34-07-08
تحمیل
الأستاذ الشيخ باقر الايرواني
بحث الفقه
34/07/08
بسم الله الرحمن الرحیم
الموضـوع:- تتمة مسألة ( 381 ) ، الواجب الخامس من واجبات حج التمتع وهو الثاني من أعمال منى في اليوم العاشر( الذبح أو النحر في منى ) / حج التمتع / مناسك الحج للسيد الخوئي(قد).
وأما بالنسبة إلى من ترك الرمي في بقيَّة الأيام:- فالمناسب هو الحرمة التكليفية فقط دون أن يترتب على ذلك البطلان . نعم قد نلتزم بوجوب القضاء عليه في السنة الثانية - أي قضاء الرمي فقط إما بنفسه أو بنائبة - أما نفس الحج فلا يتصدع ولا يبطل والوجه في ذلك هو أنه بالإتيان بطواف النساء بعد طواف الحج تحلُّ جميع المحرّمات على الحاج المحرِم فإذن يفهم من ذلك أن الرمي الذي يأتي بعد طواف النساء لا تأثير له من حيث الصحّة والفساد بل إن العمل صحيح وقد انتهى وهذا واجب بعد الواجب فلاحظ صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام:- ( إذا ذبح الرجل وحلق فقد أحلَّ من كلِّ شيءٍ أحرم منه إلا النساء والصيد فإذا زار البيت وطاف وسعى بين الصفا والمروة فقد أحلَّ من كلِّ شيءٍ أحرم منه إلا النساء وإذا طاف طواف النساء فقد أحلَّ من كلِّ شيءٍ أحلَّ منه إلا الصيد )
[1]
- واستثناء الصيد من باب الحرم ولا ربط له بالإحرام أو بالحج بل لأجل شرافة الحرم - فهذه الصحيحة قد دلت على أن المُحرِم بإتيانه بطواف النساء يحلُّ من كلِّ شيءٍ ولازم ذلك هو أن البيتوتة في منى وهكذا الرمي في اليومين أو الثلاثة هو مجرد واجب لا يؤثر تركه على صحّة العمل.
ونتمكن أن نقول:- إن هذه الرواية لو كانت مجملة - مثلاً - ولم نستفد منها ذلك فإثبات البطلان وأنه
[2]
جزءٌ يبطل به العمل هو الذي يحتاج إلى دليل وحيث أنه لا دليل على ذلك إذ غاية ما يستفاد من الأدلة هو الوجوب أما أنه جزء يؤثر تركه على العمل فحيث لا يستفاد فنتمسك بالبراءة أو ننفي وجوب القضاء بالأصل ، وعلى هذا الأساس فلا ينبغي الإشكال من هذه الناحية.
نعم قد وردت رواية أخرى:- وهي رواية عبد الله بن جبلة التي رواها الشيخ بإسناده عن محمد بن أحمد بن يحيى عن يعقوب بن يزيد عن يحيى بن المبارك عن عبد الله بن جبلة عن أبي عبد الله عليه السلام:- ( من ترك رمي الجمار متعمداً لم تحلّ له النساء وعليه الحج من قابل )
[3]
وهي إن لم تكن نصّاً في محل كلامنا - أعني ترك رمي ما بعد العاشر بقرينة التعبير بالجمع ( يعني من ترك رمي الجمار ) - فلا أقل تشمل ذلك بالإطلاق فيستفاد منها آنذاك البطلان.
ولكن الذي يهوّن الخطب ما يلي:-
أولاً:- إن ابن جبلة لم يوثق إلا بناءً على وثاقة كل من ورد في اسانيد تفسير القمي وقد أشرنا إلى توجيه من ذهب إلى هذه الكبرى وإلى مناقشة ذلك في كتابنا دروس تمهيدية في القواعد الرجالية.
