30-01-1435
تحمیل
الأستاذ الشيخ باقر الايرواني
بحث الفقه
35/01/30
بسم الله الرحمن الرحیم
الموضـوع:- الحلق والتقصير / حج التمتع / مناسك الحج للسيد الخوئي(قد).
الرواية الخامسة:- رواية بكر بن خالد عن أبي عبد الله عليه السلام قال:- ( ليس للصرورة أن يقصّر وعليه أن يحلق )[1] ودلالتها واضحة جداً والظاهر أنها غير قابلة للغمز بيد أن المشكلة في السند فإن الشيخ قد رواها بسنده عن موسى بن القاسم عن أبان بن عثمان عن بكر بن خالد وسند الشيخ إلى موسى بن القاسم البجلي لا مشكلة فيه وموسى بن القاسم من أجلّة أصحابنا وأبان بن عثمان لا مشكلة فيه ولو لأجل أنه من أصحاب الاجماع أو غير ذلك والمهم هو بكر بن خالد فهو لم يوثق . إذن دلالة الرواية جيدة ولكنها سنداً كما ترى.
الرواية السادسة:- ما وراه الشيخ بإسناده عن أحمد بن محمد عن علي عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال:- ( على الصرورة أن يحلق رأسه ولا يقصّر إنما التقصير لمن قد حج حجة الاسلام )[2] والظاهر أن دلالتها لا بأس بها فإنه عليه السلام قال ( على الصرورة أن يحلق ) ثم أكّد بقوله ( ولا يقصّر ) ثم أكّد ذلك أيضاً فقال ( وإنما التقصير لمن حج حجة الاسلام ) فالدلالة جيدّة لا بأس بها.
بيد أن السيد الخوئي(قده) أشكل في المعتمد[3]:- بأنها دلت على أن من حج حجة الاسلام هو الذي يقصر والذي لم يحج حجة الاسلام بعدُ وكانت بيده حجة الاسلام فهو الذي يحلق فالحلق يدور مدار كون الحجة حجة الاسلام بينما الثابت فقهيا بين الفقهاء هو أن المدار في الحلق ليس على كون الحجة حجة الاسلام بل المدار على الحجة الأولى فهي الصرورة وربما لا تكون هي حجة الاسلام كما لو لم يكن مستطيعاً فذهب استحباباً أو ذهب نيابةً فهذا حجته ليست حجة اسلام ولكن مادامت هي الأولى فهي صرورة وهي التي فيها الحلق . إذن المدار عند الأعلام في تحديد الصرورة على كون الحجّة حجّة أولى سواء كانت حجة إسلامٍ أو لم تكن بينما هذه الرواية جعلت المدار في وجوب الحلق على كون الحجة حجة إسلام وليس على كونها أولى.
وفيه:- إنه لو تمّ هذا الذي نقله عن الفقهاء وكان أمراً واضحا ومسلّماً ولا يقبل النقاش وهو أول الكلام فيمكن أن نتغلب على المشكلة وذلك بأن يقال إن الامام عليه السلام حينما قال ( التقصير لمن حج حجة الاسلام ) فهو عبّر بهذا التعبير باعتبار أنه غالباً تكون الحجة الأولى هي حجة الإسلام وما بعدها يكون عادةً وغالباً ليست بحجة الإسلام فباعتبار هذه الغلبة حينئذٍ نفسّر الرواية بشكلٍ يتطابق مع ما هو الثابت فقهياً لا أنها تصير نقطة ضعفٍ في الرواية وبالتالي نردّها . نعم هي من حيث السند على بعض المباني قد يشكل عليها فإن سند الشيخ إلى أحمد بن محمد - سواء كان ابن خالد أو ابن عيسى - هو صحيح وإنما المشكلة هي في عليّ وعليّ هنا بقرينة أبي بصير هو البطائني والبطائني على الآراء الموجودة في حقّه فهو(قده) يستشكل فيه فعلى هذا الأساس تكون هذه الرواية عنده ضعيفة سنداً ودلالةً ، ولكن حيث أنّا نميل إلى ثبوت وثاقته لرواية الأجلاء عنه فلا مشكلة من حيث السند ولا مشكلة من حيث الدلالة فالرواية إذن لا بأس بها أو أكثر من ذلك.
