13-06-1435
تحمیل
الأستاذ الشيخ باقر الايرواني
بحث الفقه
35/06/13
بسم الله الرحمن الرحیم
الموضـوع:- مسألة (422 )، مسألة ( 423 ) / الواجب العاشر والحادي
عشر من واجبات الحج ( طواف النساء وصلاته ) / حجّ التمتع / مناسك الحجّ للسيد الخوئي(قد).
مسألة ( 422 ):- من قدّم طواف النساء على الوقوفين لعذرٍ لم تحلّ له النساء حتى يأتي بمناسك منى من الرمي والذبح والحلق.
مضمون هذه المسألة تقدّمت منّا الإشارة إليه في مسألة ( 416 )، وخلاصة ما ذكرناه:- هو أن صحيحة معاوية الدالّة على حصول التحلّل بطواف الحجّ - يعني من الصيد والطيب وهكذا التحلّل بطواف النساء للنساء - دلّت على التحلّل في حالة الترتيب فأن الوارد فيها هكذا:- ( إذا ذبح الرجل وحلق فقد أحلّ من كلّ شيءٍ أحرم منه إلّا النساء والطيب فإذا زار البيت وطاف وسعى بين الصفا والمروة فقد أحلّ من كلّ شيءٍ أحرم منه إلّا النساء وإذا طاف طواف النساء فقد أحلّ من كلّ شيءٍ أحرم منه إلّا الصيد )[1]،، إنها دلت على حصول التحلّل في حالة تحقق هذا الترتيب، وأما إذا لم يحصل هذا الترتيب فلم تدلّ على حصول التحلّل، فطواف النساء يحصل به التحلّل من النساء إذا تأخّر عن طواف الحجّ والسعي وعن أعمال منى، أمّا لو تقدّم فلم تدلّ هذه الرواية على حصول التحلّل به.
وحينئذٍ نقول:- تارةً نصعّد اللهجة وأخرى نخففها، فإن صعدناها وقلنا إنه يستفاد منها أن التحلّل يحصل في هذه الحالة ولا يحصل في غيرها فيستفاد بالمفهوم أنه لو لم يكن الترتيب متحقّقاً فلا تحلّلَ لأنه جيء بكلمة ( إذا ) وهي تدلّ على المفهوم فحينئذٍ تكون هذه بنفسها دالة بمفهومها على عدم حصول التحلّل من النساء لو لم يُؤتَ بطواف النساء بنحوٍ متأخّرٍ عن أعمال منى.
وإمّا أن نخفف اللهجة، يعني نقول إنه لا مفهوم لها بل غاية ما تدلّ عليه هو أن هذا التحلّل يحصل في هذه الحالة - أي في حالة تأخر طواف النساء عن أعمال منى - أمّا أنه لا يحصل به التحلّل لو قُدِّمَ فهو شيءٌ مسكوتٌ عنه ولا مفهوم لها، فحينئذٍ نحتاج إلى الوصول إلى النتيجة - أعني عدم حصول التحلّل - إلى الاستصحاب فيقال:- إنه قبل حصول طواف النساء لم تكن النساء محلّلة للحاج وبعد أن طاف طواف النساء لكن جاء به متقدّماً على أعمال منى نشكّ هل حلّت له النساء أو لم تحلّ فنستصحب بقاء الحرمة، فبالاستصحاب نثبت عدم حصول التحلّل . وهذه نكتة يلزم الالتفات إليها.
وواضح أن مثل السيّد الخوئي(قده) لابد وأن يقول بالأوّل، وأما الثاني فلا يستطيع أن يقول به لأنه يحتاج إلى استصحابٍ كما قلنا وهذا استصحابٌ في شبهةٍ حكميّةٍ لأن المشكوك هو الحكم الكلّي الإلهي وليس شبهة موضوعيّة والاستصحاب لا يجري عنده في الشبهات الحكميّة للمعارضة بين بقاء استصحاب بقاء المجعول - يعني بقاء الحرمة الفعليّة - مع أصالة عدم الجعل الزائد - يعني عدم جعل الحرمة في الفترة المشكوكة أي الزائدة - . نعم هناك فترة متيقّنة وهي أنه إذا أحرم ولم يأتِ بعد بطواف النساء، أمّا الحرمة هل جعلت بالمقدار الأكثر أو لا فعلى رأيه لا يجري الاستصحاب حينئذٍ وتصل النوبة إلى ما لا يرتضيه - يعني أصل البراءة - والنتيجة سوف تصير معاكسةً، فلذلك هو بحاجة إلى أن يسلك الطريق الأوّل فقط . أما من يبني على جريان الاستصحاب في الشبهات الحكميّة فهو في راحةٍ فنقول:- إن فَهِمْنا الأوّل وصلنا إلى النتيجة بشكلٍ مختصر، وإن فَهِمْنا الثاني - يعني فهمنا السكوت، فالإمام ساكتٌ عن حالة عدم حصول الرتيب - تمسّكنا بالاستصحاب.
