38/02/06
تحمیل
الأستاذ الشيخ باقر الايرواني
بحث الفقه
38/02/06
بسم الله الرحمن الرحيم
الموضوع: مسألة( 27 ) - المكاسب المحرمة.
بيد أنه قد يستدلّ على الفساد ببعض الوجوه:-
وقبل أن نذكر هذه الوجوه نذكر فائدة وحاصها:- أنَّ المعاملة تارةً تجري على الكلّي ، وأخرى تجري على الفرد ، فإن جرت على الكلّي كما إذا فرض أني قلت لبائع اللبن أريد منك كيلو لبن ، والكيلو كان كلّياً وليس مشخصاً فدفع لي لبناً مغشوشاً ، ففي مثل هذه الحالة هذا المغشوش لم يقع عليه العقد بل العقد وقع على الكلّي ، وعلى هذا الأساس لا يثبت خيار ولا فساد وإنما أقصى ما يثبت أنَّ لي الحقّ بالمطالبة بتبديل هذا الفرد بفردٍ آخر ، وعادةً نحن بيوعنا هي بيوع كلّيه واقعة على الكلّي ولم تقع على الجزئي ، فالفرد الذي يدفعه البائع إذا كان مغشوشاً أو معيباً أو فاسداً لا يثبت البطلان بل أقصى ما يثبت هو حقّ المطالبة بتبديل الفرد بفرٍد آخر ، وهذه قضية واضحة جداً ولكن قد يغفل عنها.
إذن إذا كانت المعاملة جارية على الكلّي فغاية ما يثبت هو حقّ المطالبة بتبديل الفرد المدفوع بفردٍ آخر أما فساد المعاملة أو ثبوت الخيار فلا.
وأما إذا كانت المعاملة جارية على الفرد ، كما إذا فرض أنه اشترى قطعةً من الذهب كالقلادة ، فهنا يصير البيع على هذه القلادة ، فإذن البيع يكون جارياً على هذا الفرد ، وحينئذٍ نقول:- تارةً يفترض أنه يتضح بعد ذلك أنَّ هذه ليست قلادة ذهب وإنما قلادة نحاس ، وأخرى يتضح أنه ذهب ولكنه معيب أو غير ذلك ، فإن ظهر أنها ليست ذهباً فيثبت البطلان فإن المعاملة وقعت على قلادة الذهب وهذه ليست قلادة من الذهب فما قُصِدَ العقد عليه لم يقع وما وقع لم يُقصَد فهنا تكون المعاملة باطلة ، وأما إذا كانت المعاملة على الفرد ولكن هذا الفرد لم يتضح أنه مغاير جنساً وإنما هو معيب فيثبت خيار العيب حينئذٍ ، وإذا ظهر تبعّض الصفقة كما إذا كان بعض هذا للمال للبائع وبعضه الآخر لإنسانٍ آخر فهنا يثبت خيار تبعّض الصفقة - يعني تبعاً للمورد -.
عودٌ إلى صلب الموضوع:- المناسب هو الحكم على المعاملة بالصحّة لأجل أنَّ النهي تكليفيٌّ والنهي التكليفي في باب المعاملة لا يقتضي الفساد.
بيد أنه قد يستدلّ ببعض الوجوه على الفساد:-
الوجه الأّوّل:- ما أفاده المحقّق الكركي(قده) في مسألة شوب اللبن بالماء ، وحاصل ما ذكره:- هو أنَّ المقصود بالبيع هو اللبن والمشوب لم يقع عليه العقد ، فالمقصود هو اللبن والمشوب لم يقع عليه العقد فيقع باطلاً ، ونصُّ عبارته:- ( ويمكن الحكم بالبطلان لأن المقصود بالبيع هو اللبن والجاري عليه المشوب )[1] .
وبعبارتنا المتداولة:- يريد أن يقول ( ما وقع لم يقصد وما قصد لم يقع ) ، فالمقصود هو شيءٌ وما وقع عليه القعد شيئاً آخر ، فالمقصود هو اللبن وهذا مشوبٌ فليس بمقصود فتبطل المعاملة.
وواضحٌ أنه لأجل أنّ يتمّ مطلوبه يلزم أن نضيف كلمة وهي أن نقول إنَّ مقصوده من اللبن هو اللبن الخالص ، يعني الذي هو مقصود بالبيع هو اللبن يعني الخالص ولكن الذي جرى عليه فهو المشوب.
ويرّه:- إنّ هذا لو تمّ فيلزم أن نحكم في جميع موارد العيب بالبطلان - ومن الواضح أنَّ المحقق الثاني يتكلّم في بيع الفرد وليس في بيع الكلّي فإنّا قلنا إنَّ بيع الكلّي لا يتصوّر فيه الطبلان فكلامنا في بيع الفرد حيث قال لبائع اللبن أعطني هذا اللبن فالمشار إليه هو الفرد فحينئذٍ كلامه هناك يريد أن يقول المقصود هو اللبن الخالص بينما العقد وقع على المشوب فما وقع لم يقصد - ، وهذا لو تم فهو يتم في مطلق المعيب ، فكلّ شيءٍ معيبٍ لو بيع يلزم أن نحكم ببطلان البيع فيه لأنَّ المقصود عند المتعاملين هو الصحيح والمشتري لم يقصد شراء المعيب بينما العقد وقع على المعيب ، فما وقع لم يقصد وما قصد لم يقع.
