19-07-1435
تحمیل
الأستاذ الشيخ باقر الايرواني
بحث الفقه
35/07/19
بسم الله الرحمن الرحیم
الموضـوع:-مسألة
( 428 )
/ الواجب الثاني عشر من واجبات حج التمتع ( المبيت بمنى ).
الاحتمال الثاني:- أن يكون المقصود هو أن من أنهى نسكه قبل طلوع الفجر لا يحقّ له أن يخرج من مكة بل يلزمه اللبث والبقاء فيها إلى طلوع الفجر، وصاحب المدارك يقول كلّا إن الأخبار لا تعطي ذلك أي لا تعطي لزوم البقاء بعد أن أنهى نسكه بل يمكن أن يقال يجوز له أن يخرج من مكة ولو قبل طلوع الفجر.
وإذا كان هذا هو مقصود العلمين الشهيدين فالحقّ مع صاحب المدارك فإنه سوف يأتي في الطائفة الرابعة أنّ من اشتغل شطراً من الليل في مكة بالطواف وما شاكله يجوز له أن يخرج من مكة المكرمة متوجّهاً إلى منى تمسّكاً بإطلاق صحيحة جميل حيث جاء فيها:- ( من زار فنام في الطريق[1] فإن بات بمكة فعليه دمٌ وإن كان قد خرج منها فلبس عليه شيء وإن أصبح دون منى )[2] فإنها بإطلاقها تشمل محلّ الكلام، فهي كما تشمل حالة من كان في منى وخرج منها ليلاً تشمل أيضاً من كان في مكة من العصر مثلاً واشتغل بالنسك إلى الليل فيحقّ له بمقتضى هذه الرواية الخروج . إذن هي بإطلاقها تشمل محلّ كلامنا وهو من كان موجوداً في مكة قبل الليل فأتى بالنسك وبعد ذلك أراد الخروج ليلاً فلا بأس بمقتضى إطلاق هذه الرواية.
نعم قد يشكل مشكلٌ ويقول:- إن الرواية قالت:- ( من زار فنام في الطريق ) وهذا لا يدلّ على أن خروجه جائز وإنما هي ناظرة إلى من خرج أمّا الذي زار ويريد أن يخرج فلعلّه لا يجوز له الخروج، فهي تريد أن ترتّب الكفارة لو خرج ونام قبل أن يخرج من مكّة، فهي ناظرة إلى هذه القضيّة وليست ناظرة إلى أن خروجه جائز فهي لا تدلّ على أن خروجه جائز.
والجواب:- ليس من البعيد أنّه يستفاد من الرواية أنّ أصل الخروج جائزٌ وإلّا لكان من المناسب للإمام أن ينبّه على ذلك - يعني من المناسب أن يقول ( إنه لا يجوز له الخروج ولو خرج ترتّبت عليه الشاة إن نام في مكة ) - فعدم التنبيه يدلّ على أنّ هذا جائز .
والخلاصة:- إذا كان مقصود الشهيدين هذا الذي أشرنا أليه في هذا الاحتمال - وهو أنه لا يحوز للحاج أن يخرج من مكة بعد أداء النسك بل يلزمه أن يلبث حتى يطلع الفجر - فالحق مع صاحب المدارك تمسّكاً بإطلاق مثل هذه الرواية وغيرها.
الاحتمال الثالث:- أن يكون مقصود العلمين أنّ من زارد وأدّى النسك فبالنسبة إلى بقيّة الليل إذا بقي ولم تخرج فيلزم أن يبقى مشتغلاً بالعبادة طيلة الفترة حتى طلوع الفجر ولا يكفيه النسك الذي أدّاه بقطع النظر عن أنّ الذي يشتغل به هو مطلق العبادة أو خصوص النسك، وصاحب المدارك يقول إنَّ الأخبار لا تعطي ذلك يعني لا تعطي لزوم الاشتغال بالعبادة بل يكفي أداء النسك وما زاد عليه فليس بلازم.
إنه إذا كان مقصود الشهيدين ذلك فالحقّ مع صاحب المدارك فإنه قد ذكرنا في الأمر الخامس أن الأخبار لا تعطي لزوم الاشتغال طيلة الليل وإنما تعطي أنه لابد وأن يشتغل بالنسك أمّا طيلة الفترة فلا وإن قلنا أنّ الأحوط ذلك ولكنّه بالتالي لم نستفد منها لزوم الاشتغال بقيّة الفترة بالنسك أو بالعبادة، فعلى تقدير هذا الاحتمال يكون الحقّ مع صاحب المدارك.
