37/12/03
تحمیل
الأستاذ الشيخ باقر الايرواني
بحث الفقه
37/12/03
بسم الله الرحمن الرحيم
الموضوع:- مسألة ( 21 ) القيافة - المكاسب المحرمة.
وما هو الدليل على حرمة القيافة ؟
والجواب:- يتحصّل من كلام الشيخ الأعظم(قده) أربعة وجوه:-
الوجه الأوّل:- رواية الخصال وهو(قده) لم ينقلها بتمامها بل نقل موضع الشاهد فقط ، وهو ( ما أحبّ أن تأتيهم ).
أمّا الرواية بكاملها فهي:- الخصال عن أبيه عن سعد بن عبد الله عن يعقوب بن يزيد عن محمد بن أبي عمير عن علي بن أبي حمزة عن أبي بصير عن أبيه - كلّ أفراد السند لا مشكلة فيهم إلا عليّ بن أبي حمزة وهو على المبنى فمن يبني على أنه لا مشكلة فيه فحينئذٍ تكون صحيحة - عن أبي عبد الله عليه السلام:- ( من تَكهَّن أو تُكُهِّنَ له فقد برئ من دين محمد صلى الله عليه وآله ، قال:- قلت:- فالقيافة ؟ قال:- ما أحبُّ أن تأتيهم . وقيل ما يقولون شيئاً إلا كان قريباً مّما يقولون ، فقال:- القيافة فضلة من البنوة ذهبت في الناس حين بعث النبي صلى الله عليه وآله )[1] .
وفي بعض النسخ ورد ( فالقافة ) بدل ( فالقيافة ) ، وهذا يتناسب مع ( ما أحبّ أن تأتيهم ) فتأتيهم ليس للقيافة بل للقافة.
وأما عبارة ( وقيل ما يقولون شيئاً .. ) فهي ليست مهمّة ولكن من باب إبراز الاحتمال فسواء عرفنا معناها أو لم نعرفه فهذا ليس مهماً ، فأحياناً وليس دائماً كلّ ليس من المهم أن نعرف كلّ ما في الرواية بل تختلف الموارد وهذا لا ربط له بالشاهد الذي هو ( ما أحبّ أن تأتيه ) لذلك قلنا لا يهمّ معرفة معناه ، ولكن يوجد احتمال أن يكون المقصود من عبارة ( وقيل ما يقولون شيئاً إلا كان قريباً مما يقولون ) يظهر أنّ شخصاً كان في المجلس حينما قال الامام عليه السلام:- ( ما أحبّ أن تأتيهم ) فأراد هذا الشخص أن يتكلّم وقال هكذا:- ( وقيل ما يقولون شيئاً إلا كان قريباً مما يقولون ) ، يعني قال قائل في المجلس هكذا وهذا مدحٌ للقافة ، يعني قد جرّبناهم ورأيناهم فوجدنا أنّ كلامهم قريبٌ من الواقع ، يعني هو سلّم من جهةٍ وأنكر من جهةٍ أخرى ، فهو سلّم من جهة صحيحٌ أنّ القيافة فضلة من النبوة يعني جزء ودرجة من درجات النبوّة ولكن حينما أرسل نبينا صلى الله عليه وآله فالله عزّ وجلّ لم يبق شيئاً من أجزاء النبوّة إلا وأعطاه إلى الخاتم ، فالقيافة بقيت حينئذٍ بلا مستندٍ وبلا أساس وإلا قَبلاً صحيح هي كما تقول ولكن عندما بعث النبي لم تبق كذلك ، فلاحظ العبارة:- ( فقال:- القيافة فضلة من النبوّة ذهبت في الناس حينما بعث النبي صلى الله عليه وآله ).
وعلى أيّ حال نقول:- إنّ هذه العبارة لا يهمّ ما هو المقصود منها لأنها لا تؤثر على الشاهد - وهو ( ما أحبّ أن تأتيهم ) - ، وقلنا إنّ الشيخ الأعظم(قده) نقل في المكاسب محلّ الشاهد فقط.
والجواب واضح:- وهو أنّ قوله ( ما أحبّ أن تأتيهم ) لا يدلّ على الحرمة ، وتَمسُّك الشيخ الأعظم بذلك شيء غريب.
إن قلت دفاعاً عن الشيخ:- لو كان في القيافة ملاك الحجية وكانت حجّة فلا معنى لأن يقول الامام عليه السلام:- ( ما أحبّ أن تأتيهم ) ، فقوله هذا يدلّ على أنه ليس فيها ملاك الحجّية ، ومادام ليس فيها ملاك الحجّية فترتيب الآثار عليها حينئذٍ يكون غير جائز لأنها ليست بحجّة ، وبذلك تم المطلوب.
