1440/07/19
تحمیل
الأستاذ الشيخ هادي آل راضي
بحث الفقه
40/07/19
بسم الله الرحمن الرحيم
الموضوع: كتاب الإعتكاف، مسألة ١٦ في نذر الإعتكاف
كان الكلام في وجوب اعتكاف اليوم السادس اذا نذر ان يعتكف خمسة أيام، وقلنا بان هناك رواية معتبرة تدل على ذلك، لكن استشكل في هذا الحكم في محل الكلام -أي الإعتكاف المنذور- بدعوى ان الحكم بوجوب ضم السادس مختص بالإعتكاف المندوب، لاختصاص الدليل على وجوب ضم السادس به، وقالوا في مقام تقريب هذا الاختصاص -كما عن المحققين الاردبيلي والقمي- ان المندوب يختلف عن المنذور حيث انه اذا اعتكف خمسة أيام اعتكافاً ندبياً فيتحقق الإعتكاف بالثلاثة الأولى، واليومان الرابع والخامس يكونان منفصلين عن الإعتكاف الأول، اذ لا دليل على اتصالهما به، فيكون اعتكاف الرابع والخامس اعتكافاً جديداً يلحقه حكم أي اعتكاف آخر وهو انه يجب اليوم الثالث منه بمضي يومين على القاعدة، وهذا بخلاف ما اذا نذر ان يعتكف خمسة أيام، حيث انه لا فاصل بين اليومين الرابع والخامس وبين الأيام الثلاثة الأولى، لأن النذر جمعهما و جعلهما اعتكافاً واحداً ناشئاً من أمر واحد وملاك واحد وهو النذر، فتكون الايام الخمسة كلها اعتكافاً واحداً بلا انفصال في البين، والمفروض انه لا اشكال في الزيادة على الثلاثة بيومين -كما تقدم-، هذا من جهة، ومن جهة أخرى لا دليل على وجوب اعتكاف اليوم السادس بعد اختصاص الموثقة بالاعتكاف المندوب.
وقد أجاب عنه السيد الحكيم (قده) في المستسمك -والظاهر ان الجواب موجود عند غيره ايضاً- بأن الموثقة وان كانت مختصة بالمندوب -بقرينة الترخيص بالخروج في اليوم الرابع الوارد فيها، وهذا لا يكون في الإعتكاف الواجب، لانه في الاعتكاف الواجب يجب ان يتم الاعتكاف وفاءً بالنذر- لكن الإعتكاف المنذور ليس حقيقة أخرى غير الإعتكاف المندوب، بل حقيقتهما واحدة، فالحكم الذي يثبت للمندوب يثبت للمنذور، وحيث ان الموثقة دلت على ثبوت هذا الحكم للمندوب فيثبت هذا الحكم للمنذور ايضاً، وإلا -أي لو بنينا على وجود فرق بينهما- أشكل حال المنذور في كثير من الأحكام من جملتها مسألة وجوب الثالث بعد مضي يومين، اذ وجوب الثالث ايضاً ثبت برواية مختصة بالمندوب، فلابد ان نلتزم بعدم وجوب الثالث في المنذور لعدم الدليل عليه، وان نلتزم تبعاً لذلك بأنه يجوز نذر اعتكاف يومين، وهذا مما لا يمكن الالتزام به. فيفهم من كلامه (قده) أن الحكم في الموثقة ثابت لطبيعة الإعتكاف.[1]
أما السيد الخوئي (قده) فقد أجاب عنه بجواب آخر، فإنه أنكر إختصاص الموثقة بالمندوب، وقال أنها مطلقة تشمل المنذور غير المعين -الذي هو محل كلامنا- أيضاً، بإعتبار أن عبارة (فهو يوم الرابع بالخيار، إن شاء زاد ثلاثة أيام أخر، وإن شاء خرج من المسجد) التي قيل أنها تدل على إختصاص الموثقة بالمندوب لا تصلح أن تكون دليلاً على الإختصاص، فإن الواجب الموسع أيضاً حكمه هذا؛ فهذه العبارة لازم أعم، فكما يثبت في المندوب كذلك يثبت في المنذور غير المعين، لإمكان المكلف أن يرفع اليد عنه ويأتي به في وقت آخر، وعليه فلا شهادة في اللازم لكي تختص الموثقة بالمندوب، بل هي مطلقة تشمل المندوب والمنذور غير المعين، وتدل على وجوب السادس فيهما. نعم، هذا الكلام لا يثبت في المنذور المعين، وذلك لوجوب المضي فيه، فهو ليس بالخيار فيه.
