1440/04/28
تحمیل
الأستاذ الشيخ باقر الايرواني
بحث الفقه
40/04/28
بسم الله الرحمن الرحيم
الموضوع:- تتمة مسألة ( 59 ) ، مسألة ( 60 ) – شرطية الاختيار – شروط المتعاقدين.
وأما لو فرض أنَّ الطرفين أكرها على ارتكاب محرم[1] :- بأنَّ قال الظالم ( يلزم على أحدكما أن يشرب هذا الاناء من الخمر ) ففي مثل هذه الحالة إذا فرض أنه لا يعلم أحد الطرفين بأنَّ الثاني سوف يشرب وإنما كان يشك في ذلك فهل يجوز له أن يشرب ؟ نعم يجوز له ذلك ، لأجل أنه يخاف من الظالم ولا يعلم أنَّ الآخر سوف يشرب حتى يكتفي بشربه ، وأما إذا فرض أنَّ الأول علم بأنَّ الثاني سوف يشرب فإذا شرب الأوّل هل يكون حلالاً له أو يكون محرّماً عليه باعتبار أنَّ الآخر سوف يقوم بالفعل ، فالأول حينئذٍ لا يجاف على نفسه ، فهل يحرم عليه الشرب أو يجوز له ؟
تعرّض الشيخ النائيني(قده) إلى هذه المسألة:- وذهب إلى أنه يجوز له التناول ، باعتبار أنه يدفع الضرر عن نفسه ، والاكراه صادق ومتحقق في حقه ، فلا محذور في ذلك.
وهذا نظير رأيه في المعاملة ، قال:- ( بل يمكن أن يقال إنَّ حكم المحرّمات أيضاً حكم المعاملات في هذه الصورة وهو ما إذا علم أحدهما بأنَّ الآخر يفعله لدفع الاكراه لا للشهوة فيجوز للعالم أن يقدم على شرب المحرّم لدفع الاكراه عن ننفسه وأخيه[2] لأنَّ مجرد علمه بأنَّ الآخر يفعله لا يدخله في عنوان الاختيار إذا فعل العالم لدفع ضرر الحامل )[3] ، ومعنى كلامه أنه بَعدُ يصدق عليه عنوان المكرَه ولا يخرج عنه إلى الاختيار.
وذهب السيد الخوئي(قده) إلى أنه لا يجوز له التناول:- والنكتة واضحة ، فإنه مادام يعلم بأنَّ الآخر سوف يشرب فحينئذٍ هو لا يخاف الضرر ، فلماذا يجوز له الشرب ؟!! قال(قده):- ( فإذا احتمل أنَّ الآخر يرتكبه[4] لكونه غير مبالٍ بالدين مثلاً بحيث ارتفع عنه خوف الضرر على الترك فالتكليف المتعلّق به باقٍ[5] لابد له من امتثاله ولا يجوز مخالفته )[6] .
والأنسب من هذا أن يفصَّل ويقال:- إذا فرض أنَّ الطرفين المكرَهين كان بنيهما علاقة شديدة مثل الابن والاب اللذين كانت العلاقة بينهما شديدة بحيث لو تضرر أحدها تضرر الآخر ، فهنا حتى لو فرض أنَّ الابن علم بأنَّ الأب سوف يُقدِم على التناول لكنه يُقدِم عليه من باب الاكراه ، فحينئذٍ الولد سوف يصيبه الضرر ، لأنَّ الأب سوف يشربه من باب الخوف من الظالم على نفسه وعلى ولده ، فهو يتسرّع في أن يتناوله ، فبالتالي هذا الضرر وهذا الألم النفسي الذي يصيب الوالد هو يصيب الولد أيضاً ، فالولد حينما يبادر ويتناول إنما يتناول لا شهوة وحبّاً بارتكاب الحرام وإنما لأجل أنه يدفع الضرر عن نفسه ، لأنَّ ضرر والده ضرر عليه ، فيصدق أنه حينما يتناول هذا المحرّم أنه يتناوله دفعاً للضرر الوارد على نفسه.
فإذاً ينبغي أن يفصَّل هكذا.والخلاصة:- إنه متى ما علم الطرف الأوّل أنَّ الثاني سوف يُقدِم على ارتكاب المحرّم فلا يجوز للأوّل الارتكاب ، لأنه يندفع عنه خوف الضرر ، إلا إذا فرض أنَّ العلاقة بينهما كانت شديدة فالأوّل ارتكب المحرّم من باب أنه يخاف الضرر ، إذ ضرر والده ضرر على نفسه كما فرضنا ، فيجوز آنذاك ، ولعله لم يشر إلى هذه الصورة لأجل ندرتها ، وإلا كان المناسب أن يفصّل هذا التفصيل.
أما ما ذكرناه من أنه مع تعدد الواقعة كما قلنا هكذا في المعاملة وأنه إذا كانت هناك معاملتان فحينئذٍ إذا سبق الطرف الأول إلى الارتكاب فسوف يكون عن طيب نفسٍ مادام قد علم بأنَّ الثاني سوف يرتكب المعاملة ، كما إذا قال الظالم ( إما أن يبيع زيد داره أو عمرواً يبيع داره ) ، فإذا علم زيد أن عمرواً سوف يبيع داره فإذا باع زيد داره صدق أنه باع عن طيب نفسه مادامت المعاملة متعددة ، وأما إذا فرض أنَّ المعاملة كانت واحدة ، كما لو فرض أنَّ الدار كانت واحدة وكلاهما مخوّلان في بيعها وقال الظالم ( أحدكما يلزم أن يبيعها لي وإلا أودعتكما السجن ) ففي مثل هذه الحالة قلنا في باب المعاملة أنه حتى لو علم الأوّل بأنَّ الثاني سوف يبيع فلو سبق الأوّل وباع فحينئذٍ سوف تقع المعاملة باطلة مادامت المعاملة واحدة ، والوجه في البطلان هو أنه لا توجد معاملة ثانية حتى نقول يمكن أن يكتفي الطرف الأوّل ببيع الدار الأخرى من قبل الثاني ، وإنما المفروض أنها دار واحدة ، ومادامت واحدة فإما أن يبيعها الأوّل أو يبيعها الثاني ، فلا توجد معاملة ثانية حتى يقال إنه مع إمكان المعاملة الثانية واحتمال وقوعها لا يكون الأوّل مكرهاً ، بل متى ما كانت المعاملة واحدة والدار واحدة فلو سبق الأوّل إلى بيع الدار رغم علمه بأن الثاني سوف يُقدِم على البيع يصدق عليه أنه باع لخوف الضرر بعد فرض عدم وجود معاملة ثانية يمكن الاكتفاء بها.وهذا الكلام لا يأتي في باب المحرّمات التكليفية ، فإنه فيها يفترض أنَّ المدار ليس على طيب النفس وإنما المدار على الاكراه ، فلو كان هناك إناء خمر واحد وقال الظالم لزيد أو عمرو اشربه فإذا علم زيد أنَّ عمرواً سوف يسبق ويشربه وهما ليس من قبيل الأب والابن فحينئذٍ مادام علم أنَّ الثاني سوف يسبقه فلا يجوز للأوّل الارتكاب ، باعتبار أنَّ هذا من المحرّمات التكليفية ، وإنما يجوز ارتكابه فيما إذا لم يمكن التخلّص ، وهنا يمكن التخلّص بارتكاب الثاني ، فالمدار ليس على طيب النفس وخوف الضرر وإنما المدار على عدم إمكان التخلص ، والتخلص هنا ممكنٌ ، فحتى لو كان الاناء واحداً فمادام الأول قد علم بأنَّ الثاني سوف يسبقه فلا يجوز للأوّل آنذاك التناول.والنتيجة:- إنه في باب المحرّمات التكليفية إذا أُكرِه شخصان على ارتكاب محرّم فإذا لم يعلم الأوّل بأن الثاني سوف يتصدّى فيجوز لأيّ واحدٍ منها أن يتصدّى ويتناول وترتفع الحرمة عنهما دفعاً للضرر ، وأما إذا علم الأوّل بأنَّ الثاني سوف يُقدِم ويتناول فحينئذٍ لا يجوز للأوّل التناول ، من باب أنه يمكنه التخلّص من الحرام بفعل الآخر ، إلا إذا فرض أنَّ العلاقة كانت بينهما شديدة كالأب والابن فحينئذٍ يجوز للأوّل أن يتناول رغم علمه بأنَّ الثاني سوف يرتكب ولكن يجوز له الارتكاب لأجل العلاقة الشديدة هو يدفع بذلك الضرر عن نفسه ، لأنَّ المفروض أنَّ ضرر الوالد هو ضرره ، فيدفع الضرر عن نفسه بسبقه للتناول.
