37/08/24
تحمیل
الموضوع:- مشروعية أخد أوال أوراق اليانصيب - مسألة ( 19 ) – المكاسب المحرمة.
عود إلى صلب الموضوع:-
كان كلامنا فيما سبق في مسالة أوراق اليانصيب وقلنا إن الكلام في ذلك يقع في جهات أربع ، وكانت الجهة الأولى جواز بيع الأوراق وضعاً وقد تكلمنا عنه ، والجهة الثانية جواز بيع الأوراق تكليفاً وتكلمنا عنها ، والجهة الثالثة إذا فاز بها شخص وتكلمنا عن ذلك أيضاً وفي ضمن ذلك تكلّمنا عن النكات العشرة التي كان آخرها يرتبط بحكم مجهول المالك وحكم البنوك وقد انتهينا من ذلك ، ونريد الآن أن نتكلّم في الجهة الرابعة.
الجهة الرابعة:- مشروعية أخذ أثمان اليانصيب.
هناك لجنة تشرف على عملّية أوراق اليانصيب والكلام في أن هذه اللجنة حينما تقبض أثمان هذه الأوراق فهي تقبضها بأيّ عنوان وهل يصير ملكاً لها أو لا ؟
والجواب:- إذا كانت الشركة أهلية يعني كانت اللجنة المشرفة أشخاص معيّنين كخمسة أو ستة مثلاً فهنا لا محذور في أن يقال إنّ الأموال تصير ملكاً لهؤلاء الأفراد فهي تبيع أوراق اليانصيب بأثمان معينة على أساس أن تجري القرعة بعد ذلك فتصير الأموال ملكاً لها وبعد ذلك هي تعطي الجوائز لمن فاز بالقرعة ولا مشكلة من هذه الناحية ، فإذن هي تأخذ الأموال من باب أنها مالكة وقد صححنا بيع الأوراق فيما سبق وضعاً وتكليفاً فلا مشكلة حينئذٍ في أن تكون الأثمان ملكاً لها ، وأما إذا كانت اللجنة المشرفة هي الحكومة أو ما بحكم ذلك فإن بنينا على أنّ عنوان الحكومة أو ما شاكل ذلك يملك بحيث قام الدليل على ملكيته لا فقط القابلية - حيث قلنا إنَّ القابلية مسلّمة ولا أستبعد أنّ أحداً يشكك في أصل القابلية كلا بل في الوقوع والفعلية - فلا مشكلة أيضاً فهذا العنوان حينئذٍ يملك هذه الأثمان بناءً على ملكية العنوان ، وأمّا إذا قلنا إنّ العنوان لا يملك إما لعدم دليلٍ على الوقوع أو لعدم ممثلية شرعية ففي مثل ذلك لا يمكن الحكم بالملكية ، فماذا يصير الأمر آنذاك فإنّ هذه الأموال قد تجمّعت الآن وهي ليست ملكاً لهذا العنوان لفرض أنّ العنوان لا يملك فهذه الموال لمن تكون ؟
يمكن أن يقال:- إنّ هذه إباحة مشروطة ، يعني هي إباحة لكلّ من وضع يده على هذه الأموال ولكن بشرط أن يجري عملية القرعة ويشرك صاحب المال في تلك القرعة ، فأنا حينما أدفع الثمن وآخذ الورقة أبيح لكلّ من تصل بيده هذه الأموال التصرّف ولكن بشرط أن يشركني - هو أو وكيله أو من يرتبط به - في عملية القرعة ، فالثمن إذن باقٍ على ملك صاحبه السابق ولكنه أباحه بالإباحة المشروطة بالشكل الذي أوضحناه ، فالمالك إذن موجودٌ وهو نفس المالك الأوّل ، بخلافه فيما إذا كان الشركة أهلية أو بنينا على أنّ العنوان يملك ففي مثل ذلك لا يكون هذا الثمن باقياً على ملك صاحبه السابق بل ينتقل إلى شخصٍ جديد أو جهةٍ جديدة ، أما على الثالث فيكون باقياً على ملك صاحبه ، وهذا شيء لا بأس بالالتفات إليه.
