20-12-1434
تحمیل
الأستاذ الشيخ باقر الايرواني
بحث الفقه
34/12/20
بسم الله الرحمن الرحیم
الموضـوع:- الحلق والتقصير / حج التمتع / مناسك الحج للسيد الخوئي(قد).
البحث الثاني:- في لزوم الترتيب تكليفاً.والكلام في ذلك تارةً يقع في لزوم تأخر الذبح عن الرمي - يعني تأخر الواجب الثاني عن الواجب الأول من واجبات منى - وأخرى في لزوم تأخر الحلق عن الذبح - يعني تأخر الواجب الثالث عن الواجب الثاني - وثالثة في لزوم تأخر الحلق عن الرمي - يعني تأخر الواجب الثالث عن الأول-.
أما بالنسبة إلى لزوم تأخر الذبح عن الرمي:- فقد تقدمت الإشارة اليه سابقاً في بداية بحثنا عن الواجب الثاني من واجبات منى - أي في بداية بحثنا عن الذبح - وذكر (قده) هناك أنه يلزم تأخر الذبح عن الرمي .
ومختصراً هنا نقول:- إن أحسن ما يمكن أن يتمسك به هو صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام:-﴿ إذا رميت الجمرة فاشترِ هديك ﴾[1] فإن شراء الهدي هو كناية عن الذبح والمعنى آنذاك أنه إذا رميت جمرة العقبة فاذبح هديك فهي يمكن أن يستفاد منها اعتبار الترتيب.
وذكرنا أنه توجد صحيحة جميل وهكذا صحيحة محمد بن حمران الدالتان على أنه جاء قومٌ إلى النبي صلى الله عليه وآله وقدّموا ما أخّروا أو أخّروا ما قدّموا والنبي صلى الله عليه وآله قال:-( لا حرج ) ومن جملة الأشياء التي ذكرت هي أنهم قدّموا الذبح على الرمي وهذا معناه أنه يلزم تأخّر الذبح ، وذكرنا هناك أن هذا المضمون لا يمكن أن نستفيد منه لزوم الـتأخّر ، نعم نستفيد منه اعتبار التأخر - تأخر الذبح عن الرمي - أما أنه بنحو اللزوم فأوّل الكلام ولعل ذلك بنحو الاستحباب وسيأتي انشاء الله بعد قليل بيان توجيه استفادة لزوم الترتيب من هاتين الروايتين فانتظر . إذن أحسن ما يمكن التمسّك به هو صحيحة معاوية التي تقول:- ﴿ اذا رميت الجمرة فاشتر هديك ﴾.
وأما بالنسبة إلى لزوم تأخّر الحلق عن الذبح:- فلعل أحسن ما يمكن التمسك به في هذا المجال هو صحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام:- ﴿ سألته عن رجل حلق رأسه قبل أن يضحّي ، قال:- لا بأس وليس عليه شيءٌ ولا يعودَنَّ ﴾[2] ، إن التعبير بقوله ( ولا يعودَنَّ ) الذي هو نهيٌ يدل على أن الحلق يلزم تأخّره عن الذبح بمقتضى ظهور النهي بالإلزام وإنما حكم الإمام عليه السلام في البداية بأنه لا بأس وليس عليه شيءٌ من باب أنه كان جاهلاً أو ناسياً وهما معذوران لو خالفا الترتيب كما دلّت على ذلك صحيحة جميل وصحيحة محمد بن حمران.
إذن دلالة هذه الصحيحة جيّدة لا بأس بها.
وأما بالنسبة إلى أنه يلزم تأخّر الحلق عن الرمي:- فواضحٌ فإنه إذا سلّمنا المقدّمة الأولى والثانية نتج من ذلك تماميّة المقدمة الثالثة ، يعني إذا سلمنا أن الذبح يلزم تأخّره عن الرمي بمقتضى ما ذكرناه أوّلاً وقبلنا أن الحلق يلزم تأخّره عن الذبح بمقتضى ما ذكرناه ثانياً فالنتيجة آنذاك لا محالة أنه يلزم تأخر الحلق عن الرمي فالتسليم بالمقدمتين السابقتين يلزم منه لتسليم بهذه المقدمة . إذن بهذا ثبت أنه يلزم تأخّر الحلق عن الذبح وعن الرمي وهو مطلوبنا.
