1441/03/07
تحمیل
الأستاذ الشيخ محمد السند
بحث الفقه
41/03/07
بسم الله الرحمن الرحيم
الموضوع:قاعدة تبييض الأموال _ النوع الثالث ( بيع ما لا منعة فيه ) المكاسب المحرمة.
قاعدة تبييض الأموال أو غسيل الأموال أو الاتجار بالمال الحرام كان التعرض لها معترضاً بمناسبة قاعدة ( لا تأكلوا اموالكم بينكم بالباطل )، وإلا فأصل البحث كان في شيئاً آخر، أنه أجنبي بل من باب المناسبة الوطيدة تعرضنا إليها كبحث معترض.
والآن نرجع إلى أصل البحث:- فأصل البحث الذي كنا فيه هو المعاوضة على ما لا نفع فيه، المشهور على أنه باطل يعين غير صحيح ، فهو حرام بمعنى الحرام الوضعي وليس الحرام التكليفي، ومن ضمن ما استدل به المشهور على بطلان المعاوضة على ما لا نفع فيه هو آية ( لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل ) وهذا الاستدلال كما ذكرنا تام وسليم وإن لم يرتضه جماعة منهم السيد الخوئي باعتبار انهم يفسرون القاعد في الآية الكريمة ( لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل ) يعني بسببٍ باطل كالربا والقمار، فالباء في الآية الكريمة فسّروها بالأسباب الباطلة، وهذا التفسير للآية الكريمة صحيح ولكنه ليس حصرياً باعتبار أنه مورد نزول الآية الكريمة فالآية ناظرة بلحاظ الأسباب، فإنه توجد قرينة فيها فإنَّ ( تجارة ) يعني سبب صحيح، ولكن ورد استعمال الآية الكريمة من قبل أئمة أهل البيت عليهم السلام ليس فقط في السبب الباطل فقد يكون السبب ليس باطلاً وإنما العوض باطلاً أو أن العمل حرام كما في باب القضاء والرشوة وغير ذلك، وهذا يدل على أنَّه ليس المقصود ( بالباطل ) في الآية الكريمة ليس يشمل السبب فقط بل حتى لو كان السبب صحيحاً وكان البيع أو الصلح في نفسه صحيح وليس باطلاً ولكن قد يكون البطلان من جهة أحد العوضين، ففرقٌ بين بطلان العوض في الأصل أو بطلان المعاوضة، طبعاً إذا كان العوض باطلاً يسبب بطلان المعاوضة وهذا ليس كلامنا فيه، يعني ليس هناك ترديد في ذلك، ولكن تارة المعاوضة هي في نفسها باطلة كالربا والقمار وتارة تكون المعاملة في نفسها ليست باطلة وغنما العوض باطلاً وتارة المعاوضة وليست باطلة وليس العوض باطلاً وإنما المتعاقد فيه خلل كما لو كان سفيهاً، فإذاً الخلل في صحة المعاملة ينشأ من ثلاث جهات وليس من الضرري أن يكون ناشئاً من جهة المعاملة، أو ربما يكون الخلل لا من جهة المتعاقدين ولا من جهة العوضين ولا من جهة المعاوضة وإنما يكون ناشئاً من جهة أخرى رابعة فإن هذا يمكن، فالصحيح أنَّ هذه الآية الكريمة يشملها كلها فهي تسمّى باطلة ولو بمعنىً، مثل البيع وقت النداء لصلاة الجمعة بناءً على أنه توجد حرمة وضعية وما شابه ذلك فلا العوضين فيهما إشكال ولا المتعاوضين فيهما إشكال ولا المعاوضة فيها إشكال وإنما شيء رابع وهو وقت النداء، أو النكاح مثلا فإنه سبب حلال وليس سبباً حراماً وبالتالي الطرفين لا شيء فيهما ولكن كونهما محرمين او أحدهما كان محرماً لا يكون نكاحاً وهذه جهة رابعة ففي الاحرام لا يصح عقد النكاح، فالمقصود أنَّ كل هذه الأقسام الأربعة بالتالي البطلان يتأتى منها.
