38/01/28
تحمیل
آیةالله الشيخ محمداسحاق الفیاض
بحث الأصول
38/01/28
بسم الله الرحمن الرحيم
الموضوع: أدلة حجية خبر الواحد – السيرة العقلائية.
إلى هنا قد وصلنا إلى هذه النتيجة وهي أن ما ذكره المحقق الأصفهاني(قده) أراد به أن السيرة الجارية على العمل بأخبار الثقة مفادها حجية أخبار الثقة وانها حجة لدى العقلاء بمعنى المنجزية والمعذرية والسيرة الجارية على العمل بظواهر الكتاب والسنة ومنها ظواهر هذه الآيات الناهية معناها حجية هذه الظواهر وأن الحجية مجعولة لها بمعنى المنجزية والمعذرية والجمع بين السيرتين بهذا المعنى لا يمكن فإن معنى حجية أخبار الثقة أن ظاهر هذه الروايات المانعة لا تصلح أن تكون رادعة إذ لو كانت رادعة لم تكن أخبار الثقة حجة فحجية أخبار الثقة معناه عدم صلاحية رادعية ظواهر هذه الآيات الناهية ومعنى حجية ظواهر هذه الآيات الناهية أن السيرة مردوعة أي أن أخبار الثقة مردوعة وليست بحجة فمن أجل ذلك لا يمكن الجمع بين السيرتين السيرة الجارية على العمل بأخبار الثقة والسيرة الجارية على العمل بظواهر الكتاب والسنة ومنها ظواهر هذه الآيات الناهية.
هذا هو مراد المحقق الأصفهاني(قده).
والإشكال عليه تارة بأن السيرة بعد مجيء الإسلام والشريعة تقتضي العمل بأخبار الثقة اقتضاء لا فعلا واما الاسيرة الجارية على العمل بالظواهر فهي تقتضي فعلية العمل بها فلا يكون هناك تنافيا بينهما إذ لا تنافي بين ما يكون مقتضيا لشيء اقتضاء وبين ما يكون مقتضيا منافيه فعلا وما ذكره المحقق الأصفهاني من التنافي لا يمكن المساعدة عليه.
ولكن الجواب عن ذلك قد ظهر:
أولا: أن غرض المحقق الأصفهاني ليس العمل بمؤدى السيرة أي ليس العمل بأخبار الثقة عملا خارجيا وليس العمل بظواهر الكتاب عملا خارجيا من باب الامتثال والتطبيق بل غرضه حجية أخبار الثقة وحجية ظواهر الآيات الناهية عن العمل بالظن وحجية الشيء لا تستلزم العمل به فالعمل شيء والحجية شيء إذ يمكن أن يكون الشيء حجة ولكن المكلف لا يعمل به ويعصي فلا ملازمة بين حجية شيء وبين العمل به فالتنافي بين حجية أخبار الثقة وبين حجية ظواهر الآيات الناهية في مرحلة الجعل أي جعل الحجية لا في مرحلة الامتثال والعمل الخارجي.
وأخرى بان مفاد السيرة الجارية على العمل بظواهر الكتاب والسنة ومنها ظواهر هذه الآيات الناهية حجية هذه الظواهر وكاشفيتها عن مراد المولى الجدي النهائي في الواقع وكذلك السيرة الجارية على العمل بأخبار الثقة مفادها حجيتها وكاشفيتها عن مراد المولى الجدي النهائي في الواقع، وليس مفاد السيرة الجارية على العمل بظواهر الآيات العمل بمؤداها وامتثاله وكذلك المراد من السيرة الجارية على العمل بأخبار الثقة ليس مفادها العمل بمؤدى هذه السيرة وهو العمل بأخبار الثقة وامتثالها حتى يكون بينهما تنافيا ولا يمكن الجمع بين العمل بأخبار الثقة والعمل بظواهر الآيات الناهية.
ولكن هذا الاشكال ليس واردا لأن هذا الإشكال ليس مرادا للمحقق الأصفهاني(قده)، فليس مراده العمل بمؤدى السيرة الجارية على حجية ظواهر هذه الآيات وليس مراده العمل بمؤدى السيرة الجارية على العمل بأخبار الثقة بل مراده حجية أخبار الثقة فإنها مفاد السيرة وحجية ظواهر الكتاب والسنة ومنها ظواهر هذه الآيات الناهية هذا هو مراده.
هذا مضافا إلى أنه لو كان المجعول الحجية في مرحلة الجعل ومراد المحقق الأصفهاني العمل بالمؤدى فأيضا التنافي موجود وبذلك لا ينحل التنافي فإن التنافي بن حجية ظواهر هذه الآيات الناهية وبين حجية أخبار الثقة موجود لا يمكن الجمع بينهما فإن معنى حجية ظواهر الآيات الناهية أنها رادعة عن حجية أخبار الثقة وأنها ليست بحجة ومعنى حجية أخبار الثقة أنها ليست مردوعة وممنوعة عن العمل بها وأن ظاهر الآيات الناهية ليس رادع عنها.
