36/01/17
تحمیل
الموضوع: الأصول العمليّة / تنبيهات العلم الإجمالي/ انحلال العلم الإجمالي
كان الكلام في ما إذا كان هناك أثر زائد لأحد الطرفين وأثر مشترك لكلا الطرفين، فهل ينجّز العلم الإجمالي كل الآثار، أو ينجّز فقط الأثر المشترك ؟
ما يُفهم من عبارة السيد الخوئي(قدّس سرّه) أنّ الأثر الزائد، على الأقل في مثل المثال المطروح في البحث الذي هو مثال الماء المطلق والماء المضاف، الظاهر أنّ الأثر الزائد داخل في دائرة العلم الإجمالي ويتنجّز بالعلم الإجماليكما يتنجّز به الأثر المشترك، والسرّ في ذلك هو أنّ العلم الإجمالي في المقام لم يتعلّق بالتكليف بحرمة شرب هذا الإناء، أو هذا الإناء، حرمة شرب الماء المطلق، أو حرمة شرب الماء المضاف حتّى يمكن أن نتصوّر أنّ ذاك الأثر الزائد ليس داخلاً في دائرة العلم الإجمالي؛ لأنّ العلم الإجمالي دائر بين حرمة شرب هذا وحرمة شرب هذا، أمّا عدم جواز الوضوء بهذا ليس مشمولاً لهذا العلم الإجمالي، الأمر في المقام ليس هكذا، العلم الإجمالي تعلّق بنجاسة أحد الإناءين، ما نعلمه إجمالاً هو نجاسة أحد المائعين، المائع المضاف، أو المائع المطلق، بمعنى أنّ متعلّق العلم الإجمالي هو موضوع الأثر الشرعي الذي هو عبارة عن النجاسة، ومن الواضح أنّ العلم بالموضوع هو علم بآثار الموضوع، يعني العلم الإجمالي بالموضوع هو علم إجمالي بآثار الموضوع، هذا الموضوع الذي هو النجاسة، على تقدير أن تكون متحققة بالماء المضاف لها اثر واحد، وأثرها هو حرمة الشرب، لكن على تقدير أن تكون متحققة في الماء المطلق لها أثران وليس أثراً واحداً، الأوّل هو حرمة الشرب، والثاني هو عدم جواز الوضوء بذلك الماء، ما نعلمه هو نجاسة أحد المائعين؛ حينئذٍ على تقدير أن تكون النجاسة في الماء المطلق يترتب كلا الأثرين، وعلى تقدير أن تكون النجاسة موجودة في الماء المضاف يترتب أثر واحد؛ حينئذٍ العلم الإجمالي ينجّز كل هذه الآثار؛ لأنّ العلم الإجمالي بنجاسة الماء المطلق يعني العلم الإجمالي بكلا الأثرين، يعني العلم الإجمالي بحرمة شربه، والعلم الإجمالي بعدم جواز الوضوء به، التفكيك بين هذين الأثرين بلحاظ العلم الإجمالي ودعوى أنّ العلم الإجمالي ينجّز الأوّل دون الثاني لا وجه له بعد الالتفات إلى أنّ العلم الإجمالي يتعلّق بنجاسة أحد المائعين لا بحرمة شرب هذا وبحرمة شرب هذا، والعلم الإجمالي بنجاسة الماء المطلق يعني العلم الإجمالي بحرمة شربه وعدم جواز الوضوء به، والتفكيك بين هذين الأثرين بلا موجب، فيكون العلم الإجمالي شاملاً للأثر الزائد، ويكون الأثر الزائد داخلاً في دائرة العلم الإجمالي، ويتنجّز بالعلم الإجمالي؛ بل أكثر من هذا؛ إذ يمكن أن يقال بوجود علمين إجماليين لا علم إجمالي واحد، هناك علمان إجماليان في محل الكلام يشتركان في طرف وهما عبارة عن العلم الإجمالي بأنّه إمّا يحرم شرب المضاف، أو يحرم شرب الماء المطلق، في نفس الوقت هناك علم إجمالي آخر ناشئ من العلم بسقوط النجاسة في أحد المائعين، وهو عبارة عن العلم الإجمالي بأنّه إمّا يحرم شرب الماء المضاف، أو لا يجوز الوضوء بالماء المطلق، هذان علمان إجماليان، طرفا العلم الإجمالي الأوّل هما حرمة شرب الماء المضاف، وحرمة شرب الماء المطلق، وطرفا العلم الإجمالي الثاني هما حرمة شرب الماء المضاف وعدم جواز الوضوء بالماء المطلق، فحرمة شرب الماء المضاف تكون طرفاً مشتركاً بين هذين العلمين الإجماليين، وهذان علمان إجماليان، وقد تقدّم سابقاً أنّ اشتراك العلمين الإجماليين في طرف لا يوجب انحلال العلم الإجمالي؛ بل يبقى العلمان الإجماليان غير منحلّين؛ وحينئذٍ ينجّزان كلا الطرفين، كل منهما ينجّز كلا طرفيه، فالعلم الإجمالي الأوّل ينجّز طرفيه، والعلم الإجمالي الثاني ينجّز طرفيه أيضاً، وهذا معناه أنّ كل الآثار بما فيها الأثر الزائد، الأثر المختص، يكون منجّزاً بالعلم الإجمالي لا أنّه يكون خارجاً عن دائرة العلم الإجمالي.
