39/01/24
تحمیل
الأستاذ الشيخ حسن الجواهري
بحث الفقه
39/01/24
بسم الله الرحمن الرحيم
الموضوع/ عدم دلالة الآية على خمس ارباح المكاسب/ خمس ارباح المكاسب/ كتاب الخمس
ورواية ابي بصير في سندها احمد بن هلال[1] وقد نقلها ابن ادريس في آخر السرائر[2] نقلا عن كتاب محمد بن علي
بن الحبوب عن احمد بن هلال عن ابن ابي عمير عن أبان بن عثمان عن ابي بصير عن ابي عبدالله عليه السلام.
فاذا كان طريق ابن ادريس الى كتاب محمد بن علي بن محبوب صحيحاً واحمد بن هلال كما سيأتي منا انه جيّد ومعتبر فيصح السند وان كان مغالياً, ففساد العقيدة لو صحّ انه فاسد العقيدة فلا يضرّ بصحة رواياته التي قال عنها النجاشي: (احمد بن هلال ابو جعفر العبرتائي, صالح الرواية, يعرف منها وينكر وقد روي فيه ذموم من سيّدنا ابي محمد العسكري عليه السلام...)[3] ويبدو ان الذموم لعقيدته لا لوثاقته فقد قال بوكالة عثمان بن سعيد العمري ولم يقل بوكالة محمد بن عثمان بن سعيد العمري لأنه ادّعى انه لم يسمع الوكالة من ابيه عليه.
ولا نطيل الكلام بذكر الروايات لأنها كثيرة, وقد عبّر المحقق الهمداني عنها فقال: (وادعى غير واحد تواتر الاخبار به ولعله كذلك كما ستعرفه)[4] وقد بلغت في كتاب جامع احاديث الشيعة ثلاثين رواية[5] .
وقد يقال: هناك روايات في كتب اهل السنة تؤيد ما ذهبنا اليه, فقد ورد في صحيح مسلم: (ان الفضل بن العباس وشخصاً آخر من بني هاشم كانا محتاجين الى الزواج ولم يكن لديهما مهر, فاشتكيا ذلك الى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وطلبا منه ان يستعملهما على الزكاة ليحصلا على المهر من سهم العاملين, فلم يرتضِ (صلى الله عليه واله) بذلك, بل أمر شخصين ان يزوّجا ابنتيهما وجعل مهرهما من الخمس بدلاً عن الزكاة[6] .
وكيفية الاستدلال على المطلب هو ان خمس الغنيمة للمشاركين في القتال, فمن اين حصل هذان على المهر من الخمس اذا قلنا ان الآية مختصة بخمس الغنيمة الحربية؟
والجواب: انه يوجد موارد يجب فيها الخمس غير الغنيمة الحربية كأرباح المكاسب.
ويرد على هذا الجواب: انه يكفي لوجوب الخمس في غير الغنيمة, خمس المعدن والغوص والكنز التي يثبت فيها الخمس حتى عند بعض اهل السنة[7] ونحن قد قلنا ان الخمس يكون في كل غنيمة قد حصل عليها الانسان من دون مقابل مالي كالحيازة والهدية الخطيرة والإرث غير المحتسب واشباه ذلك على ان اربعة اخماس الغنيمة هي للمقاتلين, اما الخمس فهو للإمام وقبيله فيمكن ان يعطيهم مهراً من هذا الخمس لا من الاربعة اخماس.
اذن لا تدل الرواية على وجوب الخمس في ارباح المكاسب الذي هو محتاج الى دليل صريح فيه.
وخلاصة ما تقدّم:
اولا: ان الدليل الروائي تام على ثبوت الخمس في ارباح المكاسب.
ثانياً: قد تقدّم الاجماع من الامامية على ذلك أو قل السيرة المتشرعية وهو أيضاً تام.
ثالثاً: اما الآية الكريمة: فاننا وان قلنا: ان حيثية الغنيمة لا دلالة لها على الاختصاص بغنيمة الحرب, وان المورد الذي وردت فيه الآية وهو معركة بدر لا يخصص الوارد به كما حق في الاصول, الاّ ان لا يدل على ثبوت الخمس في ارباح المكاسب, واليك التوضيح للفائدة العلمية وان كنا لا نؤمن بالفوائد العلمية التي لا يتوقف عليها استنباط الاحكام الشرعية الاّ ان هذه الفائدة العلمية نذكرها لأجل بيان ان دليلنا على ثبوت الخمس في ارباح المكاسب هو غير الآية الكريمة وان قلنا انها لا تختص بالموارد التي وردت منه, فنقول: ان الغنيمة لغة هي التموّل الذاتي في حالة الحرب والسلم «وان الغين والنون والميم, أصل صحيح واحد يدل على إفادة شيء لم يملك من قبل»[8] كما ان الغنم هو الفوز بالشيء من غير مشقّة[9] وقال الراغب: الغنم: اصابته والظفر به ثم استعمل في كل مظفور به من جهة العِدا
وغيرهم, قال تعالى(واعلموا انما غنمتم من شيء)[10] وقال تعالى: «فكلوا مما غنمتم حلالا طيباً»[11] والجمع غنائم[12] .
وممّا يؤيّد ان مادة غنم ليست مختصة بحالة الحرب, الاستعمال العربي في القرآن والحديث فقد وردت بهيئاتها المختلفة, في موارد لا تتصل بالحرب والقتال والنهب والغارة, وهذا ان دلّ على شيء فانما يدل على سعة معنى الغنيمة لحالة الحرب والسلم, واليك بعضاً من ذلك.
1ـ قال تعالى: (تبتغون عرض الحياة الدنيا, فعند الله مغانم كثيرة)[13] .
