04-07-1435
تحمیل
الأستاذ الشيخ باقر الايرواني
بحث الفقه
35/07/04
بسم الله الرحمن الرحیم
الموضـوع:- مسألة ( 427 ) / الواجب الثاني عشر من واجبات حج التمتع ( المبيت
بمنى ).
مسألة ( 427 ):- من وجب عليه المبيت بمنى لا يجب عليه المكث فيها نهاراً بأزيد من مقدار يرمي فيه الجمرات . و لا يجب عليه المبيت في مجموع الليل فيجوز له المكث في منى من أوّل اليل إلى ما بعد منتصفه أو المكث فيها قبل منتصف الليل إلى الفجر . الأوّلى لمن بات النصف الأوّل ثم خرج أن لا يدخل مكة قبل طلوع الفجر.
هذه المسألة تتضمن ثلاث نقاط:-
النقطة الأوّلى:- إنه في أيام الرمي إذا رمى الشخص وحقّق الواجب- كما في يوم الحادي عشر - فهل يلزم أن يبقى داخل منىبقية النهار ؟ كّلا، بل يجوز له الخروج والذهاب إلى أيّ مكانٍ شريطة أن يعود في الليل لأجل المبيت، ففي الفترة المتخلّلة بين ما بعد الرمي إلى الليل يجوز أن يقضيها في أيّ مكانٍ شاء، وما هو الدليل على ذلك ؟ إنه عدم الدليل على لزوم قضاء[1] هذه الفترة في مكانٍ بعينه فإنه مادام لا دليل فنتمسّك بأصل البراءة، فالدليل إذن هو أصل البراءة بعد عدم الدليل على لزوم الكون في هذه الفترة في مكانٍ معيّن . إذن مدّعي لزوم البقاء في مكانٍ معيٍّن هو الذي يحتاج إلى دليل أمّا الذي يقول بجواز قضائها في أيّ مكانٍ كان فلا يحتاج إلى دليل إذ معه أصل البراءة، وهذا شيءٌ واضح.
هذا وقد يتمسّك بصحيحة جميل:- عن أبي عبد الله عليه السلام:- ( قال:- لا بأس أن يأتي الرجل مكة فيطوف بها في أيام منى ولا يبيت بها )[2]، فإنه يستفاد منها جواز قضاء الفترة المذكورة في غير منى حيث قال عليه السلام قال:- ( لا بأس أن يأتي الرجل مكّة فيطوف بها في أيّام منى ) - يعني الايام التي يجب فيها الرمي - . إذن هي واضحة الدلالة على جواز الذهاب إلى مكّة في هذه الايام، فإذن يوجد دليلٌ على الجواز ولا ينحصر الأمر بأصل البراءة، بل هناك ما هو مقدّم على أصل البراءة وهو الرواية المذكورة.
ولكن يمكن أن يقال:- إن كلامنا حينما نقول هل يجوز الذهاب إلى مكة أو لا هو فيما إذا لم يكن الذهاب لأجل طواف الحج مثلاً فإن طواف الحجّ يجب الاتيان به وهكذا السعي وهكذا طواف النساء، فلا كلام في أنّه يجوز للحاج في أيام منى أن يذهب إلى مكة لأجل طواف الحجّ وصاحبيه وهذا شيء مسلّم وليس محلاً للكلام، وإنما محلّ الكلام هو فيما إذا أراد الذهاب إلى غير ذلك فإن الروايات كما تقدّم في مسألة ( 411 ) دلّت على جواز الاتيان بل لزوم الاتيان بطواف الحج في هذه الأيام من قبيل صحيحة معاوية عن أبي عبد الله :- ( سالته عن المتمتع متى يزور البيت ؟ قال:- يوم النحر أو من الغد ولا يؤخّر . والمفرد والقارن ليسا بسواء موسّع عليهما )[3].
إذن الذهاب إلى مكّة لأجل طواف الحجّ قضيّة مسلّمة وتدلّ عليها الروايات، بل تدلّ عليها سيرة المسلمين، فالمسلمون حتماً في هذه الأيام كانوا يخرجون لأداء أعمال مكة . إذن صحيحة جميل لا تنفعنا لأن غاية ما تدلّ عليه هو جواز الذهاب إلى مكّة لأجل طواف الحجّ وصاحبيه وهذا خارجٌ عن محلّ الكلام.
