1439/10/22
تحمیل
الأستاذ الشيخ باقر الايرواني
بحث الفقه
39/10/22
بسم الله الرحمن الرحيم
الموضوع:- تتمة المسألة( 52 ) ، مسألة ( 53 ) جريان شرائط العقد اللفظي في المعاطاة ، مسألة ( 54 ) – المكاسب المحرّمة.
الحكم الثاني:- إنَّ المعاطاة صحيحة من دون فرق بين المال الجليل والقليل ، والوجه في ذلك عموم المستند ، فإن مستند صحة المعاطاة وإفادتها للملكية كما تقدم عندنا في الأدلة ثلاث آيات مع السيرة ﴿ أوفوا بالعقود ﴾ و ﴿ تجارة عن تراض ﴾ و ﴿ أحل الله البيع ﴾ ، مضافاً إلى لك السيرة ، فهذه الآيات الثلاث كما تعم القليل تعم الجليل أيضاً يعني حتى الدار أو السيارة لو اردت بيعها فإنَّ هذا جليل فأيضاً المعاطاة كافية ، فإنه اطلاق ﴿ أحل الله البيع ﴾ شامل لها شامل للاثنين معاً فإنه لو قلنا إنَّ المعاطاة هي بيع فإذن لا فرق بين الجليل والقليل و﴿ أوقوا بالعقود ﴾ هي عقد فإذن لا فرق ، وهكذا ﴿ تجارة عن تراض ﴾ ، نعم لو كان المستند هو السيرة فربما يقال إنَّ القدر المتيقن منها هو الأشياء القليلة الجزئية دون الأشياء العظيمة مثل شراء دار أو قصر فخم جداً أو مجموعة سيارات قيمتها بالمليارات فهنا ربما يوجد فرق في السيرة ، ولعلك تقول لا فرق في السيرة بين الأمرين فإنَّ هذا ممكن ، وعلى أيّ حال إن شككت في انعقاد السيرة في الشيء الجليل العظيم فذلك لا يضرّنا بعد عموم أو اطلاق الآيات الثلاث.
الحكم الثالث:- لا فرق بين أن يكون الاعطاء من جانبين أو يكون من جانب واحد ، فإنَّ المعاطاة عادة تكون من الجانبين فهذا يدفع والآخر يعطي الشيء الذي عنده فيكون التعاطي من الطرفين ، ولكن لو فرضنا أنَّ الاعطاء صار من طرفٍ واحدٍ كما لو فرضنا صاحب المحل دفع المثمن وكان الثمن كلّياً في الذمة ، فهنا صار الاعطاء من جانبٍ واحد ، وربما بالعكس بأن يعطي الثمن الآن وبعد ذلك يأتيه المثمن ويأخذه منه ، فإذن لا فرق في صحة المعاطاة بين أن يكون الاعطاء من جانبين وبين أن يكون من جانبٍ واحد.
بل ربما نصعد اللهجة ونقول:- إنه حتى إذا لم يكن اعطاء من جانبٍ واحد موجوداً ربما تتحقق المعاطاة ، كما مثل الشيخ الأعظم(قده) بمثالٍ في المكاسب حيث قال: إذا كان في باب الحمام كوزاً قد وضعة صاحب الحمّام لتوضع فيه النقود وجاء شخص واستحمّ ثم وضع المال في كوز الحمامي فهنا لم يحصل اعطاء لا من الحمامي ولا من هذا الشخص ، وأما بالنسبة إلى زماننا المعاصر فإنه توجد الآن محلات التسوق الالكتروني عبر الانترنيت فأنت تدخل وتدفع المال وحينئذٍ تخرج لك البضاعة فهنا لا يوجد تكلم منك ، فلا أنت تعطي للطرف ولا الطرف يعطيك فإذن التعاطي من الطرفين ليس بموجود ولكن رغم ذلك تصح المعاطاة ، والوجه في الصحة هو أنَّ كلمة المعاطاة لم ترد في الروايات حتى ندور مدار صدقها وإنما واقع الحال والمهم والمستند هو ﴿ أحلّ الله البيع ﴾ وما شاكله ، فإذا كان يصدق على هذا عنوان البيع وعنوان العقد والتعاقد كفى ولا يلزم التعاطي.
بل ربما تصعّد اللهجة:- كما إذا كان العقد فاقداً لبعض الشروط فإنه وإن كان باطلاً من زاوية البيع القولي لكن من زاوية البيع المعاطاتي لا بأس به ، كما لو فرض أنا اشترطنا الماضوية في صحة العقد لكنهما أجرياه بالمضارع فهنا يمكن أن يقال إن عنوان المعاطاة صادق على هذا العقد الفاقد لبعض الشروط ، فعلى هذا الأساس في كل هذه الأنحاء التي أشرنا إليها تقع المعاملة صحيحة وإن لم يصدق عنوان المعاطاة وما ذاك إلا لأجل أنَّ المدار هو على اطلاق المستند ، وحيث إنَّ الاطلاق أو العموم موجود فإذن لا مشكلة في البين.