فالنتيجة أن ما أورده(قده) من الإشكال على المحقق الأصفهاني(قده) غير تام.
الوجه الرابع: ما ذكره بعض المحققين(قده)[1] من ان السيرة الجارية على العمل بأخبار الثقة في زمن الأئمة(ع) بين أصحابهم وبين تابعيهم لا يمكن ان تكون الآيات الناهية عن العمل رادعة عن هذه السيرة فإن هذه السيرة سيرة متشرعية موجودة بين أصحاب الأئمة(ع) وتابعيهم وفي زمانهم مع وجود هذه الآيات الناهية عن العمل بالظن وبغير العلم فلو كانت هذه الآيات الناهية عن العمل بالظن وبغير العلم رادعة عن هذه السيرة لصدر من الأئمة(ع) منبه ينبه أصحابهم بأن هذه الآيات رادعة مع أنه لم يصدر منهم(ع) منبه لا نصا ولا إشارة ولا كناية.
ومن هنا نستكشف أن هذه الآيات لا تصلح ان تكون رادعة عن السيرة المتشرعية الموجودة بين أصحاب الأئمة(ع) وتابعيهم. نعم السيرة العقلائية التي لا تكون بنفسها حجة وحجيتها إنما هي بإمضاء الشارع لها فإن لم يصدر إمضاء من الشارع فلا تكون حجة فعندئذ يمكن ان يقال أن هذه الآيات الناهية عن العمل بغير العلم تصلح أنت تكون رادعة أي مانعة عن الإمضاء يمكن ان يقال بذلك.
هكذا ذكره(قده).
وللمناقشة فيما أفاده مجال.
فإنه ليس هنا سيرتان سيرة متشرعية على العمل بأخبار الثقة في زمن الأئمة(ع) بين أصحابهم وتابعيهم وسيرة عقلائية موجودة بين الناس بل السيرة سيرة واحدة وهي سيرة العقلاء فإن هذه السيرة مرتكزة في الأذهان وثابتة في أعماق نفوسهم كالجبلة والفطرة والناس يعملون بهذه السيرة قبل مجيء الإسلام وبعده فإنهم يعملون بهذه السيرة بدون أدنى منبه وتذكير غاية الأمر أن هذه السيرة بعد الإمضاء تحولت من السيرة العقلائية إلى السيرة المتشرعية فاتصافها بالسيرة المتشرعية بعنوان ثانوي وإلا فهي ذاتا سيرة العقلاء فقبل الإمضاء لا تكون حجة وبعدم الإمضاء تتحول من السيرة العقلائية إلى السيرة المتشرعية فتكون حجة.
وعلى هذا فليس هنا سيرتان سيرة مستحدثة وهي سيرة المتشرعة في زمن الأئمة(ع) إذ لا شبهة انه لم تحدث سيرة على العمل بأخبار الثقة بين أصحاب الأئمة(ع) غير سيرة العقلاء فهي موجودة ومرتكزة غاية الأمر قبل الإسلام لم تكن حجة شرعا وبعد مجيء الإسلام وإمضاء الشارع لها تكون حجة وتتحول من السيرة العقلائية إلى السيرة المتشرعية.
فما ذكره بعض المحققين(قده) على ما في تقرير بحثه من أن هذه السيرة سيرة متشرعية وحادثة في الشريعة ليس الأمر فيه كذلك. لأن سيرة المتشرعة مستندة إلى الشرع فهي بنفسها حجة وحجيتها لا تتوقف على الإمضاء ولا معنى لتعليل حجيتها بالإمضاء فإن ما يكون حجة في نفسه لا يصح تعليل حجيته بأمر خارج عنه وهذا نظير تعليل نجاسة الدم بملاقاته للبول فإن هذا التعليل غير صحيح وركيك لدى العرف والسيرة المتشرعية حيث انها مستندة إلى الشرع فهي بنفسها حجة لا بالإمضاء واما السيرة العقلائية فهي بنفسها ليست بحجة ولا تكون مستندة إلى الشرع بل هي مستندة إلى نكتة عقلائية وهي أقربية أخبار الثقة إلى الواقع نوعا من أخبار غير الثقة وأقربية ظواهر الكتاب والسنة إلى الواقع من ظواهر الأفعال، وحينئذ تكون حجيتها متوقفة على الإمضاء فطالما لم يمض الشارع لهذه السيرة لم تكن حجة ومع إمضائها كانت حجة.
هذا كله فيما ذكره بعض المحققين(قده).