ثم إنه ربما يقال:- إذا فرض أنّ الشركة كانت أهلية وليست حكومية وفرض أنّ المشروع الذي بيعت لأجله أوراق اليانصيب كان مشروعاً خيرياً فربما يقال في توجيه الاستلام غير ما أشرنا إليه ، فإنّا فيما سبق قلنا إنَّ هذا يكون تمليكاً لتلك اللجنة ولكنه مشروطٌ بصرفه في المشاريع الخيرية ، ولكن قد يقال يوجد بيانان غير مسألة التمليك:-
البيان الأوّل:- أن نقول إنّ ذلك من باب الأمانة ، فالذي يشتري ورقة اليانصيب هو في الحقيقة يجعل هذا الثمن أمانة بيد تلك اللجنة على أساس أن يصرف في ذلك المشروع الخيري ولهم الحقّ في إبداله بمالٍ آخر بل لهم الحقّ في إعدامه واستهلاكه بأن يعطى للعمّال الذين يأتون لبناء المستشفى مثلاً.
وجوابه:- نحن قد ذكرنا سباقاً أنّ الأمانة تعني الوديعة ، والوديعة قد أخذ فيها أن لا يتصرّف فيها الطرف تصرّفاً متلفاً ، فلا معنى لأن نقول هذا من باب الوديعة أو الأمانة ، اللهم إلا أن تقول:- هناك شيء يبقى إلى الأبد وهو المالية ، أي أنَّ مالية هذه الأوراق النقدية أنا أريدها أن تبقى ، فالمالية صارت ثابتة ولم يتصرّف فيها وإنما حصل التصرّف والاعدام والافناء لتلك الأوراق التي ترمز وتحكي عن تلك المالية ، فهناك إذن شيآن مالية وهي ثابتة ولا تتغير ولا تعدم ولا تفنى وهناك أوراق تحكي وترمز إلى تلك المالية والذي يعدم فيه ليس هو المالية وإنما هو الأوراق ، فإذن يمكن تصوّر الأمانة والوديعة ولكن بلحاظ المالية ، فأنا أقول للطرف أنا أريد بقاء المالية ولكن فليكن التصرّف في الأوراق ، فإذن لا مشكلة من هذه الناحية ، هكذا قد يخطر إلى الذهن ويجاب عمّا أشرنا إليه وأشكلنا به.
ويردّه:- إنّ هذه الأوراق هي في الحقيقة صارت لها مالية بقطع النظر عن منشأ ماليتها فإن منشأ ماليتها هو الذهب أو غيره الموجود في المكان المعيّن - كسويسرا مثلاً أو غيرها - ولكن ذاك أشبه بالحيثية التعليلية ، فهو صار علّة لصيرورة الأوراق ذا مالية ، فهي صارت مالاً والتعامل عليها بما أنها مال مثل الذهب والفضة فإنهما بنفسيهما مال لا أنه يوجد شيء هو سبب ماليتها ، فهنا أيضاً كذلك فهذه الأوراق أصبحت هي بنفسها مالاً ، فعلى هذا الأساس اعطاؤها وافناؤها هو افناءٌ للمال لا أنّ التعاقد والتصرّف يكون على تلك السبائك من الذهب أو ما شاكل ذلك أو على عنوان المالية بل هي على نفس هذه الأوراق ، فما يدافع به هو مجرّد ألفاظ لا تحكي عن واقع.
البيان الثاني:- أن يقال إنّ ذلك من باب الصدقة ، فأنا أدفعه صدقةً تصرف في المشروع الخيري وأعطي أيضاً صلاحيةً وحقاً للّجنة الأهلية في أن تتصرّف في هذه الصدقة ولو بإفنائها ، والمقصود من الصدقة هنا مطلق الاحسان لا بمعنى الصدقة التي نستعملها الآن وهو ما يدفع إلى الفقير ، لأنّ الصدقة بالمعنى اللغوي هي مطلق الاحسان بل بالمعنى الشرعي كذلك فـ( كلّ معروفٍ صدقة ) يعني مطلق الاحسان إلى الغير لوجه الله تعالى لا لأهدافٍ خاصّة ، هذا ما قد يقال ، وهو شيءٌ لا بأس به.
