37/12/22
تحمیل
الأستاذ السيد علي السبزواري
بحث الفقه
37/12/22
بسم الله الرحمن الرحيم
الموضوع:- شرائط الوضوء.
ذكرنا امور في النية ووصل بنا الكلام الى الامر الثاني عشر.
الامر الثاني عشر:- يشترط في النية في العبادات مضافا الى النية هو ان تكون النية خالصة لله تعالى ، فان كل عبادة مضافا الى اشتراط النية فيها يجب ان تكون خالصة لله تبارك وتعالى ، ويعبر عن هذا الشرط بقصد التقرب او قصد القربى ، هذا هو المعروف والمشهور بين الفقهاء.
واستدلوا على شرطية التقرب في العبادات بأمور.
الامر الاول:- الاجماع المحصل والمنقول قائم على اشتراط قصد القربى في العبادات.
الامر الثاني:- آيات القران الكريم وهي آيات كثيرة تدل على ذلك.
منها:- قوله تعال: ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ﴾[1] ، فقد استدل بهذه الآية على اعتبار قصد القربى في العبادة.
الا ان هذه الآية استشكلوا في ظهورها ، فالمعروف ان هذه الآية تدل على ذلك فقد استدلوا بهذه الآية بأمور ثلاثة.
الاول:- هو اللام في قوله (ليعبدوا) فقد ذكروا ان اللام هنا اقيمت مقام (ان) المصدرية وتفيد المصدر حينئذ.
والدليل على ذلك ان بعض المفسرين قالوا ان اللام في مواضع تقوم مقام ان المصدرية وتؤول بالمصدر.
وقالوا في موارد الامر يستعمل القران اللام وفي موارد استعمال لفظ الارادة ايضا يستعمل فيه اللام وهي انما يدل على المصدر وفي المقام كذلك.
ذكر الفراء (العرب تجعل اللام في مواضع الامر والارادة كثيرا ففي موضع الارادة قال الله تبارك وتعالى ﴿يُرِيدُ اللّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾[2] وقال: ﴿يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ﴾[3] وفي مورد الامر قال: ﴿وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ﴾[4] وهذه هي قراءة عبد الله ابن مسعود حيث حذف اللام وجعل ان مكانه فقد قرء الآية هكذا وما امروا الا ان يعبدوا الله)
الثاني:- كلمة الدين ، والمراد من الدين هو انها استعملت في معاني متعددة ومن جملة تلك المعاني العبادة والظاهر في هذه الآية ان المراد من الدين هو العبادة ، فلم نخرج عما هو المعروف اذ من معاني الدين هو العبادة وسياق الآية يدل على ذلك.
الثالث:- ان مخلصين بمعنى الاخلاص أي لا يشوبه شيء الا التقرب الى الله تبارك وتعالى.
وبانضمام هذه الامور الثلاثة وهي ان اللام قد استعمل في موضع ان المصدرية والدين يراد منه العبادة ومخلصين بمعنى ان يكون التقرب لله بهذه العبادة فلابد ان تكون نظيفة من كل رياء سوف تكون هذه الآية تدل على اعتبار قصد القربى في العبادة بوضوح.
هذا ما ذكره بعض العلماء وهو الصحيح.
ولكن السيد الخوئي (رحمه الله) استشكل في دلالة الآية فقال ان اللام للتعليل وليست للمصدرية فقوله (وما امر الا ليعبدوا) أي علة الامر هو عبادة الله فحينئذ لا تدل على اعتبار التقرب الى الله بل غاية ما يدل عليه هو عبادة الله.
الا ان نقول ان اللام هذه تؤول بالباء ويدخل الباء على ان المصدرية وهذا كله يحتاج الى تدليل بحيث يكون المعنى (وما امروا الا بان يعبدوا الله مخلصين) وهذا يحتاج الى دليل فرفع اليد عن ظاهر اللفظ ونؤولها بكلمة اخرى يحتاج الى دليل.
ولكن الدليل واضح في البين وهو وجود اللام في موارد متعددة واستعمال العرب على ان اللام في هذه الموارد انما يكون للمصدر ولا حاجة الى هذا التأويل.
اذن ما استدل به الفقهاء بهذه الآية الشريفة على اعتبار القربة لله بتارك وتعالى واضح ولا اشكال فيه.
وما ذكره السيد الخوئي (قدس سره) مورد عليه صغرى وكبرى.
ومنها:- قوله تبارك وتعالى ﴿وَمَا لِأَحَدٍ عِندَهُ مِن نِّعْمَةٍ تُجْزَى ، إِلَّا ابْتِغَاء وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى﴾[5] ، ولا اشكال ولا ريب في ان هذه الآية تدل على ان العمل الذي يكون له جزاء في دار الجزاء لا يمكن ان يكون له جزاء الا أن يبتغي وجه ربه الاعلى ، ومعنى الابتغاء هو القربى الى الله ، فلو لم يكن العمل الذي يأتي به فيه تقرب الى الله فليس له جزاء ، فهذه الآية تدل على اعتبار القربى ايضا.