لكن هذا الكلام كلّه نقوله عندما نفترض أنّ الأثر المشترك والأثر المختص في موضوعين، كما هو الحال في المثال المطروح، هناك موضوعان، هناك ماء مطلق وماء مضاف، وأحد الأثرين يختص بأحد الموضوعين دون الموضوع الآخر. إذن: هناك موضوعان ثبت فيهما هذان الأثران، الأثر المشترك والأثر المختص، وهكذا في مثال آخر تقدّم سابقاً، وهو ما إذا علم بأنّه إماّ أن يكون مديناً لزيد بخمسة دراهم، أو مديناً لعمرو بعشرة دراهم، موضوعان مختلفان.
وأمّا إذا فرضنا أنّهما كانا في موضوعٍ واحدٍ، كما لو فرضنا أنّه علم بأنّه إمّا استدان من زيد خمسة دنانير، أو نذر أن يعطيه عشرة دنانير. الظاهر أنّ هذه الحالة خارجة عن محل الكلام، لا إشكال هنا في هذه الحالة في عدم تنجيز هذا الأثر بهذا العلم الإجمالي، والسر في ذلك هو أنّه إذا لاحظنا سبب اشتغال الذمّة يوجد فيه علم إجمالي؛ لأنّ الأمر مردد بين الدَين وبين النذر، السبب غير واضح، هل هو النذر، أو هو الدَين، فيوجد علم إجمالي بلحاظ السبب، لكن عندما نلحظ المسبّب(المديونية) عندما نلحظ اشتغال الذمّة فسنجد أنّه لا يوجد علم إجمالي، وإنّما الأمر يدور بين الأقل والأكثر، ما اشتغلت به الذمة، وما كُلِّف بدفعه، في الواقع يدور بين الأقل والأكثر، الموضوع واحد إما أنه يجب عليه أن يدفع إلى زيد خمسة دنانير، وإمّا أن يجب عليه أن يدفع له عشرة دنانير، فالأمر يدور بين الأقل والأكثر، وهنا تجري البراءة لنفي الزائد من دون فرقٍ بين أن يكون الأقل والأكثر استقلاليين، أو أن يكونا ارتباطيين، حتّى لو كانا ارتباطيين أيضاً تجري البراءة لنفي الزائد كما لو فرضنا أنّ الدَين كان على نحو العام المجموعي والنذر أيضاً كان على نحو العام المجموع، وليس فيه انحلال حتّى يكون أقل وأكثر استقلالياً، وإنّما هو اقل وأكثر ارتباطي، الدَين على نحو العام المجموعي، والنذر نذر أن يعطيه عشرة دنانير على نحو العام المجموعي، هنا يكون الأقل والأكثر ارتباطيين، وعلى كلا التقديرين تجري البراءة لنفي الزائد، بلا أن يجري فيه الخلاف السابق، والسر في أنّه لا خلاف في جريان البراءة في المقام وعدم تنجّز الأثر الزائد في هذا المثال ـــــــــ فيما لو كانا في موضوعٍ واحد ــــــــــــ وجريان الكلام فيما لو كانا في موضوعين، السر هو أنّه فيما لو كانا في موضوعين استطعنا أن نتصوّر علماً إجمالياً يكون الأثر الزائد طرفاً من أطرافه، فينجّزه؛ بل استطعنا أن نتصوّر علمين إجماليين يكون الأثر الزائد طرفاً في أحدهما، وقلنا أنّ العلمين الإجماليين اللّذين يشتركان في طرفٍ واحد لا ينحلّ أحدهما بالآخر؛ بل يبقى كلٌ منهما على حاله، فينجّز أطرافه، فيتنجّز الأثر الزائد، هذا استطعنا أن نتصوّره هناك، أمّا هنا، عندما يكون الموضوع واحداً، هنا لا يوجد علم إجمالي في الحقيقة والواقع، وإنّما الموجود هو دوران الأمر بين الأقل والأكثر، فهو إمّا أن يكون مديناً لزيد بخمسة دراهم، أو يكون مديناً له بعشرة دراهم، هذا دوران الأمر بين الأقل والأكثر وليس علماً إجمالياً، وإن كان هناك علم إجمالي بلحاظ السبب، لكن بلحاظ ما يدخل في العهدة، وما يكلّف به المكلّف الأمر يدور بين الأقل والأكثر، فتجري البراءة لنفيه ويخرج عن محل الكلام.
