35/07/04
تحمیل
الموضوع: الصوم : المفطرات, الجماع
الثانية : صحيحة يونس - في حديث – (قال : في المسافر يدخل أهله وهو جنب قبل الزوال ولم يكن أكل فعليه أن يتم صومه ولا قضاء عليه - يعني : إذا كانت جنابته من احتلام - .)[1] والحديث قطعه صاحب الوسائل وصدره (عن يونس قال : قال في المسافر الذي يدخل أهله في شهر رمضان وقد أكل قبل دخوله، قال : يكف عن الاكل بقية يومه وعليه القضاء)[2] ويرويها الشيخ الكليني في الكافي بسند تام (علي بن إبراهيم، عن محمد بن عيسى بن عبيد، عن يونس)[3]
ومحل الشاهد من الرواية قوله (يعني : إذا كانت جنابته من احتلام) فهو يدل على ان الجنابة من غير احتلام تكون مضرة بالصوم لأنه قيد الجنابة التي لا تكون مضرة بالصوم هي ما كانت عن احتلام , وهذه الرواية في الكافي وفي التهذيب[4] مضمرة ولم يصرح فيها اسم الامام عليه السلام الذي ينقل عنه الرواية ولكن الشيخ الصدوق[5] ينقل نفس الرواية ويصرح بأسم الامام الذي ينقل عنه يونس وهو الامام موسى بن جعفر عليه السلام , والرواية فيها اشكال في كلمة (يعني) فهل هي من كلام الامام عليه السلام ؟ او انها من كلام يونس ؟ اما كونها من كلام الامام فهذا الاحتمال غير وارد اصلا , واما كونها من كلام يونس فهل يمكن الاستدلال بها؟ اي انه فهم هذا المعنى من كلام الامام ويكون فهمه حجة علينا ؟ او لا ؟
قد يقال ان قوله (يعني : إذا كانت جنابته من احتلام) يفهم منه ان الجنابة اذا كانت من غير الاحتلام فأنها توجب البطلان , وعليه القضاء فنفي القضاء مختص بما اذا كانت الجنابة من الاحتلام , واما مع الاجناب الاختياري العمدي فيجب القضاء ويفسد الصوم وهو الطلوب .
اقول ان عبارة (يعني : إذا كانت جنابته من احتلام) وان لم تكن من كلام الامام عليه السلام فأنها لا تضر بالاستدلال , لأنه لابد من تقييد نفي القضاء بالاحتلام , فأنه حتى على فرض عدم ورود هذه العبارة في الكلام لا يمكن تعميم الحكم بصحة الصوم الوارد في العبارة (فعليه أن يتم صومه ولا قضاء عليه) الى من اجنب نفسه عمدا.
وعليه فلابد من تقييد الحكم في هذه العبارة بالإجناب الاختياري.
فالنتيجة تكون ان المجنب اذا كان عامدا مختارا عليه القضاء ويفسد صومه , اما تعميم الجنابة لمحل الكلام فيتحقق من مفهوم عبارة (يعني : إذا كانت جنابته من احتلام) وهو انه يفسد صومه بكل جنابة غير الاحتلام فإذا ثبت في الصغرى ان الوطء بالدبر يوجب الجنابة فأن هذه الرواية تشمله وتدل على فساد الصوم والمفطرية.
الثالثة : رواية عمر بن يزيد في ( العلل ) عن علي بن حاتم، عن القاسم بن محمد، عن حمدان بن الحسين، عن الحسين بن الوليد، عن عمر بن يزيد (قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام : لأي علة لا يفطر الاحتلام الصائم، والنكاح يفطر الصائم ؟ قال : لان النكاح فعله، والاحتلام مفعول به)[6]
وهذه الرواية غير تامة سندا فلا يصح الاستدلال بها في محل الكلام على الاقل من جهة حمدان والحسين المذكورين فيها .
وهي من جملة الادلة التي اُستدل بها على المقدمة الثانية واي ان الجنابة موجبة للفساد وبطلان الصوم .