الأمر السابع:- إن الاشتغال بالعبادة على ما ذكرنا يكفي إمّا طيلة الليل أو مقدار منه - على الخلاف بمطلق العبادة أو بخصوص النسك على الخلاف -.
والسؤال:- هل يلزم أن يكون ذلك في المسجد الحرام أن يكفي مطلق مكّة بأن يجلس في غرفة السكن ويذكر الله فهل هذا يكفي أو لا ؟
والجواب:- إنه لابد من مراجعة الأخبار السابقة.
ولكن قبل ذلك نقول:- ماذا يقتضي الأصل العملي بقطع النظر عن الأخبار، يعني لو كانت الأخبار مجملة ولا يفهم منها أنّه في خصوص المسجد أو مطلق مكة فالمناسب ما هو ؟
المناسب هو البراءة على ما أشرنا سابقاً لأنه بالتالي نشكّ أنّ ذمتنا هل اشتغلت بالفرد المخيّر بين المبيت بمنى أو النسك في خصوص المسجد الحرام أو في مطلق مكّة المكرمة، إنّ الاشتغال بهذا الجامع في الجملة متيقّن أمّا أن يكون البديل هو خصوص الاشتغال في المسجد الحرام فذاك ضيقٌ زائد غير معلوم فيرفع بالبراءة . إذن مقتضى الأصل العملي عند إجمال النصوص هو البراءة كما أشرنا.
نعم قد تربط هذه المسألة بقضيّة أخرى وهي أن فعل النسك هل هو فردٌ تخييري للواجب أو أنّه مسقطٌ عن الواجب فإذا قيل إنّه فردٌ فيأتي هذا الكلام أمّا إذا قيل هو مسقطٌ فيصير المورد من موارد الشك في المسقط.
وأجبنا عن ذلك بأن هذا حوالة على مجهول، وهذا لا يمكن تحصيله من النصوص، فبالتالي تبقى القضيّة مجهولة من هذه الناحية وأصل بالبراءة لا يتغير لأنه بالتالي نشك بأن ذمتنا بماذا اشتغلت فهل اشتغلت بهذا المقيّد أو لا ؟ فالشك في أصل الاشتغال بالمقيّد باقياً فإذا كان باقياً فالبراءة هي المحكَّمة.
ولو رجعنا الى الأخبار قد يستفاد من بعضها أنّه إذا اشتغل بالنسك كفاه ذلك عن المبيت بمكة، وحيث إنَّ النسك عبارة عن الطواف والسعي فبالتالي يكون المستفاد منها أنَّ الذي يكفي هو الاشتغال داخل المسجد الحرام فالمدار على هذا، هكذا قد يقال فلاحظ الروايات في هذا المجال، فمثلاً جاء في صحيحة معاوية الأولى:- ( ... فلا تبت إلا بمنى إلا أن يكون شغلك في نسكك ) فهذه لا يستفاد منها إلا أنّ الاشتغال في المسجد الحرام كافٍ أمّا غير ذلك فلا يستفاد كفايته، والرواية الأخرى لمعاوية جاء فيها:- ( إلا أن يكون شغلك نسكك ) والأمر فيها ذلك أيضاً، ولكن جاء في الرواية الثالثة:- ( سألت أبا عبد لله عليه السلام عن رجل زار البيت فلم يزل في طوافه ودعائه والسعي والدعاء حتى طلع الفجر، فقال:- ليس عليه شيء كان في طاعة الله عز وجل )، إنه لو لم يكن الذيل موجوداً - أعني قوله ( كان في طاعة الله عز وجل ) - لما استفدنا منها إلا المقدار الذي استفدناه من الروايتين السابقتين، فأكثر من ذلك يصعب استفادته فإن الدعاء يكون في المسجد الحرام أيضاً، فأقصى ما نستفيد منها أنَّ أداء الطواف والدعاء في المسجد لحرام يكون مجزياً وبديلاً، ولكن حينما نلاحظ العبارة المذكورة التي تقول:- ( ليس عليه شيءٌ كان في طاعة الله عز وجل ) إنّه يستفاد منها أنَّ الاشتغال بطاعة الله عز وجل في الفترة المذكورة هو المجزي وهو المسقط للواجب، ومن المعلوم أنَّ طاعة الله ليست منحصرة بالمسجد الحرام بل تكون خارج المسجد وداخل مكّة، فلا بأس بأن يشتغل بمطلق الطاعة بأن يعين الحجاج بشكلٍ من الاشكال كإرشاد التائه وغير ذلك، فمن أراد أن يستفيد ذلك من الرواية فهو شيءٌ قريبٌ ووجيهٌ ولا بأس به.
