28-01-1435


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

35/01/28

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضـوع:- الحلق والتقصير / حج التمتع / مناسك الحج للسيد الخوئي(قد).
ونستعرض الآن المهمّ من الروايات:-
الرواية الأولى:- صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام قال:- ( ينبغي للصرورة أن يحلق ، وإن كان قد حج فإن شاء قصّر وإن شاء حلق ، فإذا لبّد شعره أو عقّصه فإن عليه الحلق وليس له التقصير )[1] ، وقد استدل بهذه الصحيحة على تعيّن الحلق في حق الصرورة بتقريب إنه عليه والسلام وإن قال ( ينبغي للصرورة أن يحلق ) والانبغاء أعم من اللزوم إلا إنه توجد قرينة على أن المقصود به هو ذلك والقرينة هي قوله عليه السلام بعد ذلك مباشرةً ( وإن كان قد حجّ فإن شاء قصّر وإن شاء حلق ) إنه عليه السلام يشير في هذه الفقرة إلى حكم غير الصرورة وقد عبّر عنه بقوله ( وإن كان قد حجّ ) فإن الذي قد حجّ هو غير الصرورة فهذه الفقرة تريد أن تقول إن غير الصرورة بالخيار بين الحلق والتقصير فنفهم من ذلك أن الصرورة الذي هو ما أشير إليه سابقاً بقوله ( ينبغي للصرورة أن يحلق ) أن المقصود هو الوجوب لهذه القرينة وهي قرينة واضحة . هذا ما قيل في المقام.وأشكل السيد الخوئي(قده)[2]
:- بأنه يمكن إن نقول إن المقصود من ( ينبغي ) هو الاستحباب والأفضلية دون الوجوب والقرينة على ذلك هي الفقرة الثالثة المذكورة في ذيل الرواية حيث قال عليه السلام ( فإذا لبد شعره أو عقّصه فإن عليه الحلق وليس عليه التقصير ) إنه يفهم من هذا الذيل أن الذي عليه الحلق هو الملبّد والمعقّص وغيره يلزم أن لا يكون الحلق متعيّناً عليه فإن هذا هو مقتضى التقسيم - أو المقابلة - فيلزم إذن عدم وجوب الحلق على غير الملبّد والمعقّص الذي منه الصرورة.
نعم تبقى لدينا مشكلة واحدة وهي أنه إذا كان يقصد من كلمة ( ينبغي ) الأرجحيّة والاستحباب دون اللزوم فماذا نصنع بقوله عليه السلام في القفرة الثانية ( وإن كان قد حج فإن شاء قصّر وأن شاء حلق ) فإن الحلق أيضاً في حق غير الصرورة هو راجح وأفضل فيلزم عدم الفرق بين الصرورة وغير الصرورة وظاهر العبارة أنها تريد أن تجعل فرقاً بينما.
والجواب:- إنا نحمل كلمة ( ينبغي ) على شدّة الاستحباب ففي اللإثنين يستحب الحلق غايته أنه في الصرورة يكون الاستحباب والرجحان آكد . إذن الصحيحة تنفي وجوب الحلق بالخصوص عن الصرورة للقرينة التي أشرنا إليها - أعني ذيل الرواية -.
وربما نضيف نحن بأنه ربما يقال:- إن كلمة ( عليه ) المذكورة في الذيل في الفقرة الثالثة حيث جاء فيها ( فإذا لبد شعره أو عقصه فإن عليه ) فكلمة ( عليه ) تدلّ على اللزوم كما ذكر السيد الخوئي(قده) وتدلّ على الحصر - يعني أن هذا عليه - وكأنه يراد أن يقال ( هذا عليه الحلق ) فيفهم من باب مفهوم الحصر أن غيره لا يلزمه ذلك.
هذا ما يمكن في المقام لإثبات عدم استفادة الوجوب من هذه الصحيحة.
وفيه:- إن الصحيحة كما يحتمل فيها التفسير المذكور يحتمل فيها تفسير آخر وذلك بأن يقال إنه عليه السلام في البداية أشار بكلمة ( ينبغي ) إلى الوجوب - يعني إلى وجوب الحلق على الصرورة - ثم ذكر عِدْلَ ذلك وأنه لا يجب الحلق في غير الصرورة وقد ذكر هذا في الفقرة الثانية ثم أراد أن يستثني من الشقّ الثاني - أي من غير الصرورة - حالة يجب فيها الحلق رغم أنه غير صرورة وذلك هو الملبّد والمعقّص ، إذن الشقّان هما الأوّل هو الصرورة وهو يجب عليه الحلق والثاني الذي  يجب عليه الحلق هو غير الصرورة ثم جيء باستثناءٍ من غير الصرورة يعني يراد أن يقال إن غير الصرورة لا يجب عليه الحلق إلا إذا لبّد أو عقّص وهذا تفسيرٌ وجيهٌ ولا محذور منه وبذلك تعود الصحيحة مجملة لا ظهور لها في أحدهما بعد وجاهة كلا التفسيرين وحينئذٍ لا يمكن أن نستفيد منها التخيير ولا تعيّن الحلق.