ومن الادلة التي اُستدل بها روايات البقاء على الجنابة متعمدا الى طلوع الفجر , فأنها تدل بشكل واضح على مفطرية اجناب الصائم نفسه اثناء النهار والسر في ذلك هو ان تحريم الجنابة حتى يطلع الفجر يُفهم منه عرفا ان هذا انما هو لأجل منافاة الجنابة مع الصوم , وهذا يدل على انه لو احدث الجنابة في اثناء النهار فأنه يوجب بطلان الصوم , والظاهر ان هذا الدليل لأبأس به ويمكن التمسك به ,فإذا ثبتت الصغرى وهي ان الوطء في الدبر موجبا للجنابة فأن ذلك يكون مفطرا وموجبا لبطلان الصوم .
وقد يستشكل كما اُستشكل وذُكر في كلمات بعض المحققين بأن يُطرح احتمال لتحريم البقاء على الجنابة وهو انه ليس كما قلتم للمنافاة بين الجنابة والصوم, وانما يحتمل ان يكون بملاك اخر وهو ملاك مبغوضية مقارنة اول وقت الصوم للجنابة , وبناء على ذلك فلا يمكن الاستدلال على مفطرية الجنابة في اثناء النهار , لأن هذا شيء يختص بالبقاء على الجنابة الى حين طلوع الفجر , ولكن هذا الكلام يبدو انه خلاف الظاهر من الادلة فالظاهر من روايات حرمة البقاء على الجنابة متعمدا الى طلوع الفجر هو منافاة الجنابة للصوم, اما احتمال ان المبغوضية ناشئة من المقارنة فالظاهر انه خلاف الادلة .
فلو افترضنا ان الدليل قال( يحرم عليك السفر في اول ايام شهر رمضان فالشارع لا يريد دخول شهر رمضان عليك وانت مسافر) يفهم منه عرفا عدم الخصوصية لدخول اول الوقت مقارنا للسفر وانما الذي يفهم منه عرفا هو ان السفر مانع من الصوم ويكون موجبا لفساده .
ومن هنا يظهر ان المقدمة الثانية ثابتة في بعض الادلة المتقدمة وحينئذ اذا ضممنا الى ذلك الصغرى وهي ان الوطء في الدبر يوجب الجنابة فأن الدليل يكون تاما , ومن هنا لابد ان نبحث في الصغرى ايضا وان كان موضع بحثها ليس هنا .
بالنسبة الى الوطء في الدبر هل يوجب الغسل؟ او لا ؟ محل خلاف كما سيأتي وان ادعي الاجماع او الشهرة بأنه يوجب الجنابة .
نستعرض ادلة وجوب الجنابة والغسل ثم نستعرض ادلة عدم الوجوب.
اما ادلة وجوب الغسل والجنابة فقد اُستدل على ذلك بعدة ادلة :-
الاول : مرسلة حفص بن سوقة، عمن أخبره (قال : سألت أبا عبد الله ( عليه السلام ) عن الرجل يأتي أهله من خلفها قال : هو أحد المأتيين فيه الغسل)[7]
قيل ان الرواية صريحة في ان الوطء في الدبر موجب للجنابة والغسل وهي غير تامة سندا بأعتبار الارسال والسيد الخوئي (قد) ناقش في دلالتها ايضا حيث منع من ظهورها فضلا عن الصراحة وقال (مضافا إلى امكان المناقشة في دلالتها حيث يحتمل أن يراد من اتيان أهلها من خلفها أنه يولج في قبلها من خلفها كبقية الحيوانات حيث يأتون من الخلف لا أنه يدخل في دبرها ويرشد إلى ذلك قوله يأتي أهله من خلفها ولم يقل يأتي خلف أهلها وبين العبارتين فرق واضح فكان المدخل واحد وله طريقان فقد يؤتى من الخلف وأخرى من القدام)[8] كما انه توجد روايات تقول بأن فعل اليهود كان كذا, وحينئذ لا يمكن الاستدلال بها على ان الوطء بالدبر يوجب الجنابة , وعلى كل حال فالرواية غير تامة سندا ولا يمكن الاعتماد عليها لأثبات هذا الحكم .