ولكن يبقى الاشكال مسّجلاً عليه على جميع التقادير:- فإنه:-
أوّلاً:- إنّ ظاهر ( ما أحبّ ) لا يدلّ على الحرمة.
ثانياً:- إذا كان مقصوده هذا الذي بيّناه فالمفروض أن يصنع إن قلت قلت ، بل هو فقط قال:- يدلّ قوله ( ما أحبّ أن تأتيه ) على الحرمة.
قلت:- إنّ هذا التعبير يلتئم مع الاثنين معاً ، فمكا يلتئم مع عدم الحجّية يلتئم مع الحجية أيضاً لكن مع الحزازة ، نظير ( ما أحب أن أزوّج حائكاً ) ، فهل نقول هذا ليس بجائز ؟ كلا بل فيه مرتبة من الحزازة ، فهو يجوز وفيه ملاك التزويج به لكنّه فيه حزازة ، وهنا أيضاًً يمكن أن نفترض أنّ ملاك الحجّية موجودٌ لكن مع الحزازة.
إذن هذه الرواية لا يمكن التمسّك بها.
الرواية الثانية:- ما ذكره الشيخ الأعظم(قده) عن مجمع البحرين:- ( إنّ في الحديث " لا آخذ بقول قائف ")[2] .
وهذا الحديث كما قلت هو جزء من رواية الفقيه ، فالأصل أنها موجودة في الفقهية ، فمن المناسب نسبتها إلى الفقيه ، والرواية هي:- الصدوق بإسناده عن محمد بن قيس عن أبي جعفر قال:- ( كان أمير المؤمنين عليه السلام يقول:- لا تأخذ بقول عرّافٍ ولا قائفِ ولا لصٍّ ولا أقبل شهادة فاسقٍ إلا على نفسه )[3] ، وتعبير ( لا تأخذ ) موجود في طبعة دار الكتب الاسلامية ، ولكنه ليس موجوداً في طبعة مؤسسة آل البيت عليهم السلام ، فإذا كان الموجود ( لا تأخذ ) فهذا نهيٌ والنهي ظاهرٌ في التحريم وعليه فسوف تنفعنا الرواية حينئذٍ ، أما الموجود في طبعة مؤسسة آل البيت عليهم السلام فهو ( لا نأخذ بقول عرّافٍ ولا قائفٍ ... )[4] ، فالوارد هو ( لا نأخذ ) وليس ( لا تأخذ ) ، وأما الموجود في الفقيه فهو ( لا آخذ )[5] ، فصار عندنا ثلاث نسخ ، أما في المصدر كما قلنا الموجود هو ( لا آخذ ) ، والذي نقله الشيخ في المكاسب وهو موجود في مجمع البحرين هو ( لا آخذ ) ، وحينئذٍ يقال للشيخ أنّ ( لا آخذ ) لا يدلّ على التحريم فإنّ الامام عليه السلام لا يأخذ به وهذا أعمّ من نفي الحجّية ، فلعلّه حجّة ولكن الامام عليه السلام لا يأخذ به ، يعني يجوز التمسّك به ولكن الامام عليه السلام لم يتمسّك به ، مثل ( لا ازوّج بنتي لحائك ) فهذا يجوز لكن أنا لا أزوّجه لوجود حزازة ، وهنا أيضاً يوجد احتمال ذلك . فإذن الموجود في الفقيه والذي ذكره الشيخ هو ( لا آخذ ).
وإذا أراد أحدٌ أن يدافع عن الشيخ فقال:- إنّ الشيخ قد نقل أنّ الرواية قالت ( لا آخذ ) ، ولكن نقول:- إنه يوجد في طبعة دار الكتب الاسلامية فيها عبارة ( لا تأخذ ).
قلت:- هذه نسخةٌ وتلك نسخةٌ وتلك الأخرى نسخةٌ ، فصار عندنا ثلاث نسخ ، فلا نعرف ما هو الصحيح ، فإثبات الحرمة حينئذٍ يكون بلا مستندٍ ، فلابد وأن تكون النسخ كلّها متّفقة على عبارة ( لا تأخذ ) ، أما أنَّ بعض النسخ فيها ( لا تأخذ ) وبعضها الآخر فيها ( لا نأخذ ) فحينئذٍ هذا مردّدٌ ، فليس من المعلوم أنّ الوارد هو ( لا تأخذ ) ، إلا اللهم أن نضمّ تلك الفكرة التي أشرنا إليها وهي أنّ عدم أخذ الإمام عليه السلام يدلّ على نفي الحجّية وبالتالي على عدم جواز ترتيب الآثار ، ولكن أجبنا عنه بما تقدّم ولا نكرر.