الرواية السابعة:- ورايةً أخرى لأبي بصير وقد رواها الشيخ الكليني عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن علي بن الحكم عن علي بن أبي حمزة عن أبي بصير قال:- ( سألته عن رجلٍ جهل أن يقصّر من رأسه أو يحلق حتى ارتحل من منى ، قال:- فليرجع إلى منى حتى يحلق شعره بها أو يقصّر وعلى الصرورة أن يحلق )[4] ، إنها دلت في ذيلها أن على الصرورة أن يحلق ودلالتها واضحة من هذه الزاوية على تعيّن الحلق في حق الصرورة فهي إذن من الروايات الدالة على أن الصرورة يلزمه الحلق.
نعم قد يحاول تقريب دلالة الرواية على عدم تعيّن الحلق أن الصرورة مخير وذلك بالشكل التالي:- إن أبا بصير قد سأل عن رجلٍ جهل أن يقصّر أو يحلق حتى ارتحل والمناسب أن تكون هذه الحجة التي جهل فيها أن يحلق أو هي الحجة الأولى لأنه في الحجة الأولى قد يجهل الانسان الحلق أو التقصير في منى أما إذا كانت الحجة هي الثانية فهو قد تعلّم مناسك الحج من الحجّة الأولى ومن البعيد أن يبقى على جهله إلى الحجّة الثانية ، إذن قول أبي بصير ( رجل جهل أن يحلق أو يقصر في منى ) يحمل على جهله في الحجّة الأولى بهذه القرينة - وهي أنه من حجّ سابقاً هو لا يكون جاهلاً عادة - مضافاً إلى أنه لو كانت الحجّة التي بيده هي الثانية فمن المناسب أن يسأل عن حكم الحجّة الأولى لأنه أيضاً قد جهل ذلك فيها فلابد وأن يسأل عن حكمها لا أنه يسأل عن حكم هذه الحجّة التي هي بيده الآن مادامت هذه الحجّة التي بيده هي الثانية وحيث لم يسأل عن ذلك فهذه قرينة على أن الحجّة التي لم يسأل عنها هي الحجّة الأولى . إذن إلى الآن اثبتنا أن الحجّة التي يسأل عنها أبو بصير هي الحجّة الأولى لقرينتين كما أوضحنا.
ثم نقول بعد ذلك:- إن السائل قد فرض أو أن الرجل كان مرتكزاً في ذهنه أنه يكفي أحدهما إما الحلق أو التقصير في الحجّة الأولى ولذلك ردّد بينهما وقال ( رجل جهل أن يقصّر من رأسه أو يحلق ) وهذا معناه أن المرتكز في ذهنه هو التخيير بينهما في حقّ من حجته حجة أولى والامام عليه السلام أمضى ذلك فيما بعد فإذا لم نسلّم بهذا الارتكاز في ذهن السائل فنقول إن الامام عليه السلام أكّد له المعنى - أي التخيير - حيث قال ( فليرجع إلى منى حتى يحلق شعره بها أو يقصّر ) ، إذن الامام عليه السلام بجوابه هذا بعد فرض أن الحجّة هي الحجة الأولى للمقدمة الأولى قد حكم بالتخيير بين الحلق والتقصير وبذلك ثبت المطلوب وهو أن من كانت حجته أولى مخيّر بين الأمرين.
