمال عندما يُراد ملاحظة نسبته إلى العلم التفصيلي، وأنّ العلم التفصيلي هل يكون موجباً لانحلاله أو لا يكون موجباً لانحلاله؛ حينئذٍ يقال أنّ الأمر يدور بين المتباينين، بين الإطلاق والتقييد، ولعلّه يبني على أنّ الإطلاق هو عبارة عن لحاظ عدم القيد والتقييد هو عبارة عن لحاظ القيد، لحاظ عدم القيد ولحاظ التقييد أمران متباينان؛ فحينئذٍ يقال بأنّ الأمر يدور بين المتباينين، وليس هناك أقل وأكثر، لكن هذا مبني على لحاظ الإطلاق في المعلوم بالإجمال، فلدينا معلوم بالإجمال مردد بين ماهية مطلقة وبين ماهية مقيّدة، بين ماهية بشرط شيء وبين ماهية لا بشرط...وهكذا. لكن كما قلنا إذا لاحظنا ما يتنجّز على المكلّف وما يدخل في عهدته بالعلم الإجمالي الأوّل المتقدّم، فسنجد أنّ الأمر لا يدور بين المتباينين، الحصيلة النهائية عندما يفكر المكلّف بينه وبين نفسه باعتبار هذا العلم الإجمالي، سيجد أنّه يعلم قطعاً بوجوب الأقل ويشك في وجوب ما زاد عليه. هذا قطعاً داخل في عهدته، هل هناك شيء آخر أيضاً دخل في عهدته، أو لا ؟ فمن البداية كما قلنا لا يوجد علم إجمالي؛ لأنّ قوام العلم الإجمالي هو الدوران بين المتباينين، في المقام لا يوجد علم إجمالي يدور بين المتباينين، وإنّما من البداية يدور الأمر بين الأقل والأكثر، الأقل معلوم بالتفصيل، والأكثر مشكوك بالشك البدوي فلا مانع من جريان البراءة فيه.