35/06/23
تحمیل
الموضوع: الصوم : المفطرات , الاكل والشرب مسألة3
ذكرنا في الدرس السابق ان المتيقن من الاكل والشرب هو ما يدخل الى المعدة عن طريق الفم , وان تعميم المفطرية لما يشترك مع الاكل والشرب بهذا المعنى الضيق في الغرض يحتاج الى الجزم بأن الغرض من النهي عن الاكل والشرب هو المنع من التغذي على ما دخل في المعدة وتحلل فيها , ويمكن التعميم بناء على هذا الكلام حتى الى ما يصل الى معدة الانسان لا عن طريق الحلق اصلا , كما لو افترضنا انه فتحت فتحتة تحت الحلق, وقد ذهب الى هذا الرأي جملة من الفقهاء ومنهم الشيخ صاحب الجواهر (نعم لو فرض منفذ ولو بالعارض لهما في البدن أفطر به قطعا إن كان مما يصل به الغذاء أما لو كان في مكان لا يتغذى بالوصول منه لسفله عن المعدة مثلا ففيه وجهان أقواهما عدم الافطار)[1]
ومن هنا يتبين انه كل ما صدق عليه الاكل والشرب يكون مفطرا بلا اشكال , واما اذا لم يصدق عليه الاكل والشرب , فبناء على الميزان الثاني ان كان محققا للغرض كما قلنا, فأنه لا يبعد الالتزام بالمفطرية, واما على فرض عدم صدق الاكل والشرب ولا تحقق الغرض فحينئذ يأتي الميزان الثالث وهو ان نبحث عن دليل خاص يدل على مفطريته, كما في مفطرية الارتماس, واذا لم تتحقق جميع هذه الامور فلا يمكن الالتزام بالمفطرية, وبناء على هذا الكلام فأن ما ينزل من الرأس او ما يخرج من الصدر اذا لم يصل الى فضاء الفم فالظاهر انه لا ينبغي التوقف في عدم مفطريته بأعتبار انه لا يصدق عليه الاكل والشرب, كما انه لا يتحقق الغرض من النهي عن الاكل والشرب لعدم حصول التغذية فيه , ولا نملك دليلا خاصا يدل على مفطريته, بل الامر بالعكس فهناك دليل سيأتي يدل على عدم مفطريته حتى لو خرج الى فضاء الفم , مضافا الى ماذكروه من مسألة الحرج وكثرة الابتلاء وان الزام الصائم بتركه لا يخلو من حرج فتأتي الادلة المتقدمة[2] لأثبات عدم مفطريته , هذا اذا لم يصل الى فضاء الفم, واما اذا وصل الى فضاء الفم , اي انه تعدى الحلق (مخرج الحاء ) فالمشهور على ما ذكروا هو عدم المفطرية ايضا فيجوز ابتلاعه ولو عمدا ويستدل لقول المشهور في محل الكلام :-
اولا : عدم صدق الاكل والشرب بناء على ما قلناه من ان الاكل والشرب يصدق على الغذاء الذي يدخل الى المعدة عن طريق الفم , واما ما يخرج من الصدر او ما ينزل من الرأس فأنه لا يصدق على ابتلاعه انه اكل ولا شرب .
ثانيا : موثقة غياث بن إبراهيم(عن أبي عبد الله عليه السلام قال : لا بأس أن يزدرد الصائم نخامته)[3]
والرواية معتبرة سندا وسميت موثقة بأعتبار غياث بن ابراهيم فأن الشيخ[4] يعبر عنه انه بتري اما النجاشي فلم يذكر عنه شيئا, فدار كلام حول الرواية في كونها موثقة او صحيحة وعلى كل حال فهي معتبرة .
والازدراد ان لم نقل بأنه ظاهر في ابتلاع ما يكون في فضاء الفم ويتعدى الحلق فلا اقل من ان الرواية مطلقة له وتشمله بالإطلاق , فالقول بأختصاص الرواية بما لم يصل الى فضاء الفم بعيد , وعليه فهي تدل على جواز الابتلاع في محل الكلام .
