1440/03/23
تحمیل
الأستاذ الشيخ باقر الايرواني
بحث الفقه
40/03/23
بسم الله الرحمن الرحيم
الموضوع:- شروط المتعاقدين - مسألة ( 58 ) شرطية البلوغ.
ثم إنه ينبغي الالتفات إلى أنَّ رواية عبد الله ابن سنان قد رواها صاحب الوسائل(قده) في أكثر من موضع ، فمرّة عن التهذيب ، ومرّة عن غيره ، وليس عن تفسير العياشي ، والطريق إلى ذلك معتبر ، والمضمون نفس المضمون ، فهذه الرواية قد رويت بألوان مختلفة وبأكثر من مرّة ، فمرّة ينقلها صاحب الوسائل(قده) عن الشيخ في التهذيب هكذا:- ( عن أبي عبد الله عليه السلام: سأله أبي وأنا حاضر عن قول الله عزّ وجلّ حتى إذا بلغ أشده ، قال: الاحتلام ، قال: فقال: يحتلم في ست عشرة وسبع عشرة سنة ونحوها ، قال: لا ، إذا أتت عليه ثلاث عشرة سنة كتبت له الحسنات وكتبت عليه السيئات وجاز أمره إلا أن يكون سفيهاً أو ضعيفاً )[1] ، وتقريباً هذا نفس الموجود في رواية العياشي ، ورواها صاحب الوسائل(قده) أيضاً في نفس الباب[2] الحديث الحادي عشر والثاني عشر ، ولكن في الحديث الثاني عشر لا توجد عبارة ( وجاز أمره ).
فعلى هذا الأساس هذه الرواية واردة بطريقٍ معتبر فماذا نصنع ؟والجواب واضح:- وهو أنه إذا بنينا على فكرة التفكيك في الفقرات فالفقرة الدالة على أنَّ البلوغ بثلاث عشرة سنة تسقط عن الاعتبار وتبقى عبارة ( جاز أمره ) لا مشكلة فيها ، وإذا بنينا على عدم التفكيك فحينئذٍ تسقط الرواية وتبقى رواية بيّاع اللؤلؤ ، فسواء كان سند رواية عبد بن سنان معتبر أو غير معتبر فبعد أن سقطت عن الاعتبار بسبب اشتمالها على ما لا يمكن الالتزام به ولا نقول بفكرة التفكيك فسوف تسقط حينئذٍ عن الاعتبار فتبقى الرواية بياع اللؤلؤ بلا معارض.
فإذاً على جميع التقادير تبقى النتيجة كما هي من دون مشكلة في البين ، إذاً رواية بيّاع اللؤلؤ لا مشكلة فيها وتدل على شرطية البلوغ في صحّة المعاملات بعد تفسير عبارة ( جاز أمره ) بما بيّناه من أنَّ الأمر بإطلاقه يشمل حتى البيع والشراء وأنَّ الجواز ظاهر في الجواز الوضعي لا التكليفي.الرواية الثانية:- رواية حمزة بن حمران أو رواية حمران ، وهي:- ( وعن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد[3] عن ابن محبوب[4] عن عبد العزيز العبدي عن حمزة بن حمران عن حمران[5] قال:- سألت أبا جعفر عليه السلام قلت له: متى يجب على الغلام أن يؤخذ بالحدود التامة وتقام عليه ويؤخذ بها ؟ قال: إذا خرج عنه اليتم وأدرك ، قلت: فلذلك حدّ يعرف به ؟ فقال: إذا احتلم أو بلغ خمس عشرة سنة أو أشعر أن أنبت قبل ذلك أقيمت عليه الحدود التامة وأخذ بها وأخذت له ، قبت: فالجارية متى تجب عليها الحدود التامة وتؤخذ بها ويؤخذ لها ؟ قال: إنَّ الجارية ليست مثل الغلام إنَّ الجارية إذا تزوجت ودخل بها ولها تسع سنين ذهب عنها اليتم ودفع إليها مالها وجاز أمرها في الشراء والبيع وأقيمت عليها الحدود التامة وأخذ لها بها ، قال: والغلام لا يجوز أمره في الشراء والبيع ولا يخرج من اليتم حتى يبلغ خمس عشرة أو يحتلم أو يشعر أو ينبت قبل ذلك ، )[6] ، ثم قال صاحب الوسائل(قده): ( رواه محمد بن إدريس في آخر السرائر نقلاً من كتاب المشيخة للحسن بن محبوب مثله إلا أنه أسقط قوله " عن حمران " ) ، والشاهد هو أنه في الجارية قال: ( إذا تزوجت ودخل بها ولها تسع سنين ذهب عنها اليتم ودفع إليها مالها واز أمرها في الشراء البيع ) ، أما بالنسبة إلى الغلام فقد قالت الرواية: ( والغلام لا يجوز أمره في الشراء والبيع ولا يخرج من اليتم حتى يبلغ خمس عشرة أو ... ) ، يعني أنه يجوز أمره إذا بلغ هذا المبلغ ، فإذاً الرواية لا بأس بها بعد تفسير الأمر بالمطلق بما يشمل البيع والشراء وبعد فرض أنَّ الجواز هو الجواز الوضعي ، فإذاً هذه الرواية لا بأس بها.
إلا أنه توجد فيها مشكلتان:الأولى:- من حيث السند ، فإنه ورد فيه عبد العزيز العبدي وحمزة بن حمران وهما لم تثبت وثاقتهما ، وإذا أمكن توثيق حمزة بن حمران من خلال رواية صفوان أو ابن أبي عمير عنه بناءً على وثاقة من روى عنه بعض الثلاثة ، فحينئذٍ إذا أمكن أن نتساهل بالنسبة إلى حمزة بن حمران تبقى المشكلة من ناحية عبد العزيز ، فإذاً الرواية أمرها مشكل من حيث السند.