بل نصعّد اللهجة ونقول:- إنه لا يلزم أن يكون ذلك حتى في مكة، بل حتى لو كان خارج مكّة فإنه لا بأس بذلك فهي يستفاد منها أنَّ المهمّ هو أنّ يكون مشغولاً بطاعة الله عزّ وجل، ولا تقولنَّ هذا صار خروجاً من مكّة ؟! فأقول:- إن الخروج الذي لا يجوز هو الخروج بعد عمرة التمتع فإذا تلبست بالعمرة فحينئذٍ يجوز الخروج . إذن هذا شيءٌ قريبٌ وإن كان الأحوط الاقتصار على خصوص المسجد الحرام وعلى خصوص مكة المكرمة.
وأما الطائفة الثالثة:- أعني من خرج من منى بعد دخول الليل بساعة مثلاً أو أكثر أو أقل وذهب لأداء النسك كفاه ذلك - وهذه الطريقة لعلها أخفّ مؤنة من السابقة لأنه في الطريقة السابقة على رأي المشهور أنه يلزم أن يشتغل بالعبادة من أوّل الليل حتى طلوع الفجر أمّا على هذه الطائفة فهو يبقى في منى فترة من الزمن لساعةٍ أو ساعتين ثم يذهب إلى مكة فيؤدي المناسك حتى طلوع الفجر - فلم يشر إليها المحقّق في الشرائع وهذا نفهم منه أن استثناء هذه الصورة لم يكن أمراً واضحاً عند القدماء وإنما أشار إليها صاحب المدارك(قده)[3] حيث قال المحقّق(قده):- ( فلو بات بغيرها كان عليه عن كل ليلة شاة إلا أن يبيت بمكة مشتغلاً بالعبادة ) وهذا إشارة إلى الطائفة الثانية التي تقدم الحديث عنها، وهنا قال صاحب المدارك(قده):- ( والمراد أن من بات بمكة مشتغلاً بالعبادة في الليالي التي يجب فيها المبيت بمنى لم يلزمه دم والظاهر أن المبيت على هذا الوجه يكون جائزاً سواءً كان خروجه من منى لذلك قبل غروب الشمس أو بعده )، فإن قوله ( قبل غروب الشمس ) إشارة إلى الطائفة الثانية، وقوله ( أو بعده ) إشارة إلى الطائفة الثالثة التي هي محلّ كلامنا، ونفس هذه العبارة ذكرها صاحب الحدائق(قده)[4] أيضاً.
هذا من حيث الفتوى.
الاحتمال الثاني:- أن يكون المقصود هو أن من أنهى نسكه قبل طلوع الفجر لا يحقّ له أن يخرج من مكة بل يلزمه اللبث والبقاء فيها إلى طلوع الفجر، وصاحب المدارك يقول كلّا إن الأخبار لا تعطي ذلك أي لا تعطي لزوم البقاء بعد أن أنهى نسكه بل يمكن أن يقال يجوز له أن يخرج من مكة ولو قبل طلوع الفجر.
وإذا كان هذا هو مقصود العلمين الشهيدين فالحقّ مع صاحب المدارك فإنه سوف يأتي في الطائفة الرابعة أنّ من اشتغل شطراً من الليل في مكة بالطواف وما شاكله يجوز له أن يخرج من مكة المكرمة متوجّهاً إلى منى تمسّكاً بإطلاق صحيحة جميل حيث جاء فيها:- ( من زار فنام في الطريق[1] فإن بات بمكة فعليه دمٌ وإن كان قد خرج منها فلبس عليه شيء وإن أصبح دون منى )[2] فإنها بإطلاقها تشمل محلّ الكلام، فهي كما تشمل حالة من كان في منى وخرج منها ليلاً تشمل أيضاً من كان في مكة من العصر مثلاً واشتغل بالنسك إلى الليل فيحقّ له بمقتضى هذه الرواية الخروج . إذن هي بإطلاقها تشمل محلّ كلامنا وهو من كان موجوداً في مكة قبل الليل فأتى بالنسك وبعد ذلك أراد الخروج ليلاً فلا بأس بمقتضى إطلاق هذه الرواية.
نعم قد يشكل مشكلٌ ويقول:- إن الرواية قالت:- ( من زار فنام في الطريق ) وهذا لا يدلّ على أن خروجه جائز وإنما هي ناظرة إلى من خرج أمّا الذي زار ويريد أن يخرج فلعلّه لا يجوز له الخروج، فهي تريد أن ترتّب الكفارة لو خرج ونام قبل أن يخرج من مكّة، فهي ناظرة إلى هذه القضيّة وليست ناظرة إلى أن خروجه جائز فهي لا تدلّ على أن خروجه جائز.
