34-05-06
تحمیل
الأستاذ الشيخ باقر الايرواني
بحث الفقه
34/05/06
بسم الله الرحمن الرحیم
الموضـوع:- إدراك كلا الوقوفين أو أحدهما / الواجب الثالث من واجبات حج التمتع ( الوقوف بمزدلفة) / حج التمتع / مناسك الحج للسيد الخوئي(قد).
ما يستدل به على عدم الإجزاء :-
هناك عدّة روايات يمكن التمسك بها في هذا المجال والمهم منها ثلاث:-
الرواية الأولى:- صحيحة الحلبي المتقدمة حيث جاء فيها:- ( .... وإن قدم وقد فاتته عرفات فليقف بالمشعر الحرام فإن الله تعالى أعذر لعبده وقد تمّ حجّه إذا أدرك المشعر الحرام قبل طلوع الشمس وقبل أن يفيض الناس فإن لم يدرك المشعر الحرام فقد فاته الحج فليجعلها عمرة مفردة وعليه الحج من قابل ) بتقريب أن قوله عليه السلام ( وقد تمّ حجّه إذا أدرك المشعر الحرام قبل طلوع الشمس ) يفهم منه أن المدار في الإجزاء هو على الوقوف في المشعر قبل طلوع الشمس وأما الوقوف بعد ذلك - يعني إلى ما قبل الزوال - فلا يكتفى به.
هذا وقد يشكل على التمسك بدلالتها بالإشكالين التاليين:-
الإشكال الأول:- إن قوله عليه السلام:- ( فإن لم يدرك المشعر الحرام فقد فاته الحج ) يمكن أن ندّعي أنه عِدلٌ لقوله عليه السلام:- ( فليقف بالمشعر الحرام فإن الله تعالى أعذر لعبده .. ) فيصير المقصود هكذا:- ( إذا قدم المكلف وقد فاتته عرفات فهنا شقان الأول أن يقف بالمشعر الحرام قبل طلوع الشمس مادام يمكنه إدراك ذلك وهذا يصحّ منه الحج ويكتفى بوقوفه المذكور ، والشق الثاني هو أن يفترض أنه يمكنه إدراك المشعر الحرام قبل طلوع الشمس ولكنه يفوِّت ذلك على نفسه وهنا يبطل حجّه ) ومن المعلوم أن هذا لا ينفعنا فإن محل كلامنا ليس هو في حالة إمكان إدراك الوقوف قبل طلوع الشمس والمكلف قد فوَّت ذلك على نفسه بعد إمكان إدراك ذلك بل محل الكلام هو فيما إذا فات ذلك من دون قدرةٍ على إدراكه ، وعليه فالصحيحة أجنبية عمّا نريده وإذا لم ندّعِ أن هذا هو الظاهر فلا أقل من احتمال ذلك ومعه تعود مجملة لا يمكن التمسك بها في المقام.
إذن تمام النكتة هي أن قوله ( فإن لم يدرك المشعر الحرام ) عِدلٌ لقوله ( فليقف بالمشعر الحرام إذا أدركه قبل طلوع الشمس ) وهذا العِدل يقول ( إذا لم يدرك ) بمعنى أنه يمكنه ولكنه فوَّته لا أنه يفوت من دون اختيارٍ ، وربما يكون هذا هو مقصود السيد الروحاني(قده) في المرتقى
[1]
.
وفيه:- إن محل الشاهد ليس هو فقرة ( فإن لم يدرك المشعر الحرام فقد فاته الحج ) حتى يقال إن هذه يحتمل أو يظهر أنها عِدل لقوله عليه السلام ( فليقف بالمشعر الحرام مادام يمكنه إدراكه قبل طلوع الشمس ) وإنما موضع الشاهد هو ما أشرنا إليه في تقريب الدلالة - أعني قوله ( وقد تمّ حجّه إذا أدرك المشعر الحرام قبل طلوع الشمس ) - فإن هذا يدل بالمفهوم على أنه إذا لم يدرك المشعر قبل طلوع الشمس فلا يتمّ حجّه سواء فرض أن العبارة البعديَّة - أعني قوله ( فإن لم يدرك المشعر الحرام فقد فاته الحج ) - كانت موجودة أم لم تكن موجودة فإن الشاهد ليس فيها وإنما هو فيما أشرنا إليه من الفقرة السابقة وهي تدل بوضوح على أن تماميّة الحج لمن فاته الوقوف بعرفات هو إدراك المشعر قبل طلوع الشمس فإنه بالمفهوم يدلّ على أنه إذا لم يدركه فقد فاته الحج ، وعليه فإدخال هذه العبارة التي أشار إليها(قده) لا يؤثر شيئاً في المقام.