خلاصة الكلام المتقدّم: في محل الكلام في ما إذا كان الأثر المشترك والأثر المختص في موضوعين، الظاهر أنّ العلم الإجمالي ينجّز تمام الآثار بما فيها الأثر المختص والزائد، ولا تجري البراءة لنفي الأثر الزائد، لكن هذا الكلام نقوله بشرط أن يكون الأثر المختص ليس له أصل مستقل يختص به بحيث يكون هذا الأصل المختص به غير مسانخ للأصل الذي يُراد أن ينفى به الأثر المشترك، الأثر المشترك له أصل يُنفى به، والأثر المختص له أصل آخر غير مسانخ له، هنا نقول تجري البراءة، كلامنا السابق عندما لا يكون هناك أصل مستقل للأثر الزائد غير مسانخ للأصل الذي يجري في الأثر المشترك كما هو الحال في المثال السابق في الماء المضاف والماء المطلق، الأصل الموجود هو عبارة عن أصالة الطهارة، هذا أصل واحد يُراد أن ينفى به الأثر المشترك الذي هو حرمة الشرب، ويُراد أن يُنفى به عدم جواز الوضوء، أي إثبات جواز الوضوء استناداً إلى قاعدة الطهارة التي هي نفسها التي يُستنَد إليها لنفي حرمة الشرب. إذن: الأثر الزائد ليس له أصل مستقل غير مسانخ للأصل الجاري في الأثر المشترك. هذا يأتي فيه الكلام السابق ونلتزم فيه بأنّ العلم الإجمالي ينجّز الأثر الزائد كما ينجّز الأثر المشترك.
أمّا إذا فرضنا أنّ الأثر الزائد يختصّ بأصلٍ غير مسانخ لذلك الأصل كما لو فرضنا أنّ الماء المطلق كانت له حالة سابقة وهي الطهارة بحيث يجري فيه استصحاب الطهارة، مع افتراض عدم وجود حكومة بين الاستصحاب وبين الأصل في حالات التوافق كما هو أحد الآراء في المسألة، أنّ الأصلين اللّذين يكون أحدهما حاكماً على الآخر في صورة التخالف لا حكومة بينهما في صورة التوافق، استصحاب طهارة وأصالة طهارة لا تخالف بينهما، متوافقان، فلا حكومة بينهما، فإذا لم تكن هناك حكومة بينهما، كل هذه الأصول تكون أصولاً عرضية تجري في عرضٍ واحد، يعني قاعدة الطهارة في الماء المضاف، قاعدة الطهارة في الماء المطلق، واستصحاب الطهارة في الماء المطلق، كلّها تكون في عرضٍ واحد ولا طولية بينهما، وإلاّ إذا قلنا أنّ الحكومة ثابتة بين الاستصحاب والأصل مطلقاً، يعني حتّى في حالة التوافق؛ حينئذٍ أصالة الطهارة في الماء المطلق واستصحاب الطهارة فيه لا يكونان في عرضٍ واحدٍ؛ لأنّ استصحاب الطهارة يكون حاكماً على قاعدة الطهارة في الماء المطلق، ومع هذه الحكومة يكون الاستصحاب الجاري في الماء المطلق معارضاً لقاعدة الطهارة في الماء المضاف، كلا نحن نفترض عدم الحكومة، فتكون في عرضٍ واحدٍ؛ حينئذٍ نقول: في هذه الحالة لا مانع من جريان استصحاب الطهارة في الماء المطلق؛ لأنّه أصل مختص بهذا الطرف، مختص بالماء المطلق وغير مسانخ للأصل الآخر، غير مسانخ لقاعدة الطهارة، غير مسانخ لأصالة الطهارة، كلٌ منهما له دليل مستقل، قاعدة الطهارة لها دليل وتثبت أمراً، واستصحاب الطهارة له دليل آخر، كلٌ منهما له دليل ولا توجد بينهما سنخية، هذا قاعدة، وهذا استصحاب، في هذه الحالة يمكن نفي الأثر الزائد