وأشكل (قده) على ما في المستمسك -بعد إعتراف السيد الحكيم أن الرواية مختصة بالمندوب- بأنه كيف يمكن أن نتعدى من المندوب إلى المنذور غير المعين، فإنّ الحكم إذا ثبت لفرد لا يمكن تسريته لفرد آخر، وفي موردنا الحكم ثبت للمندوب فكيف يمكن تسريته للمنذور غير المعين الذي هو محل الكلام. ثمّ إستدرك (قده) وقال اللهمّ إلا أن يقال أنّ الأثر والحكم ثابت للطبيعة، فيكون الأثر ثابت لحقيقة الإعتكاف. [2]
والظاهر أن هذا هو مقصود صاحب المستمسك، فيثبت الأثر في كل من المندوب والمنذور غير المعين. ويمكن أن يقال في تقريب كلام السيد الحكيم (قده) أن الإعتكاف قد ذكره الشارع وثبت كحقيقة شرعية وهو بعنوانه الأولي حكمه الإستحباب، نعم قد يكون واجباً بطرو عنوان ثانوي من قبيل أن يكون شرطاً في ضمن عقد لازم أو أن يكون نذراً أو عهداً أو يميناً وأمثال ذلك من العناوين الطارئة، كما هو الحال في سائر الأمور الأخرى التي تكون مستحبة بعنوانها الأولي لكن قد تصبح واجبة إذا طرأ عليها عنوان آخر، لكن طرو هذا العنوان الآخر لا يلغي الأحكام الثابتة لذلك الشيء بعنوانه الأولي. كالصلاة النافلة التي هي مستحبة بعنوانها الأولي وتثبت لها أحكام بهذا العنوان من قبيل أن الزيادة فيها غير مبطلة لها، وهذه الأحكام لا تزول بصيرورتها واجبة بالعنوان الثانوي كالنذر. والإعتكاف بعنوانه الأولي مستحب، و ثبتت له أحكام بهذا العنوان كوجوب اليوم السادس فيما إذا إعتكف خمسة أيام، و هذه الأحكام لا تتغير بطرو العنوان الثانوي عليه كما إذا وجب بالنذر. وعليه وإن قلنا بإختصاص الموثقة بالمندوب -كما هو رأي السيد الحكيم (قده)- فمع ذلك لا يتغير الحكم الثابت في الموثقة بطرو العنوان الثانوي على الإعتكاف. وهذا هو مراد السيد الحكيم من أنهما حقيقة واحدة، فالصحيح ما ذكره في المستمسك.
وأما ما ذكره السيد الخوئي (قده) فالإلتزام به صعب، فإن العبارة المذكورة في الموثقة تصدق على المندوب بشكل واضح، لكنها لا تتلائم عرفاً -لا بالدقة- مع الواجب الموسع، فلا يقال لمن نذر إعتكاف خمسة أيام (أنت في اليوم الرابع بالخيار فإن شئت زدت عليه)، بل يقال له (فإن شئت أكملت ما وجب عليك بالنذر، أو تخرج وتأتي بالمنذور من جديد بعد ذلك).
فلا يبعد بأن الموثقة ظاهرة في الإعتكاف المندوب، ولكن الحكم يثبت للمنذور أيضاً بالتقريب الذي ذكره السيد الحكيم (قده) في المستمسك، فلا يصح ما نقله الشهيد الثاني عن بعض من إختصاص الحكم بالإعتكاف المندوب. نعم، الحكم لا يشمل الواجب المعين، لأن الرواية لا تشمل المنذور المعين، لكن السيد الخوئي (قده) تمسك بعدم القول بالفصل في وجوب اليوم السادس بين الواجب الموسع وبين الواجب المعين في المقام -وإن كان هناك قول بالفصل بين المستحب وبين الواجب- لكي يشمل الحكم الواجب المعين.
هذا تمام الكلام في هذه المسألة.