وثانياً:- إنها مهجورة بين الأصحاب بمعنى أنه لم يُعرف عاملٌ بها كما قال صاحب المدارك نقلاً عن الشهيد في دروسه حيث قال ما نصّه:- ( وقال الشهيد في الدروس إنها محمولة على الاستحباب لعدم الوقوف على القائل بالوجوب )
[4]
، وقد ذكرنا أكثر من مرَّة أن الهجران - بمعنى ترك الكل - موجب لسقوط الرواية عن الحجيّة إما ببيان أن هجران الجميع يورث الاطمئنان بحساب الاحتمال بوجود خللٍ فيها وإلا كيف يترك الجميع العمل بها وهي بمرأى وبمسمعٍ منهم وهذه قضية عقلائية كما لو فرض أن خبراً من الأخبار السياسية طرحته بعض الفضائيات ولكن الجميع لم يرتب عليه أثراً ولم يعِر له أهميةً فإنه يحصل الاطمئنان ببطلان هذا الخبر ، أو ببيان أن مدرك حجيَّة الخبر هو السيرة العقلائية - أو بإضافة المتشرعية - ونحن لا نجزم بانعقادها على العمل بالخبر المذكور وحيث أنها دليلٌ لبّيٌّ فيقتصر على القدر المتيقن وهو ما سوى ذلك - أعني الخبر الذي لم يهجره الأعلام -.
وثالثاً:- إن الرواية المذكورة معارضة بما دلَّ على أن من أتى بطواف النساء فقد أحلَّ من كل شيءٍ - أعني صحيحة معاوية بن عمار المتقدمة - فتلك يستفاد منها الصحة في حق من أتى بطواف النساء سواء فرض أنه أتى برمي الجمار بعد ذلك أو لم يأتِ به ، بل لعله لا نحتاج إلى الإطلاق فهي صريحة في أنه يكفيه الإتيان بطواف النساء ويحلُّ من كلِّ شيءٍ ولا شيء عليه فتكون معارضةً للرواية المذكورة.
إذن هذه الرواية لا اعتبار بها من ثلاث جهات.
والخلاصة:- إنه ينبغي التفصيل بين من ترك رمي جمرة العقبة في اليوم العاشر فيبطل بذلك حجه إما على مستوى الفتوى أو على مستوى الاحتياط الوجوبي وبين ما إذا ترك المكلف رمي ما سوى ذلك من الأيام فلا يؤثر ذلك على صحّة عمله . نعم هو قد أثم حيث ترك واجباً ولكن لا يؤثر ذلك على العمل . وربما نلتزم كما التزم بعضٌ بوجوب قضاء نفس الرمي فقط إما بحو الفتوى أو بنحو الاحتياط الوجوبي في السنة الثانية بنفسه أو بنائبه.
الذبح أو النحر في منى
وهو الخامس من واجبات حج التمتع
[5]
ويعتبر فيه قصد القربة ، والإيقاع في النهار ولا يجزيه الذبح أو النحر في الليـل وإن كان جاهلاً . نعم يجوز للخائف الذبح والنحر في الليل . ويجب الإتيان بـه بعـد الرمي ولكـن لو قدَّمه على الرمـي جهـلاً أو نسـياناً صـحَّ ولم يحتـج إلـى الإعـادة ........
يشتمل المتن المذكور على مجموعة نقاط:-
النقطة الأولى:- وجوب الهدي بعد الرمي بمعنى ذبحه أو نحره ، ولم ينسب الإشكال في ذلك إلى أحد ، قال في الجواهر:- ( بلا خلاف أجده فيه بل الاجماع بقسميه عليه بل في المنتهى إجماع المسلمين عليه )
[6]
. إذن المسألة من حيث الفتوى لا خلاف فيها.
ولكن ما هو الدليل لإثبات وجوب الهدي ؟
والجواب:- استدل الفقهاء كما في المدارك
[7]
والجواهر
[8]
وغير ذلك من الكتب الفقهية بثلاثة وجوه هي الإجماع والآية الكريمة وصحيحة زرارة.