مسألة ( 423 ):- إذا حاضت المرأة ولم تنتظر القافلة طهرها جاز لها ترك طواف النساء والخروج مع القافلة والأحوط حينئذٍ أن تستنيب لطوافها ولصلاته . وإذا كان حيضها بعد تجاوز النصف من طواف النساء جاز لها ترك الباقي والخروج مع القافلة والأحوط الاستنابة لبقيّة الطواف وصلاته.
..........................................................................................................
تشمل هذه المسألة على فرعين:-
الفرع الأوّل:- لو فرض أن المرأة جاءها الحيض في أواخر أفعال الحج - كما لو جاءها ليوم الثالث عشر أو الرابع عشر - قبل أن تأتي بطواف النساء والمفروض أنّها تحتاج إلى سبعة أيّام مثلاً لكي تطهر فإذا فرض أن القافلة تنتظرها فبها ونعمت ولا مشكلة في البين، وأمّا إذا لم تنتظرها فما هو مقتضى القاعدة ؟
والجواب:- المناسب بمقتضى القاعدة لو خلّينا معها عند عدم إمكانها البقاء هو أن تستنيب ككلّ شخصٍ لا يتكّمن من الاتيان بالطواف لسببٍ وآخر، فهذه أيضاً من المناسب لها أن تستنيب.
ولكن قد دلت رواية قد تقدّمت الإشارة إليها سابقاً على أنها تمضي وتترك طواف النساء، وقد ذكرناها سابقاً وقلنا إنه يمكن أن يستفاد منها أن طواف النساء ليس جزءاً من الحجّ، وهي صحيحة أبي أيوب الخزّاز التي نصّها:- ( قال:- كنت عند أبي عبد الله عليه السلام فدخل عليه رجل ليلاً[2]فقال له :- أصلحك الله امرأة معنا حاضت ولم تطف طواف النساء، فقال:- لقد سئلت عن هذه المسألة اليوم، فقال:- أصلحك الله أنا زوجها وقد أحببتُ أن أسمع ذلك منك، فاطرق كأنه يناجي نفسه وهو يقول:- لا يقيم عليها جمّالها ولا تستطيع أن تتخلّف عن أصحابها تمضي وقد تمّ حجّها )[3]، وعلى منوالها نفس هذه الرواية ولكن باختلافٍ جزئيّ حيث إن السائل لم يكن نفس الزوج بل كان شخصاً آخر وهذا لا يؤثّر[4].
وهذه الرواية هي بسند الشيخ الصدوق(قده) بينما السابقة بسند الشيخ الكليني(قده)، والاختلاف كما قلت جزئي، وهي قد دلّت بوضوحٍ على أنها تمضي.
وكأن صاحب الوسائل لم يتحمّل أنها تمضي بلا طواف نساء وبلا نيابة فلذلك حملها في كِلا الموردين على حالة النيابة حيث قال:- ( هذا محمولٌ على أنها تستنيب في طواف النساء لما مضى ويأتي ).
وعلى أيّ حال بعد دلالة النصّ على ذلك لماذا هذا التوقف ؟! فالإمام عليه السلام هو الذي يقول:- ( تمضي فقد تمّ حجّها ) فلماذا نحملها على أن المقصود هو حالة النيابة ؟!! نعم لو كانت هناك رواية ثانية دالة على ذلك فمن باب الجمع بين الروايتين يكون شيئاً جيداً ولكن المفروض أنه لا توجد رواية معارضة لذلك.