ثالثا: صحيحة عبد الله بن سنان (قال : سئل أبو عبد الله عليه السلام عن الرجل الصائم يقلس فيخرج منه الشيء من الطعام، أيفطره ذلك ؟ قال : لا، قلت : فان ازدرده بعد أن صار على لسانه قال : لا يفطره ذلك)[5] ولكن تقدم حمل هذه الرواية على الازدراد القهري, وحينئذ لا تنفعنا في المقام , ومنشأ هذا الحمل ان الشيخ الطوسي حملها على الازدراد نسيانا, وايده بعض من تأخره عنه , وقد ذكرنا سابقا ان حملها على الازدراد غير الاختياري بأعتبار استبعاد الازدراد عمدا لتنفر الطبع منه, وهذا ما يجعل الرواية منصرفة عن الازدراد الاختياري , وهذا المقدار(ما ذكره الشيخ الطوسي) عند الكلام بحسب ما تقتضيه الصناعة اذا وصل الى حد الاعراض منه ومن غيره ولم يعملوا بالرواية_ ولذا حملوها على الازدراد نسيانا _فهذا يوجب سقوط الرواية عن الحجية, والا فإن لم يصل الى هذه الدرجة كما هو الظاهر فحينئذ مقتضى الصناعة هو العمل بظاهر الرواية, وهو يقول بأن الازدراد العمدي يجوز في مثل هذه الحالة لا سيما انه الموافق للقاعدة لأنه لا يصدق عليه الاكل والشرب , واما بالنسبة الى موثقة غياث بن ابراهيم فقد ناقش فيها السيد الخوئي[6] وغيره في تحديد معنى النخامة فهل هي خصوص ما يخرج من الصدر؟ او خصوص ما ينزل من الرأس؟ وان ما ينزل من الرأس يختص بأسم النخاعة كما هو رأي البعض او انه ما يشمل الامرين؟ اي ان النخامة والنخاعة مترادفان كما هو رأي البعض ؟
وحيث ان لفظ النخامة الموجود في الرواية لا مرجح له لمعنى دون اخر فلا يمكن الاستدلال بالموثقة على جواز احدهما .
فتدخل المسألة في باب العلم الاجمالي فيحرم على المكلف كليهما , ومن هنا افتى السيد الماتن بالاحتياط في هذه الصورة (ما اذا وصل الى فضاء الفم ) والسيد الخوئي ايضا افتى بوجوب الاحتياط في هذه الصورة .
اقول ان هذه المناقشة في هذه الموثقة ليست في محلها لأنها مبنية على ان المطلقات _الناهية عن الاكل والشرب _ تشمل بأطلاقها ما ينزل من الرأس وما يخرج من الصدر , وعلى هذا المبنى يصح كلامهم , لحصول العلم بحرمة احدهما ولعدم امكان تحديده , فيجب الاجتناب عنهما جميعا , ولكن هذا غير تام لأننا نشكك في شمول الاكل والشرب لمثل النخامة والنخاعة وبالتالي ليس عندنا مطلقات تدل على الحرمة وانما الذي يوجد رواية تدل على ان النخامة يجوز ابتلاعها وهذا يوافق ما قلنا من ان هذا لا يصدق عليه الاكل والشرب وان مقتضى القاعدة هو جواز الابتلاع ,فنحن نريد الدليل على المنع .
وهذا ليس دليلا على المنع وانما هو دليل على جواز احدهما , وحينئذ يمكن تثبيت جواز الاخر بما قلنا من عدم صدق الاكل والشرب عليه او بصحيحة عبد الله بن سنان حيث يمكن التمسك بها والتعدي الى محل الكلام اي الى جواز ابتلاع الاخر الذي لا تشمله الموثقة بناء على اجمالها, ومن هنا يظهر بأن الصحيح في المقام هو ما قلناه بعدم الفرق بين ما يخرج الى فضاء الفم وما لا يخرج فالظاهر ان كل منهما لا بأس بأبتلاعه وان ابتلاعه لا يكون مفطرا, نعم لا اشكال ان الاحتياط خصوصا اذا وصل الى فضاء الفم يكون في محله .
