1440/03/02
تحمیل
الأستاذ الشيخ هادي آل راضي
بحث الفقه
40/03/02
بسم الله الرحمن الرحيم
الموضوع: أقسام الصوم المكروه/صوم يوم عرفة
كان الكلام في كراهة صوم يوم عرفة بالنسبة لمن خاف أن يضعفه عن الدعاء أو من شك في هلال ذي الحجة و احتمل أنه يوم عيد، و ذكرنا روايتين لإثبات الكراهة[1] و هما صحيحة محمد بن مسلم و رواية سدير الصيرفي[2] .
أما صحيحة محمد بن مسلم فهي تامة سنداً و دلالة، إذ لا يراد من النهي الوارد فيها النهي التحريمي، و ذلك بقرينة أن الصوم نهي عنه لأجل مزاحمته مع الدعاء الذي هو أفضل من الصوم في يوم عرفة، لا لأجل وجود حزازة في الصوم، فالنهي يكون لتحصيل ما هو الأفضل في يوم عرفة عند مزاحمة الصوم مع الدعاء و المسألة، و بالتالي يكون تنزيهياً.
بل قد يستشكل في دلالة الرواية على الكراهة بمعنى وجود منقصة و حزازة خفيفة الغير واصلة إلى مرتبة اللزوم، و ذلك بإعتبار أنها ظاهرة في أن الصوم قد نهي عنه لأجل المزاحمة لا لأجل وجود حزازة فيه حتى الخفيفة منها. فإذا أريد من الكراهة هذا المعنى فالرواية لا تدل عليها، أما إذا أريد منها تحصيل ما هو الأفضل عند المزاحمة فهي تدل عليها.
نعم هذه الصحيحة تدل على المورد الأول و هو ما إذا أدى الصوم إلى الإضعاف عن الدعاء، بخلاف رواية سدير الآتية التي تدل على كلا الموردين.
أما رواية سدير الصيرفي فهي تامة دلالة. أما من حيث السند فقلنا أن "سدير الصيرفي" لم ينص على وثاقته، لكن قد يقال بوثاقته إستناداً إلى وجوه:-
الأول: رواية إبن أبي عمير عنه في العلل[3] بسند صحيح، بناءاً على كبرى أن المشايخ الثلاثة لا يروون و لا يرسلون إلا عن ثقة. و قد نوقش فيه بإستبعاد رواية ابن ابي عمير عن سدير لاختلاف الطبقة، فسدير الصيرفي هو من أصحاب الإمام السجاد و الباقر و الصادق (عليهم السلام) كما نص على ذلك الكشي و الشيخ، فهو يعتبر من الطبقة الرابعة، والحال أن إبن ابي عمير يعتبر من الطبقة السادسة و هو من أصحاب الرضا و الجواد (عليهما السلام)، فيوجد سقط في سندها.
و قلنا أيضاً في دفع المناقشة بأنه توجد قرائن تدل على إمكانية رواية إبن أبي عمير عن سدير، نذكر بعضها:-
الأولى: نص النجاشي[4] والشيخ[5] أن إبن أبي عمير أدرك الإمام الكاظم (عليه السلام)، بل عده البرقي[6] من أصحابه (عليه السلام). فإذا افترضنا أن سدير عاش و لو بفترة وجيزة بعد وفاة الإمام الصادق (عليه السلام)، أو أن إبن أبي عمير أدرك زمان إمامة الإمام الصادق (عليه السلام)، فيثبت المطلوب و هو إمكانية روايته عنه.
الثانية: رواية إبن أبي عمير عن جملة من أصحاب الصادق (عليه السلام)، مثل معاوية بن عمار، و معاوية بن وهب، و عبدالله بن سنان، و أبي بصير - بناءاً على أنه هو يحيى بن القاسم الأسدي كما هو المنصرف إليه، و ذكر في ترجمة الأسدي أنه روى من الإمام الباقر و الصادق (عليهما السلام) و مات بعد زمن الصادق (عليه السلام) بقليل -، و عبد الله بن بكير.
الثالثة: نقل الكشي عن نصر بن الصباح ان ابن ابي عمير اسن من يونس فاذا عرفنا ان يونس ولد في ايام هشام بن عبد الملك الذي هلك في سنة 125 هـ ورأى الامام الصادق عليه السلام بين الصفا والمروة ولم يروِ عنه كما نص على ذلك النجاشي وغيره كان معنى ذلك ان ابن ابي عمير ولد قبل ولادة يونس أي انه ادرك الامام الصادق عليه السلام فأي محذور ان يروي عن مثل سدير الذي هو من اصحاب الصادق عليه السلام وقد ذكر السيد الخوئي (قد) ان يونس بن عبد الرحمن يمكن ان يروي عمن مات في زمان الامام الصادق عليه السلام مثل عبيد الله الحلبي ومحمد الحلبي،
والقاعدة في المقام تقتضي الاخذ بظاهر السند الصحيح حيث يمكن ذلك، ولا يرفع اليد عن هذا الظاهر الا اذا ثبت عدم الامكان، وقد عرفت ان الاخذ بظاهر السند أي رواية ابن ابي عمير عن سدير الصيرفي امر ممكن، اما باعتبار ان سدير الصيرفي عاش بعد وفاة الامام الصادق عليه السلام ولو لمدة قصيرة أو باعتبار ان ابن ابي عمير ادرك زمان الامام الصادق عليه السلام وعرفت وجود قرائن على كلا الامرين، نعم لا ننكر عدم تعارف رواية ابن ابي عمير عن سدير في اسانيد الروايات لا سيما في الكتب الاربعة، لكن ذلك لا ينافي ما ذكرنا.
