34/08/01
تحمیل
الموضوع: الأصول العملية/ البراءة الشرعية/ روايات الحلّيّة
كان الكلام في أدلّة الحل، وبالتحديد في صحيحة عبد الله بن سنان وما شابهها في ذكر الانقسام إلى الحلال والحرام في صدرها.
الاعتراض على الاستدلال كان مضمونه أنّ هذه الرواية ناظرة إلى الشبيهة الموضوعية، فلا يستفاد منها إلاّ البراءة في الشبهات الموضوعية، وهذا لا ينفعنا في المقام. وقلنا أنّه ذكرت قرائن على اختصاص هذه الرواية المعتبرة بالشبهات الموضوعية، القرينة الأولى ذكرناها في الدرس السابق، وهي مسألة الانقسام المذكور في صدر الرواية مع ظهور الرواية في أنّه هو السبب والمنشأ في الاشتباه والشك في حكم الشيء، وهذا لا يناسب إلاّ الشبهات الموضوعية؛ لأنّ الشبهات الموضوعية الانقسام فيها فعلي ويكون سبب الشك في أمور أخرى هو عدم العلم في أنّ هذا الشيء المشكوك هل هو داخل في القسم الحلال، أو في القسم الحرام، كما لو شككنا في لحمٍ، ولم نعلم هل هو مُذكّى، أو ميتة؟ أو مائع لا نعلم هل هو خمر، أو ماء؟ فمنشأ الشك في حرمة هذا هو هذا الانقسام إلى الحلال والحرام، وهذا يناسب الشبهة الموضوعية، ولا يناسب الشبهة الحكمية؛ لأنّ الشك في الشبهة الحكمية ليس له علاقة بحليّة شيءٍ أو حرمة شيءٍ آخر، أعلم بأنّ لحم الخنزير حرام، أو لا، ومع ذلك أنا أشك في حرمة أكل لحم الأرنب بنحو الشبهة الحكمية، وجود شيءٍ يعلم بحرمته، ووجود شيءٍ يعلم بحلّيّته ليس له دخل في وجود اشتباه وترددّ وشك في حرمة أكل لحم الأرنب، فلو كنت عالماً بحرمة لحم الخنزير ــــ مثلاً ـــــ مع ذلك يبقى مجال للشكّ في حرمة أكل لحم الأرنب، ولو كنت جاهلاً بحرمة أكل لحم الخنزير أيضاً يبقى مجال للشكّ في حرمة أكل لحم الأرنب، فليس منشأ الشك في الشبهات الحكمية هو وجود حلال ووجود حرام، هذا إنّما يصح في الشبهات الموضوعية.
اُعترض على هذه القرينة باعتراضات، نذكر أهمها:
الاعتراض الأوّل: صرّح به المحقق العراقي(قُدّس سرّه) حسب ما نُقل عنه في تقريراته،
[1]
وحاصله: يمكن فرض الانقسام الفعلي في الشبهات الحكمية، فالقرينة التي ذكرتموها هي ظهور الرواية في الانقسام الفعلي، أنّ الشيء فعلاً ينقسم إلى قسمين، قسم حلال، وقسم حرام. يقول(قُدّس سرّه) في مقام دفع هذه القرينة والاعتراض عليها بأنّ هذا لا يختصّ بالشبهات الموضوعية، فالشبهات الحكمية أيضاً فيها شيء ينقسم إلى قسمين بالفعل، في باب الشبهات الحكمية نحن نشك في حرمة أكل لحم الأرنب، فيمكن أن نقول أنّ كلّي اللّحم فيه حلال، وهو لحم الغنم، وفيه حرام وهو لحم الخنزير، ولا أشك في أنّ هذا اللّحم هل هو لحم غنمٍ، أو لحم خنزير حتّى تكون الشبهة موضوعية، وإنّما اشك في حرمة أكل لحم الأرنب بنحو الشبهة الحكمية، فيصح أنْ يقال: كل شيءٍ ـــــ وهو تعبير عن اللّحم الكلّي الطبيعي ـــــ فيه حلال، وفيه حرام، فهو لك حلال حتّى تعلم أنّه حرام، فما دمت لا تعلم أنّ هذا الشيء الذي تشك فيه حرام، كما علمت أنّ لحم الخنزير حرام، فهو لك حلال، والانقسام يكون موجوداً فيها، وظهور صدر الرواية في الانقسام الفعلي لا يمنع من الاستدلال بهذه الرواية، كما أنّ منشأ الاشتباه هو أيضاً وجود القسمة، بأنّ اللّحم فيه لحم حلال، وفيه لحم حرام، والانقسام الفعلي يمكن تصوّره في الشبهات الحكمية كما هو الحال في الشبهات الموضوعية، ومسألة أنّ منشأ الاشتباه والترددّ هو هذا الانقسام يمكن افتراضه في الشبهات الحكمية أيضاً ولا يختصّ بالشبهات الموضوعية، فأنّه يقال: أنّ الشك في لحم الأرنب، أو لحم الحمير، وأمثال هذه الأمور بنحو الشبهة الحكمية منشأه وسببه هو أنّ اللّحم فيه قسم حرام، وفيه قسم حلال، وإلاّ لو لم يكن هناك انقسام للّحم، بأنْ كان كلّه حلالاً، أو كلّه حراماً، لما كان هناك شك في أكل لحم الأرنب، فشكّنا في أنّ أكل لحم الأرنب حلال أو حرام ناشئ من أنّ اللّحم فيه حلال وهو لحم الغنم، وفيه حرام وهو لحم الخنزير، ووجودين هذين القسمين هو الذي جعلنا نشكّ في حرمة أكل لحم الأرنب، أو لحم الحمير ـــــ مثلاً ـــــ، وإلاّ، لو لم يكن هناك انقسام، بأنْ كنت عالماً بحرمة اللّحم، أو بحلّيّة اللّحم؛ حينئذٍ لما كان هناك شكً في المقام؛ حينئذٍ يمكن أن يقال: أنّ مقتضى عموم الحديث الشريف هو إثبات أنّ المشكوك بنحو الشبهة الحكمية حلال، وهذا ينفع في مقام الاستدلال بالرواية؛ بل أكثر من هذا، تعدّى إلى ما هو أكثر من ذلك، قال: يمكن فرض ذلك حتّى في لحم الغنم نفسه، فلا نلاحظ الجنس البعيد الذي هو اللّحم، وإنّما حتّى في لحم الغنم، باعتبار أنّ لحم الغنم فيه قسمان معلومان، وقسم ثالث مشتبه، فيه قسم معلوم الحرمة مثل البيضتان والنخاع، وفيه قسم معلوم الحلّيّة مثل الكتف والزند والرجل، وهناك شيء مشتبه ـــــ مثلاً ـــــ يُشتبه في حرمة أكل الكلية بنحو الشبهة الحكمية، فيمكن تطبيقها هنا، بأن يقال: أنّ لحم الغنم فيه حلال، وفيه حرام، وفيه مشتبه، وهو ما نشك فيه بنحو الشبهة الحكمية، فكل شيء فيه حلال وحرام، فهو لك حلال حتّى تعرف أنّه حرام، فيمكن تطبيقه حتّى على لحم الغنم.
أُجيب عن هذا الاعتراض: بأنّ المناقشة في الحقيقة ليست في الانقسام، وإلاّ هو في أصل تقريب الاستدلال والقرينة ذُكر هناك أنّه يمكن أنْ ينقسم الشيء في الشبهة الحكمية إلى حلال وحرام، وإنّما المهم في القرينة هو أنّ الاشتباه والترددّ ناشئ من الانقسام، فالانقسام لم يُذكر اعتباطاً في صدر الرواية، وإنّما ذُكر لبيان منشأ الشك والاشتباه، لماذا تشك في أنّ هذا حرام؟ لوجود هذين القسمين. هذه هي النكتة، وعلى أساس هذه النكتة أدُعي أنّ الانقسام مع هذه النكتة قرينة على اختصاص الحديث بالشبهات الموضوعية، هذ هل هي موجودة في الشبهات الحكمية، أو لا ؟ أجيب عن اعتراض المحقق العراقي (قُدّس سرّه) بأنّ هذه النكتة غير موجودة في محل الكلام، أي أنّ هذه النكتة غير موجودة في الشبهات الحكمية، بينما هي موجودة في الشبهات الموضوعية، سبب اشتباه اللّحم المشترى من السوق والشك في حلّيّته هو أنك لا تعلم هل هو مُذكّى، أو ميتة، فإذن: تقسيمه إلى المُذكى والميتة هو السبب في شكك بنحو الشبهة الموضوعية، أمّا في باب الشبهة الحكمية، فليس له علاقة ذاك بشكك في أنّ لحم الأرنب حرام أو حلال، لو كان المكلّف عالماً، أو جاهلاً بحرمة لحم الخنزير، فهذا لا يكون موجباً لعدم الشك بحيث يكون علمي بحرمة لحم الخنزير، وعلمي بحلّيّة لحم الغنم هو السبب في شكّي في حرمة أكل لحم الأرنب، لو كنت جاهلاً بحرمة أكل لحم الخنزير، مع ذلك هذا لا يكون موجباً لارتفاع الاشتباه، وعدم الشك في لحم الغنم، الشك في لحم الغنم ينشأ من قضايا مرتبطة به، وليس له علاقة بحرمة أي شيءٍ آخر، لماذا أشك في حرمة أكل لحم الأرنب ؟ لعدم النص، أو تعارض النصّين، أو إجمال النص .....الخ. من الأمور الموجبة لكون الشبهة شبهة حكمية، هذا الشك ليس له علاقة بعلمي بحرمة أكل لحم الخنزير، أو بجهلي بذلك، لا علاقة له بذلك، المسألة هي أنّ الاشتباه المفترض في الرواية، ظاهر الرواية أنّه ينشأ من الانقسام الفعلي، ووجود قسمين للشك فعلاً يترددّ المشتبه بين دخوله في هذا القسم، أو هذا القسم، وهذا المعنى يصعب تطبيقه على الشبهات الحكمية حتّى إذا فرضنا أنّ الشبهات الحكمية يمكن أن نرجعها إلى كلّي، ونقول أنّ هذا الكلّي فيه حلال وفيه حرام، المهم أنّ الاشتباه والترددّ المفترض في الرواية هل ينشأ من هذا الانقسام، أو لا ؟ هل ينشأ من علمي بوجود حلال، وعلمي بوجود حرام أو لا ؟ الصحيح أنّه لا ينشأ من ذلك، وليس له علاقة بذلك، سواء كنت عالماً، أو كنت جاهلاً بذلك هو ليس له علاقة بهذا الاشتباه لا سلباً ولا إيجاباً، هذا اشتباه ينشأ من عوامل خاصّة بذلك الموضوع، وبذلك الشيء المشتبه، والأدلة الدالّة عليه، من دون فرقٍ بين أنْ أكون عالماً بوجود حرامٍ، أو غير عالم بوجود حرام.
الاعتراض الثاني: ما ذكره المحقق النائيني (قُدّس سرّه) على ما نُقل عنه، يقول
[2]
: التعبير الوارد في الرواية هو الشيء(كل شيءٍ فيه حلال وحرام) والشيئية تلازم الوجود الخارجي، بمعنى أنّ الشيء الموجود خارجاً غير قابل لأن ينقسم قسمة فعلية إلى قسمين، هذا غير معقول، وغير متصوّر، فلابدّ من حمل قوله(عليه السلام) فيه حلال وحرام على الترديد والقابلية، لا على الانقسام ؛ لما عرفت من أنّ الشيء الذي يعني الموجود الخارجي، غير قابل للانقسام إلى حرام وحلال؛ لأنّه موجود وله وجود واحد، ولا معنى لأن ينقسم إلى قسمين، وحيث أنّ الرواية تقول فيه حلال وحرام؛ حينئذٍ يتعيّن حمله على الترديد، هذا الشيء الموجود الخارجي الذي له وجود واحد، ليس معنى فيه حلال وحرام هو الانقسام؛ لاستحالة ذلك في الموجود الخارجي، وإنّما بمعنى الترديد، هذا الشيء الواحد الخارجي لا أعلم هل هو حلال، أو حرام، فتُحمل على الترديد، وعلى احتمال الحلّيّة، واحتمال الحرمة في الشيء الواحد، أو قل ـــــ حسب تعبيراتهم ـــــ قابلية الحرمة والحلّيّة، فإذا حملناه على ذلك؛ فحينئذٍ الرواية تشمل الشبهات الحكمية كما تشمل الشبهات الموضوعية؛ إذ في الشبهات الحكمية يصحّ أنْ نقول أنّ لحم الأرنب لا أعلم هل هو حلال أو حرام، وقوله (فيه حلال وحرام) حملناه على الترديد، يعني يمكن أن يكون حلالاً، ويمكن أن يكون حراماً، ورفعنا اليد عن الظهور الأوّلي للتقسيم الفعلي؛ لأنّ موضوع التقسيم هو الشيء، وهو يرى أنّ الشيء ملازم للوجود الخارجي، والموجود خارجاً هو غير قابل للانقسام والتقسيم، فلابدّ من حمل(فيه حلال وحرام) على احتمال الحلّيّة، واحتمال الحرمة، وهذا ينطبق في الشبهات الحكمية بلا إشكال.
