1441/04/18
تحمیل
الأستاذ الشيخ باقر الايرواني
بحث الفقه
41/04/18
بسم الله الرحمن الرحيم
الموضوع: - مسألة ( 73 ) حكم المال الذي باعه الفضولي عند عدم تحقق الاجازة من مالكه – شروط المتعاقدين.
الرابع: - التمسك بقاعدة ( من أتلف مال الغير فهو له ضامن )، بعد ضم مقدمة وهي أنّ منفعة السكن للدار مالٌ وقد استوفاها المشتري من الفضولي من دون إجازة، فتشمله هذه القاعدة.
والجواب: - إنَّ هذه القاعدة غير ثابتة، فلا يوجد حديث بهذه الألفاظ، ومن الغريب أنَّ السيد اليزدي(قده) في حاشيته على المكاسب[1] كان يقول في موارد متعددة:- ( وعموم قوله عليه السلام " من أتلف مال الغير فهو له ضامن " )، والحال أنه لا يوجد حديث بهذه الألفاظ، إلا اللهم ما سنذكره.
والوجه الصحيح ما أشرنا إليه:- وهو التمسك بالارتكاز العقلائي على أنَّ من استوفى منافع مال الغير يكون ضامناً لها، والعقلاء ببابك، كما لو ركب شخص سيارة الآخر وانتفع منها فالمرتكزات العقلائية تقضي بضمان تلك المنافع المستوفاة، وحيث لا ردع فيثبت آنذاك الامضاء.
وإن قلنا إنَّ هذا الارتكاز متشرعي فحينئذٍ لا نحتاج إلى الامضاء، لأنهم ماداموا متشرعة فهذا يكشف عن أن هذا الحكم قد يداً بيد من المعصوم عليه السلام، فلا نحتاج إلى فكرة الامضاء بعدم الردع، ولكن إذا كان عقلائياً كما هو المناسب فتحاج إلى الامضاء بعدم الردع.
إذاً المدرك المناسب لضمان المناسب المستوفاة في المبيع المقبوض بالعقد الفاسد والذي منه بيع الفضولي من دون إجازة هو الارتكاز العقلائي الممضى بعدم الردع عنه.
ويدعم هذا الارتكاز العقلائي الممضى بعض الروايات، فإنَّ بعض الروايات يمكن أن يستفاد منها أنَّ من تصرف بالعقد الفاسد يكون ضامناً للمنافع المتوفاة، وهي: -الرواية الأولى: - ما رواه الشيخ بسنده عن زرارة قال:- ( قلت لأبي عبد الله عليه السلام رجل اشترى جارية من سوق المسلمين فخرج بها إلى أرضه فولدت منه أولاداً ثم إن أباها يزعم أنها له وأقام على ذلك البينة، قال:- يقبض ولده ويدفع إليه الجارية ويعوّضه في قيمة ما أصاب من لبنها وخدمتها )[2] .
فالرواية لا إشكال فيها حيث حكمت بوضوح على أنه بعد أن أقام مالك الجارية البينة وقال هي لي ولم يرض بالبيع فالبيع الفضولي صار باطلاً، وحينئذٍ حكم الامام عليه السلام بأن يعوضه بدل المنافع المستوفاة، وهذا ما نريده، فإذاً الدليل هو الارتكاز العقلائي الممضى مع هذه الرواية.
ولكن توجد مشكلة في تعبير الرواية:- حيث إنَّ الموجود فيها تعبير ( ثم إن أباها يزعم أنها ... )، وإذا رجعنا إلى التهذيب[3] وجدنا الأمر كذلك أيضاً، ولكن في الاستبصار[4] التعبير الموجود هو ( ثم أتاها من يزعم أنها له )، وعلى هذا تنحل المشكلة.
إن قلت: - ما هو الفرق بين هذه الرواية ورواية الأمة المسروقة، فأنت فيما سبق لم ترتضِ التمسك برواية الأمة المسروقة أما الآن فقد تمسكت بهذه الرواية؟
قلت: - إنه لم يفترض في هذه الرواية أنَّ الأمة مسروقة حتى نقول إنَّ موردها مورد السرقة ولعلَّ الضمان لأجل خصوصية السرقة، مضافاً إلى ذلك بالنسبة إلى الولد، أما هنا فقد قال الامام عليه السلام ( يعوضه قيمة ما أصاب من لبنها وخدمتها ) ولم يقل قيمة الولد حتى نقول إنَّ هذا حكم مخالف للقاعدة فيكون حكماً تعبدياً ويقتصر على مورد الرواية ولا يمكن التعدّي منه إلى غير موردها، فإنَّ هذا الكلام لا يأتي هنا، لأنَّ الموجود هنا هو ( يعوضه في قيمة ما أصاب من لبنها وخدمتها ) يعني يعوضه قيمة هذه المنافع المستوفاة، ولا يوجد فيها ذكر لقيمة الولد.
