34/07/24
تحمیل
الموضوع: الادلة تثبت الزنا واللواط والسحق
فرغنا فيما سبق من ان الزنا واللواط والسحق تثبت بشهود اربع من الرجال ، بل ظاهر الادلة ان اللواط والسحق لايثبتان الا بذلك ، ومن جملة الادلة على ذلك ما نقلناه عن السيد الماتن من الاستدلال بالايتين الشريفتين الواردتين في سورة النساء وهما قوله تعالى ﴿وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا ﴾
[1]
، وقوله تعلى من نفس السورة ﴿وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ فَآَذُوهُمَا فَإِنْ تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُوا عَنْهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ تَوَّابًا رَحِيمًا ﴾
[2]
.
وحاصل الاستدلال : ان الاية الاولى ناظرة الى ان المراد من الفاحشة فيها المساحقة ، والمراد من ضميرها في الاية الثانية اللواط ، والقرينة على الحمل الاخير هو ان المراد من الموصول ﴿اللذان﴾ يعود الى نفس المقصود بقوله منكم ، فيكون خطاب للرجال ، أي يأتيان الفاحشة من الرجال ، فيكون المقصود بها اللواط ، وبهذا تخلص من مشكلة موجودة في الاية ، وهي حيث انه (قده) يرى عدم وجود نسخ في القرأن ، فلو كان المقصود من الضمير في قوله تعالى ﴿يأتيانها﴾ الزنا فلابد من الالتزام بالنسخ - كما عليه عامة المفسرين أستناداً الى روايات الطرفين وان كانت من طرقنا ضعيفة سنداً، ولكن فيها دلالة على النسخ - وذلك لان عقوبة من يقترفن الفاحشة في الاية الاولى هي قوله تعالى ﴿َأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا﴾
[3]
والعقوبة في الاية الثانية ﴿فَآَذُوهُمَا فَإِنْ تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُوا عَنْهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ تَوَّابًا رَحِيمًا﴾
[4]
، وعلى تقدير ان يكون المراد من الفاحشة في الايتين هو الزنا فيثبت انه منسوخاً بقوله تعالى في سورة النور﴿لزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾
[5]
، ومن هنا قال ان المراد من الفاحشة في الاية الأولى الزنا وفي الاية الثانية اللواط ، واضاف ان الامساك في البيوت للمرأة اذا أرتكبت المساحقة ليس هو العقوبة والحد فلا ينافي الوارد بان عقوبة المساحقة كذا مثلاً ، كما ان الايذاء في الاية الثانية لاينافي وجود عقوبة اخرى للواط .
هذا ولكن، ماذهب اليه (قده) خلاف المشهور من محققي المفسرين حيث يرون ان المراد من الفاحشة في الايتين هو الزنا غاية الفرق بينهما كما هو المعروف بينهم ويختاره صاحب الميزان ان الفاحشة في الاية الاولى هو الزنا من ذوات الازواج لان قوله تعالى ﴿من نسائكم﴾ معناه من أزواجكم فيكون مخصوص بالزنا الصادر من ذات البعل ، والظاهر من قوله تعالى﴿يأتيانها﴾ هو نفس الفاحشة المتقدمة ولكن يراد منها الاعم من المحصن وغيره والمحصنة وغيرها ، وان لزم منهما القول بالنسخ .
والحاصل ان هذا الدليل ليس واضحاً عندنا .
ثم بعد ذلك يقول (قده) : يثبت الزنا خاصة بشهادة ثلاث رجال وامرأتين أيضاً ، أي الزنا يتميز عن اللواط والمساحقة بانه كما يثبت بشهادة اربع من الرجال كذلك يثبت بشهادة ثلاث رجال وامرأتين ، وجعل هذا هو الفارق بين الزنا وبين اللواط والمساحقة من دون فرق بين الرجم والجلد ، بمعنى ان الزنا يثبت بشهادة ثلاث رجال وامرأتين مطلقاً ولكن مع الاحصان يثبت الرجم ومع عدم الاحصان يثبت الجلد ، ويدل على ذلك الروايات المعتبرة ، من قبيل مثلاً ما ورد في ابواب كيفية الحكم ، باب 24 ، ح3 :
وبالاسناد عن الحلبي ، عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) قال: سألته عن شهادة النساء في الرجم ، فقال : اذا كان ثلاثة رجال وامرأتان ، واذا كان رجلان واربع نسوة لم تجز في الرجم
[6]
وهو ظاهر في كفاية شهادة ثلاثة رجال وامرأتين في الرجم مع الاحصان ، ومعتبرة عبد الله بن سنان في نفس الباب ح10،
وبالاسناد عن يونس ، عن عبدالله بن سنان ، قال: سمعت ابا عبد الله (ع) يقول : لا تجوز شهادة النساء في رؤية الهلال ، ولا يجوز في الرجم شهادة رجلين وأربع نسوة ، ويجوز في ذلك ثلاثة رجال وامرأتان
[7]
فإنها صريحة في ان الرجم يثبت بشهادة ثلاث رجال وامرتين .