تبقى مشكلة واحدة:- وهي أن الامام عليه السلام قال بعد ذلك ( وعلى الصرورة أن يحلق ) فهذه العبارة تدلّ على أن من كانت حجته أولى يتعيّن عليه الحلق لا التخيير فيحصل بناءً على هذا التفسير تدافعٌ فكيف قال الامام عليه السلام أوّلاً إنه مخيّر في الحجة الأولى وكيف قال بعد ذلك ( على الصرورة أن يحلق ) ؟
نقول:- هذا يحمل على بيان شدّة الاستحباب وأن الصرورة يتأكّد في حقه استحباب اختيار الحلق ، فإذن هي دالة على التخيير في الحجّة الأولى.
ثم نقول:- ولو تنزلنا وقلنا إن هذه الرواية دالة على تعيّن الحلق في حق الصرورة وليس على تأكّد الاستحباب كما فسرناه بذلك فهي تختص بالجاهل فإن موردها هو الجاهل فهو الذي يثبت في حقه الحلق أما أن غيره يكون أمره كذلك فمسكوت عنه . إذن لا يستفاد من هذه الراية أن من كانت حجته أولى وكان عالماً يتعيّن عليه الحلق ، هكذا ذكر السيد الروحاني(قده) في المرتقى[5].
إذن هو(قده) بهذا البيان حاول أن يسلب دلالة الرواية على تعيّن الحلق ويجعل قوله عليه السلام ( وعلى الصرورة الحلق ) مشيراً إلى تأكّد الاستحباب ، ثم قال إنه حتى لو سلمنا أنها تدلّ على تعيّن الحلق ولكن ذلك متعيّن على الجاهل أما من لم يكن جاهلاً فلا تدلّ على تعيّن الحلق في حقه. إذن هذه الرواية كما يمكن جعلها من الروايات الدالة على تعيّن الحلق يمكن جعلها بهذا البيان من الروايات الدالة على التخيير.
وفيه:-
أما بالنسبة إلى كلامه الأول – من الرواية ناظرة إلى من كانت حجته أولى واستشهد على ذلك بالتعبير بكلمة ( جهل ) فهذا هو الأساس عنده وقد استفاد من كلمة ( جهل ) من زاويتين أي جعلها قرينة من ناحيتين على كونها الحجة الأولى فقال إن الذي يجهل هو عادةّ في الحجة الأولى وإذا كان في الحجة الثانية فيلزم أن يسأل عن حكم الحجة الأولى – فنقول في مقام المناقشة:- إن كلمة ( جهل ) بمعنى غفل الذي يشمل الأعم فهو قد غفل عن الحلق وهذا ممكنٌ فإن الغفلة قد تتحقق ومادام أن هذا التفسير تفسيراً وجيهاً فلا معنى للمصير إلى ذهب إليه ومن ثم استفادة التخيير منها . ومما يؤكد ذلك هو أن فرض الجهل فرضٌ بعيدٌ في حدّ نفسه إذ أن الحجيج عادةً يجلسون هناك فيقصّرون ويحلقون فالقضيّة واضحة ولا فرق بين هذا الزمان وذاك الزمان فإن هذه هي عادة الناس وليست مختصّة بزماننا فمن البعيد أن الحاج بعدما يرى ذلك يجهله ، نعم قد يطرأ عليه طارئ كما لو فقد ابنه أو زوجته فيغفل عن التقصير أو الحلق في منى أما أن يجهل ذلك فهو شيءٌ بعيدٌ ، ونحن لا نحتاج إلى تصعيد اللهجة بل يكفينا أن نقول إن من الوجيه أن يكون الجهل بمعنى الغفلة فلا يتم ما أرده(قده).
وأما بالنسبة إلى كلامه الثاني - أي لو سلمنا أنها دالة على تعيّن الحلق في حق الصرورة لكنها مختصّة بالجاهل – فجوابه:- إنه إذا ثبت ذلك في حق الجاهل فنتعدّى إلى غيره إما بالأولويّة - إذا قبلناها - أو بعدم احتمال الخصوصيّة والفرق من هذه الناحية.