والصحيح: - هو شمول الآية الكريم لها ولا تحصر الآية الكريمة بما إذا كان السبب في نفسه - المعاوضة في نفسها - باطلاً كلا وإنما سواء كان العضو باطلاً أو المعوضة في نفسها باطلة او خلل في شروط المتعاقد أو غير ذلك فكله يعبر عنه ( لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل، يعني غير صحيحة ، فبهذه المناسبة دخلنا في مسالة غسيل الأموال ولكن نرجع إلى نفس المبحث هو بيع ما لا منفعة فيه أو المعاوضة على ما لا منفعة فيه، وهذا دليل تام ولا بأس به وإن لم يرتضه السيد الخوئي.
وهناك دليل آخر استدل به المشهور على بيع بطلان ما لا منفعة فيه: - وهو أن عنوان البيع لا يصدق أو المعاوضة لا تصدق لأن ما لا منفعة فيه لا مالية وإذا كان لا مالية له لا يصدق تعريف ماهية البيع ( مبادلة مال بمال أو مبادلة عي بمال ) فالبيع متقوم بالمالية.
وهذا الاستدلال متين أيضاً وإن لم يرتضه الكمباني أو الميرزا علي الايرواني أو السيد الخوئي حيث قال هؤلاء الأعلام:- إنَّ البيع صرف معاوضة، فإنَّ المالية غير مأخوذة في تعريف البيع ، واستدلوا بأن البيع استعمل في القرآن الكريم في بيع النفس لله تعالى في مقابل الأجر في الآخر وهذا ليس مجاله وهلم جرا أو البيع البيعة مع ان البيعة سياسية ولا ربط لها بالمال هلم جرا فهذا دليل على أن المال ليس مأخوذاً في البيع.
ولكن هذا محل تأمل حتى لو كان الاستعمال حقيقياً وليس مجازياً:- وفعلاً هو حقيقي في بيع النفس لله تعالى ( إنَّ الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة )، لأنَّ الجنة من أعظم الأموال ولكن مالية الجنة لا يبذل لها مال حقير وإنما يبذل لها النفس، فإنَّ النفس لها دية مالية، فالنفس هي أعز شيء يبذله الانسان كعوض، فإنَّ الطباع تميل إلى الحرص على النفس أو تميل إلى الحرص على الجنة، وهذا شيء واضح، فهذا مال بالمعنى الأعم، لا أنه لا يمال إليه ومع ذلك يصدق البيع أو المعاوضة، هذا من جانب، ومن جانب آخر نفس المعاوضات بما مراراً مرّ بنا وذكرناها عن الأعلام أنَّ المعاوضة ماهية بمثابة الجنس للبيع المعاوضات أو قل المعاملات أو قل العقود هذه ماهيات أجناس للبيع فتنقيح وتقرير ماهية المعاوضات كما ألفت إلى ذلك الشيخ الأنصاري في أوائل مبحث البيع وهي أمر حساس في كل المعاملات وقد ذكرنا هذا سابقاً، فتقرير ماهية المعاوضات شيء مهم، حتى أننا قسمنا العقود أعم من المعاملات والمعاملة أعم من المعاوضات بدرجات فيجب ان لنتفت إليها، فالمهم أنّ هذا الكلام الذي مرّ بنا الآن في البيع بلحاظ المالية يجري حتى في المعاوضات، لأنّ المعاوضات مالية متقومة بالمال ويترتب على هذا بحوث كثيرة في أحكام البيع أو أحكام أخرى كالاجارة أو غيرها من المعاوضات أنَّ المعاوضة متقوّمة بالمالية، فإنَّ السيد الخوئي أو غيره من أساتذته قالوا هب أنه لا يصدق أنه بيعاً ولكن يصدق أنه معاوضة وهذا يكفي ( أوفوا بالعقود ).
ولكن الجواب: - إنَّ المعاوضة هي الأخرى متقومة بالمال والمالية فإذا كان الشيء لا منفعة فيه فلا مالية له.
فإذاً هذا الاستدلال متين في البطلان الوضعي لبيع ما لا منفعة فيه كالحشرات أو شيء آخر.
كما استدل المشهور على البطلان: - بأنَّ بيع ما لا منفعة فيه سفهي والمعاملة السفهية باطلة.