إن قلت:- كيف في صورة نسيان طواف النساء لابد وأن يرجع الحاج بنفسه أن أمكنه وإذا لم يتمكّن فيستنيب ؟ فكيف قلنا في الناسي أنه يجب عليه أن يرجع إن أمكنه أو يستنيب إذا لم يمكنه بينما قلنا هنا تمضي ولا شيء عليها ؟!!
قلنا:- هذه أحكامٌ تعبّديّة ولا نعرف نكتها ونحن نأخذ بما دلّ عليه النصّ ولا مشكلة في ذلك.
واحتاط السيد الماتن(قده) استحباباً بالنيابة . وما هو مورد الاحتياط الاستحبابي ؟! إلّا اللهم من باب أن الاحتياط حسنٌ على كلّ حال.
إنه لا بأس بالعمل بمضمونها ولا موجب للتوقّف من هذه الناحية، قال صاحب الحدائق:- ( ظاهر الأصحاب القول بالخبر المذكور من غير ارتكاب تأويلٍ فيه ولعلّه مبنيٌّ على الفرق بين ما دلّ على حكم الناسي فإنه لمكان تفريطه حتى أدّى إلى نسيانه لزمه العود أو الاستنابة بخلاف هذه المرأة وظاهر المحدّث الشيخ محمد بن الحسن الحر العاملي حمل الخبر المذكور على أنها تستنيب وهو في غاية البعد عن سياق الخبر )[5].
وعلى أيّ حال العمل بما دل عليه الخبر المذكور لا محذور فيه ولا موجب للتوقف.
الفرع الثاني:- لو فرض أن المرأة شرعت في طواف النساء ولكن حينما وصلت إلى نصفه أو بالأحرى أكملت الشوط الرابع فاجأها الحيض فهنا ماذا تصنع ؟
والجواب:- إن القاعدة تقتضي أنه يلزمها أن تبقى إلى أن تطهر وإذا لم يمكن فتستنيب عنها.
لكن دلّت بعض الروايات على أن حال هذه أوسع من حال الأولى، فالأولى جوّز لها النصّ أن تمضي إذا لم ينتظر جمالها بينما هذه يجوز لها أن ترجع إلى البلد حتى لو فرض أن القافلة بَعدُ باقية كما لو أحبّت أن ترجع إلى بيتها فإذا أحبّت أن ترجع فيجوز لها أن ترجع رغم أنّها لم تأتِ بكامل طواف النساء وبقي عليها ثلاثة أشواط منه، فهي بلا حاجة إلى نيابة تتمكن أن تنفر، والرواية الدالة على ذلك هي موثقة الفضيل بن يسار التي رواها الشيخ الصدوق(قده) بسنده عن أبان عن الفضيل بن يسار عن أبي جعفر عليه السلام قال:- ( إذا طافت المرأة طواف النساء فطافت أكثر من النصف فحاضت نفرت إن شاءت )[6]، إنها قالت ( نفرت إن شاءت ) ومعنى إن شاءت يعني إن أحبّت ذلك، ولم يقل الإمام ( عليها أن تنيب ) فلذلك قلنا إن حالها أوسع من حال السابقة . نعم إذا لم تتجاوز النصف فلا يجوز لها أن تنفر إن شاءت وإنما يصير حكمها حكم السابقة ولا نحتمل أن حكمها يصير أصعب من السابقة، وقلنا إن السابقة إذا امكنها أن تبقى وتنتظرها القافلة فبها وإذا لم تنتظرها القافلة ولا يمكنها البقاء فحينئذٍ تنفر، فالمدار على التمكّن وعدم التمكّن من البقاء، وأمّا إذا تجاوزت النصف فليس التمكّن وعدم التمكّن من البقاء هو المدار وإنما المدار على الرغبة إن أحبّت ذلك.
وعلى أيّ حال مسائل الحج يصعب ضبطها فإنها لا تدخل تحت ضابطٍ واحدٍ حتى يمكن لرجل الدين أن يمشي على طبقه، فعلى هذا الاساس يكون ضبطها شيئاً صعباً ويحتاج إلى ممارسة طويلة حتى يضبط مسائل الحجّ بالقدار المهم المبتلى به ويحتاج إلى تسديدٍ البعض للبعض الآخر . وكان من المناسب حذف هذه المسألة - يعني لو حاضت المرأة بعدما تجاوزت النصف من الطواف - من المناسك فإنها ليست ابتلائية بل هي نادرة.