ولكن يمكن صياغته بشكل أقرب وأسهل وذلك بأن يقال:- إني أدفع المال لهذه اللجنة الخيرية الأهلية لا من باب أنّ هذه صدقة أو أمانة كما في التقريب الأوّل بل إنما أدفعها وأقول لهم اصرفوا هذه الأموال في المشاريع الخيرية ، فإنّ هذا توكيلٌ لهم ، وحينئذٍ وصلنا إلى الذي أردناه ولكن بطريقٍ أسهل.
ولعلّ روح التقريبين السابقين يرجع إلى ذلك ولكنّ هذا ليس فيه تعقيد بخلاف ذينك التقريبين ، وهذا شيء حسن ولا بأس به ، فهو ليس توكيلاً للجهة حتى يقال كيف تثبت أنّ الجهة والعنوان العام يملك ؟!! وإنما افترضنا أنّ الشركة أهلية وإلا إذا كانت جهة عامّة فإنّ الجهة العامّة كما لا تقبل التمليك لا تقبل التوكيل لنفس الاشكال وهو عدم الدليل على ذلك.
يبقى شيء:- وهو أنّي حينما أوكّل فهذا المال يكون ملك من فإنّ هذا توكيلٌ ولم يخرج المال عن ملكي فهو باقٍ على ملكي أنا الدافع وإذا كان باقياً على ملكي فتأتي مشكلة أنه هل يجب تخميسه أولا ؟
ومن الواضح أنَّ الأشخاص الذين يضعون صندوقاً في بيوتهم مثلاً أو يعزلون في كلّ يومٍ صدقة على جانبٍ ولكنهم لم يعطوها إلى لفقير بعدُ فهل هذه خارجة عن ملكهم أو لا والجواب:- هي بعدُ باقية على ملكه وبالتالي يجوز له أن تأخذ منها سواء كان محتاجاً أو لا كما يلزم تخميسها في نهاية السنة ، إلا اللهم أن تأخذ وكالةً من الفقير فتقول له وكلني في أن أجمع لك المال في هذا الظرف وسوف أدفعه لك في رأس الشهر أو السنة فهنا إذا صارت الوكالة ففي مثل هذه الحالة حينما تضع المال في الظرف أو الصندوق فكأن الفقير قد قبضه فحينئذٍ صار هذا المال بمثابة المقبوض ولا يجب التخميس أيضاً ، كما يجب أن تعطيه إلى نفس ذلك الفقير الذي أخذت منه الوكالة ، إلا إذا قال لك الفقير أنا أعطيك وكالةً بأنه إذا رأيت فقيراً آخر أحوج منّي وأردت أن تعطيه فأنا أجيز لك ذلك ولكن هذا شيء آخر ، ولكنّ المال باقٍ على ملكه وأنا إذا دفعته إلى الفقير الآخر فأنا أدفع عنه وليس عنّي ، أمّا إذا فرض أن التوكيل ليس موجوداً فهو باقٍ على ملكي.
وهل تترتّب آثار الصدقة كدفع البلاء على هذا العمل أو لا ؟ والجواب:- ليس من المعلوم أن تترتّب هذه الآثار ، فآثار الصدقة إنما يصدق إذا أعطيته ، أما أذا لم أُعطِه وبَعدُ وإنما بالنّية فهنا لم يصر المال صدقةً بَعدُ فالآثار ليس من المعلوم أن تترتب ، يبقى أنت لا تستطيع ايصالها والله عزّ وجلَّ هو يرتّب الأثر فهذه قضية ثانية ، ولكن نحن حينما نتعامل مع الأدلّة فلا مثبت لكونها كتلك الصدقة التي تدفع إلى الفقير فإنّ تلك الصدقة هي التي دلّ الدليل على أنها تدفع البلاء أما هذه فليس من المعلوم ذلك ، وهذه قضيّة جانبية.
