29-05-1435
تحمیل
الأستاذ الشيخ باقر الايرواني
بحث الفقه
35/05/29
بسم الله الرحمن الرحیم
الموضـوع:- مسألة ( 420 ) / الواجب العاشر والحادي عشر من واجبات الحج ( طواف النساء وصلاته ) / حج التمتع / مناسك الحجّ للسيد الخوئي(قد).
هذا كلّه على الأول - أي إذا تعاملنا مع هذه الروايات معاملة كونها متعدّدة -.
وأما على الثاني:- - أي إذا تعاملنا معها معاملة الرواية الواحدة - باعتبار أنه من البعيد أن معاوية يسأل خمس مرّات عن قضيّةٍ واحدةٍ فمن البعيد أن تكون هذه روايات متعدّدة، وهذا الاحتمال قلنا لم نرَ ذكره هنا . نعم ذكره السيد الخوئي(قده) في البحث الآتي - يعني لو فرض أنه مات فما هو حكمه فهل يلزم أن يقضي خصوص الوليّ أو الأعم -، وعلى أيّ حال هذا الاحتمال هو احتمالٌ وجيهٌ، وبناءً عليه ماذا تكون النتيجة ؟
ربما يقال:- حيث إن الصادر من الإمام عليه السلام واقعاً ليس متعيّناً فنأخذ بجنبة الاشتراك - يعني نأخذ بالقدر المتّفق عليه بين النقول الخمس -، وأمّا مورد الخلاف فنرجع فيه إلى ما تقتضيه الأصول العمليّة، وفي المقام نقول:- إنها اتفقت على جواز النيابة ولكنّها اختلفت في أن جواز النيابة مقيّد بالعجز عن المباشرة أو أنه ليس مقيّداً بذلك ؟ ففي مثل ذلك يكون المورد من موارد الشك في التقييد الزائد فالذمّة قد اشتغلت بأن يُنيب شخصاً أمّا أن يكون ذلك بقيد تعذّر المباشرة فهو مشكوكٌ فننفي هذا القيد الزائد المشكوك بالبراءة، وبذلك تكون النتيجة هي جواز النيابة مطلقاً - يعني حتى لو أمكنه المباشرة -.
إن قلت:- هذا وجيهٌ إذا دار الأمر بين أن يكون جواز النيابة مطلقاً أو أن يكون مشروطاً، بيد أنه يستفاد من هذه الروايات احتمالٌ ثالثٌ وهو أن تكون المباشرة هي اللازمة سواءً أمكنته أم لا كما هو مقتضى الرواية الأولى من روايات معاوية فإن ظاهرها هو ذلك حيث قالت:- ( رجلٌ نسي طواف النساء حتى يرجع - رجع - إلى هلة، قال:- لا تحلّ له النساء حتى يزور البيت )، وهذا معناه أنّه يلزمه أن يزور البيت بنفسه . فإذن هي دالّة على لزوم المباشرة وظاهرها أن ذلك لازمٌ بشكلٍ مطلق - أي سواء أمكنته المباشرة أو لم تمكنه -، هكذا قد يقال، ولازم هذا أن الاحتمالات سوف تكون ثلاثة لا أن الأمر يدور بين أن يكون جواز النيابة مشروطاً أو مطلقاً .
قلت:- يردّه:-
أوّلاً:- إن هذا احتمال بعيدٌ هو في حدّ نفسه بل هو باطلٌ ؛ إذ لازمه أنّ من لم يتمكّن من المباشرة بنفسه تبقى النساء محرّمة عليه إلى الأبد فإن تمكّن في يومٍ من الأيام فيذهب ويطوف وتحلّ له النساء آنذاك أمّا إذا لم يوفّق لسببٍ وآخر فتبقى النساء محرّمة عليه إلى الأبد، وهذا احتمالٌ غير موجودٍ وباطل جزماً . إذن لابد وأن يكون المقصود من ( حتى يزور البيت بنفسه ) يعني إن أمكنه ذلك، فقيد ( إن أمكنه ذلك ) لابد من أخذه بعين الاعتبار وإلا لا نحتمل فقهياً أن الحرمة تبقى مؤبّدة رغم أنه نسي ولم يتعمّد.
