1440/03/18
تحمیل
الأستاذ الشيخ هادي آل راضي
بحث الفقه
40/03/18
بسم الله الرحمن الرحيم
الموضوع: أقسام الصوم المحظور/صوم العيدين
(كان كلامنا في حرمة صوم العيدين والمورد الذي قيل بإستثنائه منها، وهو كفارة القتل في أشهر الحرم، إذ يجب على القاتل أن يصوم شهرين متتابعين من أشهر الحرم. وذكرنا الرواية أو الروايات - على الخلاف في أنها واحدة أو متعددة – الدالة على ذلك، و إستظهرنا منها حكمين وهما: وجوب صوم يوم العيد و وجوب التتابع التام في كفارته، بمعنى أنه يجب عليه ان يصوم شهرين بتمام أيامهما بنحو التتابع وبالتالي التزمنا بأنها إستثناء من حكمين احدهما حرمة صوم يوم العيد، والاخر هو ما دل على تحقق التتابع بصوم شهر ويوم من الشهر الاخر. وناقشنا في ما قاله صاحب الجواهر .
و قلنا اختلف علماؤنا من حيث العمل بمضمون الرواية، فان بعضهم إلتزم بأنها تدل على جواز صوم يوم العيد، أي إلتزموا بالإستثناء الأول فقط، وآخرون لم يلتزموا بشيء من مضمونها بعدة إشكالات )
الإشكال الأول: أن الرواية ضعيفة السند ب(سهل بن زياد) حسب الطريق الأول للشيخ الكليني ومرسلة حسب الطريق الثاني ، إذ لا يمكن عادة ل(إبن أبي عمير) أن يروي مباشرة عن (أبان بن تغلب) لإختلاف طبقتهما كما بيناه في الدرس السابق. وقد أشار أكثر من واحد من علمائنا بضعفها السندي كالعلامة والسيد الماتن.
وفيه: أن الرواية منقولة في الفقيه والتهذيب بأسانيد صحيحة كما تقدم في الدرس السابق. وضعف بعض طرق الرواية لا يمنع من الأخذ بها بطرقها الصحيحة. ومنشأ هذا الإشكال هو قصر النظر على نقل الشيخ الكليني لها.
الإشكال الثاني: إعراض المشهور عنها، فتسقط عن الحجية وإن كانت صحيحة السند.
وفيه: انه من الصعب جداً إثبات الصغرى، إذ عمل بها الشيخ الصدوق في المقنع[1] ، والشيخ الطوسي في التهذيب[2] ، والإستبصار[3] ، والنهاية[4] ، والمبسوط[5] ، وإبن حمزة في الوسيلة[6] وغيرهم، و إلتزموا بالإستثناء من حرمة صوم العيد.
خصوصاً إذا التفتنا إلى أن بعض الفقهاء لم يلتزموا بمضمونها بدعوى ضعفها السندي، فإعراضهم عن الرواية كان من جهة سندها لا من جهة مضمونها، ولعله لو بين لهم صحة سندها لعملوا بها. والإعراض عن رواية بدعوى ضعف سندها لا يوجب سقوطها عن الإعتبار.
قد يقال ان منشأ الشهرة أو الاجماع على عدم العمل بالرواية هو الاجماع على حرمة صوم يوم العيد، وبذلك يتحقق الاعراض المسقط لها عن الاعتبار، لكن هذا الكلام ليس تاماً لأن الاجماع اجماع على حرمة صوم يوم العيد في الجملة، لما ذكرنا من ذهاب البعض إلى وجوب صومه في المقام مع التزامهم بحرمة صوم يوم العيد.