استناداً إلى استصحاب الطهارة؛ بل بناءً على جريان استصحاب الطهارة في المقام بعد تساقط الأصلين، أو القاعدتين في الطرفين؛ حينئذٍ يمكن ليس فقط أن ننفي الأثر الزائد، وإنّما ننفي حتّى الأثر المشترك بالنسبة إلى الماء المطلق، هذا يمكن أن يقال به. على كل حال، يمكن إجراء استصحاب الطهارة لنفي الأثر الزائد في المقام، والسر في ذلك هو أنّ دليل الاستصحاب لا يُبتلى بالإجمال الذي هو السبب في تساقط الأصلين في الطرفين، قاعدة الطهارة في هذا الطرف، وأصالة الطهارة في هذا الطرف، من الواضح جداً أنّه لا يمكن إجراؤهما معاً؛ لأنّ هذا يستلزم الترخيص في المخالفة القطعية، ولا يمكن إجراء الأصل في أحد الطرفين دون الآخر؛ لأنّه ترجيح بلا مرجّح؛ حينئذٍ يُبتلى الدليل بالإجمال، بمعنى ــــــــــ وقد تقدّم هذا سابقاً ـــــــــــ أنّ دليل الأصل لا نعلم أنّه هل يشمل هذا الطرف دون ذاك، أو يشمل ذاك الطرف دون هذا ؟ بعد فرض عدم إمكان شموله لكلٍ منهما، فيكون مجملاً من هذه الناحية، فإذا كان دليل الأصل مجملاً؛ فحينئذٍ لا يمكن التمسّك به لإثبات الطهارة في هذا الطرف، ولا لإثبات الطهارة في هذا الطرف، هذا معنى الإجمال في دليل الأصل الموجب للتساقط، ولعدم إمكان التمسّك بالدليل لإثبات مضمونه في هذا الطرف ولا في ذاك الطرف، فتتساقط الأصول، وعندما تتساقط الأصول؛ حينئذٍ لا مشكلة في الرجوع إلى الاستصحاب؛ إذ أنّ الاستصحاب ليس فيه هذه المشكلة، فلا يُبتلى بالإجمال؛ لأنّه ليس له معارض في الطرف الآخر، استصحاب الطهارة في الماء المطلق ليس له معارض في الطرف الآخر، فيمكن الرجوع إليه لإثبات الطهارة في الماء المطلق، أو قل: لنفي الأثر الزائد في الماء المطلق، وهذا بخلاف ما إذا كان الأصل واحداً، بمعنى أنّ الأصل الذي نريد أن ننفي به الأثر الزائد هو نفس الأصل الذي نريد أن ننفي به الأثر المشترك، هو نفسه هو قاعدة الطهارة، كما إذا فرضنا أنّ الماء المطلق ليس له حالة سابقة، نحن نريد أن ننفي الأثر المختص وهو عدم جواز الوضوء تمسّكاً بأصالة الطهارة، كما أننا نريد أن ننفي حرمة الشرب استناد إلى أصالة الطهارة أيضاً، فإذا فرضنا أنّ دليل أصالة الطهارة أبتُلي بالإجمال، بمعنى أنّ دليل أصالة الطهارة مجمل من حيث شموله لهذا الطرف، أو شموله لذاك الطرف، هذا الإجمال يمنع من التمسّك بهذا الدليل لنفي الأثر الزائد؛ لأنّ قاعدة الطهارة دليلها ابتُلي بالإجمال، والإجمال مانع من التمسّك به لإثبات مضمونه في هذا الطرف، ولو بلحاظ الأثر الزائد.
إذن: ما تقدّم سابقاً من تنجيز العلم الإجمالي للأمر الزائد، إنّما هو مشروط بشرطين:
الشرط الأوّل: أن نفترض أنّ الأثر الزائد والأثر المشترك في موضوعين مستقلّين.
الشرط الثاني: أن لا يكون الأصل الذي يراد أن يُنفى به الأصل الزائد مستقلاً وغير مسانخ للأصل الذي يُراد أن يُنفى به الأثر المشترك؛ حينئذٍ يكون العلم الإجمالي منجّزاً لكل الآثار، وإلاّ لا مانع من إجراء البراءة لنفي الأثر الزائد.