وثانياً:- بقطع النظر عما أشرنا إليه من أن هذا الاحتمال باطل في حدّ نفسه يمكن أن نقول:- إن إدخاله في الحساب لا يغيّر من النتيجة شيئاً ؛ إذ بالتالي نحن نشكّ أن المباشرة هل هي لازمة بنحوٍ مطلقٍ أو لا ؟ إنه شكٌّ في أصل اشتغال الذمّة بهذا الشكل فينفى بالبراءة، ويدور الأمر آنذاك بين جواز النيابة مطلقاً وجوازها مشروطاً بتعذّر المباشرة فينفى الضيق الزائد - وهو بقيد أن تتعذّر المباشرة - بالبراءة، فتعود النتيجة كما هي دون أن تتغير.
والخلاصة:- إنه بعد أن فرضنا أن هذه الروايات هي بمثابة الرواية الواحدة ففي مورد الخلاف نرجع إلى الأصول العمليّة وما اتفقت عليه نأخذ به، وإذا رجعنا إلى الأصول العمليّة فهي تقتضي أن المباشرة المطلقة مشكوكة فتنفى بالبراءة، وأما جواز النيابة مطلقاً أو جوازها مشروطاً بتعذّر المباشرة لو دار الأمر بينهما فينفى الضيق الزائد بالبراءة، فالنتيجة هي جواز النيابة مطلقاً . هكذا قد يقال في تبيان ما تقتضيه الأصول العمليّة عندما نتعامل مع هذه الرايات الخمس معاملة الرواية الواحدة.
ولكن يردّه:- إنّ هذا وجيهٌ لو لم تكن لدينا حالة سابقة كما أشرنا إلى ذلك أكثر من مرّة، وفي القمام توجد حالة سابقة حيث إن النساء كانت محرّمة جزماً قبل أن يباشر أو يُنيب، فإذا فرض أنه أناب مع قدرته على المباشرة يشكّ هل تحلّ له النساء حينئذٍ أو لا فتستصحب الحرمة السابقة، وواضح أن هذا بناءً على جريان الاستصحاب في الشبهات الحكميّة على ما هو الصحيح، نعم بناءً على رأي السيد الخوئي(قد) القائل بأنه لا يجري لاستصحاب بقاء المجعول بأصالة عدم الجعل الزائد لا يعود مجال لهذا الاستصحاب ويبقى المجال مفتوحاً للبراءة فتكون النتيجة كما أشرنا إليه.
إذن اتضح من خلال هذا أنّه لو أردنا أن نتعامل مع هذه الروايات معاملة الرواية الواحدة فالمناسب حينئذٍ هو استصحاب بقاء حرمة النساء إذا فرض أن المكلّف أناب مع قدرته على المباشرة.
والنتيجة:- هي أن الاستصحاب يقتضي بقاء حرمة النساء.
إلّا أنّ الذي يهوّن الخطب أنه توجد رواية أخرى لعليّ بن جعفر يمكن أن نستفيد منها في المقام:- وهي ما رواه الشيخ بإسناده عنه عن أخيه عليه السلام :- ( قال:- سألته عن رجلٍ نسي طواف الفريضة حتى قدِم بلاده وواقع النساء كيف يصنع ؟ قال:- يبعث بهديٍ، إن كان تركه في حجٍ بعث به في حجٍ، وإن كان تركه في عمرةٍ بعث به في عمرةٍ، ووكّل من يطوف عنه ما تركه من طوافه )[1]، إنها دلت على جوا النيابة وهي مطلقة من ناحية قدرته على المباشرة وعدمها، فعلى هذا الأساس بعد وجودها لا معنى للمصير إلى ما يقتضيه الأصل بعد وجود الدليل الاجتهادي.
نعم ربما تواجهنا مشكلتان في هذه الرواية:-
المشكلة الأولى:- إن السؤال هو عمّن نسي طواف الفريضة، ومَن قال إنّ المقصود به طواف النساء ؟ فلعلّ المقصود به طواف الحجّ ؟ فعلى هذا الأساس لا يمكن التمسّك بها بلحاظ مقامنا.