مسألة ( 53 ):- الظاهر أنه يعتبر في صحة البيع المعاطاتي جميع ما يعتبر في البيع العقدي من شرائط العقد والعوضين والمتعاقدين . كما أنَّ الظاهر ثبوت الخيارات الآتية إن شاء الله تعالى على نحو ثبوتها في البيع العقدي.
..........................................................................................................
تشتمل هذه المسألة على نقطتين:-النقطة الأولى:- شرائط العقد اللفظي تأتي هنا في المعاطاة سواء فرض أنها كانت شرائط لنفس العقد أو كانت شرائط للعوضين أو كانت شرائط للمتعاقدين.
أما شرائط نفس العقد من قبيل الموالاة والتنجيز فيمكن أن يقال ، الموالاة معتبرة في المعاطاة أيضاً فلابد وأن يكون هناك نحو اتصال عرفي بين الايجاب والقبول الفعليين وهكذا بالنسبة إلى التنجيز كما في العقد اللفظي ففي العقد المعاطاتي أيضاً لا يصح ، وهكذا الحال بالنسبة إلى التقابض في المجلس إذا كان المبيع من قبيل الصرف يشترط التقابض في المجلس كأن كان العوضان من الهبة أو الفضة فيشترط التقابض في المجلس كذلك في المعاطاة يشترط التقابض في المجلس وكان من المناسب للسيد الماتن أن يشير إلى هذا الشيء فيقول نعم بعضها قد لا يعتبر مثل الماضوية ، فحينئذٍ حتى لو اشترطناها في العقد اللفظي لكن هنا لا نشترطها ولعله لم يذكرها لأنَّ الماضوية فرع اللفظ ونحن فرضنا أنَّ اللفظ ليس بموجود ، فهذا صحيح ولا بأس به ولكن مع ذلك حتى لو استعان باللفظ فنقول يتحوّل إنه من البيع العقدي اللفظي إلى معاطاتي ، يعني إذا قلت له بعتك وهو قال قبلت فهذا بيع لفظي ، أما إذا قلت له أبيعك هذا الشيء فصحيح أنَّ هذا ليس عقداً لفظياً وهو باطل ولكن المعاطاة تتحقق بذلك فنقول هي صادقة من هذه الناحية ، فالشروط بشكلٍ عام المعتبرة في العقد تأتي هنا ، وشروط العوضين مثل معلومية العوضين وشروط المتعاقدين من البلوغ والعقل يشترط ذلك في المعاطاة أيضاً ، فمن هذه الناحية لا فرق وما ما ذاك إلا لعموم أدلة هذه الشروط ، فإنَّ البلوغ والعقل كما هو معتبر في العقد اللفظي نفس الدليل الذي دلّ على اعتباره في العقد اللفظي يأتي في المعاطاة ، يعني مثلاً من باب أنه محجور عليه بمقتضى النصوص الشرعية ، والحجر أيضاً موجود بالنسبة إلى المعاطاة ، فلا فرق بين البيع العقدي والمعاطاة.
إذن اتضح أن نفس الشروط التي نشترطها في البيع بأنحائها الثلاثة تأتي في المعاطاة وما ذاك إلا لعموم أدلة هذه الشروط.
النقطة الثانية:- الظاهر ثبوت الخيارات - الآتية فيما بعد - على نحو ثبوتها في البيع العقدي ، يعني مثلاً خيار الحيوان كما هو ثابت في البيع اللفظي هو ثابت أيضاً في المعاطاة ، وما ذاك إلا لعموم دليل هذه الخيارات ، فإنَّ هذه الخيارات دلّ الدليل على أنها ثابتة في البيع ، وهذا فردٌ من البيع ، فاطلاق دليل هذه الخيارات يعم المعاطاة أيضاً.
مسألة( 54 ):- الظاهر جريان المعاطاة في غير البيع من سائر المعاملات بل الايقاعات إلا في موارد خاصة كالنكاح والطلاق والعتق والتحليل والنذر واليمين . والظاهر جريانها في الرهن والوقف أيضاً.
..........................................................................................................
تشتمل هذه المسألة على نقاط ثلاث:-النقطة الأولى:- إنَّ المعاطاة كما تجري في البيع تجري في المعاملات الأخرى كالإجارة بل في الايقاعات أيضاً.