2ـ ورد في الكافي في قصة حفر عبد المطلب (رضي الله عنه) بئر زمزم بعدما اندرست أو كادت: (احفر تغنم)[14] .
3ـ ورد في امالي الصدوق: ان رسول الله (صلى الله عليه وآله) جاءه رجل فقال: يا رسول الله اما رأيت فلاناً ركب البحر ببضاعة يسيرة وخرج الى الصين فاسرع الكرّة واعظم الغنيمة حتى قد حسده أهل ودّه... فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) ان مال الدنيا كلما ازداد كثرة وعظماً ازداد صاحبه بلاءً... الا اخبركم بمن هو اقلّ من صاحبكم بضاعة واسرع منه كرّة واعظم منه غنيمة...[15] .
4ـ ورد عن امير المؤمنين عليه السلام انه قال: (.... ان شرائع الدين واحدة وسبله قاصدة من اخذ بها لحِق وغنم...)[16]
5ـ وقال ايضاً عليه السلام: (... اغتنم من استقر منك في حال غناك ليجعل قضاءة لك يوم عسرتك)[17] .
6ـ ومما كان يدعو به الامام علي بن الحسين عليه السلام انه قال: (اللهم.... ان من تهده يعلم ومن تقرّبه اليك يغنم)[18] .
7ـ وقال الصادق عليه السلام: (قرض المؤمن غنيمة وتعجيل أجر...)[19] .
8ـ ورد عن الامام الرضا عليه السلام انه قال: (من يهدِه الله فقد اهتدى وسلك الطريقة المثلى وغنم الغنيمة العظمى...)[20] .
على ان كلمة (من شيء) الواردة في الآية الكريمة تدل على العموم في بعض مواردها وهذا منها.
اذن استعمالات مادة وهيئة غنم تكون في الغنيمة الحربية وغيرها, والعموم هو المستفاد والمتبادر من الكلمة عند
اطلاقها وما ذاك الاّ لأن الغنيمة, تعمّ ما يستفيده الانسان وما يحوزه معتبراً ذلك فائده, ولذا فما يستفيده الانسان
من الارث والديون لا يُصطلح عليه انه غنيمة لكونه متوقّعاً, نعم لو كان الميراث غير محتسب لكان غنيمة.
نعم ذهب بعض الى ان الغنيمة لا تطلق الاّ على المأخوذ بالقهر والغلبة, مدّعياً على ذلك القطع فقال: (ان الغنيمة عبارة عن خصوص الفائدة المكتسبة بالقهر والغلبة, لا مطلق الفائدة, اذ لا دليل على الثاني بعد كون المعنى الاول هو المتفاهم من الكلمة لغة وعرفاً)[21] .
ويرد عليه ان هذا ليس الاّ صحة الاستعمال, وهذا غير كافِ في اثبات المعنى الوضعي[22] .
بالاضافة الى ما تقدّم منّا من صحة استعمالها في غير الغنيمة الحربية, فالآية ناظرة الى الوضع العربي والاستعمال العربي الذي هو منطبق على غير حالة الحرب, خصوصاً مع قوله (من شيء) الدالة على العموم, نعم مورد نزول الآية هو الغنيمة الحربية الاّ ان المورد لا يخصص الوارد كما هو الصحيح على ان القائل نفسه[23] قد تقدّم منه التصريح بان الغنيمة هي الفائدة الحاصلة للشخص بلا عوض, مجّاناً اذ قال: (والحاصل ان الغنيمة – كما يشهد بذلك الاستعمال الواردة في كلماتهم – انما يراد بها الفائدة الحاصلة بلا عوض ومجّاناً).
وهذا كما ترى لا ينسجم مع ما تقدّم منه رحمه الله.
كما ان القرطبي ذهب في تفسيره الى القول بأن: (الاتفاق حاصل على ان المراد بقوله تعالى: (انما غنمتم من
شيء)[24] مال الكفار اذا ظفر به المسلمون على وجه الغلبة والقهر ولا تقتضي اللغة هذا التخصيص على ما بيّناه, ولكن عرف الشرع قيّد اللفظ بهذا النوع[25] .
اقول: ولكن هذا تعسّف في الفهم من النصّ وتكلّف, حيث ان التبادر يؤصل العموم ويؤكده, فان الموصول (ما) يتّسع بقدر ما يتسع له (شيء)[26] فانهما متمحضان في التنكير المفيد للعموم هنا, على ان الشارع استعمل الغنيمة في غير الحربية كما تقدّم.
اقول: ان لفظهْ غنمتم, مطلقة تشمل كل غنيمة سواء كانت حربية ام معدنية ام نحو هبة ام كنزية ام حيازة ام هديه ممّا لا يكون فيه توقّع أو كسب, فهي مع اطلاقها وعموم ما يراد منها لا تكون دليلاً على وجوب الخمس في ارباح المكاسب كما تقدّم, فيكون الدليل على وجوب الخمس في هذا النوع هو الاجماع في هذا النوع.
هذا ولكن استدل السيد الخوئي قدس سره بدليل آخر على وجوب الخمس في هذا النوع فقال: (من الواضح
الضروري: ان الحرب, امّا لاستيلاء الكفار كما في زماننا وما قبله حيث اصبح المسلمون مستعمرين, او لاستيلاء
الاسلام كما في عهد الحجة عليه السلام, فلو كان الخمس مقصوراً على غنائم دار الحرب ولم يكن متعلقاً بماله دوام واستمرار من الارباح والتجارات فكيف يعيش فقراء بني هاشم في هذه العصور مع منعهم من الزكاة والفطرة؟
اذن لا مناص من تعلّق الخمس بما له دوام واستمرار ليكون الخمس لهم عوضاً عن الزكاة[27] .