38/05/29
تحمیل
آیةالله الشيخ محمداسحاق الفیاض
بحث الأصول
38/05/29
بسم الله الرحمن الرحيم
الموضوع: أصالة البراءة
تحصل مما ذكرنا أن النهي الوارد في روايات الاستصحاب لا يمكن ان يكون نهيا مولويا تكليفيا لأن نقض اليقين بالشك أمر قهري وغير اختياري فلا يمكن أن يكون متعلقا للنهي المولوي التكليفي فلا محالة يحتمل فيه أمران:
الأول: ان يكون مفاد هذا النهي الإرشاد إلى تعيين وظيفة المكلف في حالة الشك في البقاء وهي الجري العملي على طبق الحالة السابقة لا جعل الطريقية والكاشفية لما تقدم من أنه لا يوجد في الحالة السابقة ما يصلح أن يكون أمارة فلا معنى لجعل الأمارية والطريقية ولا يعقل جعل الشك المتساوي الطرفين أمارة وطريقا إلى الواقع فالشيء في نفسه إذا كان أمارة وطريقا إلى الواقع يمكن جعله شرعا طريقا - على إشكال تقدم ذكره من أن هذا الجعل لا يمكن أيضا ولكن مع الإغماض عن هذا الإشكال - إذ أن جعل الطريقية لشيء لا بد أن يكون لما هو في نفسه طريقا تكوينيا إلى الواقع وأمارة عليه وأما إذا لم يكن الشيء في نفسه طريقا الى الواقع وأمارة فلا يمكن جعل الطريقية له وكونه كاشفا عن الواقع شرعا.
فإذاً لا يمكن أن يكون هذا النهي إرشادا إلى جعل الطريقية والكاشفية للحالة السابقة في ظرف الشك.
الثاني: ان يكون مفاد هذا النهي تنزيل الشك منزلة اليقين ومرجع هذا التنزيل ومرده إلى جعل الحكم الظاهري للمنزل المماثل للحكم الواقعي للمنزل عليه وهو اليقين لا جعل الطريقية والكاشفية فإن مرجع التنزيل هو جعل الحكم الظاهري للمنزل المماثل للحكم الواقعي للمنزل عليه في مقام الجري العملي على طبق الحالة السابقة وليس مرجع التنزيل إلى جعل الطريقية والكاشفية للحالة السابقة لما تقدم من أنه لا يوجد في الحالة السابقة ما يصلح أن يكون أمارة إذ ليس احتمال بقاء الحالة السابقة في ظرف الشك أرجح من احتمال عدم بقائها حتى يكون هذا الرجحان قابلا لجعل الشارع له طريقا الى الواقع وكاشفا عنه - مع غض النظر عن الإشكال المتقدم -.
فمفاد أدلة الاستصحاب لا يخلو من هذين الأمرين. وكلاهما لا يتكفل جعل الطريقية والكاشفية.
وعلى هذا:
فإن أراد المحقق النائيني(قده) بالجري العملي هو الجري العملي على طبق الحالة السابقة بجعل الطريقية والكاشفية.
فيرد عليه: أنه مبني على أن تكون الحالة السابقة قابلة لأن تكون أمارة على البقاء وقد تقدم أنه لا يوجد فيها ما يصلح لذلك حتى يجعل الشارع الطريقية له والكاشفية.
وإن أراد بالجري العملي الجري العملي على طبق الحالة السابقة تعبدا بلا نظر إلى الواقع.
فيرد عليه: أن معنى هذا هو أن الاستصحاب من الأصول العملية غير المحرزة وليس المجعول فيها الطريقية والكاشفية.
وبكلمة: إن أراد بالجري العملي على طبق الحالة السابقة تنزيل الشك منزلة اليقين بالكشف فيرد عليه أن الشك بما هو شك لا يصلح للأمارية ولا يصلح للطريقية فلا يمكن جعل الكاشفية والطريقية له هذا مضافا إلى أن ادلة الاستصحاب لا تدل على هذا التنزيل. وإن أراد بالجري العملي تنزيل الشك منزلة اليقين في الجري العملي على طبق الحالة السابقة فيرد عليه:
أولا: ان دليل الاستصحاب لا يدل على ذلك.
وثانيا: أن لازم ذلك كون الاستصحاب من الأصول غير المحرزة لا من الأصول المحرزة.
فالنتيجة ان ما ذكره المحقق النائيني(قده) على جميع الاحتمالات لا يمكن معه جعل الاستصحاب من الأصول المحرزة فضلا عن كونه أمارة. هذا من ناحية.
ومن ناحية أخرى: ذكر بعض المحققين(قده)[1] على ما في تقرير بحثه أن مصب حجية الاستصحاب وموضوعها قوة الاحتمال بدرجة الكشف من جهة واهمية المحتمل من جهة أخرى فالاستصحاب أمارة من الجهة الأولى لما تقدم من ان مصب حجية الأمارة قوة الاحتمال بدرجة الكشف فهو ملحق بالأمارات من هذه الناحية وبلحاظ الناحية الثانية يكون ملحق بالأصول العملية لأن مصب حجيته أهمية المحتمل وأما الأصول العملية غير المحرزة فمصب حجيتها وموضوعها اهمية المحتمل فقط بدون النظر إلى الواقع هذا هو الفارق بينهما ثبوتا.