مسألة( 60 ):- لو أكره على بيع داره أو فرسه فباع أحدهما بطل . ولو باع الآخر بعد ذلك صح . ولو باعهما جميعاً دفعةً بطل فيهما جميعاً...........................................................................................................تشتمل هذه المسألة على ثلاثة فروع:-
الرفع الأول:- لو فرض أن الظالم قال لزيد ( إما أن تبيع دارك أو سيارتك ) ، فهنا لو باع السيارة وقع بيعها باطلاً كما هو واضح.
الفرع الثاني:- لو فرض أنه بعد بيع السيارة باع الدار ، فبيع الدار سوف يقع صحيحاً ، لأنه لم يُكرَه عليه.
الفرع الثالث:- لو فرض أنه باعهما معاً فهل يقع بيع الاثنين صحيحاً أو يقع باطلاً ؟ حكم(قده) بالبطلان فيهما جميعاً.
أما الفرع الأوّل:- فالوجه في البطلان واضح ، باعتبار أنه مُكرَهٌ على بيع واحدٍ لا بعينة ، فبالتالي لابد أن ينتخب أحدهما ، وهو قد انتخب السيارة ، وعليه فسوف يقع هذا البيع باطلاً ، لأنه وقع عن اكراه ومن دون طيب نفس.
وقد تعرض الشيخ الأعظم(قده) إلى ذلك في الكاسب ، حيث قال:- ( لم يتأمل أحدٌ في أنه إذا أكره الشخص على أحد الأمرين المحرّمين لا بعينه فكل منهما وقع في الخارج لا يتصف بالتحريم ..... أما لو كانا عقدين أو إيقاعين كما لو أكره على طلاق إحدى زوجتيه فقد استشكل غير واحد في أنَّ ما يختاره من الخصوصيتين بطيب نفسه ويرجحه على الآخر .... مكره عليه باعتبار طيب نفسه أم لا .... )[7] .
ويلمّح الشيخ بهذه العبارة إلى إشكالٍ حاصله:- إنَّ الظالم قد أكرهه على الجامع وعلى الكلّي ولم يكرهه على الخصوصية ، وعليه وقعت الخصوصية باختياره ، فالمناسب الحكم بالصحة ، أو لا أقل من التوقف في الحكم بالبطلان.
وقد نقل هذا الاشكال صاحب الحدائق(قده) حيث قال:- ( لو أكرهه على طلاق احدى الزوجتين فطلّق معينةً فالذي اختاره السيد السند في شرح النافع وقبله جده في الروضة أنه اكراه وعلله في شرح النافع بأنه لا يمكن التخلص من الضرر المتوعد به بدون ذلك . قيل بأنه يقع الطلاق لأنه مختار في تعيينها ولأنه لما عدل من الابهام إلى التعيين فقد زاد على ما أكرهه عليه ، لأنَّ الاكراه على طلاق احداهما لا على طلاق هذه وطلاق هذه طلاق احداهما مع زيادة وقد تقرر في الأصول أنَّ الأمر بالكلّي أمراً بجزئي معيّن )[8] .
فإذاً هذه المسألة وقعت محلاً للإشكال ، وهي أنَّ من أُكرِه على فعل أحد شيئين فاختار أحدهما فهل يقع ذلك صحيحاً باعتبار أنَّ انتخاب الخصوصية كان باختياره أو أنه يقع باطلاً باعتبار أنه مكره على الجامع ؟