1440/05/07
تحمیل
الأستاذ الشيخ هادي آل راضي
بحث الفقه
40/05/07
بسم الله الرحمن الرحيم
الموضوع: كتاب الإعتكاف، شروطه
قال السيد الماتن (قده): (ولا يعتبر فيه قصد الوجه كما في غيره من العبادات، وإن أراد أن ينوي الوجه ففي الواجب منه ينوي الوجوب وفي المندوب الندب، ولا يقدح في ذلك كون اليوم الثالث الذي هو جزء منه واجباً، لأنه من أحكامه، فهو نظير النافلة إذا قلنا بوجوبها بعد الشروع فيها)
مسألة قصد الوجه تذكر في كل العبادات ودليل عدم إعتباره هو عدم دليل على اعتباره؛ ثم ذكر السيد الماتن (قده) فرعاً اخر وهو انه لو اراد ان يقصد الوجه -ولا بأس بقصده، اذ ما تقدم نفيه هو وجوب قصد الوجه لا جوازه، فلا يمنع من قصده- فهل يقصد الندب باعتبار ان الاعتكاف مندوب، او انه يقصد الندب والوجوب معاً باعتبار انه يجب الاعتكاف في اليوم الثالث؟
وبعبارة اخرى ان كان الاعتكاف واجباً يمكنه قصد الوجوب، كما اذا وجب عليه بالنذر او بغيره، وان كان مندوباً يقصد الندب، وهنا يأتي السؤال عن انه كيف يقصد الندب والحال ان احد الايام الثلاثة يجب فيه الاعتكاف فيكون الوجه مركباً من الوجوب والندب، فبلحاظ اليومين الأولين الوجه هو الندب وبلحاظ اليوم الثالث الوجه هو الوجوب، فهل يكتفى بقصد الندب او انه يعتبر ان يقصد كلاً منهما؟
ومختاره (قده) انه يقصد الندب باعتبار ان وجوب الاعتكاف في اليوم الثالث حكم من أحكام الإعتكاف كما هو الحال في النافلة.
هذا الكلام كله مبني على ان المستفاد من ادلة الاعتكاف هو وجوب الإعتكاف في اليوم الثالث، لكنه يحتمل في نصوص الاعتكاف ان يكون الإعتكاف في اليوم الثالث مما يحرم قطعه لا انه يجب الإعتكاف فيه، وبعض الروايات عبرت ببعض التعبيرات التي قد توحي ذلك من قبيل (لا يفسخ) و(لا يخرج) في اليوم الثالث، وبناءاً على هذا الإحتمال يمكن ان يقال بانه لا نملك دليلاً على وجوب الاعتكاف في اليوم الثالث حتى يأتي التساؤل السابق، بل يقال ان الإعتكاف مندوب حتى في اليوم الثالث، لكن فيه حكم خاص وهو انه يحرم قطعه فيه.
لكن على تقدير عدم تمامية هذا الإحتمال نقول ان ما ذكره السيد الماتن (قده) صحيح، إذ وجوب الإعتكاف في اليوم الثالث عبارة عن وجوب إكمال الإعتكاف فيه، وهذا لا يضر في قصد الندب كما هو الحال في الصلاة النافلة والحج المستحب.
ثم قال السيد الماتن (قده): (ولكن الأولى ملاحظة ذلك حين الشروع فيه، بل تجديد نية الوجوب في اليوم الثالث)
لعل وجه تجديد نية الوجوب في اليوم الثالث هو لزوم مقارنة النية والقصد لأول الفعل وهو اليوم الثالث في الإعتكاف.
قال السيد الماتن (قده): (ووقت النية قبل الفجر، وفي كفاية النية في أول الليل كما في صوم شهر رمضان إشكال)
وقت النية يكون قبل الفجر حتى تكون مقارنة لأول الإعتكاف، هذا في مقابل تأخر النية عن الفجر وتقدمها عنه.
أما تأخر النية عن الفجر فهذا لا إشكال في عدم جوازه، لوقوع قسم من العبادة بلا نية وبلا قصد، والعبادة يعتبر فيها أن تكون بتمامها مع النية والقصد، فيقع باطلاً، فلابد من تقديم النية عن الفجر لكي تقع العبادة بتمامها صحيحة وعن قصد.