والمراد من قوة الاحتمال بدرجة الكشف قوة الاحتمال النوعي لا الشخصي وإلا فلا شبهة في أن الاستصحاب لا يفيد الظن والوثوق في كل مورد وقوة وهذا امارة اخرى على ان حجية أخبار الثقة مجعولة من باب الوثوق النوعي لا من باب الوثوق الشخصي ولهذا يكون خبر الثقة حجة حتى في ما إذا لم يفد الظن بل حتى لو كان الظن على خلافه وكذلك اهمية المحتمل فإن المراد منها أهمية المحتمل النوعية لا الشخصية.
ولكن تقدم الإشكال في ذلك؛ فإن قوة الاحتمال بدرجة الكشف لا توجد في مورد الاستصحاب لأن اليقين بحدوث الحالة السابقة بعد زواله وانعدامه لا يقتضي بقاءها في ظرف الشك وإلا لزم ما ذكرناه من محذور انفكاك المعلول عن العلة او تأثير المعدوم في الموجود ولا يوجد في مورد الاستصحاب ما يصلح ان يكون أمارة ولا يكون البقاء للحالة السابقة راجحا على عدم بقائها فإذاً لا يمكن ان يكون مصب حجية الاستصحاب قوة الاحتمال بدرجة الكشف فإن قوة الاحتمال تعني رجحان احتمال البقاء ولكن احتمال بقاء الحالة السابقة في ظرف الشك ليس أرجح من احتمال عدم بقائها في ظرف الشك فيه.
فإذاً لا يمكن المساعدة على ما ذكره(قده).
أما ما ذكره في الأصول العملية غير المحرزة من ان مصب حجيتها اهمية المحتمل فقد تقدم الإشكال في ذلك:
أولا: ان المحتمل في مورد الاصول العملية الشرعية الترخيصية هو الحكم الترخيصي أي الملاك الترخيصي وذكرنا أن الأحكام الترخيصية والمباحات الأصلية غير مجعولة في الشريعة المقدسة حتى يكون لها مصالح ومبادئ كالأحكام اللزومية.
وثانيا: أنا ذكرنا ان الأحكام الظاهرية الالزامية في الأصول العملية الالزامية غير المحرزة كإيجاب الاحتياط والاستصحاب المثبت للتكليف مجعولة من جهة اهتمام المولى بالحفاظ على ملاكات الأحكام الواقعية ومبادئها حتى في ظرف الشك والجهل والالتباس ولهذا جعل الاحتياط والاستصحاب المثبت للتكليف على تفصيل تقدم.
ثم إن ما ذكره المحقق النائيني(قده) من ان الاستصحاب حاكم على الأصول العملية غير المحرزة لأن المجعول فيه الطريقية والكاشفية والعلم التعبدي وهو رافع لموضوعها الذي هو الجهل وعدم العلم بالواقع والاستصحاب بناءً على هذا يكون علما غاية الأمر أنه علم تعبدا فمن أجل ذلك يكون حاكما على ادلة الأصول العملية الشرعية غير المحرزة، واما الأمارات فهي حاكمة على الاستصحاب.
ولكن الجمع بين كلا الأمرين لا يمكن؛ لأنه لا يمكن الجمع بين التسليم بأن المجعول في الاستصحاب هو الطريقية والكاشفية والعلم التعبدي فيكون حاكما على أدلة الأصول العملية الشرعية غير المحرزة لأنه حينئذ علم تعبدي ورافع لموضوع ادلة هذه الأصول باعتبار أن موضوعها عدم العلم وبين التسليم بأن الأمارات حاكمة على الاستصحاب إذ كما أن المجعول في الاستصحاب الطريقية والكاشفية والعلم التعبدي فالمجعول في الأمارات أيضا كذلك فكيف تكون الأمارات حاكمة على الاسصحاب طالما أن المجعول في كليهما واحد؟! إذ معنى حكومة الأمارات على الاستصحاب هو أن المجعول في باب الاستصحاب هو غير الطريقية والكاشفية والعلم التعبدي حتى تكون الأمارات بدليل حجيتها حاكمة على الاستصحاب ورافعة لموضوعه تعبدا ومع كون المجعول في الاستصحاب نفس المجعول في باب الأمارات وهو الطريقية والكاشفية والعلم التعبدي فلا محالة يؤدي ذلك إلى قوع المعارضة بينهما فلا حكومة للأمارات بدليل حجيتها على الاستصحاب.
وعلى هذا لا يمكن الجمع بين الأمرين اللذين ذكرهما(قده) من حكومة الاستصحاب على باقي الأصول العملية وحكومة الأمارات على الاستصحاب.