كان الكلام في ما إذا كان هناك أثر زائد لأحد الطرفين وأثر مشترك لكلا الطرفين، فهل ينجّز العلم الإجمالي كل الآثار، أو ينجّز فقط الأثر المشترك ؟
ما يُفهم من عبارة السيد الخوئي(قدّس سرّه) أنّ الأثر الزائد، على الأقل في مثل المثال المطروح في البحث الذي هو مثال الماء المطلق والماء المضاف، الظاهر أنّ الأثر الزائد داخل في دائرة العلم الإجمالي ويتنجّز بالعلم الإجماليكما يتنجّز به الأثر المشترك، والسرّ في ذلك هو أنّ العلم الإجمالي في المقام لم يتعلّق بالتكليف بحرمة شرب هذا الإناء، أو هذا الإناء، حرمة شرب الماء المطلق، أو حرمة شرب الماء المضاف حتّى يمكن أن نتصوّر أنّ ذاك الأثر الزائد ليس داخلاً في دائرة العلم الإجمالي؛ لأنّ العلم الإجمالي دائر بين حرمة شرب هذا وحرمة شرب هذا، أمّا عدم جواز الوضوء بهذا ليس مشمولاً لهذا العلم الإجمالي، الأمر في المقام ليس هكذا، العلم الإجمالي تعلّق بنجاسة أحد الإناءين، ما نعلمه إجمالاً هو نجاسة أحد المائعين، المائع المضاف، أو المائع المطلق، بمعنى أنّ متعلّق العلم الإجمالي هو موضوع الأثر الشرعي الذي هو عبارة عن النجاسة، ومن الواضح أنّ العلم بالموضوع هو علم بآثار الموضوع، يعني العلم الإجمالي بالموضوع هو علم إجمالي بآثار الموضوع، هذا الموضوع الذي هو النجاسة، على تقدير أن تكون متحققة بالماء المضاف لها اثر واحد، وأثرها هو حرمة الشرب، لكن على تقدير أن تكون متحققة في الماء المطلق لها أثران وليس أثراً واحداً، الأوّل هو حرمة الشرب، والثاني هو عدم جواز الوضوء بذلك الماء، ما نعلمه هو نجاسة أحد المائعين؛ حينئذٍ على تقدير أن تكون النجاسة في الماء المطلق يترتب كلا الأثرين، وعلى تقدير أن تكون النجاسة موجودة في الماء المضاف يترتب أثر واحد؛ حينئذٍ العلم الإجمالي ينجّز كل هذه الآثار؛ لأنّ العلم الإجمالي بنجاسة الماء المطلق يعني العلم الإجمالي بكلا الأثرين، يعني العلم الإجمالي بحرمة شربه، والعلم الإجمالي بعدم جواز الوضوء به، التفكيك بين هذين الأثرين بلحاظ العلم الإجمالي ودعوى أنّ العلم الإجمالي ينجّز الأوّل دون الثاني لا وجه له بعد الالتفات إلى أنّ العلم الإجمالي يتعلّق بنجاسة أحد المائعين لا بحرمة شرب هذا وبحرمة شرب هذا، والعلم الإجمالي بنجاسة الماء المطلق يعني العلم الإجمالي بحرمة شربه وعدم جواز الوضوء به، والتفكيك بين هذين الأثرين بلا موجب، فيكون العلم الإجمالي شاملاً للأثر الزائد، ويكون الأثر الزائد داخلاً في دائرة العلم الإجمالي، ويتنجّز بالعلم الإجمالي؛ بل أكثر من هذا؛ إذ يمكن أن يقال بوجود علمين إجماليين لا علم إجمالي واحد، هناك علمان إجماليان في محل الكلام يشتركان في طرف وهما عبارة عن العلم الإجمالي بأنّه إمّا يحرم شرب المضاف، أو يحرم شرب الماء المطلق، في نفس الوقت هناك علم إجمالي آخر ناشئ من العلم بسقوط النجاسة في أحد المائعين، وهو عبارة عن العلم الإجمالي بأنّه إمّا يحرم شرب الماء المضاف، أو لا يجوز الوضوء بالماء المطلق، هذان علمان إجماليان، طرفا العلم الإجمالي الأوّل هما حرمة شرب الماء المضاف، وحرمة شرب الماء المطلق، وطرفا العلم الإجمالي الثاني هما حرمة شرب الماء المضاف وعدم جواز الوضوء بالماء المطلق، فحرمة شرب الماء المضاف تكون طرفاً مشتركاً بين هذين العلمين الإجماليين، وهذان علمان إجماليان، وقد تقدّم سابقاً أنّ اشتراك العلمين الإجماليين في طرف لا يوجب انحلال العلم الإجمالي؛ بل يبقى العلمان الإجماليان غير منحلّين؛ وحينئذٍ ينجّزان كلا الطرفين، كل منهما ينجّز كلا طرفيه، فالعلم الإجمالي الأوّل ينجّز طرفيه، والعلم الإجمالي الثاني ينجّز طرفيه أيضاً، وهذا معناه أنّ كل الآثار بما فيها الأثر الزائد، الأثر المختص، يكون منجّزاً بالعلم الإجمالي لا أنّه يكون خارجاً عن دائرة العلم الإجمالي.