أجل استدرك وأقول:- نقل مستدرك الوسائل عن الجعفريات - التي هي الأشعثيات - أنّ الموجود هكذا:- ( من السحت ثمن الميتة ...... وأجر القافي )[6] .
وهذه الرواية لو تمّت سنداً فلا بأس بها لأنَّ أجر القافي صار سحتاً ، والسحت هو الحرام ، فهذا يدلّ على أنّ القيافة حرام لذلك صار الأجر من السحت ، ولكنّ الجعفريات لم تثبت سنداً ، وعلى هذا الأساس يكون التمسّك بهذه الرواية مشكلٌ أيضاً.
الثالث:- ما ذكره الشيخ الأعظم(قده) أيضاً ، وهو أنه ورد في بعض الأخبار أنّ الإمام الرضا عليه السلام ردّ على بعضٍ حيث نسب إلى النبي صلى الله عليه وآله أنّه أيّد القافة ، وحينئذٍ هذا يدلّ على أنّ القيافة ليست حجّة وإلا لماذا يردّ الإمام عليه السلام إذا كانت حجّة.
أما أين قال العامّة ذلك ، وأين ردّ الامام علسه السلام ؟
أما ما عند العامّة:- فهو رواية عن عائشة وهي:- ( أنّ النبي صلى الله عليه وآله دخل عليها وهو مسرور تبرق أسارير وجهه فقال:- ألم تسمعي ما قال مجزّز المُدلجي ورأى أسامة وزيداً نائمين وقد خرجت أقدامهما فقال:- إنّ هذه الأقدام بعضها من بعض )[7] [8] ، يعني هذا تأييدٌ من النبي صلى الله عليه وآله ( بأسارير ).
إذن الموجود في كتب العامّة هو أنّ النبي صلى الله عليه وآله أمضى القيافة.
أما ما عندنا من رفض الإمام الرضا عليه السلام ذلك:- فهو رواية موجودة في الكافي ، وهي:- ( عليّ بن إبراهيم، عن أبيه ، وعليّ بن محمد القاساني جميعاً ، عن زكريا بن يحيى[9] بن النعمان الصيرفي قال:- سمعت عليّ بن جعفر[10] يحدّث الحسن بن الحسين بن علي بن الحسين فقال: والله لقد نصر الله أبا الحسن الرضا عليه السلام ، فقال له الحسن:- إي والله جعلت فداك لقد بغى عليه إخوته ، فقال عليّ بن جعفر:- إي والله ونحن عمومته بغينا عليه ، فقال له الحسن: جعلت فداك كيف صنعتم فإني لم أحضركم ؟ قال:- قال له إخوته ونحن أيضا:- ما كان فينا إمامٌ قط حائل اللون ، فقال لهم الرضا عليه السلام:- هو ابني ، قالوا: فإنّ رسول الله صلى الله عليه وآله قد قضى بالقافة فبيننا وبينك القافة ، قال: ابعثوا أنتم إليهم فأما أنا فلا ، ولا تعلموهم لما دعوتموهم ولتكونوا في بيوتكم . فلما جاؤوا أقعدونا في البستان واصطف عمومته وإخوته وأخواته وأخذوا الرضا عليه السلام وألبسوه جبّة صوفٍ وقلنسوة منها ووضعوا على عنقه مسحاة وقالوا له:- ادخل البستان كأنك تعمل فيه ، ثم جاؤوا بأبي جعفر عليه السلام فقالوا:- ألحقوا هذا الغلام بأبيه ، فقالوا:- ليس له ههنا أب ولكن هذا عمّ أبيه ، وهذا عم أبيه ، وهذا عمه ، وهذه عمته ، وإن يكن له ههنا أب فهو صاحب البستان ، فإنّ قدميه وقدميه واحدة ، فلما رجع أبو الحسن عليه السلام قالوا:- هذا أبوه . قال علي بن جعفر:- فقمت فمصصت ريق أبي جعفر عليه السلام ثم قلت له:- أشهد أنك إمامي عند الله... ).
وعلى أيّ حال استدلّ الشيخ الأنصاري(قده) بهذه الرواية بدعوى أنّ الامام عليه السلام ردّ قول القافة.
والجواب:- إنّ الامام عليه السلام لم يردّ قول القافة ، بل قال ( ابعثوا أنتم إليهم ) ، أي أنا لا أفعل هذا لأنّ هذا لا يناسبني ، وهذا لا يدلّ على أنّه نفى حجّية قول القافة.