مسألة ( 422 ):- من قدّم طواف النساء على الوقوفين لعذرٍ لم تحلّ له النساء حتى يأتي بمناسك منى من الرمي والذبح والحلق.
مضمون هذه المسألة تقدّمت منّا الإشارة إليه في مسألة ( 416 )، وخلاصة ما ذكرناه:- هو أن صحيحة معاوية الدالّة على حصول التحلّل بطواف الحجّ - يعني من الصيد والطيب وهكذا التحلّل بطواف النساء للنساء - دلّت على التحلّل في حالة الترتيب فأن الوارد فيها هكذا:- ( إذا ذبح الرجل وحلق فقد أحلّ من كلّ شيءٍ أحرم منه إلّا النساء والطيب فإذا زار البيت وطاف وسعى بين الصفا والمروة فقد أحلّ من كلّ شيءٍ أحرم منه إلّا النساء وإذا طاف طواف النساء فقد أحلّ من كلّ شيءٍ أحرم منه إلّا الصيد )[1]،، إنها دلت على حصول التحلّل في حالة تحقق هذا الترتيب، وأما إذا لم يحصل هذا الترتيب فلم تدلّ على حصول التحلّل، فطواف النساء يحصل به التحلّل من النساء إذا تأخّر عن طواف الحجّ والسعي وعن أعمال منى، أمّا لو تقدّم فلم تدلّ هذه الرواية على حصول التحلّل به.
وحينئذٍ نقول:- تارةً نصعّد اللهجة وأخرى نخففها، فإن صعدناها وقلنا إنه يستفاد منها أن التحلّل يحصل في هذه الحالة ولا يحصل في غيرها فيستفاد بالمفهوم أنه لو لم يكن الترتيب متحقّقاً فلا تحلّلَ لأنه جيء بكلمة ( إذا ) وهي تدلّ على المفهوم فحينئذٍ تكون هذه بنفسها دالة بمفهومها على عدم حصول التحلّل من النساء لو لم يُؤتَ بطواف النساء بنحوٍ متأخّرٍ عن أعمال منى.
وإمّا أن نخفف اللهجة، يعني نقول إنه لا مفهوم لها بل غاية ما تدلّ عليه هو أن هذا التحلّل يحصل في هذه الحالة - أي في حالة تأخر طواف النساء عن أعمال منى - أمّا أنه لا يحصل به التحلّل لو قُدِّمَ فهو شيءٌ مسكوتٌ عنه ولا مفهوم لها، فحينئذٍ نحتاج إلى الوصول إلى النتيجة - أعني عدم حصول التحلّل - إلى الاستصحاب فيقال:- إنه قبل حصول طواف النساء لم تكن النساء محلّلة للحاج وبعد أن طاف طواف النساء لكن جاء به متقدّماً على أعمال منى نشكّ هل حلّت له النساء أو لم تحلّ فنستصحب بقاء الحرمة، فبالاستصحاب نثبت عدم حصول التحلّل . وهذه نكتة يلزم الالتفات إليها.
وواضح أن مثل السيّد الخوئي(قده) لابد وأن يقول بالأوّل، وأما الثاني فلا يستطيع أن يقول به لأنه يحتاج إلى استصحابٍ كما قلنا وهذا استصحابٌ في شبهةٍ حكميّةٍ لأن المشكوك هو الحكم الكلّي الإلهي وليس شبهة موضوعيّة والاستصحاب لا يجري عنده في الشبهات الحكميّة للمعارضة بين بقاء استصحاب بقاء المجعول - يعني بقاء الحرمة الفعليّة - مع أصالة عدم الجعل الزائد - يعني عدم جعل الحرمة في الفترة المشكوكة أي الزائدة - . نعم هناك فترة متيقّنة وهي أنه إذا أحرم ولم يأتِ بعد بطواف النساء، أمّا الحرمة هل جعلت بالمقدار الأكثر أو لا فعلى رأيه لا يجري الاستصحاب حينئذٍ وتصل النوبة إلى ما لا يرتضيه - يعني أصل البراءة - والنتيجة سوف تصير معاكسةً، فلذلك هو بحاجة إلى أن يسلك الطريق الأوّل فقط . أما من يبني على جريان الاستصحاب في الشبهات الحكميّة فهو في راحةٍ فنقول:- إن فَهِمْنا الأوّل وصلنا إلى النتيجة بشكلٍ مختصر، وإن فَهِمْنا الثاني - يعني فهمنا السكوت، فالإمام ساكتٌ عن حالة عدم حصول الرتيب - تمسّكنا بالاستصحاب.