بينما الأصفهاني أو الميرزا علي الايرواني أو السيد الخوئي ايضاً استشكلا في هذا الاستدلال حيث قالوا: - إنَّ الدليل الدال على البطلان في السفه هو طلان معاملة السفيه لا بطلان معاملة الرشيد إذا أوقع معاملة سفهية، فالمعاملة السفيهة ليست باطلة وإنما معاملة السفيه باطلة وبينهما فرقٌ، ويضيف السيد الخوئي على ذلك أنَّ الرشيد ربما يكون له غرض بما لا منفعة فيه وهذا لا مانع منه، ففي حين هو رشيد لكن المعاملة سفهية، هذه هي خدشة الأعلام على استدلال المشهور.
وعلى ضوء هذه الضابطة مشى السيد الخوئي في ابواب عديدة وهي أن المعاملة السفهية ليست باطلة وإنما الباطلة هي معاملة السفيه سواء كان في البيع أو الاجرة أو الصلح أو غير ذلك فإن الكلام هو الكلام، ففي كل الأبواب بنى السيد الخوئي على أن العقود في الأبواب الأخرى إذا كانت سفهية فلا مانع من ذلك وإنما المهم أنَّ الطرفين ليسا سفيهين لأنَّ الحَجْرَ وقع على معاملة السفيه وليس على المعاملة السفهية، وهذه الضابطة التي هي في الأساس للأصفهاني أو الميرزا علي الايرواني بنى عليها السيد الخوئي في أبواب عديدة، فمن ثم استدلال المشهور على بطلان بيع ما لا منفعة فيه لأنها معاملة سفهية غير تام، وربما أكثر تلاميذ السيد الخوئي وافقوا السيد الخوئي في ذلك.
وتعليقنا على هذا الاعتراض من الأعلام الثلاثة على المشهور: - هو أنَّ الصحيح ليس كما ذكر المشهور ليس في خصوص ما لا منفعة فيه بل عموماً المعاملة السفهية باطلة كمعاملة السفيه، لأنَّ المعاملات التي جلّها معاوضات فقد مرّ بنا قبل قليل أن المعاوضة جنس البيع جنس الجعالة جنس الصلح وهكذا وإن كانت العقود أو المعاملات أعم من المعاوضات - وفي العام الماضي شرحناه مفصّلاً ومن المهم معرفة مراتب هذه العناوين - فالمعاوضة ماهيتها ذاتاً تتقوم بالتعاوض كما ذكر الشيخ الانصاري والتعاوض يعني نوع من التعادل وأن كلاً من العوضين يحل محل الآخر ويقابل الآخر فإذا كان احد العضوين لا مالية له والعوض الآخر له مالية فلا يحل محلّه - هذا كتعريف -، وبعبارة أخرى التقابل في المعاوضة هو تقابل في المالية، فإذا كان أحد الطرفين لا مالية له كيف يصير تقابلاً؟!! فالمعاملة السفهية إذا كانت من جهة المالية فأصلاً صدق المعاوضة يكون حل إشكال، لا من جهة سفاهة السفيه لأن المفروض أن ليس سفيهاً بل من جهة أن ماهية المعاوضة ليست صادقة فلا تسمّها معاوضة وإنما سمّها هبة أو ذريعة حتى أحد الطرفين يهب الآخر ولكن هذا بحث آخر أما أنها معاوصة فلا يقال إنها معاوضة وتَقَابُلٌ في المالية، فالخدشة في المعاملة السفهية لا من جهة دليل السفه، فإنَّ دليل السفه خاص بالمتعاقد السفيه ولا بالمعاملة السفهية، وهذا صحيح ولكن سفاهة المعاملة تخدش وتزلزل أصل ماهي المعاوضة وأنها تَقَابُلٌ في المالية.
لاحظوا التتمة التي ذكرها السيد الخوئي تشعر بماذا حيث قال ولربما العاقل عنده غرض، فهذا غرض يسبب المالية، فاي عاقل تأتي به بدل هذا العاقل يرى أنَّ هذا الغرض ويه وحكيم، فلاحظ ان اعتراض السيد الخوئي وأنه لابد ان يكون في البين غرض هذا لأجل أن تصدق المعاوضة وإلا يكون تماهياً وتماهي يعني لا ماهية في للمعاوضة، فّغاً لا يمكننا أن نبني على صحة المعاوضة السفهية وإن لم تكن مشمولة لأدلة بطلان السفه لأنها ناظرة إلى السفيه وليس إلى المعاملة السفهية.