الثاني: أطلاق ما دل على وجوب الغسل بالإدخال والايلاج وغيبوبة الحشفة وهي روايات كثيرة في الباب السادس من قبيل الحديث الاول محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام (قال : سألته متى يجب الغسل على الرجل والمرأة ؟ فقال : إذا أدخله فقد وجب الغسل والمهر والرجم )[9]
وأحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي صاحب الرضا ( عليه السلام ) قال ( سألته ما يوجب الغسل على الرجل والمرأة ؟ فقال : إذا أولجه وجب الغسل والمهر والرجم )[10]
ومحمد بن إسماعيل يعنى ابن بزيع قال ( سألت الرضا ( عليه السلام ) عن الرجل يجامع المرأة قريبا من الفرج فلا ينزلان متى يجب الغسل ؟ فقال : إذا التقى الختانان فقد وجب الغسل . فقلت : التقاء الختانين هو غيبوبة الحشفة ؟ قال : نعم )[11]
والاستدلال بهذه الروايات بأنها تدل على وجوب الغسل بهذه العناوين (الادخال ,الايلاج) فيدعى بأنها بمقتضى اطلاقها وشمولها للدبر فأن الادخال والايلاج كما يصدق في القبل يصدق في الدبر , لكن الاستدلال بها مشكل فأنه وان ذُكر الايلاج وحُذف المتعلق لكن هذا لا يفيد العموم وليس فيه اطلاق لوضوح ان الايلاج والادخال ليس مطلقا موجبا للغسل والجنابة, وانما الظاهر ان حذف المتعلق فيه اشارة الى معهود معين , والمتيقن من هذا المعهود هو عبارة عن الوطء في القبل ,ولا وضوح لشمول المعهود لمحل الكلام, ويؤيد ذلك بل لعله يدل عليه هو الرواية الاخيرة, صحيحة محمد بن ابي بزيع حيث فيها (. فقلت : التقاء الختانين هو غيبوبة الحشفة ؟ قال : نعم) اذ المقصود بغيبوبة الحشفة وما يشابهها من عناوين الايلاج والادخال هو التقاء الختانين ولا اشكال في اختصاصه بالوطء بالقبل , وهكذا الحديث السابع عمر بن يزيد قال قلت لأبي عبدالله عليه السلام ) (الرجل يضع ذكره على فرج المرأة فيمني عليها غسل ؟ فقال : إن أصابها من الماء شئ فلتغسله وليس عليها شئ إلا أن يدخله)[12]
فلا يفهم منها ان الدخول يشمل الوطء في الدبر.
الثالث: الاجماع حيث ادعي انه يوجب الغسل والجنابة وتظهر دعوى الاجماع من اكثر من واحد منهم السيد المرتضى بل السيد المرتضى بالغ فيه وذكر بأنه معلوم بالضرورة, وادعى الاجماع ايضا ابن ادريس في السرائر, لكنه نوقش دليل الاجماع بأعتبار وجود من يخالف هذا الحكم اما صراحة واما ظهورا فصراحة كما قالوا ان الشيخ الطوسي في الاستبصار صريح في عدم كونه موجبا للغسل والجنابة لأنه ذكر ادلة وجوب الغسل وناقشها وذكر ادلة عدم وجوب الغسل الاتية واعتمدها , والرواندي صرح في فقه القرآن بعدم وجوب الغسل , وصاحب نزهة الناظر مهذب الدين النيلي صرح بأنه لا يوجب الغسل , والمخالف الذي ظاهر كلامه المخالفة هو عبارة عن الشيخ الطوسي في النهاية , وابن البراج في المهذب وسلار في المراسم فظاهر كلام هؤلاء المخالفة بأعتبار انهم ذكروا ان ما يوجب الغسل اما الانزال او التقاء الختاتنين وقلنا ان التقاء الختانين مختص بموضع الختن وهو لا يصدق الا على آلة الرجل وقبل والمرأة , وظاهر كلامهم انحصار الغسل في هذين الامرين لأنهم في مقام التحديد , بل لعل ذلك ظاهر كلام الشيخ الكليني لأنه اختصر في الباب المناسب على مرفوعة البرقي الاتية الصريحة في عدم الوجوب ولم يذكر غيرها , وتوقف جماعة في المسألة مثل الشيخ في الخلاف والفاضل الآبي في كشف الرموز وغيرهم , بل نقل عن المرتضى قوله (واتصل لي في هذه الأيام عن بعض الشيعة الإمامية أن الوطء في الدبر لا يوجب الغسل)
وهذا يشعر بوجود المخالف لهذا الحكم في زمان السيد المرتضى, ومع هذا فمن الصعب جدا ادعاء الاجماع , نعم لا يبعد تحقق الشهرة .