إن قلت:- إن هذا وجيه لو كان المقصود من صحيحة جميل هو طواف الحجّ فحينئذٍ يتمّ ما ذكر من أنّ مدلول هذه الرواية شيءٌ مسلّم وهو خارج عن محلّ النزاع، ولكن الصحيحة لم يقيّد فيها الطواف بطواف الحجّ وإنما قالت:- ( لا بأس أن يأتي الرجل مكّة فيطوف بها )، فإذن يمكن أن نستفيد من إطلاق الطواف أنه حتى الطواف المستحب حينئذٍ يجوز لا خصوص الواجب، فإذن هذه الرواية تنفعنا.
قلت:- هي بالتالي تبقى خاصّة بدائرة ضيّقة أعني من يخرج إلى مكة لأجل الطواف الأعم من الواجب وغيره ولا يستفاد منها جواز الخروج لأجل أن ينام في شقة السكن أو يذهب الى السوق مثلاً، فنحن نريد أن نثبت جواز مثل هذا، فهذا هو محلّ الكلام وهذه الرواية لا تثبت ذلك . إذن يبقى المستند في الجواز منحصراً بأصل البراءة.
النقطة الثانية:- لا يجب في مبيت منى أن يكون من أوّل الليل حتى آخره - أي من غروب الشمس حتى طلوع الفجر - بل يكفي أحد النصفين فإمّا أن يلبث فيها من الغروب حتى منتصف الليل أو من منتصفه إلى طوع الفجر، إنه في أحد هذين النصفين يكفي المبيت ويتحقّق بذلك الواجب.
والظاهر أن المبيت في النصف الأوّل لم يقع إشكال بين الفقهاء في كفايته، وإذا كان هناك كلامٌ وإشكال فهو بلحاظ النصف الثاني، فالنصف الأوّل لم ينقل خلاف عن أحدٍ في كفايته، قال المحقّق في الشرائع:- ( ويجب عليه أن يبيت بها ليل الحادي عشر والثاني عشر..... إلّا أن يبيت بمكة مشتغلاً بالعبادة أو يخرج من منى بعد نصف الليل )، إنه(قده) اكتفى بالنصف الأوّل وقال يجوز للحاج أن يخرج من منى بعد نصف الليل وهذا معناه أنه من أوّل الليل يكفي فيه المبيت وسكوته عن المبيت في القسم الثاني أنّه لا يجوز عنده أو هو محلّ أشكال . وقال صاحب الرياض:- ( إن ظاهر الأصحاب انحصاره في النصف الأوّل فأوجبوا عليه الكون بها قبل الغروب إلى النصف الثاني )[4] . إذن هو(قده) نسب إلى ظاهر الأصحاب تعيّن ذلك، يعني أن هذا متعيّن، أمّا الثاني - يعني المبيت من بعد ذلك - فحينئذٍ محلّ إشكالٍ عند الفقهاء، هكذا يظهر من عبارته.
وإذا رجعنا إلى الروايات:- وجدنا فيها ما يدلّ على كفاية النصف الأوّل كما نجد فيها أيضاً ما يدلّ على كفاية أحد النصفين:-
مثال الأوّل:- صحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبد الله علي السلام قال:- ( إذا فرغت من طوافك للحج وطواف النساء فلا تبت إلا بمنى إلا أن يكون شغلك في نسكك، وإن خرجت بعد نصف الليل فلا يضرّك أن تبيت في غير منى )[5]، إن قوله عليه السلام:- ( وإن خرجت بعد نصف الليل فلا يضرّك أن تبيت في غير منى ) يدلّ على كفاية المبيت في النصف الأوّل كما هو واضح.