فإذن: كلمة فيه لا تصلح أنْ تكون قرينة على اختصاص الحديث بالشبهات الموضوعية.
أجيب عن هذا الاعتراض: بأنّ الشيء لا يختصّ بالموجود الخارجي، فهو كما يطلق على الموجود الخارجي، فكذلك يطلق على الكلّي الطبيعي، ولا ضير في أنْ يقال أنّ الإنسان شيء ممكن، ويقال أنّ شريك الباري شيء مستحيل، فالشيء يطلق على الكلّي، وعلى الجزئي، أي الموجود الخارجي، فلا ضير في إطلاق(الشيء) على الكلّي؛ وحينئذٍ يكون المراد من الحديث(كل شيء فيه حلال وحرام) إذا أريد به الكلّي الطبيعي؛ حينئذٍ تكون الجملة واضحة، ولا تحتاج إلى مخالفة ظهور كما سيأتي، الكلّي الذي ينقسم إلى حلالٍ وحرامٍ هو حلال إلى أنْ تعرف أنّه حرام، فيقال اللّحم لك حلال إلى أن تعرف أنّه حرام. أمّا إذا قلنا أنّ المراد بالشيء هو الجزئي الخارجي، أي الموجود الخارجي الذي قال الميرزا(قُدّس سرّه) بأنّه لا يقبل الانقسام إلى أمرين، مع ذلك يبقى الاستدلال بالرواية على حاله، يعني لا ننفي أن يكون المراد بالشيء هو الموجود الخارجي أو الكلّي، فحتّى لو أريد الموجود الخارجي مع ذلك يصح الاستدلال بالرواية، غاية الأمر أنّه لابدّ من ارتكاب مخالفة للظهور، وهي عبارة عن الاستخدام، أي لابد أن يكون هذا على طريق الاستخدام، يعني الرواية تقول: (كل شيءٍ)، الشيء يعني الموجود الخارجي الغير قابل للانقسام، (فيه حلال وحرام) الضمير في (فيه) لا يجوز أن يعود إلى الموجود الخارجي؛ لأنّ الموجود الخارجي ليس فيه حلال وحرام، فلابدّ من إرجاع الضمير إلى كلّي ذلك الموجود الخارجي على نحو الاستخدام، يعني كل شيء فيه، يعني في نوعه حلال وحرام، فهو لك حلال، فهذا الموجود الخارجي الذي تشك في أنّه حلال أو حرام، ما دام يوجد في نوعه حلال وحرام، فهو لك حلال حتّى تعرف الحرام منه بعينه فتدعه، وعلى كلا التقديرين هو يختصّ بالشبهة الموضوعية.
القرينة الثانية: هي كلمة (بعينه) وهي قرينة موجودة في كل الروايات، يعني روايات القسم الأوّل التي فيها التقسيم، وفي روايات القسم الثاني أيضاً موجودة. وهذه الكلمة مذكورة في الوسائل وغيرها، وبيانها يكون بهذا الشكل: أنّ حمل كلمة(بعينه) على مجرّد التأكيد هو خلاف الظاهر؛ لأنّ الأصل فيها، كأي قيدٍ آخر، أنْ تكون احترازية، حيث أنّ الأصل في القيود هو أن تكون احترازية، وحيث لا قرينة ولا دليل على أنّها للتأكيد فلابدّ أن تكون كلمة(بعينه) احترازية(كل شيء فيه حلال وحرام، فهو لك حلال حتّى تعرف الحرام بعينه فتدعه) لماذا قال بعينه ؟ لابدّ أن يحترز بها عن شيءٍ، وليس مجرّد تأكيد ما قبلها؛ بل لابدّ أن تكون احترازية عن شيء، وافتراض أنّ كلمة(بعينه) احترازية لا يمكن تصوّره إلاّ في الشبهات الموضوعية، احترازاً عن معرفة الحرام لا بعينه، فهناك فرق بين أن يعرف الإنسان الحرام بعينه، فيدعه من قِبل نفسه، فهذا ليس فيه حلّيّة؛ لأنّك قد عرفت الحرام بعينه، أي إلى أن تعلم بالحرام تفصيلاً، فالاحتراز عن أنْ تعلم بالحرام إجمالاً، فتبقى