والجواب:- ليس من البعيد أنّه يستفاد من الرواية أنّ أصل الخروج جائزٌ وإلّا لكان من المناسب للإمام أن ينبّه على ذلك - يعني من المناسب أن يقول ( إنه لا يجوز له الخروج ولو خرج ترتّبت عليه الشاة إن نام في مكة ) - فعدم التنبيه يدلّ على أنّ هذا جائز .
والخلاصة:- إذا كان مقصود الشهيدين هذا الذي أشرنا أليه في هذا الاحتمال - وهو أنه لا يحوز للحاج أن يخرج من مكة بعد أداء النسك بل يلزمه أن يلبث حتى يطلع الفجر - فالحق مع صاحب المدارك تمسّكاً بإطلاق مثل هذه الرواية وغيرها.
الاحتمال الثالث:- أن يكون مقصود العلمين أنّ من زارد وأدّى النسك فبالنسبة إلى بقيّة الليل إذا بقي ولم تخرج فيلزم أن يبقى مشتغلاً بالعبادة طيلة الفترة حتى طلوع الفجر ولا يكفيه النسك الذي أدّاه بقطع النظر عن أنّ الذي يشتغل به هو مطلق العبادة أو خصوص النسك، وصاحب المدارك يقول إنَّ الأخبار لا تعطي ذلك يعني لا تعطي لزوم الاشتغال بالعبادة بل يكفي أداء النسك وما زاد عليه فليس بلازم.
إنه إذا كان مقصود الشهيدين ذلك فالحقّ مع صاحب المدارك فإنه قد ذكرنا في الأمر الخامس أن الأخبار لا تعطي لزوم الاشتغال طيلة الليل وإنما تعطي أنه لابد وأن يشتغل بالنسك أمّا طيلة الفترة فلا وإن قلنا أنّ الأحوط ذلك ولكنّه بالتالي لم نستفد منها لزوم الاشتغال بقيّة الفترة بالنسك أو بالعبادة، فعلى تقدير هذا الاحتمال يكون الحقّ مع صاحب المدارك.
الأمر السابع:- إن الاشتغال بالعبادة على ما ذكرنا يكفي إمّا طيلة الليل أو مقدار منه - على الخلاف بمطلق العبادة أو بخصوص النسك على الخلاف -.
والسؤال:- هل يلزم أن يكون ذلك في المسجد الحرام أن يكفي مطلق مكّة بأن يجلس في غرفة السكن ويذكر الله فهل هذا يكفي أو لا ؟
والجواب:- إنه لابد من مراجعة الأخبار السابقة.
ولكن قبل ذلك نقول:- ماذا يقتضي الأصل العملي بقطع النظر عن الأخبار، يعني لو كانت الأخبار مجملة ولا يفهم منها أنّه في خصوص المسجد أو مطلق مكة فالمناسب ما هو ؟
المناسب هو البراءة على ما أشرنا سابقاً لأنه بالتالي نشكّ أنّ ذمتنا هل اشتغلت بالفرد المخيّر بين المبيت بمنى أو النسك في خصوص المسجد الحرام أو في مطلق مكّة المكرمة، إنّ الاشتغال بهذا الجامع في الجملة متيقّن أمّا أن يكون البديل هو خصوص الاشتغال في المسجد الحرام فذاك ضيقٌ زائد غير معلوم فيرفع بالبراءة . إذن مقتضى الأصل العملي عند إجمال النصوص هو البراءة كما أشرنا.
نعم قد تربط هذه المسألة بقضيّة أخرى وهي أن فعل النسك هل هو فردٌ تخييري للواجب أو أنّه مسقطٌ عن الواجب فإذا قيل إنّه فردٌ فيأتي هذا الكلام أمّا إذا قيل هو مسقطٌ فيصير المورد من موارد الشك في المسقط.
وأجبنا عن ذلك بأن هذا حوالة على مجهول، وهذا لا يمكن تحصيله من النصوص، فبالتالي تبقى القضيّة مجهولة من هذه الناحية وأصل بالبراءة لا يتغير لأنه بالتالي نشك بأن ذمتنا بماذا اشتغلت فهل اشتغلت بهذا المقيّد أو لا ؟ فالشك في أصل الاشتغال بالمقيّد باقياً فإذا كان باقياً فالبراءة هي المحكَّمة.