وأمّا مثال الثاني:- فهي صحيحة معاوية الأخرى عن أبي عبد الله عليه السلام قال:- ( لا تبت ليالي التشريق إلا بمنى فإن بتَّ في غيرها فعليك دمٌ، فإن خرجت أوّل الليل فلا ينتصف الليل إلّا وأنت في منى إلّا أن يكون شغلك نسكك أو قد خرجت من مكّة، وإن خرجت بعد نصف الليل فلا يضرّك أن تصبح في غيرها )[6]، إن قوله عليه السلام:- ( فإن خرجت[7] أوّل الليل فلا ينتصف الليل إلّا وأنت في منى ) يدلّ على جواز المبيت في النصف الثاني لأن المفروض أنه خرج من منى أوّل الليل والإمام عليه السلام قال له لا بأس بخروجك أوّل الليل لكن لا ينتصف الليل ألّا وأنت في منى وهذا يدلّ على كفاية النصف الثاني، ثم قال بعد ذلك:- ( وإن خرجت بعد نصف الليل فلا يضرّك أن تصبح في غيرها ) وهذا يدلّ على كفاية النصف الأوّل وأنه يجوز لك أن تبقى في منى ولا تخرج من أوّل الليل وإنما تخرج بعد نصف الليل . نعم هناك كلامٌ في أنه إذا خرج بعد نصف الليل هل يجوز له أن يدخل عليه الصبح وهو في مكّة ؟ إن هذا كلامٌ سيأتي فيما بعد إنشاء الله تعالى والرواية تجوّز ذلك . إنها إذن واضحة في جواز الاكتفاء بأحد النصفين.
ومن ذلك أيضاً رواية جعفر بن ناجية:- عن أبي عبد الله عليه السلام قال:- ( إذا خرج الرجل من منى أو الليل فلا ينتصف له الليل ألّا وهو بمنى، وإن خرج بعد نصف الليل فلا بأس بأن يصبح بغيرها )[8]، ودلالتها كالأوّلى واضحةٌ في كفاية المبيت في أحد النصفين، غير أنّ سندها قابل للخدشة إذ قد رواها الشيخ الصدوق(قده) عن جعفر بن ناجية، وإذا رجعنا إلى المشيخة الذكورة في آخر الفقيه[9]وجدناه يقول ما نصّه:- ( وما كان فيه عن جعفر بن ناجيه فقد رويته عن محد بن الحسن رضي الله عنه عن الحسن بن متيل الدقّاق عن محمد بن الحسين بن أبي الخطّاب عن جعفر بن بشير البجلي عن جعفر بن ناجيه )، والكلام هو بالنسبة إلى جعفر بن ناجية نفسه فإنه لم يذكر في كتب الرجال بتوثيق، نعم هو قد ورد في أسانيد كامل الزيارات فعلى مبنى السيد الخوئي(قده) قبل تراجعه تثبت وثاقته وألّا فلا دليل على وثاقته، وإلّا فبقية السند جيّدة حيث قال ( رويته عن محمد بن الحسن ) وهو ابن الوليد القمّي أستاذ الصدوق حيث قال الصدوق:- ( وما صحّحه استاذي محمد بن الوليد فأنا أصحّحه )[10]، وأمّا الحسن بن متيل فقد فقال عنه النجاشي:- ( وجهٌ من وجوه أصحابنا وكان كثير الرواية ) ، وهل نستفيد التوثيق من هذه العبارة ؟ قد يتوقّف البعض في دلالتها على التوثيق لأنه يحمل كلمة وجه على معنى ( شخصيّة ) فيكون المعنى أنه من شخصيّات أصحابنا فلا يستفاد منها التوثيق.
ولكن الذي أراه هو أن دلالته على التوثيق جيّدة بل فوق الجيّدة ؛ إذ هو قال ( وجهٌ من وجوه أصحابنا ) فهو الوجه في أصحابنا فدلالته على التوثيق جيّدة بل فوق الجيّدة.
وأمّا محمد بن الحسين بن أبي الخطّاب فهو من أجلّه أصحابنا، وهكذا جعفر بن بشير البجلي.
إذن هذه الرواية يصعب الاستناد إليها، والمهم هي تلك الرواية السابقة.
وعلى هذا الأساس اتضح أنه يمكن الحكم بكفاية أحد النصفين.