أما بالنسبة إلى الاجماع:- فحيث إنه محتمل المدرك - يعني يحتمل استناده إلى الآية الكريمة أو إلى صحيحة زرارة أو إلى غير ذلك - فلا يكون حجّة فإن حجيّة الإجماع كما أوضحنا أكثر من مرَّة هي من ناحية كاشفيته عن رأي المعصوم عليه السلام والأخذ منه يداً بيد وهذا إنما يتم فيما إذا فرض عدم وجود مدركٍ جزميٍّ أو محتملٍ أما مع وجوده فلا يمكن أن نجزم بهذه الكاشفية يداً بيد وطبقةٍ عن طبقة . نعم إذا فرض أنه لم يكن هناك مدرك يُستَند إليه - ولعله أحياناً يفترض ذلك - فيكون حجّة ، أو نتمكن أن نستفيد منه بنحو نصف القيمة لا تمامها وذلك بإضافة بعض الأمور إليه فنصل إلى النتيجة بنحوٍ صحيحٍ آنذاك ولكن لا يكون هو تمام الدليل بل نصفه كما كنا نفعل ذلك في أكثر من موردٍ وهنا سوف نصنع ذلك فانتظر.
وأما بالنسبة الآية الكريمة:- والتي هي:- ( وأتموا الحج والعمرة لله فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي ولا تحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ الهدي محلّه فمن كان منكم مريضاً أو به أذىً من رأسه ففديةٌ من صيام أو صدقة أو نسك فإذا أمنتم فمن تمتع بالعمرة إلى الحجّ فما استيسر من الهدي فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعةٍ إذا رجعتم تلك عشرةٌ كاملة ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام وتقوا الله واعلموا أن الله شديد العقاب ) فإنهم تمسكوا بهذه الآية الكريمة لإثبات وجوب الهدي في حج التمتع.
ولكن لو أردنا أن نتساير مع الفاظ الآية الكريمة بلا استعانة بشيءٍ من الخارج فاستفادة الوجوب منها شيءٌ مشكل فإنها في صدرها ناظرة إلى من أحصِر بسبب المرض وذكرت أن عليه ما استيسر من الهدي وهذا ليس محلَّ كلامنا ، ثم قالت بعد ذلك [[ ( فإذا أمنتم ) أي إذا كنتم آمنين ( فمن تمتع بالعمرة إلى الحج ) يعني من كانت وظيفته حج التمتع ( فما استيسر من الهدي ) ]] إن تعبير ( فما استيسر من الهدي ) هل يفهم منه الوجوب ؟ نعم يفهم منه الوجوب إذا قدَّرنا كلمة ( فعليه ) أو ( فيجب ) بأن كانت العبارة هكذا ( فعليه ما استيسر من الهدي ) أو ( فيجب ما استيسر من الهدي ) والأمر يكون كما ذكره الفقهاء ولكن لماذا نقدِّر هاتين الكلمتين فلعل المقصود هو أنه يرجح أو يستحب أو من المفضّل له ذلك إذ لو كنّا نحن والآية الكريمة فقط يصعب استفادة الوجوب منها.
إن قلت:- إن ما بعدها يدلُّ على الوجوب حيث قالت:- ( فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام .. ).
قلت:- إن هذه مجملة أيضاً ، يعني إن من لم يجد الهدي المستحب فتنتقل وظيفته إلى مستحب آخر وهو الصيام.
إذن استفادة الوجوب من ظاهر الآية الكريمة وبقطع النظر عن شيءٍ آخر أمرٌ مشكل.
نعم المهم هو صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام في المتمتع:- ( وعليه الهدي ، فقلت:- وما الهدي ؟ فقال:- أفضله بدنة وأوسطه بقرة وآخره شاة )
[9]
، وتوجد روايات أخرى في هذا المجال
[10]
ولكنها ضعيفة إما من حيث الدلالة أو من حيث السند وأحسن الروايات حالاً هي هذه الصحيحة فإنها صحيحة سنداً و لا بأس بها دلالةً فإنه عليه السلام قال:- ( وعليه الهدي ) وظاهر كلمة ( عليه ) الوجوب.