الاشكال الثالث : ما ذكره المحقق في المعتبر من ان الرواية نادرة ومخالفة لعموم الاحاديث المجمع عليها المانعة من صوم يوم العيد، ولا يمكن ارتكاب التخصيص فيها فلابد من رفضها قال : (والرواية المذكورة نادرة ، مخالفة لعموم الأحاديث المجمع عليها ، ومخصصة لها ، ولا يقوى الخبر الشاذ على تخصيص العموم المعلوم)[7]
ويجاب عنه بان الرواية ليست نادرة لا رواية ولا عملاً ، لما تقدم من روايتها في الكافي والتهذيب والفقيه، وقد التزم كثير من العلماء بمضمونها، مع ان ارتكاب التخصيص يمكن ان يكون في القرآن الكريم وبالخبر الواحد، فكيف لا يمكن تخصيص الروايات المانعة من صوم العيد بالخبر اذا كان صحيحاً ؟!
الاشكال الرابع: ما اشار إليه في المعتبر من كون الرواية غير تامة دلالة قال: ( و الرواية المذكورة نادرة … على أنه ليس فيه صريح لصوم العيد ، والأمر المطلق بالصوم في الأشهر الحرم ، وليس بصريح في صوم عيدها ، وأما أيام التشريق ، فلعله لم يكن بمنى ، ونحن لا نحرمها إلا على من كان بمنى) [8]
وقد بين الشيخ صاحب الجواهر مراد المحقق من قوله (وليس بصريح في صوم عيدها) بما معناه ان المحقق قصر النظر على ما رواه الكليني في الكافي بل على خصوص الرواية الثانية منه، وهي رواية زرارة (قال : قلت لأبي جعفر ( عليه السلام ) : رجل قتل رجلا في الحرم ؟ قال : عليه دية وثلث ويصوم شهرين متتابعين من أشهر الحرم ويعتق رقبة ويطعم ستين مسكينا ، قال : قلت : يدخل في هذا شئ ، قال : وما يدخل ؟ قلت : العيدان وأيام التشريق ، قال : يصومه فإنه حق لزمه)[9] اذ انها الوحيدة التي يُذكر فيها (العيدان) وليس (العيد)، والضمير في قوله عليه السلام (يصومه) لا يمكن ارجاعه الى العيدين ، لأنه مفرد لا مثنى، وحينئذ لابد من ارجاعه إلى (صوم شهرين) لا إلى (العيدان)، وبناءً على ذلك لا يجب عليه صوم يوم العيد، ولا يضر تخلله بالصوم، وقد تقدم نظير ذلك من جواز ترك صوم يوم العيد واكمال الباقي في صوم ما يجب فيه التتابع.
فكأن الرواية تريد بيان عدم مانعية تخلل العيد من صحة الصوم وتحقق التتابع المعتبر.
وقد اضاف الشيخ صاحب الجواهر (قده) اشكالا اخر في هذه الرواية و هو انه ورد فيها (العيدان) و الحال انه لا يوجد عندنا عيد يحرم صومه في الاشهر الحرم الا عيد الاضحى، و عيد الغدير و ان كان في الاشهر الحرم الا انه لا يحرم صومه بل تقدم انه يستحب _فلا تصل النوبة الى ان نتكلم بعد ذلك في انه هل تدل الرواية على وجوب صومه حتى يكون استثناءا مما دل على حرمة صومه _و كأنه بذلك يشير الى اضطراب في المتن من هذه الجهة يوجب الخلل في الرواية و من هنا ذهب الشيخ صاحب الجواهر (قده) الى ان هذه الصحيحة لا تكون استثناءا من الحكمين السابقين [10] و انما هى استثناء من امر اخر _تقدم الحديث عنه في ذيل كلام الماتن_ و هو انه لا يجوز الشروع في الصوم اللازم فيه التتابع في زمان يعلم انه لا يسلم له بتخلل العيد فانه في مورد الكلام يجوز له ان يشرع من البداية مع علمه بتخلل العيد و لا يصوم العيد
على كل حال الظاهر مما تقدم ان منشأ هذا الكلام كله هو قصر النظر على ما رواه الشيخ الكليني في الكافي و عدم ملاحظة ما رواه الشيخان في الفقيه و التهذيب.[11]