مسألة ( 427 ):- من وجب عليه المبيت بمنى لا يجب عليه المكث فيها نهاراً بأزيد من مقدار يرمي فيه الجمرات . و لا يجب عليه المبيت في مجموع الليل فيجوز له المكث في منى من أوّل اليل إلى ما بعد منتصفه أو المكث فيها قبل منتصف الليل إلى الفجر . الأوّلى لمن بات النصف الأوّل ثم خرج أن لا يدخل مكة قبل طلوع الفجر.
هذه المسألة تتضمن ثلاث نقاط:-
النقطة الأوّلى:- إنه في أيام الرمي إذا رمى الشخص وحقّق الواجب- كما في يوم الحادي عشر - فهل يلزم أن يبقى داخل منىبقية النهار ؟ كّلا، بل يجوز له الخروج والذهاب إلى أيّ مكانٍ شريطة أن يعود في الليل لأجل المبيت، ففي الفترة المتخلّلة بين ما بعد الرمي إلى الليل يجوز أن يقضيها في أيّ مكانٍ شاء، وما هو الدليل على ذلك ؟ إنه عدم الدليل على لزوم قضاء[1] هذه الفترة في مكانٍ بعينه فإنه مادام لا دليل فنتمسّك بأصل البراءة، فالدليل إذن هو أصل البراءة بعد عدم الدليل على لزوم الكون في هذه الفترة في مكانٍ معيّن . إذن مدّعي لزوم البقاء في مكانٍ معيٍّن هو الذي يحتاج إلى دليل أمّا الذي يقول بجواز قضائها في أيّ مكانٍ كان فلا يحتاج إلى دليل إذ معه أصل البراءة، وهذا شيءٌ واضح.
هذا وقد يتمسّك بصحيحة جميل:- عن أبي عبد الله عليه السلام:- ( قال:- لا بأس أن يأتي الرجل مكة فيطوف بها في أيام منى ولا يبيت بها )[2]، فإنه يستفاد منها جواز قضاء الفترة المذكورة في غير منى حيث قال عليه السلام قال:- ( لا بأس أن يأتي الرجل مكّة فيطوف بها في أيّام منى ) - يعني الايام التي يجب فيها الرمي - . إذن هي واضحة الدلالة على جواز الذهاب إلى مكّة في هذه الايام، فإذن يوجد دليلٌ على الجواز ولا ينحصر الأمر بأصل البراءة، بل هناك ما هو مقدّم على أصل البراءة وهو الرواية المذكورة.
ولكن يمكن أن يقال:- إن كلامنا حينما نقول هل يجوز الذهاب إلى مكة أو لا هو فيما إذا لم يكن الذهاب لأجل طواف الحج مثلاً فإن طواف الحجّ يجب الاتيان به وهكذا السعي وهكذا طواف النساء، فلا كلام في أنّه يجوز للحاج في أيام منى أن يذهب إلى مكة لأجل طواف الحجّ وصاحبيه وهذا شيء مسلّم وليس محلاً للكلام، وإنما محلّ الكلام هو فيما إذا أراد الذهاب إلى غير ذلك فإن الروايات كما تقدّم في مسألة ( 411 ) دلّت على جواز الاتيان بل لزوم الاتيان بطواف الحج في هذه الأيام من قبيل صحيحة معاوية عن أبي عبد الله :- ( سالته عن المتمتع متى يزور البيت ؟ قال:- يوم النحر أو من الغد ولا يؤخّر . والمفرد والقارن ليسا بسواء موسّع عليهما )[3].
إذن الذهاب إلى مكّة لأجل طواف الحجّ قضيّة مسلّمة وتدلّ عليها الروايات، بل تدلّ عليها سيرة المسلمين، فالمسلمون حتماً في هذه الأيام كانوا يخرجون لأداء أعمال مكة . إذن صحيحة جميل لا تنفعنا لأن غاية ما تدلّ عليه هو جواز الذهاب إلى مكّة لأجل طواف الحجّ وصاحبيه وهذا خارجٌ عن محلّ الكلام.