وألفت النظر إلى أنه توجد بعض الروايات في هذا المجال لعلها تامّة من حيث الدلالة على لزوم تأخّر الحلق عن الذبح ولكن لم نتمسك بها لضعف سندها:-
من قبيل:- رواية جميل عن أبي عبد الله عليه السلام:- ﴿ تبدأ بمنى بالذبح قبل الحلق وفي العقيقة بالحلق قبل الذبح ﴾[3] ، والشاهد هو في قوله عليه السلام:- ( تبدأ بمنى بالذبح قل الحلق ) فيدّل ذلك على أن الذبح مقدّم على الحلق والحلق متأخّر عن الذبح بناءً على أن الجملة الفعليّة مثل ( تبدأ ) تدل على اللزوم والوجوب خلافاً للنراقي(قده) . نعم قد تُزَغزع الدلالة باعتبار الجملة الثانية أي أنه في العقيقة يبدأ بالحلق قبل الذبح فالطفل مثلاً يُحلَق رأسه ثم بعد ذلك يُعَقُّ عنه ومن الواضح أن هذا ليس من الأمور اللازمة بل هو من الأمور المستحبّة فبناءً على مسلك الوضع في استفادة الوجوب تتزعزع الدلالة آنذاك لاقتران الجملة الأولى بالجملة الثانية . نعم بناءً على مسلك حكم العقل لا يأتي هذا الكلام . ولكن على أيّ حال إن المشكلة التي ترِدُ هنا هي أن السند ضعيفٌ باعتبار أنه في الوسائل ذُكر هكذا:- ( ومحمد بن يحيى عن محمد بن أحمد عن موسى بن جعفر البغدادي عن جميل عن ابي عبد الله عليه السلام ) وصاحب الوسائل أخذ هذه الرواية من الكليني بقرينة أنه نقل عن محمد بن يحيى وهو الأشعري القمّي الثقة الجليل فالرواية واضحة أنها مأخوذة من الكافي وليس فيها مشكلة ومحمد بن يحيى و محمد بن أحمد ثقتان وإنما المشكلة في موسى بن جعفر البغدادي فإنه مجهول الجال فالرواية ضعيفة السند.
أو من قبيل:- رواية عمر بن يزيد عن أبي عبد الله عليه السلام:- ﴿ قال:- إذا ذبحت أضحيتك فاحلق رأسك واغتسل وقلّم أظفارك وخُذ من شاربك ﴾[4] ، وتقريب الدلالة واضحٌ حيث أنه عليه السلام قال ( إذا ذبحت اضحيتك فاحلق رأسك ) وهذا يدلّ على لزوم تأخّر الحلق عن الذبح.
بيد أن الإشكال الذي ذكرناه سابقاً على مسلك الوضع يأتي هنا أيضاً حيث إنه عليه السلام قال بعد ذلك ( واغتسل وقلّم أظفارك وخذ من شاربك ) والحال أن الاغتسال ليس بواجبٍ وهكذا الجمع بتقليم الأظفار والأخذ من الشارب معاً قد يقال بأنه ليس بلازم . إذن المشكلة في الدلالة موجودةٌ بناءً على مسلك حكم الوضح ، ولكن المشكلة الأهم هي من حيث السند حيث إنه كالتالي:- ( محمد بمن الحسن بإسناده عن موسى بن القاسم عن محمد بن عمر عن محمد بن عذافر عن عمر بن يزيد عن أبي عبد الله عليه السلام ) والمشكلة في محمد بن عمر الذي هو ابن عمر بن يزيد فإن محمد بن عمر بن يزيد مجهول الحال ولم يوثّق.
ومن قبيل:- وبإسناده عن موسى بن القاسم عن علي قال:- ﴿ لا يحلق رأسه ولا يزور حتى يضحّي فيحلق رأسه ويزور متى شاء ﴾[5]، وموضع الشاهد هو قوله ( لا يحلق رأسه حتى يضحّي فيحلق رأسه ) فيدلّ ذلك على أن الحلق متأخّر عن الذبح كما هو واضح ، بيد أن الإشكال هو من حيث السند فإن الشيخ رواها عن موسى بن القاسم البجلي - والذي هو من أجلة اصحابنا - عن عليّ وعليٌّ مردّدٌ ولا يُجزَم بكونه الإمام عليه السلام ، نعم في الاستبصار[6] أثبتت فقرة ( عليه السلام ) ولكن في التهذيب[7] والوسائل لا يوجد ذلك . إذن الرواية لا يجزم بكونها عن الإمام عليه السلام ونحتمل أنهما من أحد الرواة وذلك الاجتهاد منه(قده) وعلى هذا الأساس قلنا إن الوجه المهم لاعتبار تأخّر الحلق عن الذبح هو صحيحة عبد الله بن سنان.