السيد الخوئي ناقش هذه الادلة وذكر ان ادلة الطرفين ليست ناهضة واستدل بالآية الكريمة وقال هي الدليل على ان الوطء بالدبر موجبا للجنابة
والآية هي التي كررت مرتين بتغيير
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا)[13]
(وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا)[14]
قال السيد الخوئي مقتضى اطلاق الملامسة التي يُفهم من الآية الشريفة انها موجبة للغسل (للجنابة ) بحيث لا تجوز الصلاة الا بعد الغسل منها شموله لمحل الكلام , لأن ملامسة النساء اعم من وطئها في القبل او في الدبر .
وهناك عدة ملاحظات على الاستدلال بالآية الشريفة في محل الكلام :-
الاولى: التمسك بأطلاق الملامسة مشكل _ بغض النظر عن دعوى الانصراف فأنها جارية في جميع العناوين المتقدمة (الادخال والايلاج ) _ فأن الملامسة استعملت في القرآن الكريم كناية عن شيء يقبح التصريح به والقدر المتيقن منه هو الوطء في القبل, وبعبارة اخرى ان الملامسة ذكرت في الآية الشريفة بنحو الطريقية لا على نحو الموضوعية ولا ان الحكم يترتب عليها كملامسة, وانما هي طريق وكناية عن شيء والقدر المتيقن منه هو الوطء في القبل .
الثانية: ان الآية لم ترد لبيان ان الملامسة توجب الغسل وانما هي واردة لبيان ان التيمم بدل عن الغسل عندما يتحقق موجبه بالملامسة , وهاتان الملاحظتان تمنعان من التمسك بالآية للأستدلال بها على ان الوطء بالدبر يوجب الجنابة .
هذه عمدة ادلة وجوب الغسل عند الوطء في الدبر .
الثانية : صحيحة يونس - في حديث – (قال : في المسافر يدخل أهله وهو جنب قبل الزوال ولم يكن أكل فعليه أن يتم صومه ولا قضاء عليه - يعني : إذا كانت جنابته من احتلام - .)[1] والحديث قطعه صاحب الوسائل وصدره (عن يونس قال : قال في المسافر الذي يدخل أهله في شهر رمضان وقد أكل قبل دخوله، قال : يكف عن الاكل بقية يومه وعليه القضاء)[2] ويرويها الشيخ الكليني في الكافي بسند تام (علي بن إبراهيم، عن محمد بن عيسى بن عبيد، عن يونس)[3]
ومحل الشاهد من الرواية قوله (يعني : إذا كانت جنابته من احتلام) فهو يدل على ان الجنابة من غير احتلام تكون مضرة بالصوم لأنه قيد الجنابة التي لا تكون مضرة بالصوم هي ما كانت عن احتلام , وهذه الرواية في الكافي وفي التهذيب[4] مضمرة ولم يصرح فيها اسم الامام عليه السلام الذي ينقل عنه الرواية ولكن الشيخ الصدوق[5] ينقل نفس الرواية ويصرح بأسم الامام الذي ينقل عنه يونس وهو الامام موسى بن جعفر عليه السلام , والرواية فيها اشكال في كلمة (يعني) فهل هي من كلام الامام عليه السلام ؟ او انها من كلام يونس ؟ اما كونها من كلام الامام فهذا الاحتمال غير وارد اصلا , واما كونها من كلام يونس فهل يمكن الاستدلال بها؟ اي انه فهم هذا المعنى من كلام الامام ويكون فهمه حجة علينا ؟ او لا ؟
قد يقال ان قوله (يعني : إذا كانت جنابته من احتلام) يفهم منه ان الجنابة اذا كانت من غير الاحتلام فأنها توجب البطلان , وعليه القضاء فنفي القضاء مختص بما اذا كانت الجنابة من الاحتلام , واما مع الاجناب الاختياري العمدي فيجب القضاء ويفسد الصوم وهو الطلوب .