إن قلت:- إن هذا وجيه لو كان المقصود من صحيحة جميل هو طواف الحجّ فحينئذٍ يتمّ ما ذكر من أنّ مدلول هذه الرواية شيءٌ مسلّم وهو خارج عن محلّ النزاع، ولكن الصحيحة لم يقيّد فيها الطواف بطواف الحجّ وإنما قالت:- ( لا بأس أن يأتي الرجل مكّة فيطوف بها )، فإذن يمكن أن نستفيد من إطلاق الطواف أنه حتى الطواف المستحب حينئذٍ يجوز لا خصوص الواجب، فإذن هذه الرواية تنفعنا.
قلت:- هي بالتالي تبقى خاصّة بدائرة ضيّقة أعني من يخرج إلى مكة لأجل الطواف الأعم من الواجب وغيره ولا يستفاد منها جواز الخروج لأجل أن ينام في شقة السكن أو يذهب الى السوق مثلاً، فنحن نريد أن نثبت جواز مثل هذا، فهذا هو محلّ الكلام وهذه الرواية لا تثبت ذلك . إذن يبقى المستند في الجواز منحصراً بأصل البراءة.
النقطة الثانية:- لا يجب في مبيت منى أن يكون من أوّل الليل حتى آخره - أي من غروب الشمس حتى طلوع الفجر - بل يكفي أحد النصفين فإمّا أن يلبث فيها من الغروب حتى منتصف الليل أو من منتصفه إلى طوع الفجر، إنه في أحد هذين النصفين يكفي المبيت ويتحقّق بذلك الواجب.
والظاهر أن المبيت في النصف الأوّل لم يقع إشكال بين الفقهاء في كفايته، وإذا كان هناك كلامٌ وإشكال فهو بلحاظ النصف الثاني، فالنصف الأوّل لم ينقل خلاف عن أحدٍ في كفايته، قال المحقّق في الشرائع:- ( ويجب عليه أن يبيت بها ليل الحادي عشر والثاني عشر..... إلّا أن يبيت بمكة مشتغلاً بالعبادة أو يخرج من منى بعد نصف الليل )، إنه(قده) اكتفى بالنصف الأوّل وقال يجوز للحاج أن يخرج من منى بعد نصف الليل وهذا معناه أنه من أوّل الليل يكفي فيه المبيت وسكوته عن المبيت في القسم الثاني أنّه لا يجوز عنده أو هو محلّ أشكال . وقال صاحب الرياض:- ( إن ظاهر الأصحاب انحصاره في النصف الأوّل فأوجبوا عليه الكون بها قبل الغروب إلى النصف الثاني )[4] . إذن هو(قده) نسب إلى ظاهر الأصحاب تعيّن ذلك، يعني أن هذا متعيّن، أمّا الثاني - يعني المبيت من بعد ذلك - فحينئذٍ محلّ إشكالٍ عند الفقهاء، هكذا يظهر من عبارته.
وإذا رجعنا إلى الروايات:- وجدنا فيها ما يدلّ على كفاية النصف الأوّل كما نجد فيها أيضاً ما يدلّ على كفاية أحد النصفين:-
مثال الأوّل:- صحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبد الله علي السلام قال:- ( إذا فرغت من طوافك للحج وطواف النساء فلا تبت إلا بمنى إلا أن يكون شغلك في نسكك، وإن خرجت بعد نصف الليل فلا يضرّك أن تبيت في غير منى )[5]، إن قوله عليه السلام:- ( وإن خرجت بعد نصف الليل فلا يضرّك أن تبيت في غير منى ) يدلّ على كفاية المبيت في النصف الأوّل كما هو واضح.