هذا هو الأمر الاول الذي يستدل به على وثاقة سدير والظاهر انه تام.
الثاني: ان الكشي روى روايتين في كتابه قد يستدل بهما على وثاقة سدير وانه موضع اعتماد.
الرواية الاولى: (371 - حدثنا محمد بن مسعود ، قال : حدثنا علي بن محمد بن فيروزان قال : حدثني محمد بن أحمد بن يحيى ، عن إبراهيم بن هاشم ، عن عمرو بن عثمان ،عن محمد بن عذافر ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : ذكر عنده سدير فقال : سدير عصيدة بكل لون .)
وليس في سند الرواية من يتوقف فيه الا علي بن محمد بن فيروزان فهو لم ينص على وثاقته، نعم روى عنه العياشي، وقالوا في الحديث رقم (388 - حمدويه بن نصير ، قال : سمعت علي بن محمد بن فيروزان القمي ، يقول : مالك بن أعين الجهني هو ابن أعين ، وليس من أخوة زرارة وهو بصري ) ان الواو في (وليس من ...) يستفاد منها اعتماد حمدويه بن نصير على علي بن محمد بن فيروزان حيث ينقل عنه رأي في الرجال وانه خبير في هذا الفن، لكن هذا لا يكفي في اثبات وثاقته،
هذا هو حال الرواية الاولى من حيث السند اما من حيث الدلالة فأن الشهيد في تعليقاته على الخلاصة كأنه فهم منها الدلالة على ضعف سدير، ورُد بان المقصود من قوله عليه السلام (سدير عصيدة بكل لون) ان سدير له حقيقة واحدة لا تتبدل مهما اختلفت الظروف والالوان، فهو عصيدة باي لون تلون، باق على عقيدته وان تلون بالوان مختلفة للتقية وامثالها.
الرواية الثانية :( 372 - حدثنا علي بن محمد القتيبي ، قال : حدثنا الفضل بن شاذان ، عن ابن أبي عمير ، عن بكر بن محمد الأزدي ، قال : وزعم لي زيد الشحام ، قال : اني لأطوف حول الكعبة وكفي في كف أبي عبد الله عليه السلام فقال : ودموعه تجري على خديه ، فقال : يا شحام ما رأيت ما صنع ربي إلي ، ثم بكى ودعا ، ثم قال لي : يا شحام اني طلبت إلى الهي في سدير وعبد السلام بن عبد الرحمن وكانا في السجن فوهبهما لي وخلي سبيلهما . )
فان اهتمام الامام عليه السلام بامر سدير فيه دلالة على بلوغه مرتبة تستوجب ذلك هذا من حيث الدلالة
اما من حيث السند فليس في سند الرواية من يتكلم حوله الا بكر بن محمد الازدي و باقي رجال السند كلهم ثقات بناء على ما نراه من وثاقة علي بن محمد بن قتيبة
اما بكر بن محمد الازدي فمنصوص على وثاقته و على هذا الاساس العلامة عندما مر على هذا الحديث قال هذا حديث معتبر يدل على علو مرتبتهما[7] فهو ايضا يرى تمامية هذه الرواية سندا و دلالة
لكن الشهيد في تعليقته على الخلاصة استشكل في السند و قال ان بكر بن محمد مشترك بين الثقة و بين شخص ممدوح قد ورد مدحه بطريق ضعيف [8] فهو بالنتيجة مشترك بين الثقة و غير الثقة.
يوجد شخص باسم بكر بن محمد بن اخ سدير الصيرفي ذكر ذلك الكشي و العلامة و هذا الشخص ممدوح بمدح لا يقصر عن التوثيق فان الكشي نقل عن حمدويه بن نصير عن محمد بن عيسى العبيدي [9] انه خير فاضل و هذا كاف لاثبات الاعتماد عليه
و الشهيد عندما قال ان بكر بن محمد مشترك بين الثقة و بين من مدح بطريق ضعيف لابد و انه يستشكل في سند الرواية من جهة العبيدي لان فيه كلاما معروفا لكن الظاهر انه ثقة فيمكن الاعتماد على مدحه في محل الكلام .