هذا ولكن السيد الخوئي في المعتمد[8]حاول التمسك بثلاثة وجوه:-
الوجه الأول:- هو السيرة ، بتقريب أن سيرة المسلمين قد جرت على فعل الحلق بعد الذبح والسيرة وإن كانت أعمّ من الوجوب ولكن يمكن أن نذكر تقريباً يثبت من خلاله استفادة الوجوب وذلك بأن يقال:- لو كان لا يجب فعل الحلق بعد الذبح بل كان ذلك أمراً استحبابياً وليس إلزامياً لفعله شريحة من المسلمين ولو مرّة واحدة والحال أنه لم يقع ذلك إذ لو وقع لنقل لأن هذه قضيّة مهمّة فلابد وأن ينقل التاريخ لنا بأن شريحة من المسلمين كانوا هكذا يفعلون - ونعبّر بالشريحة وليس بشخصٍ واحد لأن الشخص الواحد لو كان شخصاً عاديّاً وفعل ذلك فسوف لا ينقل التاريخ ذلك لنا بل نحن نساعده(قده) ونقول قد فعله شريحة من المسلمين وبالتالي هذه ظاهرة ملفتة للنظر تستحق النقل - وحيث لم ينقل فيثبت أن هذه السيرة هي سيرة بنحو الإلزام وليست بنحو الاستحباب . وهذا لو تمّ فسوف نستفيد منه في كثير من السير ، وعبّرت بكثيرٍ من السير من باب الاحتياط ولا أعلم هل أن هذا يمكن في كلّ السير أو لا فلابد من ملاحظة ذلك لاستفادة اللزوم منها.
هذا توضيح ما أفاده(قده) في الوجه الأول.
وفيه:- إن ما أفاده من حيث الكبرى - أعني أنه لو كان ذلك ليس بنحو اللزوم لوقع من بعض المسلمين وبالتالي لنقل - وإن كان شيئاً وجيهاً إلا أن تطبيق ذلك على المقام شيءٌ مشكل وذلك باعتبار أننا نحتمل أن فائدة الحلق - وهي التحليل من محرمات الاحرام - لا تحصل بمجرّد تقديم الحلق بل إنما التحليل يحصل لو أتى بعد الحلق بالذبح فيكون الحلق محلّلاً عند تحقّق الذبح أما إذا لم يتحقّق الذبح ولو بعداً - يعني بعد الحلق - فلا يكون الحلق المذكور نافعاً في حصول التحليل ، إن هذا الاحتمال موجودٌ ومعه لا يمكن أن نطبّق تلك الكبرى لأن الشخص إنما يقدّم الحلق لأجل أن يستفيد وذلك بأن يخلع إحرامه ويأتي بمحرمات الإحرام حينئذٍ فيكون في حلٍّ فهذا هو الداعي لتقديم الحلق أما إذا فرض أنه لا يستفيد منه هذه الفائدة إلا عند تحقّق الذبح فحينئذٍ لا يكون هناك موجب للتقديم بل يكون التقديم لغواً وبلا فائدة ، وعلى هذا الأساس إن شرط تطبيق هذه الكبرى على أيّ موردٍ هو أن يكون مخالفة ما جرت عليه السيرة مما يقتضيه الطبع وذا فائدةٍ أمّا إذا لم يكن ذا فائدةٍ فحينئذٍ لا داعي إلى أن يخالف بعض المسلمين السيرة ويقدّم الحلق . إذن ما أفاده(قده) يكون تامّاً لو فرض أن الحلق يحصل بتقديمه التحلّل بشكلٍ مطلقٍ أما أذا فرضنا أنه لا يحصل إلا إذا اقترن بالذبح فلا يكون هناك داعٍ لتقديمه.