مسألة ( 423 ):- إذا حاضت المرأة ولم تنتظر القافلة طهرها جاز لها ترك طواف النساء والخروج مع القافلة والأحوط حينئذٍ أن تستنيب لطوافها ولصلاته . وإذا كان حيضها بعد تجاوز النصف من طواف النساء جاز لها ترك الباقي والخروج مع القافلة والأحوط الاستنابة لبقيّة الطواف وصلاته.
..........................................................................................................
تشمل هذه المسألة على فرعين:-
الفرع الأوّل:- لو فرض أن المرأة جاءها الحيض في أواخر أفعال الحج - كما لو جاءها ليوم الثالث عشر أو الرابع عشر - قبل أن تأتي بطواف النساء والمفروض أنّها تحتاج إلى سبعة أيّام مثلاً لكي تطهر فإذا فرض أن القافلة تنتظرها فبها ونعمت ولا مشكلة في البين، وأمّا إذا لم تنتظرها فما هو مقتضى القاعدة ؟
والجواب:- المناسب بمقتضى القاعدة لو خلّينا معها عند عدم إمكانها البقاء هو أن تستنيب ككلّ شخصٍ لا يتكّمن من الاتيان بالطواف لسببٍ وآخر، فهذه أيضاً من المناسب لها أن تستنيب.
ولكن قد دلت رواية قد تقدّمت الإشارة إليها سابقاً على أنها تمضي وتترك طواف النساء، وقد ذكرناها سابقاً وقلنا إنه يمكن أن يستفاد منها أن طواف النساء ليس جزءاً من الحجّ، وهي صحيحة أبي أيوب الخزّاز التي نصّها:- ( قال:- كنت عند أبي عبد الله عليه السلام فدخل عليه رجل ليلاً[2]فقال له :- أصلحك الله امرأة معنا حاضت ولم تطف طواف النساء، فقال:- لقد سئلت عن هذه المسألة اليوم، فقال:- أصلحك الله أنا زوجها وقد أحببتُ أن أسمع ذلك منك، فاطرق كأنه يناجي نفسه وهو يقول:- لا يقيم عليها جمّالها ولا تستطيع أن تتخلّف عن أصحابها تمضي وقد تمّ حجّها )[3]، وعلى منوالها نفس هذه الرواية ولكن باختلافٍ جزئيّ حيث إن السائل لم يكن نفس الزوج بل كان شخصاً آخر وهذا لا يؤثّر[4].
وهذه الرواية هي بسند الشيخ الصدوق(قده) بينما السابقة بسند الشيخ الكليني(قده)، والاختلاف كما قلت جزئي، وهي قد دلّت بوضوحٍ على أنها تمضي.
وكأن صاحب الوسائل لم يتحمّل أنها تمضي بلا طواف نساء وبلا نيابة فلذلك حملها في كِلا الموردين على حالة النيابة حيث قال:- ( هذا محمولٌ على أنها تستنيب في طواف النساء لما مضى ويأتي ).
وعلى أيّ حال بعد دلالة النصّ على ذلك لماذا هذا التوقف ؟! فالإمام عليه السلام هو الذي يقول:- ( تمضي فقد تمّ حجّها ) فلماذا نحملها على أن المقصود هو حالة النيابة ؟!! نعم لو كانت هناك رواية ثانية دالة على ذلك فمن باب الجمع بين الروايتين يكون شيئاً جيداً ولكن المفروض أنه لا توجد رواية معارضة لذلك.
إن قلت:- كيف في صورة نسيان طواف النساء لابد وأن يرجع الحاج بنفسه أن أمكنه وإذا لم يتمكّن فيستنيب ؟ فكيف قلنا في الناسي أنه يجب عليه أن يرجع إن أمكنه أو يستنيب إذا لم يمكنه بينما قلنا هنا تمضي ولا شيء عليها ؟!!