ولو رجعنا الى الأخبار قد يستفاد من بعضها أنّه إذا اشتغل بالنسك كفاه ذلك عن المبيت بمكة، وحيث إنَّ النسك عبارة عن الطواف والسعي فبالتالي يكون المستفاد منها أنَّ الذي يكفي هو الاشتغال داخل المسجد الحرام فالمدار على هذا، هكذا قد يقال فلاحظ الروايات في هذا المجال، فمثلاً جاء في صحيحة معاوية الأولى:- ( ... فلا تبت إلا بمنى إلا أن يكون شغلك في نسكك ) فهذه لا يستفاد منها إلا أنّ الاشتغال في المسجد الحرام كافٍ أمّا غير ذلك فلا يستفاد كفايته، والرواية الأخرى لمعاوية جاء فيها:- ( إلا أن يكون شغلك نسكك ) والأمر فيها ذلك أيضاً، ولكن جاء في الرواية الثالثة:- ( سألت أبا عبد لله عليه السلام عن رجل زار البيت فلم يزل في طوافه ودعائه والسعي والدعاء حتى طلع الفجر، فقال:- ليس عليه شيء كان في طاعة الله عز وجل )، إنه لو لم يكن الذيل موجوداً - أعني قوله ( كان في طاعة الله عز وجل ) - لما استفدنا منها إلا المقدار الذي استفدناه من الروايتين السابقتين، فأكثر من ذلك يصعب استفادته فإن الدعاء يكون في المسجد الحرام أيضاً، فأقصى ما نستفيد منها أنَّ أداء الطواف والدعاء في المسجد لحرام يكون مجزياً وبديلاً، ولكن حينما نلاحظ العبارة المذكورة التي تقول:- ( ليس عليه شيءٌ كان في طاعة الله عز وجل ) إنّه يستفاد منها أنَّ الاشتغال بطاعة الله عز وجل في الفترة المذكورة هو المجزي وهو المسقط للواجب، ومن المعلوم أنَّ طاعة الله ليست منحصرة بالمسجد الحرام بل تكون خارج المسجد وداخل مكّة، فلا بأس بأن يشتغل بمطلق الطاعة بأن يعين الحجاج بشكلٍ من الاشكال كإرشاد التائه وغير ذلك، فمن أراد أن يستفيد ذلك من الرواية فهو شيءٌ قريبٌ ووجيهٌ ولا بأس به.
بل نصعّد اللهجة ونقول:- إنه لا يلزم أن يكون ذلك حتى في مكة، بل حتى لو كان خارج مكّة فإنه لا بأس بذلك فهي يستفاد منها أنَّ المهمّ هو أنّ يكون مشغولاً بطاعة الله عزّ وجل، ولا تقولنَّ هذا صار خروجاً من مكّة ؟! فأقول:- إن الخروج الذي لا يجوز هو الخروج بعد عمرة التمتع فإذا تلبست بالعمرة فحينئذٍ يجوز الخروج . إذن هذا شيءٌ قريبٌ وإن كان الأحوط الاقتصار على خصوص المسجد الحرام وعلى خصوص مكة المكرمة.
وأما الطائفة الثالثة:- أعني من خرج من منى بعد دخول الليل بساعة مثلاً أو أكثر أو أقل وذهب لأداء النسك كفاه ذلك - وهذه الطريقة لعلها أخفّ مؤنة من السابقة لأنه في الطريقة السابقة على رأي المشهور أنه يلزم أن يشتغل بالعبادة من أوّل الليل حتى طلوع الفجر أمّا على هذه الطائفة فهو يبقى في منى فترة من الزمن لساعةٍ أو ساعتين ثم يذهب إلى مكة فيؤدي المناسك حتى طلوع الفجر - فلم يشر إليها المحقّق في الشرائع وهذا نفهم منه أن استثناء هذه الصورة لم يكن أمراً واضحاً عند القدماء وإنما أشار إليها صاحب المدارك(قده)[3] حيث قال المحقّق(قده):- ( فلو بات بغيرها كان عليه عن كل ليلة شاة إلا أن يبيت بمكة مشتغلاً بالعبادة ) وهذا إشارة إلى الطائفة الثانية التي تقدم الحديث عنها، وهنا قال صاحب المدارك(قده):- ( والمراد أن من بات بمكة مشتغلاً بالعبادة في الليالي التي يجب فيها المبيت بمنى لم يلزمه دم والظاهر أن المبيت على هذا الوجه يكون جائزاً سواءً كان خروجه من منى لذلك قبل غروب الشمس أو بعده )، فإن قوله ( قبل غروب الشمس ) إشارة إلى الطائفة الثانية، وقوله ( أو بعده ) إشارة إلى الطائفة الثالثة التي هي محلّ كلامنا، ونفس هذه العبارة ذكرها صاحب الحدائق(قده)[4] أيضاً.
هذا من حيث الفتوى.