الإشكال الثاني:- ما أفاده صاحب الحدائق والنراقي
[2]
وحاصله:- إن قوله عليه السلام:- ( فإن لم يدرك المشعر الحرام فقد فاته الحج ) يحتمل أن يراد به أنه إذا لم يدرك المشعر بكلا موقفيه - يعني الاختياري والاضطراري لا خصوص الاختياري مع اتيان بالاضطراري - يفوت عليه الحج ، ومعلوم أن هذا خارج عن محل كلامنا فإن كلامنا هو في من فاته الموقف الاختياري مع إدراكه للموقف الاضطراري لا أنه فاته كلا الموقفين .
وما أفاده وجيه لو كان موضع الاستشهاد هو في فقرة ( فإن لم يدرك المشعر الحرام ) فإنه لو كان الشاهد فيها وجاءت هذه الفقرة منفردة وحدها في النصّ بأن قيل هكذا:- ( من لم يدرك المشعر الحرام فقد فاته الحج ) فهنا نسلّم أن من الوجيه أن يكون المقصود منها هو من فاته كلا الموقفين للمشعر الاختياري والاضطراري ، بيد أن هذه العبارة ليست هي موضع الشاهد وإنما موضع الشاهد هو العبارة الأسبق كما أشرنا - أي ( وقد تمّ حجّه إذا أدرك المشعر الحرام قبل طلوع الشمس ) - فإنها بالمفهوم تدلّ على مطلوبنا واحتمال أن المقصود من العبارة الثانية - أعني قوله ( فإن لم يدرك المشعر الحرام فقد فاته الحج ) - هو فوات الاختياري والاضطراري من المشعر خلاف الظاهر فإن هذه العبارة هي بمثابة التصريح بالمفهوم للعبارة السابقة ففي السابقة قيل ( قد تمّ حجّه إذا أدرك المشعر قبل طلوع الشمس ) والمفهوم هو أنه إذا لم يدرك المشعر الحرام - والمقصود بقرينة ما سبق يعني قبل طلوع الشمس - فقد فاته الحج . إذن لا يمكن أن نقول إن المقصود من هذه العبارة هو فوات كلا الموقفين للمشعر الاختياري والاضطراري كلا بل هي تصريح بمفهوم العبارة السابقة والمدار على العبارة السابقة فإنها هي موضع الاستدلال دون هذه ومادامت هذه تصريح بمفهوم تلك فلا معنى لأن يفهم منها أنها ناظرة إلى حالة فوات كلا الموقفين للمشعر الاختياري والاضطراري حتى يقال إن هذا خارج عن محل الكلام .
ومن خلال هذا كله اتضح أن دلالة الرواية على المطلوب تامَّة.