أما ما ذكر أخيراً من أن كلمة ( عليه ) يستفاد منها الحصر فتدلّ على أنه غير الملبّد لا يجب عليه ذلك فيردّه:- إن هذا مجرد إشعارٌ لا أن هناك ظهوراً لها في ذلك وعليه فالرواية مجملة لا كما أراد السيد الخوئي(قده) . نعم هذا الذي ذكرته لا يضرّ السيد الخوئي(قده) ولكنه لا ينفعه لأنه بالتالي أراد أن يستفيد منها استحباب الحلق في حقّ الصرورة وبناءً على ما ذكرناه لا يمكن أن يستفيد الاستحباب بل هي مجملة.
ويمكن أن نذكر شيئاً آخر:- وهو أنه لو سلمنا أن صحيحة معاوية يوجد فيها ظهور في التخيير كما ذكر السيد الخوئي(قده) ولكن نقول توجد رواية أخرى لمعاوية بن عمّار قريبة من المضمون المذكور عن أبي عبد الله عليه السلام:- ( إذا أحرمت فعقصت شعر رأسك أو لبّدته فقد وجب عليك الحلق وليس لك التقصير وإن أنت لم تفعل فمخيّر لك التقصير والحلق في الحج أفضل وليس في المتعة إلا التقصير )[3] فإن هذه الرواية لا يوجد فيها الفقرة الأولى - أعني ( ينبغي للصرورة أن يحلق ) - وإنما أشارت أوّلاً إلى الملبّد ّذلك الصرورة فيثبت أن الصرورة أيضاً هو مخيّر بينهما ، وحينئذٍ نقول هذه الرواية لنا أن نقول هي عين الأولى وأن الصادر كان واحداً فلم يصدر من الإمام عليه السلام مع معاوية بن عمار إلا شيء واحد وذلك الشيء والواحد لا يُدرى هو النقل الأول الذي فيه كلمة ينبغي أو هذا النقل الثاني الذي لس فيه كلمة ينبغي ويدلّ هذا النقل الثاني بوضوح على تخيير الصرورة بين الحلق والتقصير ، أو نفترض أن الصادر متعدّد فعلى الأول - يعني إذا كان الصادر واحداً - فحيث لا نعرف ذلك الصادر فينبغي الأخذ بالقدر المشترك بين النقلين وأما ما أختص به أحد النقلين فحينئذٍ لا يكون حجّة لعدم العلم بكونه هو الصادر والوجوب أردنا أن نستفيده من الفقرة الأولى التي هي ( ينبغي للصرورة أن يحلق ) وهذه الفقرة ليست موجودة في النقل الثاني إذن بعد عدم تعيّن الصادر لا يمكن أن يستفاد من الرواية وجوب الحلق في حقّ الصرورة ، وعلى التقدير الثاني - يعني إذا فرضنا أن الصادر كان متعدّداً - فيحصل بذلك تهافت بين النقلين فإن النقل الأوّل يدلّ على أن الصرورة يجب عليه - حسب ما فهم غير السيد الخوئي(قده) - الحلق ففسّروا كلمة ( ينبغي ) باللزوم في حقّ الصرورة بينما هذه الرواية يستفاد منها أن الصرورة لا يجب عليه الحلق فتكون منافية لذلك النقل فلا يكون ذلك النقل حجّة لوجود المعارض.
إن قلت:- هذا النقل الثاني لم يصرّح أن الصرورة لا يجب عليه الحلق حتى تحصل المنافاة بين النقلين ومن ثم التساقط وإنما قال ( غير الملبّد لا يجب عليه الحلق ) فأقصى ما هناك عمومٌ أو إطلاقٌ فنقيّده بقرينة تلك الرواية السابقة فتصير النتيجة أن غير الملبّد لا يجب عليه الحلق إلا الصرورة فإن الصرورة يجب عليه بسبب النقل الأوّل فالمنافاة ترتفع حينئذٍ لأن المورد من العام والخاص أو المطلق والمقيّد.
قلت:- إن هذه الصحيحة آبية عن التقييد المذكور أي لا يمكن أن نخرج منها الصرورة فإنها قالت هكذا:- ( وليس في المتعة إلا التقصير ) - أي في عمرة التمتع - وهذا معناه أن الإمام عيله السلام بصدد الاستقصاء وبيان المطلب بالكامل فلو كان الصرورة يجب عليه الحلق لأشار إلى ذلك فكما استثنى عمرة التمتع وقال يلزم فيها التقصير يلزم أن يستثني الصرورة ويقول يلزم فيه الحلق فإنه بصدد الاستقصاء فعدم ذكره للصرورة وأنه يجب عليه الحلق يدلّ على أن الصرورة مخيّر بين الحلق والتقصير ايضاً.
والنتيجة حينئذٍ هي أنه يمكن الأخذ بظهور الرواية الأولى بالوجوب لو سلّمنا ظهورها بالوجوب ، وما ذكرته هو ردٌّ على المشهور الذي أراد أن يستفيد من الرواية السابقة اللزوم في حق الصرورة فنقول كلّا فإن هذا النقل يعارض ذاك النقل ولكن بالتالي هذا لا يعني أن الحقّ مع السيد الخوئي(قده) لأنه كما قلنا الرواية الأولى محتملة لنقلين وهذه الرواية أيضاً هي صحيح أنها ظاهرة بالتخيير ولكن يرد عليها أنها معارضة بالنقل الأوّل . هذا كله بالنسبة إلى الرواية الأولى وقد اتضح أنه لا يمكن أن يستفاد منها التعيين.