وعلى أي حال دلالة هذه الرواية على تعيّن الحلق في حقّ الصرورة لا بأس بها.
الرواية الخامسة:- رواية بكر بن خالد عن أبي عبد الله عليه السلام قال:- ( ليس للصرورة أن يقصّر وعليه أن يحلق )[1] ودلالتها واضحة جداً والظاهر أنها غير قابلة للغمز بيد أن المشكلة في السند فإن الشيخ قد رواها بسنده عن موسى بن القاسم عن أبان بن عثمان عن بكر بن خالد وسند الشيخ إلى موسى بن القاسم البجلي لا مشكلة فيه وموسى بن القاسم من أجلّة أصحابنا وأبان بن عثمان لا مشكلة فيه ولو لأجل أنه من أصحاب الاجماع أو غير ذلك والمهم هو بكر بن خالد فهو لم يوثق . إذن دلالة الرواية جيدة ولكنها سنداً كما ترى.
الرواية السادسة:- ما وراه الشيخ بإسناده عن أحمد بن محمد عن علي عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال:- ( على الصرورة أن يحلق رأسه ولا يقصّر إنما التقصير لمن قد حج حجة الاسلام )[2] والظاهر أن دلالتها لا بأس بها فإنه عليه السلام قال ( على الصرورة أن يحلق ) ثم أكّد بقوله ( ولا يقصّر ) ثم أكّد ذلك أيضاً فقال ( وإنما التقصير لمن حج حجة الاسلام ) فالدلالة جيدّة لا بأس بها.
بيد أن السيد الخوئي(قده) أشكل في المعتمد[3]:- بأنها دلت على أن من حج حجة الاسلام هو الذي يقصر والذي لم يحج حجة الاسلام بعدُ وكانت بيده حجة الاسلام فهو الذي يحلق فالحلق يدور مدار كون الحجة حجة الاسلام بينما الثابت فقهيا بين الفقهاء هو أن المدار في الحلق ليس على كون الحجة حجة الاسلام بل المدار على الحجة الأولى فهي الصرورة وربما لا تكون هي حجة الاسلام كما لو لم يكن مستطيعاً فذهب استحباباً أو ذهب نيابةً فهذا حجته ليست حجة اسلام ولكن مادامت هي الأولى فهي صرورة وهي التي فيها الحلق . إذن المدار عند الأعلام في تحديد الصرورة على كون الحجّة حجّة أولى سواء كانت حجة إسلامٍ أو لم تكن بينما هذه الرواية جعلت المدار في وجوب الحلق على كون الحجة حجة إسلام وليس على كونها أولى.
وفيه:- إنه لو تمّ هذا الذي نقله عن الفقهاء وكان أمراً واضحا ومسلّماً ولا يقبل النقاش وهو أول الكلام فيمكن أن نتغلب على المشكلة وذلك بأن يقال إن الامام عليه السلام حينما قال ( التقصير لمن حج حجة الاسلام ) فهو عبّر بهذا التعبير باعتبار أنه غالباً تكون الحجة الأولى هي حجة الإسلام وما بعدها يكون عادةً وغالباً ليست بحجة الإسلام فباعتبار هذه الغلبة حينئذٍ نفسّر الرواية بشكلٍ يتطابق مع ما هو الثابت فقهياً لا أنها تصير نقطة ضعفٍ في الرواية وبالتالي نردّها . نعم هي من حيث السند على بعض المباني قد يشكل عليها فإن سند الشيخ إلى أحمد بن محمد - سواء كان ابن خالد أو ابن عيسى - هو صحيح وإنما المشكلة هي في عليّ وعليّ هنا بقرينة أبي بصير هو البطائني والبطائني على الآراء الموجودة في حقّه فهو(قده) يستشكل فيه فعلى هذا الأساس تكون هذه الرواية عنده ضعيفة سنداً ودلالةً ، ولكن حيث أنّا نميل إلى ثبوت وثاقته لرواية الأجلاء عنه فلا مشكلة من حيث السند ولا مشكلة من حيث الدلالة فالرواية إذن لا بأس بها أو أكثر من ذلك.