الرواية الثانية:- صحيحة حريز المتقدمة:- ( سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل مفردٍ للحج فاته الموقفان جميعاً ، فقال:- له إلى طلوع الشمس يوم النحر فإن طلعت الشمس من يوم النحر فليس له حج ويجعلها عمرة وعليه الحج من قابل ) ودلالتها واضحة فإنه عليه السلام صرّح في العبارة الأولى وقال:- ( له إلى طلوع الشمس من يوم النحر ) أي أن له فسحة إلى طلوع الشمس وهذا وحده يكفينا في إثبات المطلوب فإنه يفهم منه أن الفسحة مقيّدة بما قبل طلوع الشمس دون ما بعدها وهذا هو مطلوبنا ، وإذا قلت:- أي مفهومٍ هذا ؟ قلت:- هذا ليس بمهمٍ فإنه ما دمنا نفهم هذا فحينئذ هو يكفينا لأن هذا صار ظهوراً والظهور حجّة سواء كان هذا المفهوم هو مفهوم القيد أو هو غيره فذلك لا يؤثر . وكذلك العبارة الثانية حيث قال عليه السلام:- ( فإن طلعت الشمس من يوم النحر فليس له حج ويجعلها عمرة وعليه الحج من قابل ) فإن هذه واضحة في المطلوب . إذن كلتا الفقرتين من الرواية تدلان على المطلوب ، وعليه فلا إشكال من هذه الناحية.
الرواية الثالثة:- صحيحة ضريس بن أعين:- ( سألت أبا جعفر عليه السلام عن رجل خرج متمتعاً بالعمرة إلى الحج فلم يبلغ مكة إلا يوم النحر ، فقال:- يقيم على إحرامه ويقطع التلبية حتى يدخل مكة فيطوف ويسعى بين الصفا والمروة ويحلق رأسه وينصرف إلى أهله إن شاء ... )
[3]
وتقريب الدلالة هو أن الشخص المذكور في الرواية ورد يوم النحر والإمام عليه السلام حكم بلزوم إتيانه بعمرةٍ مفردةٍ يعني أنه لا يمكنه أن يدرك الحج فلو فرض أنه يمكنه إدراك الحج بإدراك المشعر إلى الزوال لكان المناسب للإمام عليه السلام أن يستفصل فيقول ( إذا أمكنه إدراك المشعر قبيل الزوال فقد تمّ حجّه وإذا لم يمكنه ذلك فيأتي بالطواف والسعي والحلق - أي بأفعال العمرة ) إن عدم تفصيله بالشكل الذي أشرنا إليه يدلّ على أن الحج يفوت حتى لو أمكن الوقوف بالمشعر قبيل الزوال وأن الملاك في إدراك الحج يكون بإدراك المشعر قبل طلوع الشمس والمفروض أن هذا لا يمكنه ذلك لأنه قد ورد مكة يوم النحر فإذا أراد أن يذهب إلى المشعر فيكون ذهابه بعد طلوع الشمس حتماً ، وعلى هذا الاساس يستفاد من هذه الرواية أنه لا يكفي الموقف الاضطراري للمشعر الحرام.
وفيه:- إن شرط حجّ التمتع كما هو المفروض في الرواية - حيث فرض أنه جاء متمتعاً - هو الإتيان بعمرة التمتع وهذا الشخص قد فاتته عمرة التمتع فإن نهاية عمرة التمتع هو زوال اليوم التاسع أما من ورد في اليوم العاشر فلا إشكال في أنه تفوته المتعة - أي عمرة التمتع - وبفواتها لا يمكنه إدراك حجّ التمتع وبالتالي يتحتّم أن تكون الوظيفة هي العمرة المفردة . إذن لعل الإمام عليه السلام حكم في مورد الرواية بعدم الإجزاء من هذه الناحية - ويكفينا الاحتمال - وعليه فدلالتها قاصرة والمهم هو الروايتان السابقتان.
والنتيجة:- قد اتضح أنه يمكن من الطائفة الأولى التي يستدل بها للإجزاء التمسك بروايتين - أعني صحيحة عبد الله بن المغيرة وموثقة الفضل بن يونس - ومن روايات هذه الطائفة التي تدل على عدم إجزاء الموقف الاضطراري يمكن التمسك بروايتين أيضاً - وهما صحيحة الحلبي وصحيحة حريز - ، وبعد هذا يقع الكلام في أنه كيف التوفيق والعلاج بين هاتين الطائفتين ؟ والمهم هو هذا وكل ما ذكرناه كان مقدمة له.
[1] المرتقى ج2 ص292.
[2] مستند الشيعة ج12 ص259.
[3] الوسائل ج14 ص49 ب27 من أبواب الوقوف بالمشعر ح2.