لكن هذا الكلام كلّه نقوله عندما نفترض أنّ الأثر المشترك والأثر المختص في موضوعين، كما هو الحال في المثال المطروح، هناك موضوعان، هناك ماء مطلق وماء مضاف، وأحد الأثرين يختص بأحد الموضوعين دون الموضوع الآخر. إذن: هناك موضوعان ثبت فيهما هذان الأثران، الأثر المشترك والأثر المختص، وهكذا في مثال آخر تقدّم سابقاً، وهو ما إذا علم بأنّه إماّ أن يكون مديناً لزيد بخمسة دراهم، أو مديناً لعمرو بعشرة دراهم، موضوعان مختلفان.
وأمّا إذا فرضنا أنّهما كانا في موضوعٍ واحدٍ، كما لو فرضنا أنّه علم بأنّه إمّا استدان من زيد خمسة دنانير، أو نذر أن يعطيه عشرة دنانير. الظاهر أنّ هذه الحالة خارجة عن محل الكلام، لا إشكال هنا في هذه الحالة في عدم تنجيز هذا الأثر بهذا العلم الإجمالي، والسر في ذلك هو أنّه إذا لاحظنا سبب اشتغال الذمّة يوجد فيه علم إجمالي؛ لأنّ الأمر مردد بين الدَين وبين النذر، السبب غير واضح، هل هو النذر، أو هو الدَين، فيوجد علم إجمالي بلحاظ السبب، لكن عندما نلحظ المسبّب(المديونية) عندما نلحظ اشتغال الذمّة فسنجد أنّه لا يوجد علم إجمالي، وإنّما الأمر يدور بين الأقل والأكثر، ما اشتغلت به الذمة، وما كُلِّف بدفعه، في الواقع يدور بين الأقل والأكثر، الموضوع واحد إما أنه يجب عليه أن يدفع إلى زيد خمسة دنانير، وإمّا أن يجب عليه أن يدفع له عشرة دنانير، فالأمر يدور بين الأقل والأكثر، وهنا تجري البراءة لنفي الزائد من دون فرقٍ بين أن يكون الأقل والأكثر استقلاليين، أو أن يكونا ارتباطيين، حتّى لو كانا ارتباطيين أيضاً تجري البراءة لنفي الزائد كما لو فرضنا أنّ الدَين كان على نحو العام المجموعي والنذر أيضاً كان على نحو العام المجموع، وليس فيه انحلال حتّى يكون أقل وأكثر استقلالياً، وإنّما هو اقل وأكثر ارتباطي، الدَين على نحو العام المجموعي، والنذر نذر أن يعطيه عشرة دنانير على نحو العام المجموعي، هنا يكون الأقل والأكثر ارتباطيين، وعلى كلا التقديرين تجري البراءة لنفي الزائد، بلا أن يجري فيه الخلاف السابق، والسر في أنّه لا خلاف في جريان البراءة في المقام وعدم تنجّز الأثر الزائد في هذا المثال ـــــــــ فيما لو كانا في موضوعٍ واحد ــــــــــــ وجريان الكلام فيما لو كانا في موضوعين، السر هو أنّه فيما لو كانا في موضوعين استطعنا أن نتصوّر علماً إجمالياً يكون الأثر الزائد طرفاً من أطرافه، فينجّزه؛ بل استطعنا أن نتصوّر علمين إجماليين يكون الأثر الزائد طرفاً في أحدهما، وقلنا أنّ العلمين الإجماليين اللّذين يشتركان في طرفٍ واحد لا ينحلّ أحدهما بالآخر؛ بل يبقى كلٌ منهما على حاله، فينجّز أطرافه، فيتنجّز الأثر الزائد، هذا استطعنا أن نتصوّره هناك، أمّا هنا، عندما يكون الموضوع واحداً، هنا لا يوجد علم إجمالي في الحقيقة والواقع، وإنّما الموجود هو دوران الأمر بين الأقل والأكثر، فهو إمّا أن يكون مديناً لزيد بخمسة دراهم، أو يكون مديناً له بعشرة دراهم، هذا دوران الأمر بين الأقل والأكثر وليس علماً إجمالياً، وإن كان هناك علم إجمالي بلحاظ السبب، لكن بلحاظ ما يدخل في العهدة، وما يكلّف به المكلّف الأمر يدور بين الأقل والأكثر، فتجري البراءة لنفيه ويخرج عن محل الكلام.