ولكن يمكن أن يجاب:- بأن قول السائل ( حتى قَدِم بلاده وواقع النساء ) يعطي ظهوراً في إرادة طواف النساء فإنه وإن كان بالإمكان أن يكون المتروك هو طواف الحجّ ولكنه يسأل أن هذا نسي طواف الحجّ وواقع النساء فما هو حكمه ؟ إنّ هذا ممكنٌ، ولكن الذي يتناسب مع قضيّة مواقعة النساء هو أن يكون المقصود هو طواف النساء، ولا أقل - وهذا هو الجواب العلمي - هو أنّه لو كان بينهما فرقٌ من حيث الحكم لاستفصل الإمام عليه السلام وعدم استفصاله يدلّ على أن هذا الحكم لا يختصّ بما إذا كان المنسيّ هو طواف الحج . إذن حتى لو كان المنسيّ هو طواف النساء هذا هو الحكم والذي جزء الحكم هو ( وكّل من يطوف عنه ما تركه من طوافه ) . إذن بذلك يثبت أن من ترك طواف النساء حكمه جواز التوكيل.
هذا مضافاً إلى أنّه لو تنزّلنا وقلنا إنّه لو سلّمنا أنها واردة في طواف الحجّ فيمكن أن يقال بإلغاء الخصوصيّة من هذه الناحية، ولا ندّعي الأولوية حتى يقال إن الأولويّة ليست ثابتة، بل ندّعي أنّ طواف الحجّ الذي هو جزءٌ من الحج وركنٌ فيه لو تركه إذا فرض جواز التوكيل فيه فذلك أيضاً يسري في طواف النساء ولا خصوصيّة من هذه الناحية . وعلى أي حال تكفينا قضيّة ترك الاستفصال . إذن هذه المشكلة مندفعةٌ من هذه الناحية.
المشكلة الثانية:- هي أن الحكم الأوّل المذكور فيها قد يقال بأنه لم يلتزم به المشهور، يعني أنّه يلزمه أن يبعث به في الحجّ إن كان في حجٍ وفي العمرة إن كان في عمرةٍ، فلزوم إرسال الهدي لم يلتزم به الفقهاء، وحينئذٍ نقول لابد وأن نستعين بفكرة التفكيك بين أجزاء الرواية، ونحن لا نتفاعل مع فكرة التفكيك حيث نرى أن مدرك الحجيّة لظهورات فقرات الرواية هو السيرة ولا ندري على أن السيرة هل هي منعقدة على ذلك ؟ فهي مجملةٌ عندنا من هذه الناحية - يعني إذا اشتملت على شيءٍ لا يقال به هل يأخذ العقلاء ببقيّة أجزاء الكلام أو لا ؟ - إنّا لا ندي، ولا نقول لا يعملون جزماً بل نقول يكفينا أنّا لا ندري، فعلى هذا الأساس لا يمكن الحكم بالتفكيك . فهذه مشكلة تواجه هذه الرواية فالحكم الثاني إذن لا يمكن أن يؤخذ به - يعني ( يوكّل من يطوف عنه ما تركه من طوافه ) -، فماذا نصنع ؟
والجواب:- إنه لو تمّ أن الفقهاء لا يلتزمون بلزوم إرسال هديٍ - يعني ككفارة عمّا صنع - وسلمنا بذلك فنقول:- إن عدم التزامهم يوجب حمل الأمر المذكور على الرجحان والاستحباب، فنخالف الظهور في الوجوب ونحمل الأمر على الاستحباب فيصير إرسال الكفارة - أو الهدي الذي هو كفارة - مستحبّاً لا أنه شيءٌ مرفوضٌ تمام الرفض، كلّا بل هو مقبولٌ ولكن على مستوى الاستحباب، فعلى هذا الأساس يثبت الاستحباب بلحاظ إرسال الكفارة ويبقى حينئذٍ التوكيل أيضاً هو أمرٌ مستحبٌ ولا يلزم من ذلك التفكيك في مدلول الرواية - يعني الأولى تدّل على الاستحباب والثانية على الوجوب مثلاً حتى يقال إن هذا على خلاف مبنانا الآخر وهو أن استفادة الوجوب من باب الوضع فكيف تفكّك ؟! -، كلّا بل الحكم الأوّل يكون ثابتاً على مستوى الرجحان والحكم الثاني - وهو ( وكَّلَ ) - ثابتٌ على مستوى الجواز، وحينئذٍ يمكن الاستفادة من الرواية وتكون دالة على التوكيل حتى مع القدرة على المباشرة.