وهناك روايات كثيرة تدل على اعتبار القربى في العبادات.
منها:- الحديث المعروف عن إسماعيل بن محمد بن إسحاق بن محمد قال: حدثني علي بن جعفر بن محمد وعلي بن موسى بن جعفر ، هذا عن أخيه ، وهذا عن أبيه ـ موسى بن جعفر (عليه السلام) ـ عن آبائه (عليهم السلام) عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) ـ في حديث ـ (قال : إنما الأعمال بالنيات ، ولكل امرىء ما نوى ، فمن غزا ابتغاء ما عند الله فقد وقع أجره على الله عزوجل ، ومن غزا يريد عرض الدنيا ، أو نوى عقالا ، لم يكن له إلا ما نوى)[6] .
الى غير ذلك من الاخبار الكثيرة التي ذكروها في كتب الفقه ودلالة بعضها فيه نوع من الغموض ولكن الامر مسلم لا اشكال فيه.
وحينئذ نأتي الى هذا الشرط وهو انه مضافا الى نية العبادة لابد ان تكون متقربا بها الى الله بشرط ان لا يحصل مناف لهذا التقرب واهم المنافيات هو الرياء.
والحاصل ان الكلام يقع في الرياء وهو بحث اخلاقي يذكرونه في المقام على سبيل الاستطراد وهو حرام وهو موجب لبطلان العبادة ، اذن فيه حكم تكليفي وهو الحرمة وفيه حكم وضعي وهو انه موجب لبطلان العبادة.
الرياء لغة:- فهو من راءى يُرائي ، راءِ ، رِياءً ورِئاءً ومُراءاةً ، فهو مُراءٍ ، ومعناه هو ما اظهر العمل لغيره يريد به خداع الناس هذا هو المعنى اللغوي.
الرياء إصطلاحاً:- وهو ما لم يكن العمل قربة لله تبارك وتعالى ، اما ان يأتي به مع شريك لله تبارك وتعالى او يأتي بالعمل بالكلية للشريك لا لله تبارك وتعالى.
إذن له مصداقان ، وهما اما ان يأتي به لله ولغير الله ويجعل له شريك ، واما ان يأتي بالعمل بالكلية لغير الله وعلى علا المصداقين ان الرياء موجب لبطلان العمل وهو محرم ايضا.
ويدل على ذلك جملة من النصوص ، والحكم مسلم عند الاصحاب الا السيد في الانتصار حيث ذهب الى انه وان كان محرما الا انه لا يوجب بطلان العلم فاستشكل في الحكم الوضعي لا في الحكم التكليفي ، ولكن الادلة تدل على بطلان العمل.
فمن القران الكريم قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُبْطِلُواْ صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالأذَى كَالَّذِي يُنفِقُ مَالَهُ رِئَاء النَّاسِ وَلاَ يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لاَّ يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِّمَّا كَسَبُواْ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ﴾[7] فهذه الآية تدل على بطلان العمل.
والذي يدل من الروايات.
الرواية الاولى:- صحيح زرارة وحمران عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : لو أن عبدا عمل عملا يطلب به وجه الله والدار الاخرة وأدخل فيه رضى أحد من الناس كان مشركا)[8] .
الرواية الثانية:- صحيح علي بن جعفر ، عن أخيه موسى بن جعفر ، عن أبيه ، عن آبائه (صلوات الله عليهم) قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : يؤمر برجال إلى النار ـ إلى أن قال ـ فيقول لهم خازن النار : يا أشقياء ، ما كان حالكم؟ قالوا : كنا نعمل لغير الله ، فقيل لنا : خذوا ثوابكم ممن عملتم له)[9] .
الرواية الثالثة:- علي بن الحسين (عليه السلام) قال : المؤمن ينصت ليسلم ، وينطق ليغنم ، لا يحدث أمانته الأصدقاء ، ولا يكتم شهادته من البعداء ، ولا يعمل شيئاً من الخير رياء ، ولا يتركه حياء ، إن زكّي خاف ما يقولون ، ويستغفر الله لما لا يعملون ، لا يغرّه قول من جهله ، ويخاف إحصاء ما عمله)[10] .
الرواية الرابعة:- عن أبي عبدالله (عليه السلام) في قول الله عز وجل : (فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا) ، قال : الرجل يعمل شيئا من الثواب لا يطلب به وجه الله ، إنما يطلب تزكية الناس ، يشتهي أن يسمع به الناس ، فهذا الذي أشرك بعبادة ربه ، ثم قال : ما من عبد أسر خيرا فذهبت الأيام أبدا حتى يظهر الله له خيرا ، وما من عبد يسر شرا فذهبت الأيام حتى يظهر الله له شرا)[11] .
وغيرها من الاخبار الدالة على البطلان.