قلنا:- هذه أحكامٌ تعبّديّة ولا نعرف نكتها ونحن نأخذ بما دلّ عليه النصّ ولا مشكلة في ذلك.
واحتاط السيد الماتن(قده) استحباباً بالنيابة . وما هو مورد الاحتياط الاستحبابي ؟! إلّا اللهم من باب أن الاحتياط حسنٌ على كلّ حال.
إنه لا بأس بالعمل بمضمونها ولا موجب للتوقّف من هذه الناحية، قال صاحب الحدائق:- ( ظاهر الأصحاب القول بالخبر المذكور من غير ارتكاب تأويلٍ فيه ولعلّه مبنيٌّ على الفرق بين ما دلّ على حكم الناسي فإنه لمكان تفريطه حتى أدّى إلى نسيانه لزمه العود أو الاستنابة بخلاف هذه المرأة وظاهر المحدّث الشيخ محمد بن الحسن الحر العاملي حمل الخبر المذكور على أنها تستنيب وهو في غاية البعد عن سياق الخبر )[5].
وعلى أيّ حال العمل بما دل عليه الخبر المذكور لا محذور فيه ولا موجب للتوقف.
الفرع الثاني:- لو فرض أن المرأة شرعت في طواف النساء ولكن حينما وصلت إلى نصفه أو بالأحرى أكملت الشوط الرابع فاجأها الحيض فهنا ماذا تصنع ؟
والجواب:- إن القاعدة تقتضي أنه يلزمها أن تبقى إلى أن تطهر وإذا لم يمكن فتستنيب عنها.
لكن دلّت بعض الروايات على أن حال هذه أوسع من حال الأولى، فالأولى جوّز لها النصّ أن تمضي إذا لم ينتظر جمالها بينما هذه يجوز لها أن ترجع إلى البلد حتى لو فرض أن القافلة بَعدُ باقية كما لو أحبّت أن ترجع إلى بيتها فإذا أحبّت أن ترجع فيجوز لها أن ترجع رغم أنّها لم تأتِ بكامل طواف النساء وبقي عليها ثلاثة أشواط منه، فهي بلا حاجة إلى نيابة تتمكن أن تنفر، والرواية الدالة على ذلك هي موثقة الفضيل بن يسار التي رواها الشيخ الصدوق(قده) بسنده عن أبان عن الفضيل بن يسار عن أبي جعفر عليه السلام قال:- ( إذا طافت المرأة طواف النساء فطافت أكثر من النصف فحاضت نفرت إن شاءت )[6]، إنها قالت ( نفرت إن شاءت ) ومعنى إن شاءت يعني إن أحبّت ذلك، ولم يقل الإمام ( عليها أن تنيب ) فلذلك قلنا إن حالها أوسع من حال السابقة . نعم إذا لم تتجاوز النصف فلا يجوز لها أن تنفر إن شاءت وإنما يصير حكمها حكم السابقة ولا نحتمل أن حكمها يصير أصعب من السابقة، وقلنا إن السابقة إذا امكنها أن تبقى وتنتظرها القافلة فبها وإذا لم تنتظرها القافلة ولا يمكنها البقاء فحينئذٍ تنفر، فالمدار على التمكّن وعدم التمكّن من البقاء، وأمّا إذا تجاوزت النصف فليس التمكّن وعدم التمكّن من البقاء هو المدار وإنما المدار على الرغبة إن أحبّت ذلك.
وعلى أيّ حال مسائل الحج يصعب ضبطها فإنها لا تدخل تحت ضابطٍ واحدٍ حتى يمكن لرجل الدين أن يمشي على طبقه، فعلى هذا الاساس يكون ضبطها شيئاً صعباً ويحتاج إلى ممارسة طويلة حتى يضبط مسائل الحجّ بالقدار المهم المبتلى به ويحتاج إلى تسديدٍ البعض للبعض الآخر . وكان من المناسب حذف هذه المسألة - يعني لو حاضت المرأة بعدما تجاوزت النصف من الطواف - من المناسك فإنها ليست ابتلائية بل هي نادرة.