اقول ان عبارة (يعني : إذا كانت جنابته من احتلام) وان لم تكن من كلام الامام عليه السلام فأنها لا تضر بالاستدلال , لأنه لابد من تقييد نفي القضاء بالاحتلام , فأنه حتى على فرض عدم ورود هذه العبارة في الكلام لا يمكن تعميم الحكم بصحة الصوم الوارد في العبارة (فعليه أن يتم صومه ولا قضاء عليه) الى من اجنب نفسه عمدا.
وعليه فلابد من تقييد الحكم في هذه العبارة بالإجناب الاختياري.
فالنتيجة تكون ان المجنب اذا كان عامدا مختارا عليه القضاء ويفسد صومه , اما تعميم الجنابة لمحل الكلام فيتحقق من مفهوم عبارة (يعني : إذا كانت جنابته من احتلام) وهو انه يفسد صومه بكل جنابة غير الاحتلام فإذا ثبت في الصغرى ان الوطء بالدبر يوجب الجنابة فأن هذه الرواية تشمله وتدل على فساد الصوم والمفطرية.
الثالثة : رواية عمر بن يزيد في ( العلل ) عن علي بن حاتم، عن القاسم بن محمد، عن حمدان بن الحسين، عن الحسين بن الوليد، عن عمر بن يزيد (قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام : لأي علة لا يفطر الاحتلام الصائم، والنكاح يفطر الصائم ؟ قال : لان النكاح فعله، والاحتلام مفعول به)[6]
وهذه الرواية غير تامة سندا فلا يصح الاستدلال بها في محل الكلام على الاقل من جهة حمدان والحسين المذكورين فيها .
وهي من جملة الادلة التي اُستدل بها على المقدمة الثانية واي ان الجنابة موجبة للفساد وبطلان الصوم .
ومن الادلة التي اُستدل بها روايات البقاء على الجنابة متعمدا الى طلوع الفجر , فأنها تدل بشكل واضح على مفطرية اجناب الصائم نفسه اثناء النهار والسر في ذلك هو ان تحريم الجنابة حتى يطلع الفجر يُفهم منه عرفا ان هذا انما هو لأجل منافاة الجنابة مع الصوم , وهذا يدل على انه لو احدث الجنابة في اثناء النهار فأنه يوجب بطلان الصوم , والظاهر ان هذا الدليل لأبأس به ويمكن التمسك به ,فإذا ثبتت الصغرى وهي ان الوطء في الدبر موجبا للجنابة فأن ذلك يكون مفطرا وموجبا لبطلان الصوم .
وقد يستشكل كما اُستشكل وذُكر في كلمات بعض المحققين بأن يُطرح احتمال لتحريم البقاء على الجنابة وهو انه ليس كما قلتم للمنافاة بين الجنابة والصوم, وانما يحتمل ان يكون بملاك اخر وهو ملاك مبغوضية مقارنة اول وقت الصوم للجنابة , وبناء على ذلك فلا يمكن الاستدلال على مفطرية الجنابة في اثناء النهار , لأن هذا شيء يختص بالبقاء على الجنابة الى حين طلوع الفجر , ولكن هذا الكلام يبدو انه خلاف الظاهر من الادلة فالظاهر من روايات حرمة البقاء على الجنابة متعمدا الى طلوع الفجر هو منافاة الجنابة للصوم, اما احتمال ان المبغوضية ناشئة من المقارنة فالظاهر انه خلاف الادلة .
فلو افترضنا ان الدليل قال( يحرم عليك السفر في اول ايام شهر رمضان فالشارع لا يريد دخول شهر رمضان عليك وانت مسافر) يفهم منه عرفا عدم الخصوصية لدخول اول الوقت مقارنا للسفر وانما الذي يفهم منه عرفا هو ان السفر مانع من الصوم ويكون موجبا لفساده .
ومن هنا يظهر ان المقدمة الثانية ثابتة في بعض الادلة المتقدمة وحينئذ اذا ضممنا الى ذلك الصغرى وهي ان الوطء في الدبر يوجب الجنابة فأن الدليل يكون تاما , ومن هنا لابد ان نبحث في الصغرى ايضا وان كان موضع بحثها ليس هنا .