ويؤيد جواز النيابة حتى مع القدرة على المباشرة رواية السرائر عن نوادر البزنطي عن الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام:- ( قال:- سألته عن رجلٍ نسي طواف النساء حتى رجع إلى أهله، قال:- يرسل فيطاف عنه، وإن مات قبل أن يُطاف عنه طاف عنه وليّه )[2]، إن قوله عليه السلام:- ( يرسل فيُطاف عنه ) يدلّ على جواز الإرسال والنيابة حتى مع القدرة على المباشرة فإنه مطلقٌ من هذه الناحية، وإنما جعلناها مؤيدةً ولم نجعلها دليلاً باعتبار أن صاحب السرائر في مستطرفاته لم يذكر أسانيده إلى تلك الأصول التي نقل عنها إلّا في موردٍ واحدٍ هو ما رواه عن محمد بن عليّ بن محبوب الأشعري فإنه قال:- ( رأيته بخطّ الشيخ الطوسي )، إنّ النقل عن هذا الأصل يمكن تصحيحه باعتبار أنه وصله بخطّ الشيخ الطوسي(قده) والشيخ له طريقٌ معتبرٌ إلى ابن محبوب، أمّا غير ذلك فحيث لم يذكر أسانيده إلى تلك الأصول فلا يمكن التمسّك بما يرويه إلّا بنحو المؤيد.
والنتيجة النهائية من كلّ هذا:- إنّ جواز النيابة حتى مع القدرة على المباشرة شيءٌ وجيهٌ.
هذا كلّه في حكم من ترك طواف النساء عن سهوٍ وأنه تجوز له النيابة مطلقاً أو بشرط تعذّر المباشرة.
هذا كلّه على الأول - أي إذا تعاملنا مع هذه الروايات معاملة كونها متعدّدة -.
وأما على الثاني:- - أي إذا تعاملنا معها معاملة الرواية الواحدة - باعتبار أنه من البعيد أن معاوية يسأل خمس مرّات عن قضيّةٍ واحدةٍ فمن البعيد أن تكون هذه روايات متعدّدة، وهذا الاحتمال قلنا لم نرَ ذكره هنا . نعم ذكره السيد الخوئي(قده) في البحث الآتي - يعني لو فرض أنه مات فما هو حكمه فهل يلزم أن يقضي خصوص الوليّ أو الأعم -، وعلى أيّ حال هذا الاحتمال هو احتمالٌ وجيهٌ، وبناءً عليه ماذا تكون النتيجة ؟
ربما يقال:- حيث إن الصادر من الإمام عليه السلام واقعاً ليس متعيّناً فنأخذ بجنبة الاشتراك - يعني نأخذ بالقدر المتّفق عليه بين النقول الخمس -، وأمّا مورد الخلاف فنرجع فيه إلى ما تقتضيه الأصول العمليّة، وفي المقام نقول:- إنها اتفقت على جواز النيابة ولكنّها اختلفت في أن جواز النيابة مقيّد بالعجز عن المباشرة أو أنه ليس مقيّداً بذلك ؟ ففي مثل ذلك يكون المورد من موارد الشك في التقييد الزائد فالذمّة قد اشتغلت بأن يُنيب شخصاً أمّا أن يكون ذلك بقيد تعذّر المباشرة فهو مشكوكٌ فننفي هذا القيد الزائد المشكوك بالبراءة، وبذلك تكون النتيجة هي جواز النيابة مطلقاً - يعني حتى لو أمكنه المباشرة -.