وتوجد قضيّة أخرى:- وهي أنه أحياناً يأتي أناس فيجمعون الأموال بعنوان الإمام الحسين عليه السلام وأنا أدفع لهم المال فهل يجب عليّ دفع خمس هذا المال الذي أعطيته لهم ولم يصرف بَعدُ في مورده وأنا أعطيته من باب الاجازة في أن يصرف في هذا المورد ، فأنا أتمكن أن استرجعه ولا مشكلة في ذلك فهو بَعدُ باق على ملكي ، ولكن مثل هذا الذي نعطيه للإمام الحسين عليه السلام أو لأهداف أخرى من هذا القبيل وأحذه الطرف وهذا الطرف هم الذين يجمعون لهذه العزوات وللمواكب فهل تخمسه لازم أو لا ؟ إنّ تخميسه ليس بلازم رغم أنه قد يقال هو باقٍ على ملك صاحبه ولم يخرج عن ملكه ويجوز لصاحبه أن يرجع به ويأخذه ، وما هي النكتة في ذلك ؟ فلماذا هنا نقول لا يجب الخمس أمّا حينما نضع المال في الصندوق الموجود في البيت يجب فيه الخمس فهل توجد رواية في ذلك ؟ إنه لا توجد رواية وإنما الدليل على ذلك هو أنّ المال الموجود في الصندوق الموجود في البيت هو على مقتضى القاعدة ولا يحتاج إلى رواية فهو بَعدُ باقٍ على ملكي فيجب التخميس ، أما هذا أعطيته إلى شخصٍ والمفروض أنّه ليس بخارجٍ عن ملكي فهو يحتاج إلى دليلٍ على عدم وجوب التخميس فلماذا لا يجب التخميس ؟ والجواب:- إنَّ الدليل على عدم وجوب تخميسه هو السيرة فإنها جارية على أنّ ما يدفع للغير بعنوان المشاريع الخيرية سواء كان للإمام الحسين عليه السلام أو بناء مستشفى أو غير ذلك قد خرج وانتهى ولا يجب تخميسه ، وفي مثل هذه الحالة نبني على هذه السيرة ، ولعلّ هذا الوجه في فتوى الفقهاء كما هو موجود في منهاج السيد الخوئي(قده) في باب الوقف ( ما يجمع بعنوان الحسين عليه السلام ويدفع لا يجب فيه الخميس ) والنكتة هي انعقاد السيرة على ذلك ، بل لعلّه إذا مضت فترة طويلة يقال ليس له حقّ الرجوع أيضاً .
فالفارق بين الذي يجمع في البيت في صندوق مثلاً وبين الذي يدفعه للغير هو هذه السيرة وإلا لا يوجد عندنا دليل آخر على التفرقة بهذا الشكل ، فلا أحد يفكّر في أنه يدفع خمس هذا المال الذي دفعه للإمام الحسين عليه السلام أو المشاريع الخيرية ، فبلا إشكال أنّ هناك سيرة منعقدة جزميّة ، وهي ليست سيرة عقلاء وإنما هي سيرة متشرّعة ، وهي ليست سيرة جديدة بل هذا التبرّع للإحسان موجودٌ في كلّ زمان ولا يحتمل أنهم كانوا يخمّسون هذه الأموال بعدما دفعوها إلى الفقراء ولغير ذلك ، فهذه السيرة ثابتة جزماً.
ولو قيل:- إنّ المال المجموع في صندوقٍ في البيت أيضاً توجد سيرة على أنهم لا يخمّسونه ؟ فجوابه:- إنّ هذه سيرة حادثة ، فعلى هذا الأساس لا يمكن التمسّك بها وهذا ناشئٌ من الغفلة ، أمّا ذاك فهو ليس ناشئاً عن الغفلة جزماً ، فأنا وأنت حينما دفعنا المال إلى المشروع الخيري فنحن نصرف النظر عنه ولا نحسبه من جملة أموالنا بخلاف ذلك الذي هو موجود في الصندوق فهو بَعدُ موجودٌ عندي ولم أعطه فحينئذٍ هو باقٍ على ملكي ويجب تخميسه.
فالتفتوا إلى أن الجواب هو هذا وهو أنَّ ما دفعه لا يجب فيه التخميس وكذا الذي يضعه في الصناديق المخصّصة لهذه الموارد ليس من البعيد أنه يحسن بمثابة الاعطاء ، أما هو لو وضع صندقاً في بيته فيجب تخميسه ، وليس الصندوق الذي تعطيه المؤسسة الخيرية لك فإنّ هذا ربما يقال إنّ المال الذي تضعه فيه خرج عن ملكك وإن كان هذا محلّ تأمل وإشكال ، وبهذا ننهي هذه المسألة.