خلاصة الكلام المتقدّم: في محل الكلام في ما إذا كان الأثر المشترك والأثر المختص في موضوعين، الظاهر أنّ العلم الإجمالي ينجّز تمام الآثار بما فيها الأثر المختص والزائد، ولا تجري البراءة لنفي الأثر الزائد، لكن هذا الكلام نقوله بشرط أن يكون الأثر المختص ليس له أصل مستقل يختص به بحيث يكون هذا الأصل المختص به غير مسانخ للأصل الذي يُراد أن ينفى به الأثر المشترك، الأثر المشترك له أصل يُنفى به، والأثر المختص له أصل آخر غير مسانخ له، هنا نقول تجري البراءة، كلامنا السابق عندما لا يكون هناك أصل مستقل للأثر الزائد غير مسانخ للأصل الذي يجري في الأثر المشترك كما هو الحال في المثال السابق في الماء المضاف والماء المطلق، الأصل الموجود هو عبارة عن أصالة الطهارة، هذا أصل واحد يُراد أن ينفى به الأثر المشترك الذي هو حرمة الشرب، ويُراد أن يُنفى به عدم جواز الوضوء، أي إثبات جواز الوضوء استناداً إلى قاعدة الطهارة التي هي نفسها التي يُستنَد إليها لنفي حرمة الشرب. إذن: الأثر الزائد ليس له أصل مستقل غير مسانخ للأصل الجاري في الأثر المشترك. هذا يأتي فيه الكلام السابق ونلتزم فيه بأنّ العلم الإجمالي ينجّز الأثر الزائد كما ينجّز الأثر المشترك.
أمّا إذا فرضنا أنّ الأثر الزائد يختصّ بأصلٍ غير مسانخ لذلك الأصل كما لو فرضنا أنّ الماء المطلق كانت له حالة سابقة وهي الطهارة بحيث يجري فيه استصحاب الطهارة، مع افتراض عدم وجود حكومة بين الاستصحاب وبين الأصل في حالات التوافق كما هو أحد الآراء في المسألة، أنّ الأصلين اللّذين يكون أحدهما حاكماً على الآخر في صورة التخالف لا حكومة بينهما في صورة التوافق، استصحاب طهارة وأصالة طهارة لا تخالف بينهما، متوافقان، فلا حكومة بينهما، فإذا لم تكن هناك حكومة بينهما، كل هذه الأصول تكون أصولاً عرضية تجري في عرضٍ واحد، يعني قاعدة الطهارة في الماء المضاف، قاعدة الطهارة في الماء المطلق، واستصحاب الطهارة في الماء المطلق، كلّها تكون في عرضٍ واحد ولا طولية بينهما، وإلاّ إذا قلنا أنّ الحكومة ثابتة بين الاستصحاب والأصل مطلقاً، يعني حتّى في حالة التوافق؛ حينئذٍ أصالة الطهارة في الماء المطلق واستصحاب الطهارة فيه لا يكونان في عرضٍ واحدٍ؛ لأنّ استصحاب الطهارة يكون حاكماً على قاعدة الطهارة في الماء المطلق، ومع هذه الحكومة يكون الاستصحاب الجاري في الماء المطلق معارضاً لقاعدة الطهارة في الماء المضاف، كلا نحن نفترض عدم الحكومة، فتكون في عرضٍ واحدٍ؛ حينئذٍ نقول: في هذه الحالة لا مانع من جريان استصحاب الطهارة في الماء المطلق؛ لأنّه أصل مختص بهذا الطرف، مختص بالماء المطلق وغير مسانخ للأصل الآخر، غير مسانخ لقاعدة الطهارة، غير مسانخ لأصالة الطهارة، كلٌ منهما له دليل مستقل، قاعدة الطهارة لها دليل وتثبت أمراً، واستصحاب الطهارة له دليل آخر، كلٌ منهما له دليل ولا توجد بينهما سنخية، هذا قاعدة، وهذا استصحاب، في هذه الحالة يمكن نفي الأثر الزائد