ذكرنا في الدرس السابق ان المتيقن من الاكل والشرب هو ما يدخل الى المعدة عن طريق الفم , وان تعميم المفطرية لما يشترك مع الاكل والشرب بهذا المعنى الضيق في الغرض يحتاج الى الجزم بأن الغرض من النهي عن الاكل والشرب هو المنع من التغذي على ما دخل في المعدة وتحلل فيها , ويمكن التعميم بناء على هذا الكلام حتى الى ما يصل الى معدة الانسان لا عن طريق الحلق اصلا , كما لو افترضنا انه فتحت فتحتة تحت الحلق, وقد ذهب الى هذا الرأي جملة من الفقهاء ومنهم الشيخ صاحب الجواهر (نعم لو فرض منفذ ولو بالعارض لهما في البدن أفطر به قطعا إن كان مما يصل به الغذاء أما لو كان في مكان لا يتغذى بالوصول منه لسفله عن المعدة مثلا ففيه وجهان أقواهما عدم الافطار)[1]
ومن هنا يتبين انه كل ما صدق عليه الاكل والشرب يكون مفطرا بلا اشكال , واما اذا لم يصدق عليه الاكل والشرب , فبناء على الميزان الثاني ان كان محققا للغرض كما قلنا, فأنه لا يبعد الالتزام بالمفطرية, واما على فرض عدم صدق الاكل والشرب ولا تحقق الغرض فحينئذ يأتي الميزان الثالث وهو ان نبحث عن دليل خاص يدل على مفطريته, كما في مفطرية الارتماس, واذا لم تتحقق جميع هذه الامور فلا يمكن الالتزام بالمفطرية, وبناء على هذا الكلام فأن ما ينزل من الرأس او ما يخرج من الصدر اذا لم يصل الى فضاء الفم فالظاهر انه لا ينبغي التوقف في عدم مفطريته بأعتبار انه لا يصدق عليه الاكل والشرب, كما انه لا يتحقق الغرض من النهي عن الاكل والشرب لعدم حصول التغذية فيه , ولا نملك دليلا خاصا يدل على مفطريته, بل الامر بالعكس فهناك دليل سيأتي يدل على عدم مفطريته حتى لو خرج الى فضاء الفم , مضافا الى ماذكروه من مسألة الحرج وكثرة الابتلاء وان الزام الصائم بتركه لا يخلو من حرج فتأتي الادلة المتقدمة[2] لأثبات عدم مفطريته , هذا اذا لم يصل الى فضاء الفم, واما اذا وصل الى فضاء الفم , اي انه تعدى الحلق (مخرج الحاء ) فالمشهور على ما ذكروا هو عدم المفطرية ايضا فيجوز ابتلاعه ولو عمدا ويستدل لقول المشهور في محل الكلام :-
اولا : عدم صدق الاكل والشرب بناء على ما قلناه من ان الاكل والشرب يصدق على الغذاء الذي يدخل الى المعدة عن طريق الفم , واما ما يخرج من الصدر او ما ينزل من الرأس فأنه لا يصدق على ابتلاعه انه اكل ولا شرب .
ثانيا : موثقة غياث بن إبراهيم(عن أبي عبد الله عليه السلام قال : لا بأس أن يزدرد الصائم نخامته)[3]
والرواية معتبرة سندا وسميت موثقة بأعتبار غياث بن ابراهيم فأن الشيخ[4] يعبر عنه انه بتري اما النجاشي فلم يذكر عنه شيئا, فدار كلام حول الرواية في كونها موثقة او صحيحة وعلى كل حال فهي معتبرة .
والازدراد ان لم نقل بأنه ظاهر في ابتلاع ما يكون في فضاء الفم ويتعدى الحلق فلا اقل من ان الرواية مطلقة له وتشمله بالإطلاق , فالقول بأختصاص الرواية بما لم يصل الى فضاء الفم بعيد , وعليه فهي تدل على جواز الابتلاع في محل الكلام .
