1440/01/22
تحمیل
الأستاذ الشيخ باقر الايرواني
بحث الفقه
40/01/22
بسم الله الرحمن الرحيم
الموضوع:- مسألة ( 57 ) حكم المقبوض بالعقد الفاسد.
وهناك سؤال يمكن طرحه:- وهو أنه هل يمكن الاستغناء عن المقدمة الثانية من المقدمتين السابقتين والاقتصار على المقدمة الأولى أو انها ضرورية ؟
والجواب:- إنه يمكن أني قال بإمكان الاستغناء عنها ، وذلك ببيان أنَّ الشيخ الأعظم(قده) قال إنَّ المقدّر هو جيع الأفعال التي منها إمساك المبيع ، وماذا يراد من الإمساك فهل نعمّمه لعدم الايصال و لا نعمّمه فنقول الإمساك حرام بحيث يكون شاملاً حتى للتخلية أيضاً أو ليس بشامل ؟ فإن قلنا إنه ليس بشامل وإن المقصود من الامساك المقدّر خصوص الامتناع والحبس فهذا خلف فرض الشيخ الأعظم(قده) فإنه فرض في عبارته أن المقدر هو جميع الأفعال لا خصوص الأثر الظاهر لأنه قال ( حيث يدل على تحريم جميع الأفعال المتعلقة به التي منها كوه في يده ) ، فإذاً الامساك المقدر إذا لم نفسّره بنحو يشمل حالة التخلية فهذا خلف ما فرضه ، فإذاً لابد وأن نختار الاحتمال الآخر - أعني بذلك أنَّ المقدّر هو الامساك بالنحو الشامل لحالة التخلية - وبناءً عليه سوف تثبت حرمة الامساك بهذا المعنى الوسيع الشامل للتخلية وعدم الايصال ، فنفس الحديث الشريف بالمباشرة من دون حاجة إلى مقدمة سوف يدل على حرمة الامساك معنى عدم الإيصال رغم التخلية فإذاً المقدمة الثانية لا نحتاج إليها ، ولعله لأجل هذا الشيخ الأعظم(قده) سكت عن المقدمة الثانية.
ولكن نبقى نقول:- إنَّ هذا لا ينبغي أن يفهم منه أنَّ استدلال الشيخ الأعظم(قده) صار تاماً ، كلا بل المفروض أنَّ المقدمة الأولى لا نوافق عليها ، أما الآن فقد قلنا إننا لا نحتاج إلى مقدّمتين وإنما تكفي مقدّمة واحدة لتمامية الاستدلال وهذه قضية علمية بحتة ، ولكن بالتالي المقدمة الأولى التي تمسّك بها الشيخ نحن لا نرتضيها باعتبار أن المقدّر فيما إذا نسب الحكم إلى الأعيان فالمقدّر هو الأثر الظاهر المناسب ، وقد قد قلنا إنَّ القدر المتيقن منه هو التصرف ، فإذاً ينبغي أن نستوعب أن المقصود من المطلب الذي بيناه أننا لا نريد تتميم استدلال الشيخ وإنما نريد أن نقول إنَّ اقتصاره على المقدمة الأولى شيء وجيه دون حاجة إلى ضمّ المقدمة الثانية.
وهناك كلام للسيد الخميني(قده)[1] في هذا المجال:- حيث ذكر أنَّ حرمة الامساك تدل عرفاً على وجوب الردّ بمعنى الايصال ، فحينما يقال بأنه يحرم امساك مال الغير أو ما شاكل ذلك من التعابير فهناك دلالة عرفية.
فهو لم يتمسّك بحرمة أحد الضدين تستلزم وجوب الضد الآخر حتى يقال هذا باطل وإنما تمسك بالدلالة العرفية ، فحينما يقال ( لا يحل مال امرئ مسلم ) يفهم منه بالدلالة العرفية أنه لابد من ارجاعه وتسليمه وإيصاله ، هكذا ادّعى.