الثانية:- إنها اشترطت في جواز أمرها أن تكون متزوجة وقد دُخِل بها وهذا لا يمكن الالتزام به ، فإن قلنا بفكرة التفكيك حتى في الفقرة الواحدة فتزول المشكلة من هذه الناحية فنقول إننا نرفع اليد عن شرطية الزواج والدخول ويبقى جواز أمرها على حاله فنأخذ به ، وأما إذا لم نبنِ على فكرة التفكيك من باب أنَّ مدرك حجية الظهور ليس إلا السيرة العقلائية والسيرة لا نجزم بأنها جارية على التفكيك بين فقرات الكلام الواحد ، يعني تارةً تكون الفقرات واحدة لا ربط لها بالأخرى ولكنها وردت في روايةٍ واحدة ، وتارةً تكون فقرة واحدة ولكن فيها بعض المقاطع التي لا يمكن الالتزام بها فهل تفكك بين فقراتها ؟ ومن الواضح أنَّ هذه الحالة الثانية أشد إشكالاً من الحالة الأولى ، فقد نلتزم في الحالة الأولى بالتفكيك ، لأنَّ هذه فقرات متعدّدة والبعض قال إذا كانت الفقرات متعدّدة فهي بمثابة أخبارٍ متعدّدة ، فإذا كانت إحدى الفقرات لا يمكن الأخذ بها نتركها ونأخذ بالباقي ، لكن الأمر أشكل فيما إذا كانت الفقرة واحدة ، وموردنا هو من الفقرة الواحدة ، حيث إنَّ الوارد في الرواية: ( إنَّ الجارية ليست مثل الغلام إنَّ الجارية إذا تزوجت ودخل بها ولها تسع سنين ذهب عنها اليتم ودفع إليها مالها وجاز أمرها ) ، فهذه جملة واحدة وليست جملاً متعدّدة ، ففكرة التفكيك في الفقرة الواحدة صعب ، يعني نحن لا نجزم بانعقاد السيرة على التفكيك في الفقرة الواحدة.
فإذاً سوف تصير هذه الرواية محل إشكال من هذه الناحية أيضاً ، فإذاً حتى لو تمت الرواية من حيث السند يبقى الاشكال من هذه الناحية على حالة ، فتسقط عن الاعتبار.الرواية الثالثة:- رواية ابن ظبيان التي رواها الشيخ الصدوق، وهي:- ( الخصال عن الحسن بن محمد السكوني عن الحضرمي عن أبراهيم بن أبي معاوية عن أبيه عن الأعمش عن ابن ظبيان - أو عن أبي ظبيان - قال: أتي عمر بامرأة مجنونة قد زنت فأمر برجمها ، فقال عليه السلام: أما علمت أنَّ القلم يرفع عن ثلاثة عن الصبي حتى يحتلم وعن المجنون حتى يفيق وعن النائم حتى يستيقظ )[7] .
وتقريب الدلالة أن يقال:- إنَّ الوارد فيها هو تعبير ( أما علمت أنَّ القلم يرفع عن ثلاثة ) بناءً على تفسير القلم بالأعم من التكليفي والوضعي ، فالقلم قد رفع عنه حتى في الأمور الوضعية كصحّة البيع ، وبناءً على هذا التفسير يمكن حينئذٍ التمسّك بالرواية.
أما سندها:- فهو ضعيف ، لاشتماله على جملة من المجاهيل ، من قبيل الأعمش وابن ظبيان وإبراهيم بن أبي معاوية وأبيه ، فعلى هذا الأساس تكون محل إشكال من هذه الناحية.
ولكن يمكن إبدالها برواية ثانية ، وهي موثقة عمّار الساباطي:- ( محمد بن الحسن بإسناده عن محمد بن عليّ بن محبوب عن محمد بن الحسين عن أحمد بن الحسن بن علي عن عمرو بن سعيد عن مصدّق بن صدقة عن عمّار الساباطي عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سألته عن الغلام متى تجب عليه الصلاة ؟ فقال: إذا أتي عليه ثلاث عشرة سنة فإن احتلم قبل ذلك فقد وجبت عليه الصلاة وجرى عليه القلم ، والجارية مثل ذلك إن أتى لها ثلاث عشرة سنة أو حاضت قبل ذلك فقد وجبت عليها الصلاة وجرى عليها القلم )[8] ، فهذه الرواية سوف تصير بمضمون تلك الرواية ، باعتبار أنَّ الاثنين يشتملان على تعبير ( رفع القلم ) و ( جرى عليه القلم ) يعني بالبلوغ يثبت القلم وبعدم البلوغ يرتفع القلم.
وطريقة الاستدلال بها هي نفس الطريق السابقة - يعني بناءً على تفسير القلم بالأعم من التكليفي والوضعي - ، وسندها معتبر أيضاً ، لأنَّ طريق الشيخ إلى محمد بن عليّ بن محبوب في الفهرست معتبر ، ومحمد بن الحسين وهو ابن أبي الخطّاب وهو من أجلّة أصحابنا ، وأحمد بن الحسن بن عليّ وهو ابن فضّال وبنو فضّال ثقات ، وأما عبد بن سعيد المدائني ومصدّق بن صدقة وعمّار الساباطي فكلّهم فطحيوا المذهب ولكنهم ثقات أيضاً ، فتكون الرواية موثّقة ولا مشكلة في سندها ، ودلالتها كما ذكرنا ، فإذا كانت تلك الرواية ضعيفة السند فماذا نصنع مع هذه الرواية ؟