1440/04/28
تحمیل
الأستاذ الشيخ هادي آل راضي
بحث الفقه
40/04/28
بسم الله الرحمن الرحيم
الموضوع: إستحباب الإمساك تأدباً / الحائض والنفساء
الكلام يقع في المورد الثالث من موارد إستحباب الإمساك تأدباً، حيث قال السيد الماتن: (الثالث: الحائض والنفساء إذا طهرتا في أثناء النهار.)
فيستحب للحائض والنفساء الإمساك تأدباً اذا طهرتا في اثناء النهار.
استدل على ذلك ببعض الروايات:-
الرواية الأولى: رواية الزهري
عن علي بن الحسين (عليهما السلام) في حديث طويل قال: ....وكذلك المسافر إذا اكل من أول النهار ثم قدم أهله أمر بالامساك بقية يومه وليس بفرض، وكذلك الحائض إذا طهرت أمسكت بقية يومها[1]
هذه الرواية رواها الشيخ الكليني في الكافي، والشيخ الصدوق في الفقيه، والشيخ الطوسي في التهذيب، اما الشيخ الطوسي فينقلها عن الكافي وينقل الفقرة المرتبطة بمحل الكلام[2] ، لكنها غير موجودة في الكافي ولا في الفقيه.
وبعض المحققين ذكر ان هذه الفقرة غير موجودة في النسخ التي اطلع عليها من التهذيب، نعم في التهذيب المطبوع هذه الفقرة موجودة ولابد ان التهذيب المطبوع قد اعتمد فيه على نسخ خطية، فمن هنا يظهر ان نسخ التهذيب مختلفة.
الرواية الثانية: موثقة عمار بن موسى
عن أبي عبد الله (عليه السلام) في المرأة يطلع الفجر وهي حائض في شهر رمضان، فإذا أصبحت طهرت، وقد أكلت ثم صلت الظهر والعصر، كيف تصنع في ذلك اليوم الذي طهرت فيه؟ قال: تصوم ولا تعتد به.[3]
وفهم من قوله (عليه السلام) (تصوم) الإمساك تأدباً، لقوله (عليه السلام) بعدها (ولا تعتد به)، بمعنى انه يجب عليها قضاءه، فيستفاد منها استحباب الإمساك بالنسبة الى الحائض اذا طهرت في الأثناء.
الرواية الثالثة: معتبرة محمد بن مسلم
قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن المرأة ترى الدم غدوة أو ارتفاع النهار أو عند الزوال؟ قال: تفطر، وإذا كان ذلك بعد العصر أو بعد الزوال فلتمض على صومها ولتقض ذلك اليوم[4]
هذه الرواية يرويها الشيخ صاحب الوسائل عن الشيخ الطوسي عن علي بن الحسن عن علي بن أسباط، عن محمد بن حمران، عن محمد بن مسلم
والظاهر انها معتبرة سنداً، باعتبار ان علي بن اسباط و ان كان فطحياً لكنه منصوص على وثاقته، ومحمد بن حمران وإن كان مردداً بين محمد بن حمران النهدي وبين محمد بن حمران بن أعين -والأول منصوص على وثاقته، والثاني لم ينص على وثاقته- لكن الظاهر ان المقصود به هو الأول -كما جزم بذلك السيد الخوئي (قده)-، وذلك بقرينة رواية علي بن اسباط عنه، بل ذكر اصحاب المشتركات انه يعرف محمد بن حمران بانه النهدي برواية علي بن أسباط عنه.
و قد دلت الرواية على ان المرأة تفطر على كل التقادير لكن الفرق انه اذا رأت الدم قبل الزوال لم يحكم الإمام (عليه السلام) بهذا الحكم (فلتمض على صومها ولتقض ذلك اليوم) عليها، بخلاف ما اذا رأته بعد الزوال، فبلحاظ ما بعد الزوال حكم الإمام (عليه السلام) بأنها تصوم في اليوم الذي رأت الدم فيه ولا تعتد بصومها، فيفهم من ذلك انه ليس المراد من الصوم الصوم الشرعي، بل المراد هو الإمساك عن المفطرات.
الرواية الرابعة: رواية أبي بصير
في حديث - قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن امرأة رأت الطهر أول النهار، قال: تصلي وتتم صومها وتقضي.[5]
حمل قوله (عليه السلام) (تتم صومها) على الإمساك عن المفطرات.