هذه هي الادلة على هذا المطلب ، نعم لايفهم من الرواية ثبوت ذلك في الجلد لان ظاهرها ان موردها الرجم ولم تتعرض الى الجلد ، لكن يمكن الاستدلال على ثبوت الجلد بشهادة ثلاثة رجال وامرأتين ، بأعتبار ان كفاية شهادة ثلاثة رجال وامرأتين في ثبوت الزنا الموجب للرجم مع الاحصان تكفي أيضاً لثبوت الزنا مع عدم الاحصان وبالتالي ثبوت الجلد أيضاً لعدم أحتمال الفرق بينهما من هذه الجهة ، بل لعله أولى وذلك لان المركوز في أذهان المتشرعة ان ما يثبت في موارد الاحصان الذي هو اشد يثبت في موارد عدم الاحصان ، فالذي يثبت الزنا الموجب للرجم يكون مثبتاً للزنا الموجب للجلد أيضاً ، او يقال: ان مايفهم من هذا الحديث ان شهادة ثلاثة رجال وامرأتين طريق لاثبات الزنا كما ان شهادة اربعة رجال طريق لذلك أيضاً ، وحينئذٍ مع الاحصان يثبت الرجم ومع عدم الاحصان يثبت الجلد ، فلا ينبغي التشكيك في ثبوت هذا الحكم وأستفادته من هذه الروايات بهذا الاعتبار .
وهاتان الروايتان لاتخلوان من أشعار -كما يعبر صاحب الجواهر- من ان شهادة رجلين واربع نسوة مقبول في الجلد
[8]
، لان الرواية الثانية تقول : ولايجوز في الرجم شهادة رجلين واربع نسوة ،وكأن تخصيص هذا الحكم في الرجم يفهم منه ثبوته في الجلد ، ويفهم من الحديث الاخر( سألته عن شهادة النساء في الرجم فقال: اذا كان ثلاثة رجال وامرأتان ، واذا كان رجلان واربع نسوة لم تجز في الرجم ) انها تجوز في الجلد .
ولكن لايمكن الاعتماد على هذه الاشارة نعم ، هناك رواية صحيحة يمكن الاستدلال بها على كفاية شهادة رجلين واربع نسوة في الجلد وهي صحيحة الحلبي المروية في ابواب حد الزنا ،الباب 30 ، ح1.
محمد بن الحسن بإسناده عن الحسين بن سعيد ، عن ابن محبوب ، عن أبان ، عن الحلبي ، عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) أنه سئل عن رجل محصن فجر بامرأة فشهد عليه ثلاثة رجال وامرأتان قال : فقال : وجب عليه الرجم ، وإن شهد عليه رجلان وأربع نسوة فلا تجوز شهادتهم ولا يرجم ولكن يضرب حد الزاني
[9]
وظاهرها كفاية شهادة رجلين واربع نسوة في ثبوت حد الزاني حتى المحصن ولايثبت عليه الرجم ، ومن هنا نفهم ان الزنا يثبت بالجملة بشهادة اربعة رجال وثلاثة رجال وامرأتين ورجلين واربع نسوة ، لكن ما يثبت في الاول والثاني هو الزنا الموجب للرجم والزنا الموجب للجلد ومايثبت في الثالث فهو الجلد دون الرجم .
هذا ولكن مع ذلك فقد نسب الى جماعة من علماؤنا كالصدوق وابي الصلاح والعلامة في المختلف القول بعدم ثبوت الجلد بشهادة رجلين واربع نسوة وانما حاله حال الرجم ، وحيث ان الرجم لايثبت به أيضاً فلا يثبت عليه الحد أي ان ازنا لايثبت بشهادة رجلين واربع نسوة ، واستدلو على ذلك
اولاً: بان مقتضى الاصل عدم ثوت الزنا بشهادة رجلين واربع نسوة الا بما يدل الدليل على ثبوته به .
وثانياً: ان ثبوت الزنا بشهادة رجلين واربع نسوة مقتضاه ثبوت الرجم مع الاحصان ايضاً والتالي باطل للاخبار الكثيرة الدالة على عدم ثبوت الرجم بشهادة رجلين واربع نسوة ، فالمقدم باطلٌ ايضاً أي عدم ثبوت الزنا بشهادة رجلين واربع نسوة .
والمناقشة في هذين الدليلين واضحة ، إذ لامعنى للإستدلال بالاصل مع وجود صحيحة الحلبي المتقدمة الدالة على ثبوت الزنا الموجب للحد بهذه الشهادة ، والثاني هو اشبه بالاجتهاد مقابل النص كما قالوا ، وبعبارة ان هذا رفع لليد عن دليل معتبر وصحيح ولامحذور من العمل به لمجرد مخالفته للاجتهاد .
