37/11/25
تحمیل
الأستاذ الشيخ باقر الايرواني
بحث الأصول
37/11/25
بسم الله الرحمن الرحيم
الموضوع:- التنبيه الخامس ( بعض الفروع الفقهية التي قد تخرّج على أساس فكرة الترتّب ) - مبحث الضد.
الحالة الثانية:- أن يكون الماء مباحاً بيد أنّ الإناء كان مغصوباً ، فالوضوء من ذلك الماء المباح صحيح أو ليس بصحيح ؟
والجواب:- إنّ في ذلك أربعة صور الأخيرة منها هي التي تحتاج إلى فكرة الترتّب:-
الصورة الأولى:- أن يفترض أن الوضوء بهذا الماء المباح في الآنية المغصوبة يكون من خلال الارتماس ، يعني أرمس العضو وأنوي به الوضوء ، فهل هذا الوضوء صحيح أو لا ؟
والجواب:- مرّة نبني على أنّ إدخال العضو في الماء هو تصرّف في الماء وايضاً هو تصرّف في الإناء ، ومرّة نبني على أنّ هذا تصرف في الماء فقط - وأيهما الصحيح فهذا ليس محلّ كلامنا الآن فإنّ هذه قضية ليست شرعية بل هي قضية عرفية -.
فإذا قلنا إنَّ هذا تصرّف في الماء فقط دون الإناء فالوضوء يكون صحيحاً حيث تصرفّ في الماء والماء مباح ولم يتصرّف في الاناء فلا مشكلة ولا نحتاج إلى فكرة الترتّب.
إما إذا بنينا على أنّ ادخال اليد في الماء هو تصرّفٌ في الماء وفي الإناء معاً فالوضوء يقع باطلاً ، لأجل أنّ نفس هذا الرمس سوف يصير حراماً لأنه تصرٌّف في المغصوب ، وإذا صار حراماً لا يمكن أن يحصل به التقرّب ولا يمكن أن يصحح بالأمر بالترتّبي ، حيث قلنا إنّ الأمر الترتّبي لا يجعل الحرام ليس بحرامٍ - لا أنه يقلب الحرام إلى حلال - بل يجعل غير الحرام مأموراً به . فإذن هذه الصورة نخرجها عن محلّ كلامنا.
الصورة الثانية:- أن يكون الوضوء بالاغتراف ، وواضح أنه إذا قلنا هذا الاغتراف ليس تصرّفاً في الإناء فلا مشكلة حينئذٍ ويكون الوضوء صحيحاً بلا إشكال ، وأما إذا قلنا هو تصرّفٌ في الإناء ففي مثل هذه الحالة هل يكون الوضوء صحيحاً أو يكون باطلاً ؟ ونفترض الآن أنه يوجد ماء آخر في إناءٍ آخر مباح ولكنّي أريد أن أتوضأ بهذا الماء المباح الموجود في الإناء المغصوب فالوضوء في مثل هذه الحالة كيف يقع ؟
إنه يقع صحيحاً؛ لأجل أنه يوجد أمرٌ بالوضوء في حقّي حتماً لأنه يوجد ماءٌ آخر ، فخطاب توضأ موجودٌ في حقي ، فعلى هذا الأساس أنا حينما رفعت الماء بالغرفة الأولى لأغسل وجهي فهذا غسلٌ بالمباح ، ثم بعد ذلك أرفع غرفة ثانية لليد اليمنى - فإنه يوجد عندي أمر بالوضوء وقصد التقرّب بذلك الأمر - ثم لليد اليسرى وكلّ ذلك صحيح ، فمع وجود ماءٍ آخر يكون الوضوء بالاغتراف لا مشكلة فيه . وهذه الفرضية مذكورة في الرسالة العملية ، ولكني أرى أنَّه من المناسب أن لا تكتب مثل هكذا مسائل في الرسائل العملية وإنما تذكر في الكتب العلمية فالتفت إلى ذلك.
إذن في الصورة الثانية الوضوء يكون بالاغتراف مع فرض وجود ماء مباح فالوضوء يكون صحيحاً لأنه يوجد أمرٌ بالوضوء في حقّك بسبب وجود الماء الآخر فحينما ترفع الغرفة الأولى فهي ماء مباح فتغسل وجهك بها ، ثم ترفع الغرفة الثانية وتغسل بها اليد اليمنى ثم اليسرى فيكون الوضوء صحيحاً ، ولكن توجد عقوبة على وضع اليد في الإناء والتصرّف فيه فإنّ هذا تصرّفٌ في المغصوب - وكلامنا هو فيما إذا قلنا أن هذا يعدّ ذلك تصرّفاً في المغصوب أما إذا لم يعدّ تصرفاً فيه فهذا لا إشكال فيه - ، فأنت عاصٍ من تلك الناحية ولكن وضوئك صحيح لأنه يوجد في حقّك أمرٌ والماء مباح.
الصورة الثالثة:- أن نفترض أنه لا يوجد عنده ماء آخر ولكنه يتمكن أن يغترف غرفة واحدة تكفي للوضوء أو يوجد عنده إناء آخر مباح يغترف به من الإناء المغصوب فهنا الوضوء صحيح ، فإنه حتى لو كان إدخال الإناء الثاني في الأوّل هو حرام ولكنه بعد أن اغترف الماء فقد صار هذا الماء المباح في الاناء المباح لا مشكلة فيه ، فأنت الآن قادر على الوضوء ومادمت قادراً فيتوجه إليك خطاب توضأ فيكون وضوئك صحيحاً ، ولكنك تعاقب على التصرّف في الإناء الأوّل لأنه يوجد عندك مخلص شرعي وهو أن تتيمّم فلو تيممت فتيممك يقع صحيحاً ، فلماذا أخذت ماءً فإنك حينما أخذت الماء أصبحت قادراً على الوضوء ولكنك فعلت حراماً إذ المقدّمة محرّمة فتعاقب على تصرفك بالإناء المغصوب ولكن وضوئك يكون صحيحاً.