وإذا هذا تم فسوف يفتح لنا مشكلة كبيرة ، وهي أنه في موارد جميع موارد العيب يلزم أن نحكم بالبطلان والحال أنه لا يحتمل فقيه البطلان ، وإنما غاية ما يتثبت الخيار ، وهذا لو تم فهو يتم في جميع موارد العيب - وكان هذا أشبه بالنقض-.
والحلّ:- إنَّ العقد لم يجرِ على الشيء الصحيح وإنما جرى على اللبن والصحّة هي أشبه بالدّاعي أو بالشرط ، فالذي يدعوني إلى شراء اللبن أنه طيّب وصحيح ومنشّط ، فأحد الدواعي أنه صحيح لا أنَّ العقد ابتداءً متقوّم بأشتري منك اللبن الصحيح بحيث يصير المقصود هو الشيء الصحيح ، كلا ، وإلا إذا كان المقصود هو الشيء الصحيح فيلزم أن نحكم في جميع موارد العيب بالبطلان ، فالصحّة هي داعٍ أو شرط لا أنها هي مقصودة في عرض الشيء وفي عرض اللبن بحث يكون لبناً صحيحاً ، وإنما المقصود هو اللبن والعقد جرى على اللبن غايته أنَّ الصحة هي التي دعتني إلى الإقدام ، فإذن لا موجب للبطلان.
وبهذا ندفع الاشكال في باب العيوب ، ويندفع بذلك الاشكال أيضاً في موردنا ، فإنك إذا قبلته في باب العيوب فهنا يكون كذلك.
الوجه الثاني:- وهو أيضاً للمحقّق الكركي(قده):- حيث ذكر أنَّ الجنس الآخر - وهو الماء الذي شاب اللبن مثلاً - لا يصحّ عليه العقد ، وما كان من الجنس - يعني اللبن - هو مجهولٌ فلا يصحّ عليه العقد أيضاً ، ونصُّ عبارته:- ( لأنَّ ما كان من غير الجنس لا يصح العقد فيه والآخر مجهولٌ إلا أن يقال جهالة الجزء غير قادحة إن كانت الجملة معلومة )[2] ، وهو لم يبين لماذا لا يصحّ العقد بمقدار الماء ؟ والجواب:- إنه ليس من البعيد أنه لا يصحّ لأنه ليس مقصوداً ، فأنا لا أريد شراء الماء ، ولعلّه لوضوح المطلب قال لا يصحّ العقد عليه والباقي -وهو اللبن - مجهولٌ.
ويردّه:- إنَّ هذا وجيه إذا فرض أنَّ الخليط الذي هو من غير الجنس - يعني الماء - إذا كان بكميّة زائدة فيتم ما ذكره فإنه يوجد عندنا آنذاك شيآن ماء ولبن فيقال إنَّ الماء لم يقصد واللبن مجهولٌ فيبطل ، لكن إذا فرضنا أن ذلك الخليط كان شيئاً قليلاً فحينئذٍ هذا يعدُّ شيئاً واحداً ولا معنى لأن نقول البيع بلحاظ هذا باطل وبلحاظ ذاك صحيح فإنَّ هذا ليس له معنى؛ إذ لا يوجد شيآن وإنما الموجود هو شيءٌ واحد ، فما أفاده قابلٌ للتأمل.
ثم إنَّ المحقق الكركي ذكر مطلباً بعد الوجه الأوّل[3] نذكره قبل أن ننتقل إلى الوجه الثالث حيث قال:- إنَّ الشهيد في الذكرى ذكر مسألةً وهي أنه من اقتدى بإمامٍ وكان يتصوّر أنه زيد فبان أنَّه عمرواً ففي مثل هذ الحالة هل يصحّ الاقتداء أو لا ؟ ، وهكذا لو قال بعتك الفرس فتبيّن أنه حمار فحينئذٍ هل يصح هذا أو لا ؟ والشهيد الأوّل ذكر أنه يوجد تردّد لأنَّ المورد من قبيل الاشارة والوصف ، فإن قدّمنا الاشارة يعني أصلّي خلف هذا الامام فالمهم هو هذا الامام وليس المهم هو زيد فحينئذٍ يكون الاقتداء صحيحاً ، أما إذا قدّمنا الوصف - وهو زيد - فحينئذٍ يكون الاقتداء باطلاً ، ونصُّ عبارته:- ( وفي الذكرى في باب الجماعة ما حاصله:- لو نوى الاقتداء بإمامٍ معيّن على أنه زيد فظهر عمرواً أنَّ في الحكم نظراً ، قال:- ومثله ما لو قال بعتك هذا الفرس فإذا هو حمار ، وجعل منشأ التردّد تغليب الاشارة أو الوصف ).
ولنا سؤالان:-
الأوّل:- ما هو ربط هذه العبارة التي ذكرها المحقق الكركي(قده) بمحلِّ بحثنا ؟ فمحلُّ بحثنا هو أني اشتريت لبناً فتبيّن أنه مشوب بالماء ،فذكرك لعبارة الذكرى بعد هذا الكلام ما هو وجه الربط معها ؟
الثاني:- إنه إذا وجدنا وجه الربط فهل موردنا يدخل تحت تردّد الاشارة كما حاول المحقّق الكركي(قده) لأنه أدخلها تحت هذا المورد ؟