أذاً مع شهادة رجلين واربع نسوة يجلد الزاني سواء كان محصناً او كان غيره ولايرجم ، ومع شهادة ثلاثة رجال وامرأتين يرجم الزاني مع الإحصان ويجلد مع عدم الإحصان نعم، هنا حكي عن بعض علمائنا كالمفيد وسلّار المخالفة حيث ذهبوا الى عدم ثبوت الرجم بشهادة ثلاثة رجال وامرأتين بل يتعين في الرجم شهادة اربعة رجال ، ودليلهم على ذلك هو ان الصحيحتين المتقدمتين الدالتين على ثبوت الرجم بشهادة ثلاثة رجال وامرأتين يعارضهما صحيحة محمد بن مسلم الدالة على عدم ثبوت الرجم بشهاد ثلاثة رجال وامرأتين المروية في الباب 24 من ابواب الشهادات ح28
يرويه الشيخ باسناده عن ابن أبي عمير ، عن حماد ، عن ربعي ، عن محمد بن مسلم ، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : إذا شهد ثلاثة رجال وامرأتان لم يجز في الرجم ولا تجوز شهادة النساء في القتل
[10]
والحديث معتبر السند ، وظاهرها عدم جواز الرجم بشهادة ثلاثة رجال وامرأتين ، وقد قالوا اذا وقع التعارض في هذه الروايات فمع عدم وجود المرجح تتساقط ومعه يرجع اما الى الاصل وهو يقتضي في حالة الشك في ان الرجم يثبت بشهادة ثلاثة رجال وامراتين او لايثبت عدم الثبوت ، واما ان نرجع الى الاية الشريفة التي تدل على ان طريق اثبات الزنا هو شهادة اربعة رجال ، وحينئذٍ يثبت ان الرجم لايثبت بشهادة ثلاثة رجال وامرأتين .
هذا ولكن الشيخ في التهذيب حمل صحيحة محمد بن مسلم على التقية أو فقد شرط من شروط هذه الشهادة فتبقى الروايات السابقة الدالة على الثبوت بلا معارض ، فيعمل بها .
وما ذكره نوقش فيه بأن حمل الرواية على فقدها لشرط من الشروط المعتبرة في الشهادة خلاف الظاهر جداً ،إذ ظاهر الرواية الحديث عن هذه الشهادة المعتبرة والجامعة للشرائط ، ولكن يريد القول ان هذه الشهادة لايثبت بها الرجم ، وأما بالنسبة للحمل على التقية ، فهو يقتضي ان صحيحة محمد بن مسلم موافقة للعامة بينما تلك الروايات الدالة على ثبوت الرجم بهكذا شهادة مخالفة للعامة فتقدم هذه الروايات المخالفة على صحيحة محمد بم مسلم الموافقة .
ولكن تقدم منّا مراراً من ان هناك ترتيب في مرجحات باب التعارض وليس كلها في عرض واحد والرتبة الاولى هي للترجيح بموافقة الكتاب فيقدم الدليل الموافق للكتاب على الدليل المخالف للكتاب وان كان الموافق للكتاب موافقاً للعامة والاخر المطروح مخالفاً للعامة ، وفي محل الكلام يقال ان ماذكره الشيخ لايمكن المصير اليه لانه يوجب في المقام مرجح متقدم على مرجح مخالفة العامة وهو الترجيح بموافقة الكتاب وهذا يعني تقديم صحيحة محمد بن مسلم الدالة على عدم ثبوت الرجم بشهادة ثلاثة رجال وامرأتين لانه موافق لظاهر الكتاب .
ولكن يمكن الخدش بما ذكر بعد التأمل في ايات الكتاب الدالة على ماذكر والتامل في هذه الصحيحة ، حيث ان الايات الشريفة في مقام تحديد طريق ثبوت الزنا ، وحاصلها انه لايثبت الا بشهادة اربعة رجال وهذا يعني عدم ثبوته بشهادة ثلاثة رجال ، واما صحيحة محمد بن مسلم فهي تقول ان الرجم لايثبت بشهادة ثلاثة رجال وامرأتين او بعبارة اخرى ان الرجم لايثبت الا بشهادة اربعة رجال ، وهاتان مسألتان مختلفتان .نعم، قد يكون بينهما ملازمة ولكن هذا الاختلاف بينهما لايسمح لنا القول بان صحيحة محمد بن مسلم مقدمة لانها موافقة للكتاب إذ مورد الايات الشريفة غير مورد الصحيحة ، وإذا تم ماذكرنا يمكن ترجيح تلك الروايات على صحيحة محمد بن مسلم على اساس انها مخالفة للعامة ، والظاهر ان من المسلم عند العامة عدم ثبوت الرجم الا بشهادة اربعة رجال .
[1] سورة النساء، الآية15.
[2] سورة النساء، الآية16.
[3] سورة النساء، الآية15.
[4] سورة النساء، الآية16.
[5] سورة النور، الآية2.
[6] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج27، ص351، أبواب كيفية الحكم، ب12، ح3، ط آل البيت.
[7] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج27، ص353، أبواب كيفية الحكم، ب12، ح10، ط آل البيت.
[8] جواهر الكلام، محمد حسن الجواهري، ج41، ص156.
[9] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج27، ص353، أبواب حد الزنا، ب30، ح1، ط آل البيت.
[10] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج27، ص353، أبواب الشهادات، ب24، ح28، ط آل البيت.