إن قلت:- هذا وجيهٌ إذا دار الأمر بين أن يكون جواز النيابة مطلقاً أو أن يكون مشروطاً، بيد أنه يستفاد من هذه الروايات احتمالٌ ثالثٌ وهو أن تكون المباشرة هي اللازمة سواءً أمكنته أم لا كما هو مقتضى الرواية الأولى من روايات معاوية فإن ظاهرها هو ذلك حيث قالت:- ( رجلٌ نسي طواف النساء حتى يرجع - رجع - إلى هلة، قال:- لا تحلّ له النساء حتى يزور البيت )، وهذا معناه أنّه يلزمه أن يزور البيت بنفسه . فإذن هي دالّة على لزوم المباشرة وظاهرها أن ذلك لازمٌ بشكلٍ مطلق - أي سواء أمكنته المباشرة أو لم تمكنه -، هكذا قد يقال، ولازم هذا أن الاحتمالات سوف تكون ثلاثة لا أن الأمر يدور بين أن يكون جواز النيابة مشروطاً أو مطلقاً .
قلت:- يردّه:-
أوّلاً:- إن هذا احتمال بعيدٌ هو في حدّ نفسه بل هو باطلٌ ؛ إذ لازمه أنّ من لم يتمكّن من المباشرة بنفسه تبقى النساء محرّمة عليه إلى الأبد فإن تمكّن في يومٍ من الأيام فيذهب ويطوف وتحلّ له النساء آنذاك أمّا إذا لم يوفّق لسببٍ وآخر فتبقى النساء محرّمة عليه إلى الأبد، وهذا احتمالٌ غير موجودٍ وباطل جزماً . إذن لابد وأن يكون المقصود من ( حتى يزور البيت بنفسه ) يعني إن أمكنه ذلك، فقيد ( إن أمكنه ذلك ) لابد من أخذه بعين الاعتبار وإلا لا نحتمل فقهياً أن الحرمة تبقى مؤبّدة رغم أنه نسي ولم يتعمّد.
وثانياً:- بقطع النظر عما أشرنا إليه من أن هذا الاحتمال باطل في حدّ نفسه يمكن أن نقول:- إن إدخاله في الحساب لا يغيّر من النتيجة شيئاً ؛ إذ بالتالي نحن نشكّ أن المباشرة هل هي لازمة بنحوٍ مطلقٍ أو لا ؟ إنه شكٌّ في أصل اشتغال الذمّة بهذا الشكل فينفى بالبراءة، ويدور الأمر آنذاك بين جواز النيابة مطلقاً وجوازها مشروطاً بتعذّر المباشرة فينفى الضيق الزائد - وهو بقيد أن تتعذّر المباشرة - بالبراءة، فتعود النتيجة كما هي دون أن تتغير.
والخلاصة:- إنه بعد أن فرضنا أن هذه الروايات هي بمثابة الرواية الواحدة ففي مورد الخلاف نرجع إلى الأصول العمليّة وما اتفقت عليه نأخذ به، وإذا رجعنا إلى الأصول العمليّة فهي تقتضي أن المباشرة المطلقة مشكوكة فتنفى بالبراءة، وأما جواز النيابة مطلقاً أو جوازها مشروطاً بتعذّر المباشرة لو دار الأمر بينهما فينفى الضيق الزائد بالبراءة، فالنتيجة هي جواز النيابة مطلقاً . هكذا قد يقال في تبيان ما تقتضيه الأصول العمليّة عندما نتعامل مع هذه الرايات الخمس معاملة الرواية الواحدة.
ولكن يردّه:- إنّ هذا وجيهٌ لو لم تكن لدينا حالة سابقة كما أشرنا إلى ذلك أكثر من مرّة، وفي القمام توجد حالة سابقة حيث إن النساء كانت محرّمة جزماً قبل أن يباشر أو يُنيب، فإذا فرض أنه أناب مع قدرته على المباشرة يشكّ هل تحلّ له النساء حينئذٍ أو لا فتستصحب الحرمة السابقة، وواضح أن هذا بناءً على جريان الاستصحاب في الشبهات الحكميّة على ما هو الصحيح، نعم بناءً على رأي السيد الخوئي(قد) القائل بأنه لا يجري لاستصحاب بقاء المجعول بأصالة عدم الجعل الزائد لا يعود مجال لهذا الاستصحاب ويبقى المجال مفتوحاً للبراءة فتكون النتيجة كما أشرنا إليه.