الاحترازية على حالها ويكون الاحتراز بها عن ما إذا علمت بالحرام إجمالاً، هذا فيه حلّيه، وليس داخلاً في الاستثناء، والحلّيّة محمولة على العلم الإجمالي في الشبهات الكلّيّة التي هي مناسبة لكل شبهة موضوعية، حيث في كل شبهة موضوعية عادةً هناك علم إجمالي أطرافه كثيرة جدّاً، مثلاً هذا اللحم الموجود في السوق أنت تعلم بوجود الميتة في العالم، أو في هذا البلد، الرواية تقول: ما دام أنت لا تعلم بأنّ هذا الذي تشك فيه حرام بعينه فهو لك حلال، وإذا عرفت أنّه حرام بعينه؛ فحينئذٍ يكون حراماً، فهو احتراز عن العلم بالحرام لا بعينه، وليس المقصود من ذلك هو الشبهات المحصورة حتّى يقال هناك أيضاً الحرمة ثابتة والحلّيّة غير ثابتة، هذا بحث آخر، في الشبهات غير المحصورة احترز به عن هذه، يقول أنت عندما تدخل إلى السوق تشتري اللّحم، صحيح أنت تعلم بأنّ هناك ميتة، وعندما تشتري المايع تعلم بأنّ هناك خمر، لكن لا بعينه، وتعلم بالميتة، لكن لا بعينها، هذا لا يؤثر، هذا لك حلال إلى أنْ تعرف الحرام بعينه، أي تعلم به تفصيلاً؛ حينئذٍ يكون حراماً، وإلاّ يكون حلالاً، فتطبيق(بعينه) مع المحافظة على احترازيتها في الشبهات الموضوعية واضح، وأمّا في الشبهة الحكمية فيتعيّن أن تكون كلمة(بعينه) مجرّد تأكيد؛ لأنّه في الشبهات الحكمية العلم بالحرمة هو بعينه علم بالحرمة، ليس لدينا علم بحرمة شيء لا بعينه حتّى نقول أنّ(بعينه) في الشبهات الحكمية احتراز عن العلم بالحكم لا بعينه، الحكم إمّا أن يعلم به المكلّف أو لا يعلم به، إذا علم به يعني علم به بعينه، وإذا لم يعلم به فلم يعلم به أصلاً لا بعينه، ولا لا بعينه، أمّا أن يعلم بالحكم لا بعينه بحيث تكون كلمة(بعينه) في الرواية احترازاً عن هذه الحالة فهذا غير متصوّر في الشبهات الحكمية؛ لأنّ الشبهات الحكمية كما ذكروا تتعلّق بالعناوين الكلّية، وهذه العناوين الكلّية إمّا أن تكون معلومة أو غير معلومة، حرمة متعلقة بالخمر، فالخمر إمّا معلوم، أو غير معلوم، فإذا كان معلوماً؛ فحينئذٍ تكون الحرمة معلومة بعينها، وإذا لم يكن كذلك لم تكن معلومة اصلاً، فافتراض علم بالحكم لا بعينه غير متصوّر، فإذا كان غير متصوّر، فلابدّ أن تكون كلمة(بعينه) للتأكيد لا للاحتراز، حتّى تعلم أنّه حرام بعينه، إذا شبهة حكميّة حتّى تعلم أنّه حرام، لحم الأرنب لك حلال إلى أن تعلم أنّه حرام، فإذا علمت أنّه حرام يعني أنّك علمت أنّه حرام بعينه، مجرّد تأكيد، علمك بحرمة أكل لحم الأرنب هو علمك بالحرام بعينه؛ لذا لا يتصوّر فيها الاحتراز، ويتعين أنْ تكون لمجرّد التأكيد، والتأكيد خلاف الظاهر، خلاف قاعدة احترازية القيود؛ فحينئذٍ يتعيّن حمل الرواية على الشبهات الموضوعية حتّى يكون هذا القيد احترازياً، ونحافظ به على ظهور القيود في الاحترازية.
10، 29
[1] نهاية الأفكار، تقرير بحث آقا ضياء للبروجردي، ج 3، ص 233.
[2] أجود التقريرات، تقرير بحث النائيني للسيد الخوئي، ج 2، ص 185.