وأمّا مثال الثاني:- فهي صحيحة معاوية الأخرى عن أبي عبد الله عليه السلام قال:- ( لا تبت ليالي التشريق إلا بمنى فإن بتَّ في غيرها فعليك دمٌ، فإن خرجت أوّل الليل فلا ينتصف الليل إلّا وأنت في منى إلّا أن يكون شغلك نسكك أو قد خرجت من مكّة، وإن خرجت بعد نصف الليل فلا يضرّك أن تصبح في غيرها )[6]، إن قوله عليه السلام:- ( فإن خرجت[7] أوّل الليل فلا ينتصف الليل إلّا وأنت في منى ) يدلّ على جواز المبيت في النصف الثاني لأن المفروض أنه خرج من منى أوّل الليل والإمام عليه السلام قال له لا بأس بخروجك أوّل الليل لكن لا ينتصف الليل ألّا وأنت في منى وهذا يدلّ على كفاية النصف الثاني، ثم قال بعد ذلك:- ( وإن خرجت بعد نصف الليل فلا يضرّك أن تصبح في غيرها ) وهذا يدلّ على كفاية النصف الأوّل وأنه يجوز لك أن تبقى في منى ولا تخرج من أوّل الليل وإنما تخرج بعد نصف الليل . نعم هناك كلامٌ في أنه إذا خرج بعد نصف الليل هل يجوز له أن يدخل عليه الصبح وهو في مكّة ؟ إن هذا كلامٌ سيأتي فيما بعد إنشاء الله تعالى والرواية تجوّز ذلك . إنها إذن واضحة في جواز الاكتفاء بأحد النصفين.
ومن ذلك أيضاً رواية جعفر بن ناجية:- عن أبي عبد الله عليه السلام قال:- ( إذا خرج الرجل من منى أو الليل فلا ينتصف له الليل ألّا وهو بمنى، وإن خرج بعد نصف الليل فلا بأس بأن يصبح بغيرها )[8]، ودلالتها كالأوّلى واضحةٌ في كفاية المبيت في أحد النصفين، غير أنّ سندها قابل للخدشة إذ قد رواها الشيخ الصدوق(قده) عن جعفر بن ناجية، وإذا رجعنا إلى المشيخة الذكورة في آخر الفقيه[9]وجدناه يقول ما نصّه:- ( وما كان فيه عن جعفر بن ناجيه فقد رويته عن محد بن الحسن رضي الله عنه عن الحسن بن متيل الدقّاق عن محمد بن الحسين بن أبي الخطّاب عن جعفر بن بشير البجلي عن جعفر بن ناجيه )، والكلام هو بالنسبة إلى جعفر بن ناجية نفسه فإنه لم يذكر في كتب الرجال بتوثيق، نعم هو قد ورد في أسانيد كامل الزيارات فعلى مبنى السيد الخوئي(قده) قبل تراجعه تثبت وثاقته وألّا فلا دليل على وثاقته، وإلّا فبقية السند جيّدة حيث قال ( رويته عن محمد بن الحسن ) وهو ابن الوليد القمّي أستاذ الصدوق حيث قال الصدوق:- ( وما صحّحه استاذي محمد بن الوليد فأنا أصحّحه )[10]، وأمّا الحسن بن متيل فقد فقال عنه النجاشي:- ( وجهٌ من وجوه أصحابنا وكان كثير الرواية ) ، وهل نستفيد التوثيق من هذه العبارة ؟ قد يتوقّف البعض في دلالتها على التوثيق لأنه يحمل كلمة وجه على معنى ( شخصيّة ) فيكون المعنى أنه من شخصيّات أصحابنا فلا يستفاد منها التوثيق.
ولكن الذي أراه هو أن دلالته على التوثيق جيّدة بل فوق الجيّدة ؛ إذ هو قال ( وجهٌ من وجوه أصحابنا ) فهو الوجه في أصحابنا فدلالته على التوثيق جيّدة بل فوق الجيّدة.
وأمّا محمد بن الحسين بن أبي الخطّاب فهو من أجلّه أصحابنا، وهكذا جعفر بن بشير البجلي.
إذن هذه الرواية يصعب الاستناد إليها، والمهم هي تلك الرواية السابقة.
وعلى هذا الأساس اتضح أنه يمكن الحكم بكفاية أحد النصفين.
[1] وأنا قلت إن الدليل هو عدم الدليل على ذلك من باب المسامحة وإلا
فالدليل هو أصل البراءة.
[7] والمقصود أنه خرج من منى.
[9] من لا يحضره الفقيه، الصدوق، ج4، ص121.
[10] وواضح أنه لا يقع اشتباه بين محمد بن الحسن بن الوليد وبين ابنه
أحمد فأحمد بن محمد بن الوليد هو الذي فيه كلام أما والده محمد بن الحسن فهو ثقة.