بالنسبة الى الوطء في الدبر هل يوجب الغسل؟ او لا ؟ محل خلاف كما سيأتي وان ادعي الاجماع او الشهرة بأنه يوجب الجنابة .
نستعرض ادلة وجوب الجنابة والغسل ثم نستعرض ادلة عدم الوجوب.
اما ادلة وجوب الغسل والجنابة فقد اُستدل على ذلك بعدة ادلة :-
الاول : مرسلة حفص بن سوقة، عمن أخبره (قال : سألت أبا عبد الله ( عليه السلام ) عن الرجل يأتي أهله من خلفها قال : هو أحد المأتيين فيه الغسل)[7]
قيل ان الرواية صريحة في ان الوطء في الدبر موجب للجنابة والغسل وهي غير تامة سندا بأعتبار الارسال والسيد الخوئي (قد) ناقش في دلالتها ايضا حيث منع من ظهورها فضلا عن الصراحة وقال (مضافا إلى امكان المناقشة في دلالتها حيث يحتمل أن يراد من اتيان أهلها من خلفها أنه يولج في قبلها من خلفها كبقية الحيوانات حيث يأتون من الخلف لا أنه يدخل في دبرها ويرشد إلى ذلك قوله يأتي أهله من خلفها ولم يقل يأتي خلف أهلها وبين العبارتين فرق واضح فكان المدخل واحد وله طريقان فقد يؤتى من الخلف وأخرى من القدام)[8] كما انه توجد روايات تقول بأن فعل اليهود كان كذا, وحينئذ لا يمكن الاستدلال بها على ان الوطء بالدبر يوجب الجنابة , وعلى كل حال فالرواية غير تامة سندا ولا يمكن الاعتماد عليها لأثبات هذا الحكم .
الثاني: أطلاق ما دل على وجوب الغسل بالإدخال والايلاج وغيبوبة الحشفة وهي روايات كثيرة في الباب السادس من قبيل الحديث الاول محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام (قال : سألته متى يجب الغسل على الرجل والمرأة ؟ فقال : إذا أدخله فقد وجب الغسل والمهر والرجم )[9]
وأحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي صاحب الرضا ( عليه السلام ) قال ( سألته ما يوجب الغسل على الرجل والمرأة ؟ فقال : إذا أولجه وجب الغسل والمهر والرجم )[10]
ومحمد بن إسماعيل يعنى ابن بزيع قال ( سألت الرضا ( عليه السلام ) عن الرجل يجامع المرأة قريبا من الفرج فلا ينزلان متى يجب الغسل ؟ فقال : إذا التقى الختانان فقد وجب الغسل . فقلت : التقاء الختانين هو غيبوبة الحشفة ؟ قال : نعم )[11]
والاستدلال بهذه الروايات بأنها تدل على وجوب الغسل بهذه العناوين (الادخال ,الايلاج) فيدعى بأنها بمقتضى اطلاقها وشمولها للدبر فأن الادخال والايلاج كما يصدق في القبل يصدق في الدبر , لكن الاستدلال بها مشكل فأنه وان ذُكر الايلاج وحُذف المتعلق لكن هذا لا يفيد العموم وليس فيه اطلاق لوضوح ان الايلاج والادخال ليس مطلقا موجبا للغسل والجنابة, وانما الظاهر ان حذف المتعلق فيه اشارة الى معهود معين , والمتيقن من هذا المعهود هو عبارة عن الوطء في القبل ,ولا وضوح لشمول المعهود لمحل الكلام, ويؤيد ذلك بل لعله يدل عليه هو الرواية الاخيرة, صحيحة محمد بن ابي بزيع حيث فيها (. فقلت : التقاء الختانين هو غيبوبة الحشفة ؟ قال : نعم) اذ المقصود بغيبوبة الحشفة وما يشابهها من عناوين الايلاج والادخال هو التقاء الختانين ولا اشكال في اختصاصه بالوطء بالقبل , وهكذا الحديث السابع عمر بن يزيد قال قلت لأبي عبدالله عليه السلام ) (الرجل يضع ذكره على فرج المرأة فيمني عليها غسل ؟ فقال : إن أصابها من الماء شئ فلتغسله وليس عليها شئ إلا أن يدخله)[12]
فلا يفهم منها ان الدخول يشمل الوطء في الدبر.