فالمستند إذن هو هذه الرواية الشريفة.
ولكن بقطع النظر عن هذه الرواية يمكن أن نستدل بوجوه ثلاثة أخرى:-
الوجه الأول:- السيرة القطعية بين المسلمين على الإتيان بالهدي في حج التمتع بنحو الإلزام والوجوب ، وواضح أننا لا نريد أن نتمسك بالسيرة لوحدها حتى يقال هي أعم من الوجوب بل نضمّ ضميمة أخرى وهي السيرة على الإتيان بقصد الوجوب وهذا القصد ليس فقط من الطبقة العامة من الناس بل يصنع ذلك حتى المتشرعة والفقهاء وهذا يكشف عن وصول هذا الحكم يداً بيد من معدن العصمة والطهارة.
الوجه الثاني:- إن المسالة عامة البلوى فيلزم أن يكون حكمها واضحاً بعد فرض عمومية البلوى ولا يحتمل أن يكون ذلك الحكم الواضح هو عدم الوجوب وإلا لانعكس على الفقهاء ولو على مستوى قولٍ بين الفقهاء والحال أنهم أطبقوا ولم يعرف منهم خلاف في الوجوب . إذن هنا قد استفدنا من الإجماع . إذن مادام ينبغي أن يكون الحكم واضحاً فيحصل الاطمئنان بأن ذلك الحكم الواضح هو ما أجمع عليه الفقهاء.
الوجه الثالث:- إن وجوب الهدي في حج التمتع هو من الأمور الواضحة في الإسلام ومن شواخص الإسلام ومعالمه الواضحة فكما أن في الإسلام وجوبُ صومٍ وصلاةٍ وحجٍّ كذلك من الأمور الواضحة فيه أن الحاج يجب عليه في حج التمتع الهدي ، إنه يمكن أن نقول ذلك
[11]
. وحينئذ نقول:- فإذا قبلنا بذلك - وليس ببعيدٍ - فحينئذٍ لا نحتاج إلى دليلٍ حيث يتولّد للفقيه اطمئنان بالحكم نتيجة وضوح المطلب وهذا ما يعبر عنه أحياناً بمسلمات الشريعة أو ضروريات الدين أو ما شاكل ذلك من تعابير فإن الضروريات والمسلّمات لا تحتاج إلى دليلٍ بل دليلها معها بل يحصل للفقيه اطمئنان بذلك من قبيل أن يسالنا شخصٌ ويقول هل يجوز شرب الماء وهل هو طاهر أو مطهر أو هل يجوز الزواج ؟ وما شاكل ذلك فإن هذه أشياءٌ لا تحتاج إلى دليلٍ لأنّها من واضحات الفقه . إذن على هذا الأساس يحصل الاطمئنان للفقيه بلا حاجة إلى الاستعانة بتلك المقدمات التي ذكرناها في الوجهين السابقين.
[1] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج14، ص232، ب13 من أبواب الحلق والتقصير، ح1.
[2] أي الرمي ما بعد اليوم العاشر.
[3] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج14، ص264، ب4 من أبوبا العود إلى منى، ح5.
[4] مدارك الأحكام، الموسوي العاملي، ج8، ص239.
[5] يعني هو الخامس من واجبات الحج والثاني من اعمال اليوم العاشر في منى.
[6] جواهر الكلام، النجفي الجواهري، ج19، ص114.
[7] مدارك الاحكام، الموسوي العاملي، ج8، ص15.
[8] جواهر الكلام، النجفي الجواهري، ج19، ص114.
[9] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج14، ص101، ب10 من ابوب الذبح، ح5.
[10] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج14، ص79، ب1 بعنوان باب وجوب الهدي على المتمتع.
[11] و لا تناقشني في الصغرى إذ المهم عندي هو الكبرى.