النقطة الثانية:- يستثنى جريانها في العقود وفي الايقاعات بعض الموارد ، فالنبة إلى العقود يستثنى من ذلك باب النكاح فإنه من العقود ولكن يستثنى من جواز المعاطاة على كلامٍ يأتي إن شاء الله تعالى وأنَّ المعاطاة هل تجوز في باب النكاح أو لا ؟ ، وبعضها من الايقاعات كالطلاق فإنه يشترط فيه اللفظ وكذلك العتق وتحليل الاماء والنذر فإنه يعتبر فيه اللفظ الخاص وكذلك اليمين هو من الايقاعات ولكن يعتبر فيه اللفظ الخاص ، فإذن هو ذكر ستة أمثلة الأوّل منها مثال للعقد والخمسة الباقية أمثلة للإيقاعات هذه استثنيت من جواز المعاطاة فهيا.
النقطة الثالثة:- الظاهر جواز المعاطاة في نحوين من الايقاعات الرهن والوقف ، والرهن من العقود فهو يحتاج إلى رضا كلا الطرفين ، نعم الوقف الذي هو من الايقاعات تصح فيه المعاطاة.
أما بالنسبة إلى النقطة الأولى:- فالوجه في ذلك:-
أولاً:- التمسّك بإطلاق أدلة هذه العقود والايقاعات ، من قبيل الوديعة والقرض نتمسّك بإطلاق القرض ، فالدليل الذي دلّ على صحة القرض نتمسك بإطلاقه فنقول كما إنَّ اطلاقه يشمل حالة القرض اللفظي يشمل القرض المعاطاتي المتداول فيما بيننا أيضاً هو نحو من القرض فيشمله ما دل على صحة القرض ، وهكذا الحال بالنسبة إلى الوديعة فإنَّ أدلة صحة الوديعة تشمل الوديعة المعاطاتية وكذلك الاجارة والهبة والعارية اطلاق أدلة هذه العقود تشمل حالة المعاطاة.
ثانياً:- ﴿ أوفوا بالعقود ﴾ فإنه يشمل العقد اللفظي ويشمل العقد المعاطاتي فالوديعة المعاطاتية والاجارة المعاطاتية مثلاً هي عقد فيشملها اطلاق ﴿ أوفوا بالعقود ﴾.
الفارق بين هذا الوجه والوجه السابق هو أنَّ اطلاق أدلة نفي هذه العقود نتمسّك به بينما هنا نتمسّك بإطلاق آخر وهو اطلاق ﴿ أوفوا بالعقود ﴾.
نعم هذا الدليل وهو التمسّك بـ ﴿ أوفوا بالعقود ﴾ يأتي فقط بالنسبة إلى العقود ولا يأتي بالنسبة إلى الايقاعات ولكن هذه قضية ثانية.
فإذن الوجه الأول عام ، أما الوجه الثاني فهو خاص بالعقود المعاطاتية ولا يعم الايقاعات المعاطاتية.
الوجه الثالثة:- التمسّك بفكرة عدم الخصوصية بأنَّ يقال:- إنَّ مورد أدلة هذه العقود أدلة الوديعة أو أدلة الاجارة موردا وإن كان هو الاجارة اللفظية مثلا ولكن العرف يلغي هذه الخصوصية ، فنتعدى حينئذٍ إلى سائر الموارد لا من باب الاطلاق وإنما من باب إلغاء خصوصية العقد اللفظي ، كما إذا قال الامام عليه السلام:- ( اغسل ثوبك من أبوال ما لا يؤكل لحمه ) فحيما نتعدّى إلى العباءة لا نتمسّك بالإطلاق ، لأنَّ العباءة لست بثوب ، ولكن نتعدّى من باب إلغاء الخصوصية فإنَّ العرف لا يرى خصوية للثوب ، هنا أيضا كذلك نقول إنَّ مورد أدلة هذه القعود والايقاعات افترض أنه خاص بالعقد أو الايقاع اللفظي ولكن نتعدّى إلى المعاطاة من باب إلغاء العرف لخصوصية المورد ، فإذا سلّمت بهذا فلا بأس به وليس من البعيد أنه وجيه ، وأما إذا لم تقبل به فالأمر لك ، ولكن نحن نريد أن نبيّن الطريق الفنّي ، فإذا رأينا أنه عرفاً لا توجد خصوصية للعقد اللفظي وإنما المهم أن يصدق أنه عقد اجارة فحينئذٍ نلغي خصوصية المورد ونثبت صحة الاجارة المعاطاتية ، وهكذا بقية العقود والايقاعات ، فإذن هذا ليس تمسّكاً بالإطلاق وإنما هو تمسّك بإلغاء الخصوصية بخلاف الوجه الأوّل .
فإذن عرفنا أنَّ هناك وجوهاً ثلاثة للتعدّي.