إذن اتضح من خلال هذا أنّه لو أردنا أن نتعامل مع هذه الروايات معاملة الرواية الواحدة فالمناسب حينئذٍ هو استصحاب بقاء حرمة النساء إذا فرض أن المكلّف أناب مع قدرته على المباشرة.
والنتيجة:- هي أن الاستصحاب يقتضي بقاء حرمة النساء.
إلّا أنّ الذي يهوّن الخطب أنه توجد رواية أخرى لعليّ بن جعفر يمكن أن نستفيد منها في المقام:- وهي ما رواه الشيخ بإسناده عنه عن أخيه عليه السلام :- ( قال:- سألته عن رجلٍ نسي طواف الفريضة حتى قدِم بلاده وواقع النساء كيف يصنع ؟ قال:- يبعث بهديٍ، إن كان تركه في حجٍ بعث به في حجٍ، وإن كان تركه في عمرةٍ بعث به في عمرةٍ، ووكّل من يطوف عنه ما تركه من طوافه )[1]، إنها دلت على جوا النيابة وهي مطلقة من ناحية قدرته على المباشرة وعدمها، فعلى هذا الأساس بعد وجودها لا معنى للمصير إلى ما يقتضيه الأصل بعد وجود الدليل الاجتهادي.
نعم ربما تواجهنا مشكلتان في هذه الرواية:-
المشكلة الأولى:- إن السؤال هو عمّن نسي طواف الفريضة، ومَن قال إنّ المقصود به طواف النساء ؟ فلعلّ المقصود به طواف الحجّ ؟ فعلى هذا الأساس لا يمكن التمسّك بها بلحاظ مقامنا.
ولكن يمكن أن يجاب:- بأن قول السائل ( حتى قَدِم بلاده وواقع النساء ) يعطي ظهوراً في إرادة طواف النساء فإنه وإن كان بالإمكان أن يكون المتروك هو طواف الحجّ ولكنه يسأل أن هذا نسي طواف الحجّ وواقع النساء فما هو حكمه ؟ إنّ هذا ممكنٌ، ولكن الذي يتناسب مع قضيّة مواقعة النساء هو أن يكون المقصود هو طواف النساء، ولا أقل - وهذا هو الجواب العلمي - هو أنّه لو كان بينهما فرقٌ من حيث الحكم لاستفصل الإمام عليه السلام وعدم استفصاله يدلّ على أن هذا الحكم لا يختصّ بما إذا كان المنسيّ هو طواف الحج . إذن حتى لو كان المنسيّ هو طواف النساء هذا هو الحكم والذي جزء الحكم هو ( وكّل من يطوف عنه ما تركه من طوافه ) . إذن بذلك يثبت أن من ترك طواف النساء حكمه جواز التوكيل.
هذا مضافاً إلى أنّه لو تنزّلنا وقلنا إنّه لو سلّمنا أنها واردة في طواف الحجّ فيمكن أن يقال بإلغاء الخصوصيّة من هذه الناحية، ولا ندّعي الأولوية حتى يقال إن الأولويّة ليست ثابتة، بل ندّعي أنّ طواف الحجّ الذي هو جزءٌ من الحج وركنٌ فيه لو تركه إذا فرض جواز التوكيل فيه فذلك أيضاً يسري في طواف النساء ولا خصوصيّة من هذه الناحية . وعلى أي حال تكفينا قضيّة ترك الاستفصال . إذن هذه المشكلة مندفعةٌ من هذه الناحية.