الرواية السابعة:- ورايةً أخرى لأبي بصير وقد رواها الشيخ الكليني عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن علي بن الحكم عن علي بن أبي حمزة عن أبي بصير قال:- ( سألته عن رجلٍ جهل أن يقصّر من رأسه أو يحلق حتى ارتحل من منى ، قال:- فليرجع إلى منى حتى يحلق شعره بها أو يقصّر وعلى الصرورة أن يحلق )[4] ، إنها دلت في ذيلها أن على الصرورة أن يحلق ودلالتها واضحة من هذه الزاوية على تعيّن الحلق في حق الصرورة فهي إذن من الروايات الدالة على أن الصرورة يلزمه الحلق.
نعم قد يحاول تقريب دلالة الرواية على عدم تعيّن الحلق أن الصرورة مخير وذلك بالشكل التالي:- إن أبا بصير قد سأل عن رجلٍ جهل أن يقصّر أو يحلق حتى ارتحل والمناسب أن تكون هذه الحجة التي جهل فيها أن يحلق أو هي الحجة الأولى لأنه في الحجة الأولى قد يجهل الانسان الحلق أو التقصير في منى أما إذا كانت الحجة هي الثانية فهو قد تعلّم مناسك الحج من الحجّة الأولى ومن البعيد أن يبقى على جهله إلى الحجّة الثانية ، إذن قول أبي بصير ( رجل جهل أن يحلق أو يقصر في منى ) يحمل على جهله في الحجّة الأولى بهذه القرينة - وهي أنه من حجّ سابقاً هو لا يكون جاهلاً عادة - مضافاً إلى أنه لو كانت الحجّة التي بيده هي الثانية فمن المناسب أن يسأل عن حكم الحجّة الأولى لأنه أيضاً قد جهل ذلك فيها فلابد وأن يسأل عن حكمها لا أنه يسأل عن حكم هذه الحجّة التي هي بيده الآن مادامت هذه الحجّة التي بيده هي الثانية وحيث لم يسأل عن ذلك فهذه قرينة على أن الحجّة التي لم يسأل عنها هي الحجّة الأولى . إذن إلى الآن اثبتنا أن الحجّة التي يسأل عنها أبو بصير هي الحجّة الأولى لقرينتين كما أوضحنا.
ثم نقول بعد ذلك:- إن السائل قد فرض أو أن الرجل كان مرتكزاً في ذهنه أنه يكفي أحدهما إما الحلق أو التقصير في الحجّة الأولى ولذلك ردّد بينهما وقال ( رجل جهل أن يقصّر من رأسه أو يحلق ) وهذا معناه أن المرتكز في ذهنه هو التخيير بينهما في حقّ من حجته حجة أولى والامام عليه السلام أمضى ذلك فيما بعد فإذا لم نسلّم بهذا الارتكاز في ذهن السائل فنقول إن الامام عليه السلام أكّد له المعنى - أي التخيير - حيث قال ( فليرجع إلى منى حتى يحلق شعره بها أو يقصّر ) ، إذن الامام عليه السلام بجوابه هذا بعد فرض أن الحجّة هي الحجة الأولى للمقدمة الأولى قد حكم بالتخيير بين الحلق والتقصير وبذلك ثبت المطلوب وهو أن من كانت حجته أولى مخيّر بين الأمرين.