مع أنه يمكن أن يقال دعماً لكلام المشهور: - إنَّ الشارع أبطل معاملة السفيه باعتبار أنَّ المعاملة تصير سفهية، فصحيح هي من باب الحكمة لا العلة ولكن يصير تبذيراً في الأموال أو غير ذلك فلماذا يجزم بأنَّ الذي يدل على بطلان معاملة السفيه لا يدل على بطلان المعاملة السفهية؟!! بل يمكن تقريب أنه يدل على بطلان المعاملة السفهية، وهذا شبيه ( ولا تؤتوا السفهاء أموالكم )، فأموال السفيه يعبّر عنها القرآن الكريم بـ( أموالكم ) ولم يعبر بـ( أمواله ) ولكن بالتالي وليه أو أنَّ هذا المال بالتالي له علاقة بالآخرين وهم مسؤولون عنه، ( لا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قياماً ) أي قوّة، فعلّل أنه تبذير للمال، فالجزم بأنَّ الدليل الدال على بطلان معاملة السفيه لا يدل على بطلان المعاملة السفهية محل تأمل.
فلاحظ نفس السيد الخوئي حينما أراد أن يقرر هنا وحتى الأعلام حينما أرادوا أن يقرروا هنا أنَّ هذه المعاملة لماذا يقدم عليها الرشيد؟ قال: لعله يُقدِم لغرضٍ، يعني ارتكازاً أنَّ الدليل المانع عن اسقاط عاملة السفيه هو بلحاظ السفه فإنَّ السفه هو مانع ومحذور، أو تقرب تقريباً ثالثا وهو أنه من قال إنَّ الرشيد إذا أقبل على معاملة سفهية هنا يصدق عليه أنه سفيه؟! فهو لا يصدق عليه أنه سفيه بنحوٍ دائم وإنما يصدق عليه أنه سفيه في هذه المعاملة، فالجزم بصحة المعاملة السفهية محل تأمل قوي فلا يمكن أن نصحح المعاملة السفهية كما قال بذلك المشهور وأنه يقتصر على بطلان معاملة السفيه، كلا بل حتى المعاملة السفهية محل تأمل.
فإذاً هذا الوجه الثالث الذي استدل به المشهور تام.
وهناك وجه آخر استدل به المشهور: - وهو العمومات الواردة في الروايات التي مرت في تحف العقول وغيره وهذه الروايات وإن خدش بها السيد الخوئي سنداً أو دلالة ولكن كلا الخدشتين غير تامتين لما مرّ في بداية بحث المكاسب المحرمة من أنَّ السند المذكور لتحف العقول وجدنا له خمسة مصادر مختلفة، مضافاً إلى أن مضامينها مطابقة لجملة من أبواب الروايات الأخرى، وأما من جهة الدلالة فاتفاقاً نفس الدلالة الموجودة سيما بلحاظ ما نحن فيه هذه الجمل والتركيب الموجود في روايات تحف العقول مطابقاً لما مرّ بنا تقريره من أن مقتضى القاعدة في ماهية البيع التقابل في المالية أو تقوّم المعاوضة بالمالية، وهذه الرواية في جملة من الجمل والتراكيب التي ذكرتها تشير إلى المقتضى الذاتي للماهيات المعاوضية وهذا صحيح ولا إشكال فيه وهي داعمة لنفس ما ذكرنا في التقرير الأولي، فهذه أربعة وجوه تامة لما استدل به المشهور لبطلان بيع ما لا منفعة فيه.