المشكلة الثانية:- هي أن الحكم الأوّل المذكور فيها قد يقال بأنه لم يلتزم به المشهور، يعني أنّه يلزمه أن يبعث به في الحجّ إن كان في حجٍ وفي العمرة إن كان في عمرةٍ، فلزوم إرسال الهدي لم يلتزم به الفقهاء، وحينئذٍ نقول لابد وأن نستعين بفكرة التفكيك بين أجزاء الرواية، ونحن لا نتفاعل مع فكرة التفكيك حيث نرى أن مدرك الحجيّة لظهورات فقرات الرواية هو السيرة ولا ندري على أن السيرة هل هي منعقدة على ذلك ؟ فهي مجملةٌ عندنا من هذه الناحية - يعني إذا اشتملت على شيءٍ لا يقال به هل يأخذ العقلاء ببقيّة أجزاء الكلام أو لا ؟ - إنّا لا ندي، ولا نقول لا يعملون جزماً بل نقول يكفينا أنّا لا ندري، فعلى هذا الأساس لا يمكن الحكم بالتفكيك . فهذه مشكلة تواجه هذه الرواية فالحكم الثاني إذن لا يمكن أن يؤخذ به - يعني ( يوكّل من يطوف عنه ما تركه من طوافه ) -، فماذا نصنع ؟
والجواب:- إنه لو تمّ أن الفقهاء لا يلتزمون بلزوم إرسال هديٍ - يعني ككفارة عمّا صنع - وسلمنا بذلك فنقول:- إن عدم التزامهم يوجب حمل الأمر المذكور على الرجحان والاستحباب، فنخالف الظهور في الوجوب ونحمل الأمر على الاستحباب فيصير إرسال الكفارة - أو الهدي الذي هو كفارة - مستحبّاً لا أنه شيءٌ مرفوضٌ تمام الرفض، كلّا بل هو مقبولٌ ولكن على مستوى الاستحباب، فعلى هذا الأساس يثبت الاستحباب بلحاظ إرسال الكفارة ويبقى حينئذٍ التوكيل أيضاً هو أمرٌ مستحبٌ ولا يلزم من ذلك التفكيك في مدلول الرواية - يعني الأولى تدّل على الاستحباب والثانية على الوجوب مثلاً حتى يقال إن هذا على خلاف مبنانا الآخر وهو أن استفادة الوجوب من باب الوضع فكيف تفكّك ؟! -، كلّا بل الحكم الأوّل يكون ثابتاً على مستوى الرجحان والحكم الثاني - وهو ( وكَّلَ ) - ثابتٌ على مستوى الجواز، وحينئذٍ يمكن الاستفادة من الرواية وتكون دالة على التوكيل حتى مع القدرة على المباشرة.
ويؤيد جواز النيابة حتى مع القدرة على المباشرة رواية السرائر عن نوادر البزنطي عن الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام:- ( قال:- سألته عن رجلٍ نسي طواف النساء حتى رجع إلى أهله، قال:- يرسل فيطاف عنه، وإن مات قبل أن يُطاف عنه طاف عنه وليّه )[2]، إن قوله عليه السلام:- ( يرسل فيُطاف عنه ) يدلّ على جواز الإرسال والنيابة حتى مع القدرة على المباشرة فإنه مطلقٌ من هذه الناحية، وإنما جعلناها مؤيدةً ولم نجعلها دليلاً باعتبار أن صاحب السرائر في مستطرفاته لم يذكر أسانيده إلى تلك الأصول التي نقل عنها إلّا في موردٍ واحدٍ هو ما رواه عن محمد بن عليّ بن محبوب الأشعري فإنه قال:- ( رأيته بخطّ الشيخ الطوسي )، إنّ النقل عن هذا الأصل يمكن تصحيحه باعتبار أنه وصله بخطّ الشيخ الطوسي(قده) والشيخ له طريقٌ معتبرٌ إلى ابن محبوب، أمّا غير ذلك فحيث لم يذكر أسانيده إلى تلك الأصول فلا يمكن التمسّك بما يرويه إلّا بنحو المؤيد.
والنتيجة النهائية من كلّ هذا:- إنّ جواز النيابة حتى مع القدرة على المباشرة شيءٌ وجيهٌ.
هذا كلّه في حكم من ترك طواف النساء عن سهوٍ وأنه تجوز له النيابة مطلقاً أو بشرط تعذّر المباشرة.