الثالث: الاجماع حيث ادعي انه يوجب الغسل والجنابة وتظهر دعوى الاجماع من اكثر من واحد منهم السيد المرتضى بل السيد المرتضى بالغ فيه وذكر بأنه معلوم بالضرورة, وادعى الاجماع ايضا ابن ادريس في السرائر, لكنه نوقش دليل الاجماع بأعتبار وجود من يخالف هذا الحكم اما صراحة واما ظهورا فصراحة كما قالوا ان الشيخ الطوسي في الاستبصار صريح في عدم كونه موجبا للغسل والجنابة لأنه ذكر ادلة وجوب الغسل وناقشها وذكر ادلة عدم وجوب الغسل الاتية واعتمدها , والرواندي صرح في فقه القرآن بعدم وجوب الغسل , وصاحب نزهة الناظر مهذب الدين النيلي صرح بأنه لا يوجب الغسل , والمخالف الذي ظاهر كلامه المخالفة هو عبارة عن الشيخ الطوسي في النهاية , وابن البراج في المهذب وسلار في المراسم فظاهر كلام هؤلاء المخالفة بأعتبار انهم ذكروا ان ما يوجب الغسل اما الانزال او التقاء الختاتنين وقلنا ان التقاء الختانين مختص بموضع الختن وهو لا يصدق الا على آلة الرجل وقبل والمرأة , وظاهر كلامهم انحصار الغسل في هذين الامرين لأنهم في مقام التحديد , بل لعل ذلك ظاهر كلام الشيخ الكليني لأنه اختصر في الباب المناسب على مرفوعة البرقي الاتية الصريحة في عدم الوجوب ولم يذكر غيرها , وتوقف جماعة في المسألة مثل الشيخ في الخلاف والفاضل الآبي في كشف الرموز وغيرهم , بل نقل عن المرتضى قوله (واتصل لي في هذه الأيام عن بعض الشيعة الإمامية أن الوطء في الدبر لا يوجب الغسل)
وهذا يشعر بوجود المخالف لهذا الحكم في زمان السيد المرتضى, ومع هذا فمن الصعب جدا ادعاء الاجماع , نعم لا يبعد تحقق الشهرة .
السيد الخوئي ناقش هذه الادلة وذكر ان ادلة الطرفين ليست ناهضة واستدل بالآية الكريمة وقال هي الدليل على ان الوطء بالدبر موجبا للجنابة
والآية هي التي كررت مرتين بتغيير
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا)[13]
(وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا)[14]
قال السيد الخوئي مقتضى اطلاق الملامسة التي يُفهم من الآية الشريفة انها موجبة للغسل (للجنابة ) بحيث لا تجوز الصلاة الا بعد الغسل منها شموله لمحل الكلام , لأن ملامسة النساء اعم من وطئها في القبل او في الدبر .
وهناك عدة ملاحظات على الاستدلال بالآية الشريفة في محل الكلام :-
الاولى: التمسك بأطلاق الملامسة مشكل _ بغض النظر عن دعوى الانصراف فأنها جارية في جميع العناوين المتقدمة (الادخال والايلاج ) _ فأن الملامسة استعملت في القرآن الكريم كناية عن شيء يقبح التصريح به والقدر المتيقن منه هو الوطء في القبل, وبعبارة اخرى ان الملامسة ذكرت في الآية الشريفة بنحو الطريقية لا على نحو الموضوعية ولا ان الحكم يترتب عليها كملامسة, وانما هي طريق وكناية عن شيء والقدر المتيقن منه هو الوطء في القبل .
الثانية: ان الآية لم ترد لبيان ان الملامسة توجب الغسل وانما هي واردة لبيان ان التيمم بدل عن الغسل عندما يتحقق موجبه بالملامسة , وهاتان الملاحظتان تمنعان من التمسك بالآية للأستدلال بها على ان الوطء بالدبر يوجب الجنابة .
هذه عمدة ادلة وجوب الغسل عند الوطء في الدبر .