تبقى مشكلة واحدة:- وهي أن الامام عليه السلام قال بعد ذلك ( وعلى الصرورة أن يحلق ) فهذه العبارة تدلّ على أن من كانت حجته أولى يتعيّن عليه الحلق لا التخيير فيحصل بناءً على هذا التفسير تدافعٌ فكيف قال الامام عليه السلام أوّلاً إنه مخيّر في الحجة الأولى وكيف قال بعد ذلك ( على الصرورة أن يحلق ) ؟
نقول:- هذا يحمل على بيان شدّة الاستحباب وأن الصرورة يتأكّد في حقه استحباب اختيار الحلق ، فإذن هي دالة على التخيير في الحجّة الأولى.
ثم نقول:- ولو تنزلنا وقلنا إن هذه الرواية دالة على تعيّن الحلق في حق الصرورة وليس على تأكّد الاستحباب كما فسرناه بذلك فهي تختص بالجاهل فإن موردها هو الجاهل فهو الذي يثبت في حقه الحلق أما أن غيره يكون أمره كذلك فمسكوت عنه . إذن لا يستفاد من هذه الراية أن من كانت حجته أولى وكان عالماً يتعيّن عليه الحلق ، هكذا ذكر السيد الروحاني(قده) في المرتقى[5].
إذن هو(قده) بهذا البيان حاول أن يسلب دلالة الرواية على تعيّن الحلق ويجعل قوله عليه السلام ( وعلى الصرورة الحلق ) مشيراً إلى تأكّد الاستحباب ، ثم قال إنه حتى لو سلمنا أنها تدلّ على تعيّن الحلق ولكن ذلك متعيّن على الجاهل أما من لم يكن جاهلاً فلا تدلّ على تعيّن الحلق في حقه. إذن هذه الرواية كما يمكن جعلها من الروايات الدالة على تعيّن الحلق يمكن جعلها بهذا البيان من الروايات الدالة على التخيير.
وفيه:-
أما بالنسبة إلى كلامه الأول – من الرواية ناظرة إلى من كانت حجته أولى واستشهد على ذلك بالتعبير بكلمة ( جهل ) فهذا هو الأساس عنده وقد استفاد من كلمة ( جهل ) من زاويتين أي جعلها قرينة من ناحيتين على كونها الحجة الأولى فقال إن الذي يجهل هو عادةّ في الحجة الأولى وإذا كان في الحجة الثانية فيلزم أن يسأل عن حكم الحجة الأولى – فنقول في مقام المناقشة:- إن كلمة ( جهل ) بمعنى غفل الذي يشمل الأعم فهو قد غفل عن الحلق وهذا ممكنٌ فإن الغفلة قد تتحقق ومادام أن هذا التفسير تفسيراً وجيهاً فلا معنى للمصير إلى ذهب إليه ومن ثم استفادة التخيير منها . ومما يؤكد ذلك هو أن فرض الجهل فرضٌ بعيدٌ في حدّ نفسه إذ أن الحجيج عادةً يجلسون هناك فيقصّرون ويحلقون فالقضيّة واضحة ولا فرق بين هذا الزمان وذاك الزمان فإن هذه هي عادة الناس وليست مختصّة بزماننا فمن البعيد أن الحاج بعدما يرى ذلك يجهله ، نعم قد يطرأ عليه طارئ كما لو فقد ابنه أو زوجته فيغفل عن التقصير أو الحلق في منى أما أن يجهل ذلك فهو شيءٌ بعيدٌ ، ونحن لا نحتاج إلى تصعيد اللهجة بل يكفينا أن نقول إن من الوجيه أن يكون الجهل بمعنى الغفلة فلا يتم ما أرده(قده).
وأما بالنسبة إلى كلامه الثاني - أي لو سلمنا أنها دالة على تعيّن الحلق في حق الصرورة لكنها مختصّة بالجاهل – فجوابه:- إنه إذا ثبت ذلك في حق الجاهل فنتعدّى إلى غيره إما بالأولويّة - إذا قبلناها - أو بعدم احتمال الخصوصيّة والفرق من هذه الناحية.
وعلى أي حال دلالة هذه الرواية على تعيّن الحلق في حقّ الصرورة لا بأس بها.