الصورة الرابعة:- أن يأخذ الماء غرفة غرفة ولا يوجد ماء آخر ، ففي مثل هذه الحالة إذا أخذ كفّاً من الماء صار قادراً على غسل الوجه ، لكنّ أمر توضأ هل يوجد في حقّه أو لا ؟
يمكن أن يقال:- إن أمر توضأ ليس موجوداً في حقه ، باعتبار أنه صحيح أنه صار قادراً على غسل الوجه ولكن القدرة على غسل الوجه دون القدرة على غسل اليدين لا تنفع؛ إذ أنك مأمور بغسل الوجه إذا تمكنت من غسل اليد اليمنى واليسرى فإنّ هذه واجبات ارتباطية وليست استقلالية وأنت الآن ليس عندك ماء آخر غير هذا الذي يكفي لغسل الوجه ، فلا يوجد أمرٌ بغسل اليد اليمنى أو اليسرى ، فإذن أنت لست بقادر.
وهذه الصورة وقعت محلاً للخلاف بين الأعلام وأنه يمكن أن نصحّحها بالأمر الترتبي أو لا ؟
والسيد الحكيم(قده)[1] صحّحها بالملاك حيث قال:- صحيحٌ أنه لا يوجد أمرٌ ولكن الملاك والمحبوبية موجودة حتماً فيقع الضوء صحيحاً بالملاك وإن لم يكن هناك أمر لأنه أنت بالتالي قادر على غسل الوجه فيصير محبوباً ، ثم تغترف غرفة أخرى فتصير قادراً على غسل اليد اليمنى فيصير محبوباً ، وهكذا اليسرى ، فنصحّح الوضوء بالملاك.
ولكن يبقى إشكال سوف نشير إليه فيما بعد:- هو أنه من قال إنّ هذا المحبوبية موجودة ، فمن أين نستكشفها ، فإنا لا نستطيع أن نستكشف أن الملاك موجودٌ إلا بالأمر ، وحيث لا أمر فلا كاشف عنه ؟
وقال الشيخ النائيني(قده)[2] :- لا يمكن تصحيح هذا الوضوء بالأمر الترتّبي ، لأنّ الأمر الترتّبي فرع الملاك ، فلابدّ وأن يكون هناك ملاك فحينئذٍ يأتي الأمر الترتّبي ، ولا يمكن أن نحرز الملاك لأنّ المفروض أنك ليست بقادرٍ على كامل الوضوء بل عندك قدرة على غسل الوجه فقط أما كامل الوضوء فلا ، فكيف تقول إنّ الملاك موجود ؟!! ، إنّ الملاك لا يمكن أن نحرز ثبوته فالأمر الترتّبي لا يمكن ثبوته فإنّ الأمر الترتّبي فرع ثبوت الملاك.
وحكم السيد اليزدي(قده) في هذه المسألة بالبطلان من دون أن يفصّل:- ونصّ عبارته:- ( وكذا لا يجوز استعمال الظروف المغصوبة مطلقاً والوضوء والغسل منها باطل مع الانحصار بل مطلقاً نعم لو صبّ الماء منها في ظرف مباح فتوضأ واغتسل صح وإن كان عاصياً من جهة تصرفه في المغصوب )[3] .
والمناسب في المقام أن يقال:- إنه يمكن تصحيح الوضوء بالأمر الترتّبي ، ونحن قد استعرضنا هذه الصور كمقدّمة إلى هذه الصورة حتى نبيّن أنه في هذه الصورة الأخيرة يمكن تصحيح الوضوء بالأمر الترتّبي ، فمورد الأمر الترتّبي هو في هذه الصورة ، وذلك بأن يقال:- إنه يوجد عندنا أمران الأوّل هو لا تغصب والثاني توضأ[4] ، وكلاهما مطلق ، وحينئذٍ نقول:- في مثل هذه الحالة الأهم هو حرمة الغصب فحينئذٍ يكون الأمر بالصلاة مقيّداً بعصيان لا تغصب فيقال هكذا ( لا تغصب فإن عصيت عصياناً مستمراً - لا بمقدار غرفةٍ واحدة - بمقدار ثلاث غرفات فتوضأ ) ، فكلا لأمرين موجودٌ وكلاهما مطلق ولكن نقيّد المهم وهو توضأ بعصيان الأمر بالأهم فحينئذٍ سيقال له توضأ إن عصيت وأدخلت يدك في الماء وأخذت منه غرفات عصياناً مستمرّاً إلى نهاية الوضوء ، وحينئذٍ هذا أمرٌ ترتّبي به نصحّح الوضوء ، مثل الإزالة مع الصلاة فإنّ أمر أزل هو الأهم فحينئذٍ يقال صلّ إن عصيت الأمر بالازالة ، ولكن المفروض عصياناً مستمرّاً إلى آخر الصلاة لا أنك تريد أن تزيل في وسط الصلاة ، فإذا صار بناءك أن تزيل في وسط الصلاة فمن الأوّل لا يوجد أمرٌ بالصلاة ، كلا بل إذا كان بناءك على أنك تعصي عصياناً مستمرّاً فحينئذٍ يوجد أمرٌ بالصلاة ، وهنا أيضاً كذلك فإذا كان هناك عصيان مستمر إلى تمام الوضوء ففي مثل هذه الحالة يكون هناك أمرٌ بالوضوء فنصحّحه بالأمر الترتّبي.