وقال إنه يشهد بذلك أنَّ الحديث الشريف ذكر وجوب أموال الغير إلى أهلها وعلل بعدم حلّية أموال الغير ، فإنَّ الحديث قال هكذا ( من كانت عنده أمانة فليؤدّها إلى من ائتمنه عليها فإنه لا يحل دم امرئ مسلم ولا ماله إلى بطيبة نفسه ) ، فإذن هو فرّع وجوب أداء الأمانة على عدم حلّية مال الغير وهذا معناه أنه هناك ملازمة عرفية وظهور عرفي في أنه إذا حرم امساك مال الغير وجب اداؤه وارجاعه وايصاله إليه.
وفي مقام التعليق نقول:- هل مقصوده أنَّ هذا الفهم العرفي موجود في جميع الموارد ، يعني متى ما حرّم فعل فضدّه يصير واجباً بالفهم العرفي لا بالملازمة العقلية أو المقصود أنَّ ذلك ثابت في خصوص موردنا بقرينة التفريع في الحديث الشريف حيث قال ( من كانت عنده أمانة فليؤدها ) ثم علل وقال ( فإنه لا يحل دم امرئ مسلم ولا ماله إلا بطبة نفسه ) فهذا التعليل يدل على أنَّ هذه قضية عرفية ؟ فإن كان مقصودك أنَّ هذا الفهم العرفي موجود فلازمه أن تلتزم كما قلنا في مسألة حرمة التوجّه إلى القبلة على أنَّ الدليل مادام قد دلّ على حرمة استقبال القبلة حال التخلّي فيجب حينئذٍ أن يكون التخلي إلى الجهة الأخرى غير استقبال القبلة واستدبارها ، وبالتالي إذا استقبل المكلف القبلة فسوف يصير عاصياً ومعاقباً مرتين ، وهذا لم يقل به أحد ، وإذا كان مقصودك أنه في خصوص المورد لأن الحديث قال من كان عنده امانة فليؤدها ثم علل وقال ( فإنه لا يحل ) هذا التعليل يدل على أنه هناك ملازمة عرفية فمادام لا يحل مال الغير فيلزم عرفاً بالظهور العرفي أداؤه فجوابه إنه بماذا تفسّر قوله صلى الله عليه وآله وسلم ( فليؤدّها ) ؟ فإن كان المقصود فليوصلها إلى داره ثم علل فيأتي كلامك ، ولكن من المحتمل أن يكن مقصود النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه لا يمتنع من دفعها إليه فالنبي يريد ان يحرّم الغصب ثم علل بقوله ( فإنه لا يحل .. ) ، فإذاً لا يمكن أن تستشهد بتفريع التعليل في الحديث على أنه متى لم يحل مال امرئ فإذاً هناك ظهور عرفي وملازمة عرفية في وجوب الايصال ، كلا وإنما المقصود من ( فليؤدِّ ) احتمال الغصب والحبس الامتناع ويكفينا الاحتمال ، فإذا لا ينفعك هذا الحديث الشريف.
ومن خلال هذا كلّه اتضح أنَّ التمسّك بالحديث الثاني - هو ( لا يحل مال امرئ مسلم ) – غير ممكن لا من طريقة الملازمة العقلية ولا من طريقة الظهور والملازمة لإثبات وجوب الايصال.
ومن خلال هذا كلّه اتضح الكلام لو أريد التمّسك بآيات أخرى:-من قبيل:- قوله تعالى ﴿ إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها ﴾[2] ، فيقال إذا كانت هذه الآية الكريمة أمرت بأداء الأمانة إلى أهلها فلابد حينئذٍ من وجوب الايصال .
ونحن نقول:- إنَّ الاداء ماذا يقصد من إذ لعل المقصود من الأداء عدم الحبس - أي عدم الغصب - ، فلا يمكن التمسّك بهذه الآية الكريمة لأنها مجملة من هذه الناحية.
ومن قبيل:- الآية الكريمة ﴿ فإن أمن بعضكم بعضاً فليؤدِّ الذي ائتمن أمانته ﴾[3] ، فهنا أيضاً قد يقال لعل المقصود من ( فليؤدّ ) بمعنى لا يمتنع لا أنه بمعنى فليوصلها إلى صاحبها .
فمن خلال هذا اتضح أنَّ هذين الدليلين وما شاكلهما لا يصلحان لإثبات وجوب الايصال.