أما أنهم لا يقبلون الاجماع فهذا بحث آخر، وقد ذكرنا مراراً في مبحث الأصول أو الفقه أنَّ الاجماع والشهرة إذا لم يكونا قطعيين يثبتان السيرة فهو وإن لم يكن بنفسه حجة ويعتمد عليه ولكنه له أثر لا يقل عن الحجية وهو أنه ملزم بالفحص حتى لو كان لديك دليل تام على خلاف الاجماع وعلى خلاف الشهرة حيث هو يجمّد الدليل التام، وكيف يجمّد الدليل الحجة؟ لأنَّ الدليل الحجة لا تتم حجيته بنفسه فقط وبتوفر الشرائط فيه بل لابد من الفحص والاطمئنان بعدم المعارض وبعدم دليل أقوى منه والشهرة على الخلاف والاجماع على الخلاف أقل ما فيه أنه احتمال عقلائي معتد به أنه هناك دليل معارض أقوى إلى الآن الباحث الفقيه لم يقف عليه، أوليس قالوا بأنَّ الشك المعتد به عقلائياً ملزم بالفحص مع أن الدليل عام أو خاص أو أصلاً عملياً أو قاعدة ولكين ذلك ولكن لا يمكن أن تعمل به لوحده وإنما يجب عليك أن تفحص عن المعارض أو المخصص أو الحاكم أو الوارد، أي الفحص عن الدليل الأقوى أو المساوي، واي شك معتد به أكثر من كون المشهور أو اصاب دعاوى الاجماع ادّعوا قولاً ورأياً آخر معارضاً يعني ادّعوا وجود دليل معارض وإن لم يفصحوا ولم يصرّحوا به، فهنا الشك يكون معتداً به وهذا ليس شكاً ليس مجرى للأصول العملية وإنما هو شك للفحص وإن ان يوجد عند دليل تام، وهذه مؤاخذة صناعية على مسلك السيد الخوئي، فعدم اكتراثه بالشهرة أو الاجماع ليس في محله، فصحيح انها ليست حجة ولكن هذا يوجب المزيد من الفحص والمزيد من التتبع لا أنه يعتمد على الدليل التام من دون مزيد من الفحص، مثل مسألة من زنا بذات بعل المشهور ذهب إلى الحرمة الأبدية ولكن السيد الخوئي قال لا يوجد دليل والاجماع ليس معلوماً فأكثر ما هناك الاحتياط وجوباً وجاء جماعة نحتاط استحباباً، ولكن توجد دعوى اجماع وتسالم فتتبعنا ذلك فوقفنا على دليل محكم موجود لدى المشهور، فلاحظوا كم هي فائدة الفحص، فإذاً إذا كان في البين شهرة أو اجماع فيوجد وجه صناعي تام لتجميد الدليل التام ولو تجميده مؤقتاً لأنه عليك أن لا تقف عند هذا الدليل بل عليك أن تفحص، وكفى بالشهرة والاجماع في ذلك ثمرة وهي تجميد الدليل.
ولا بأس أن نذكر هذه الفائدة: - وهي أنَّ جملة من الأعلام حتى لو كان الدليل تاماً - وهذا المسلك معروف - مع وجود شهرة قوية على الخلاف يحتاطون احتياطاً وجبياً، نفس السيد الخوئي مع انه لا يعتد بالاجماع ولكن مع ذلك لم يفتِ بحرمة الزنا بذات البعل ولكنه احتاط والحال أنه يوجد عنده أدلة في ذلك مثل عمومات النكاح والبراءة وأصالة الحل فلماذا بنيت على الاحتياط الوجوبي وجمّدت الدليل؟ لأنه يوجد عنده علم اجمالي بأنَّ الفحص ليس بتام فاحتاط وجوباً ، لأنَّ الانسان ينبي على فتوىً أو عملاً على حكمٍ - لنفسه أو لغيره - إذا تم عنده الفحص، أما إذا لم يتم الفحص فلا يسوغ له ذلك فيحتاط وجوباً وإن كان الدليل التام موجوداً عنده، ولكن إنما هذا الدليل تام وتُفعَّل حجيته إذا أتم الفحص أما إذا كان الفقيه أو الباحث من نفسه أنه لا يوجد وقت للتبع فيبقى على الاحتياط الوجوبي، وهذه نكتة صناعية أخرى وهي أنَّ الاجماع أو الشهرة على خلاف الدليل أقل ما يمكن أن تسبب الاحتياط الوجوبي ونكتتها الصناعية هي هذه وكفى بهذا ثمرة، فالاجماع ليس كما قيل من أنَّ الاجماع الحصّل غير حاصل والمنقول غير مقبول فإنَّ هذه ترنيمة ذكرها صاحب الكفاية ولكنها غير صحيحة، فالبحث في هذا المبحث قد تم وهو بيع ما لا منفعة فيه، ويبقى الكلام في النوع اللاحق.