أما تقديمها عن الفجر الذي يعبر عنه بتبييت النية -كما إذا نوى الإعتكاف في أول الليل- فتارة تستمر هذه النية إلى الفجر، بأن يبقى مسيقظاً ومستحضراً للنية إلى الفجر، فهذا لا إشكال في صحته ويكون على القاعدة، وذلك لمقارنة نيته لأول الفجر، وأخرى تزول النية التي نواها في الليل منه عند الفجر إما بغفلة أو بنوم وما يشبههما.
والكلام يكون في القسم الثاني، فهل يكتفى بتبييت النية وإن لم يلتفت إليها عند الفجر، أو لا؟ وهناك صورتان لعدم إلتفات النية عند الفجر: الغفلة والنوم، فالكلام يقع في كل منهما:-
أما الغفلة: فهي تارة تكون غفلة تامة توجب ذهاب النية حتى إرتكازاً، وأخرى لا تكون الغفلة كذلك بمعنى أنها تجتمع مع النية الإرتكازية بحيث يلتفت إلى الفعل بمجرد أن ينبه عليه.
ففي الحالة الأولى من الغفلة يكون الإكتفاء بتبييت النية مشكلاً، لأنه شرع في العمل بلا نية، وهذا يوجب البطلان.
أما في الحالة الثانية من الغفلة فهذه النية الإرتكازية لدى الشخص تكفي في صحة جميع العبادات، إذ لا يشترط فيها حضور النية تفصيلاً حين الشروع في العمل، فلابد من التفصيل بين هذين النحوين من الغفلة، ولا فرق بين الإعتكاف وسائر العبادات من هذه الناحية.
أما النوم: فالظاهر -والله العالم- أنه لا يجتمع مع النية الإرتكازية وتزول النية حتى إرتكازاً، لأن النوم هو ذهاب القوة العقلية كلها، والقرآن الكريم أشار إلى هذا فعبر عنه بالوفاة في قوله تعالى: (اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)، فهو فاقد للشعور، فالظاهر أن النوم يختلف عن الغفلة ولا يجتمع مع النية الإرتكازية، فبناءاً على هذا ينبغي أن يستشكل في كفاية تبييت النية مع فرض النوم حين الشروع في العمل، أما في باب الصوم فقد دل الدليل -من إجماع وتسالم وضرورة- على كفاية ذلك فيه، فيكتفى بالنية التي أتى بها أول الليل وإن زالت عنه بالنوم وحين الشروع بالعمل.
وحينئذ فهل يلحق الإعتكاف بالصوم في كفاية تبييت النية مع النوم عند الفجر أو لا؟ يوجد خلاف فيه، فبعضهم قالوا بالإلحاق، وآخرون إستشكلوا في ذلك، والسيد الماتن (قده) إستشكل في كفاية ذلك بالرغم من أنه يقول بجواز مثل هذه النية في باب الصوم، ومنشأ الإشكال هو أن القاعدة في المقام تقتضي مقارنة النية لأول الفعل، لأن تمام العبادة لابد أن تقع مع النية والقصد، وبالتالي لا يكتفى بتبييت النية في باب الإعتكاف، لأن النوم يوجب زوال النية حتى الإرتكازية منها، هذا من جهة، ومن جهة أخرى النوم في أثناء الإعتكاف جائز قطعاً، فلا فرق بين النوم في أوله وما يكون في أثنائه. فإشكال السيد الماتن (قده) ينشأ من هاتين الجهتين.
وما يمكن أن يقال في المقام أن أحد أدلة كفاية تبييت النية في باب الصوم يجري في باب الإعتكاف، فيدل على جواز تبييت النية باب الإعتكاف، وهو أنه لو لم يكتفَ بتبييت النية في باب الصوم الذي لازمه هو أن الصائم لابد أن يكون مستيقظاً عند الفجر، لعكس ذلك (لزوم الإستيقاظ عند الفجر) في الروايات، ولإهتم به المتشرعة، والحال أن الروايات خالية منه والمتشرعة لم يهتموا به ولم يفعلوه، فهذا يكشف عن جواز تبييت النية و عدم لزم الإستيقاظ حين الفجر.