وقد يقول قائل: - إنَّ هذه الرواية ورواية الأمة المسروقة رواية واحدة والاختلاف في النقل
قلنا: - إنَّ هذا مجرد احتمال، وهو لا يضر بعدما فرض أن هناك مبررات لثبوت المغايرة، فإنه يوجد ما يساعد على المغايرة لأنَّ الألفاظ مغايرة، فلا قيمة الولد موجودة فيها، وأيضاً توجد فيها بعض الاختلافات الأخرى، كما أنَّ تلك الرواية عن جميل عن بعض أصحابنا، أما هذه الرواية فلا يوجد فيها ذلك، فإذاً ما ذكر من كونهما رواية واحدة مجرد احتمال، وهو لا يقف أمام هذه القرائن.
وأما سندها:- فهو:- ( الشيخ بإسناده عن الصفار عن يعقوب بن يزيد عن صفوان بن يحيى عن سليم الطربال )، ويوجد عندنا سليم الفرّاء وهو من أصحابنا وقد وثقه النجاشي، فإن قلنا بأن سليم الفراء وسليم الطربال واحد فسوف تثبت وثاقته، ولكن حتى لو غضضنا النظر من هذه الناحية توجد مشكلة أخرى وهي ( عن سليم الطربال أو عمن رواه عن سليم )، فإذاً هناك نسختان نسخة يروي فيها صفوان بن يحيى عن سليم ويمكن أن يقال إنَّ سليم ثقة إما بواسطة أنه هو الفرّاء بناءً على الاتحاد لأنَّ صفوان قد روى عنه، ولكن حينما قال ( عمّن رواه ) فحينئذٍ يصير الأمر مشكلاً، لأنَّ هذا الشخص مجهول.
إن قلت: - فليكن الشخص مجهولاً ولكن بالتالي روى عنه صفوان، فتثبت وثاقته.
قلنا: - حيث إنَّ بعض من روى عنه صوفان قد ثبت عدم وثاقته فلعل ( عمّن رواه ) هو ذلك الشخص، وحينئذٍ لا ينفعنا تطبيق كبرى ( كل من روى عنه الثلاثة فهو ثقة ) فهنا سوف لا نستفيد منها شيئاً لجهالة اسم هذا الشخص.
( أو عمن رواه عن سليم عن حريز عن زرارة )، فإذاً السند يواجه مشكلتين، ولكن لا بأس بها على مستوى الدعم.
الرواية الثانية:- معتبرة زرارة الأخرى:- ( قلت لأبي جعفر عليه السلام:- الرجل يشتري الجارية من السوق فيولدها ثم يجيء الرجل فيقيم البينة على أنها جاريته لم تُبعَ ولم تُوهَب، فقال:- يردّ إليه جاريته ويعوّضه بما انتفع )، ومضمونها نفس مضمون الرواية السابقة، وتوجد لها تكملة وهي:- ( ويعوضه بما انتفع. قال:-كأن معنى قيمة الولد ) ولعل هذا تفسير من قبل الراوي ، ولكنه لا يضرّ بالرواية، فالإمام عليه السلام قال:- ( بما انتفع ) والانتفاعات لا تنحصر بالولد وغير الولد، وهذه قضية ليست مهمة.
الرواية الثالثة: - صحيحة أبي ولاد:- ( اكتريت بغلاً إلى ابن أبي هبيرة ذاهباً وجائياً بكذا وكذا، وخرجت في طلب غريم لي، فلما صرت قرب قنطرة الكوفة خُبّرتُ أن صاحبي توجه إلى النيل، فلما أتيت النيل خُبّرتُ أن صاحبي توجه إلى بغداد، فأتبعته وظفرت به وفرغت مما بيني وبينه، ورجعنا إلى الكوفة، وكان ذهابي ومجيئي خمسة عشر يوماً، فأخبرت صاحب البغل......فتراضينا بأبي حنيفة، فأخبرته بالقصة، وأخبره الرجل، فقال لي :- ما صنعت بالبغل؟ فقلت: - قد دفعته إليه سالماً، قال: - نعم بعد خمسة عشر يوماً ...... فقال: - ما أرى لك حقاً لأنه اكتراه لقصر ابن هبيرة فخالفه وركبه إلى النيل وإلى بغداد فضمن قيمة البغل وسقط الكراء فلما رد البغل سالماً وقبضته لم يلزمه الكراء ...، وحججت تلك السنة فأخبرت أبا عبد الله فقال:- أرى له عليك مثل كراء بغل ذاهباً من الكوفة إلى النيل، ومثل كراء بغل من بغداد إلى الكوفة توفيه غياه ... فقلت له:- أرأيت لو عطب البغل ونفق أليس كان يلزمني؟ قال:- نعم ..)[5] .
وتقريب الدلالة واضح: - فإنها وإن لم ترد في الفضولي لأنه استأجر من مالك البغل ولكن تصرفه في البغل بهذا المقدار هو بالفضولية ومن دون إذن المالك، والامام عليه السلام حكم بضمان المنافع المستوفاة.