ثالثا: صحيحة عبد الله بن سنان (قال : سئل أبو عبد الله عليه السلام عن الرجل الصائم يقلس فيخرج منه الشيء من الطعام، أيفطره ذلك ؟ قال : لا، قلت : فان ازدرده بعد أن صار على لسانه قال : لا يفطره ذلك)[5] ولكن تقدم حمل هذه الرواية على الازدراد القهري, وحينئذ لا تنفعنا في المقام , ومنشأ هذا الحمل ان الشيخ الطوسي حملها على الازدراد نسيانا, وايده بعض من تأخره عنه , وقد ذكرنا سابقا ان حملها على الازدراد غير الاختياري بأعتبار استبعاد الازدراد عمدا لتنفر الطبع منه, وهذا ما يجعل الرواية منصرفة عن الازدراد الاختياري , وهذا المقدار(ما ذكره الشيخ الطوسي) عند الكلام بحسب ما تقتضيه الصناعة اذا وصل الى حد الاعراض منه ومن غيره ولم يعملوا بالرواية_ ولذا حملوها على الازدراد نسيانا _فهذا يوجب سقوط الرواية عن الحجية, والا فإن لم يصل الى هذه الدرجة كما هو الظاهر فحينئذ مقتضى الصناعة هو العمل بظاهر الرواية, وهو يقول بأن الازدراد العمدي يجوز في مثل هذه الحالة لا سيما انه الموافق للقاعدة لأنه لا يصدق عليه الاكل والشرب , واما بالنسبة الى موثقة غياث بن ابراهيم فقد ناقش فيها السيد الخوئي[6] وغيره في تحديد معنى النخامة فهل هي خصوص ما يخرج من الصدر؟ او خصوص ما ينزل من الرأس؟ وان ما ينزل من الرأس يختص بأسم النخاعة كما هو رأي البعض او انه ما يشمل الامرين؟ اي ان النخامة والنخاعة مترادفان كما هو رأي البعض ؟
وحيث ان لفظ النخامة الموجود في الرواية لا مرجح له لمعنى دون اخر فلا يمكن الاستدلال بالموثقة على جواز احدهما .
فتدخل المسألة في باب العلم الاجمالي فيحرم على المكلف كليهما , ومن هنا افتى السيد الماتن بالاحتياط في هذه الصورة (ما اذا وصل الى فضاء الفم ) والسيد الخوئي ايضا افتى بوجوب الاحتياط في هذه الصورة .
اقول ان هذه المناقشة في هذه الموثقة ليست في محلها لأنها مبنية على ان المطلقات _الناهية عن الاكل والشرب _ تشمل بأطلاقها ما ينزل من الرأس وما يخرج من الصدر , وعلى هذا المبنى يصح كلامهم , لحصول العلم بحرمة احدهما ولعدم امكان تحديده , فيجب الاجتناب عنهما جميعا , ولكن هذا غير تام لأننا نشكك في شمول الاكل والشرب لمثل النخامة والنخاعة وبالتالي ليس عندنا مطلقات تدل على الحرمة وانما الذي يوجد رواية تدل على ان النخامة يجوز ابتلاعها وهذا يوافق ما قلنا من ان هذا لا يصدق عليه الاكل والشرب وان مقتضى القاعدة هو جواز الابتلاع ,فنحن نريد الدليل على المنع .
وهذا ليس دليلا على المنع وانما هو دليل على جواز احدهما , وحينئذ يمكن تثبيت جواز الاخر بما قلنا من عدم صدق الاكل والشرب عليه او بصحيحة عبد الله بن سنان حيث يمكن التمسك بها والتعدي الى محل الكلام اي الى جواز ابتلاع الاخر الذي لا تشمله الموثقة بناء على اجمالها, ومن هنا يظهر بأن الصحيح في المقام هو ما قلناه بعدم الفرق بين ما يخرج الى فضاء الفم وما لا يخرج فالظاهر ان كل منهما لا بأس بأبتلاعه وان ابتلاعه لا يكون مفطرا, نعم لا اشكال ان الاحتياط خصوصا اذا وصل الى فضاء الفم يكون في محله .
[2] تقدم الكلام في ان مثل هذه الموارد(لو كانت ممنوعة) لابد من كثرة
الاسئلة عنها ,وعدم ورود شيء من الاسئلة عنها يكشف عن عدم منعها.
[3] وسائل الشيعة , الحر العاملي
,ج10 ,ص109, ابواب ما يمسك عنه الصائم ووقت الإمساك , باب39,ح1, ط آل البيت.