هذه هي الروايات المستدل بها في المقام. والآن يقع السؤال في أنه هل يمكن التعويل على هذه الروايات لإثبات الإستحباب أم لا؟
فنقول:
أما رواية الزهري فلا يمكن الإستناد إليها لضعف سندها، مضافاً إلى أن الفقرة التي جعلت محلاً للإستلال لاطريق معتبر لثبوتها وإحرازها في الرواية، وذلك لوقوع التعارض بين ثبوتها وعدمه بين نسخ الكافي، ولا مرجح في البين.
وأما موثقة محمد بن مسلم فموردها هو المرأة الطاهرة التي جاءها الدم بعد الزوال وحكمت الرواية عليها بإستحباب الإمساك، ولكن محل كلامنا يختلف عن مورد الرواية وهو الحائض التي إنقطع عنها الدم، فلا تكون الموثقة دليلاً في موردنا.
وأما موثقة عمار فإنها وإن كان موردها هو الحائض التي طهرت في أثناء النهار وقد أكلت، ولكن يمكن التمسك بها في موردنا بالأولوية.
أما رواية أبي بصير فالظاهر أنها تامة سنداً عندنا، وهي موجودة في التهذيب حيث يرويها الشيخ الطوسي بإسناده عن الحسين بن سعيد، عن القاسم بن محمد، عن علي، عن أبي بصير. والمشكلة المتصورة في سندها تكون من جهتين:-
الأولى: من جهة محمد بن قاسم الجوهري الوارد في سندها، لكن قد ثبتت عندنا وثاقته لرواية المشايخ الثلاثة بسند صحيح عنه، ولوجوه أخرى تقدم ذكرها في أبحاث سابقة.
الثانية: من جهة علي بن أبي حمزة البطائني، ولقد ذكرنا في أبحاث متقدمة أن الضابطة في الإعتماد على روايته هي أن الرواية عنه إذا كانت قبل الوقف والإنحراف فيؤخذ بها، وأما إذا كانت بعده فلا يؤخذ بها. وقد تقدم أيضاً أن إثبات ذلك يكون بتشخيص من يروي عنه، فإذا كان الراوي عنه من الشيعة المعروفين بتشيعهم -وإن لم يكن من الأجلاء- فالرواية تكون قبل إنحرافه، لإستبعاد روايته عنه بعد إنحرافه مع صدور الطرد واللعن عليه، وأما إذا كان الراوي عنه واقفياً مثله فنحتمل روايته عنه بعد وقفه وإنحرافه.
وفي موردنا القاسم بن محمد الجوهري -الذي هو الرواي عن علي بن أبي حمزة البطائني- متهم بالوقف، حيث نقل الشيخ الكشي عن نصر بن الصباح قوله: كان واقفياً. وكذلك ذكره الشيخ الطوسي في ثلاثة مواضع في رجاله قال في واحد منها أنه كان واقفياً.
في مقابل ذلك: ذكره الشيخ الطوسي في الموضعين الآخرين من رجاله ولم يقل عنه أنه واقفي. وكذلك ترجمه في الفهرست ولم يقل ذلك أيضاً. والشيخ النجاشي ترجمه ولم يقل أنه واقفي، مع أنه يقال أن ديدن الشيخ النجاشي هو ذكر مذهب الشخص إذا كان مخالفاً.
وعليه فإذا قلنا بأن هذا لا يثبت الوقف له -كما بنى عليه بعضهم- خصوصاً مع عدم ذكر النجاشي لوقفه فلا نواجه مشكلة في الأخذ بهذه الرواية، وأما إذا قلنا إنه كان واقفياً فكذلك يأتي إحتمال أن ذكر الرجاليين إلى وقفه هو لتوقفه لفترة قصيرة ثم عوده إلى الرأي الصحيح، وهذه حالة موجودة عند كثير ممن إتهم بالوقف. وحينئذ تشخيص أنه روى في فترة وقفه أو لا يكون صعباً.
هذا من حيث سندها، أما من حيث دلالتها فنقول أن هذه الرواية وردت في التهذيب المطبوع بعبارة (تتم يومها) بدل (تتم صومها)، وهي أصح، بإعتبار أنها لم تصم حتى يقال تتم صومها لأنها كانت حائض. لكن على كلا التعبيرين المطلوب منها هو الإمساك.
والنتيجة هي أن مجموع هذه الروايات التي بعضها معتبر سنداً بالإضافة إلى رواية الزهري تكفي لإثبات الحكم بإستحباب الإمساك لها في الجملة، لكن يجب ملاحظة الروايات لمعرفة وقت ثبوت الإستحباب وأنه هل يكون قبل الزوال أو بعده.