استناداً إلى استصحاب الطهارة؛ بل بناءً على جريان استصحاب الطهارة في المقام بعد تساقط الأصلين، أو القاعدتين في الطرفين؛ حينئذٍ يمكن ليس فقط أن ننفي الأثر الزائد، وإنّما ننفي حتّى الأثر المشترك بالنسبة إلى الماء المطلق، هذا يمكن أن يقال به. على كل حال، يمكن إجراء استصحاب الطهارة لنفي الأثر الزائد في المقام، والسر في ذلك هو أنّ دليل الاستصحاب لا يُبتلى بالإجمال الذي هو السبب في تساقط الأصلين في الطرفين، قاعدة الطهارة في هذا الطرف، وأصالة الطهارة في هذا الطرف، من الواضح جداً أنّه لا يمكن إجراؤهما معاً؛ لأنّ هذا يستلزم الترخيص في المخالفة القطعية، ولا يمكن إجراء الأصل في أحد الطرفين دون الآخر؛ لأنّه ترجيح بلا مرجّح؛ حينئذٍ يُبتلى الدليل بالإجمال، بمعنى ــــــــــ وقد تقدّم هذا سابقاً ـــــــــــ أنّ دليل الأصل لا نعلم أنّه هل يشمل هذا الطرف دون ذاك، أو يشمل ذاك الطرف دون هذا ؟ بعد فرض عدم إمكان شموله لكلٍ منهما، فيكون مجملاً من هذه الناحية، فإذا كان دليل الأصل مجملاً؛ فحينئذٍ لا يمكن التمسّك به لإثبات الطهارة في هذا الطرف، ولا لإثبات الطهارة في هذا الطرف، هذا معنى الإجمال في دليل الأصل الموجب للتساقط، ولعدم إمكان التمسّك بالدليل لإثبات مضمونه في هذا الطرف ولا في ذاك الطرف، فتتساقط الأصول، وعندما تتساقط الأصول؛ حينئذٍ لا مشكلة في الرجوع إلى الاستصحاب؛ إذ أنّ الاستصحاب ليس فيه هذه المشكلة، فلا يُبتلى بالإجمال؛ لأنّه ليس له معارض في الطرف الآخر، استصحاب الطهارة في الماء المطلق ليس له معارض في الطرف الآخر، فيمكن الرجوع إليه لإثبات الطهارة في الماء المطلق، أو قل: لنفي الأثر الزائد في الماء المطلق، وهذا بخلاف ما إذا كان الأصل واحداً، بمعنى أنّ الأصل الذي نريد أن ننفي به الأثر الزائد هو نفس الأصل الذي نريد أن ننفي به الأثر المشترك، هو نفسه هو قاعدة الطهارة، كما إذا فرضنا أنّ الماء المطلق ليس له حالة سابقة، نحن نريد أن ننفي الأثر المختص وهو عدم جواز الوضوء تمسّكاً بأصالة الطهارة، كما أننا نريد أن ننفي حرمة الشرب استناد إلى أصالة الطهارة أيضاً، فإذا فرضنا أنّ دليل أصالة الطهارة أبتُلي بالإجمال، بمعنى أنّ دليل أصالة الطهارة مجمل من حيث شموله لهذا الطرف، أو شموله لذاك الطرف، هذا الإجمال يمنع من التمسّك بهذا الدليل لنفي الأثر الزائد؛ لأنّ قاعدة الطهارة دليلها ابتُلي بالإجمال، والإجمال مانع من التمسّك به لإثبات مضمونه في هذا الطرف، ولو بلحاظ الأثر الزائد.
إذن: ما تقدّم سابقاً من تنجيز العلم الإجمالي للأمر الزائد، إنّما هو مشروط بشرطين:
الشرط الأوّل: أن نفترض أنّ الأثر الزائد والأثر المشترك في موضوعين مستقلّين.
الشرط الثاني: أن لا يكون الأصل الذي يراد أن يُنفى به الأصل الزائد مستقلاً وغير مسانخ للأصل الذي يُراد أن يُنفى به الأثر المشترك؛ حينئذٍ يكون العلم الإجمالي منجّزاً لكل الآثار، وإلاّ لا مانع من إجراء البراءة لنفي الأثر الزائد.