37/07/23


تحمیل

الموضوع:- مسألة ( 19 ) – المكاسب المحرمة.

وفيه:- إنّ مضمون الرواية المذكورة لا يمكن الالتزام به فإنّ ظاهرها أنّ جميع أفراد الملهي عند ذكر الله هو حرام وهذا لا يمكن أن يلتزم به فقيه ، فقراءة كتاب قصّة ألف ليلة وليلة مثلاً يلهي عن ذكر الله وهكذا رؤية المسلسلات التلفزيونية المضحكة أو الجلوس مع الأصدقاء والتكلم بكلام فارغ لا ينفع بلحاظ الآخرة وما شاكل الكثير فهل يحتمل أنّ قضاء الوقت في هذه الأمور حرام - وإن كانت تلهي عن ذكر الله - ؟!!

إذن لا يمكن الالتزام بظاهر هذه الرواية - وأقصد من ظاهرها هو تحريم كلّ ما يلهي عن ذكر الله - فلابد من حمل ذلك على الحكم التنزيهي وأنه يرجح ذلك لا أنه يحرم ، فعلى هذا الأساس إمّا أن نخالف ظاهرها بالحمل على الحكم التنزيهي وحينئذٍ لا ننتفع بها في إثبات الحرمة ، أو نحملها على حصّةٍ خاصّةٍ التي يمكن أن يثبت فيها التحريم ولكن تلك الحصّة الخاصّة - لو كانت هناك حصّة خاصة معيّنة يمكن حمل الرواية عليها - فلا ندري أنّ موردنا مصداقٌ لها أو لا ، فعلى هذا الأساس لا تنفعنا هذه الرواية على كلا التقديرين سواء أردنا أن نبقيها على ظاهرها - على العموم - فيلزم حملها على التنزيه ، أو نحملها على المرتبة الخاصّة التي يمكن فيها ثبوت الحرمة فحيث إنها ليست متعيّنة فلا نجزم بأنّ موردنا مصداق لها حتى يثبت التحريم في موردنا.

إن قلت:- هناك شقٌّ ثالثٌ وهو أن نتمسّك بظاهر الرواية في العموم التحريمي ولكن نقول يخرج ما نجزم بخروجه وأما الزائد على ذلك فيكون باقياً تحت العموم المذكور ، فمثلاً الذي نجزم بخروجه هو قراءة قصّة ألف ليلية وليلية فنقول هو خرج بالجزم واليقين ، وكذلك النظر إلى المسلسلات المضحكة وهكذا - كعشرة أفرادٍ أو عشرين وهكذا - أمّا مقامنا - وهو المغالبة من دون آلات قمار ولا رهن - فنشكّ في خروجه فنتمسّك بالعموم بلحاظه كما نتمسّك بالعموم في سائر الموارد ، فكيف في سائر المورد إذا كان عندنا عام نتمسّك بعمومه في غير مورد التخصيص فهنا أيضاً فلنقل كذلك ، يعني خرج ما خرج ممّا جُزِم بخروجه ويبقى الباقي تحب العموم ، وحيث لا نجزم بخروج محلّ كلامنا - أعني المغالبة في الصورة الرابعة - فيكون باقياً تحت العموم فيثبت بلحاظه التحريم.

قلت:- إنّ هذه الطريقة وجيهة في العمومات التي يمكن الالتزام بها بحيث يكون ظهورها ظهوراً مقبولاً ومحتمل المطابقة للواقع فنتمسّك بالظهور في غير ما خرج ، من قبيل ما إذا قيل ﴿ وفوا بالعقود ﴾ ، فكل عقدٍ يجب الوفاء به ، فهذا ظهور يمكن الالتزام به لأنّه مقبولٌ ، فإذا جاء دليل وقال ( العارية والوكالة لا يجب الالتزام بها ) فنقول هي خارجة ولولا الدليل الخاص لكنّا نلتزم بالظهور في العموم ونأخذ به في كلّ المجالات ، فهذه الطريقة مقبولة في مثل ذلك ، وأمّا إذا كان ظهور العام لا يمكن التصديق به ويُجزَم ببطلانه فلا معنى لتطبيق هذه الطريقة كما هو الحال في العموم الذي نتكلّم عنه فإنّ قوله عليه السلام ( كلّ ما ألهى فهو ميسر ) يعني حرام لا يمكن الالتزام بالعموم مع الحرمة ، فنلتزم بالعموم في كلّ شيء يلهي عن ذكر الله وهو حرام إنّ هذا لا يمكن الالتزام به فإنّ كلّ وشخصٍ يسمعه فإنه بمجرد الالتفات البسيط منه يقول لا يمكن الالتزام بهذا الشيء ، فهذا العموم إذن لا يقصد منه ظاهره فيصير هذا نفسه قرينة ، يعني أنّ عدم إمكان إرادة ظهوره قرينة أو صالح للقرينية المتصلة على أنّ يكون المقصود شيء آخر غير ظاهره وهو التنزيه وأنّ المؤمن ينبغي أن يتنزّه عن كلّ ما يلهي عن ذكر الله عزّ وجلّ.

إذن هذه القاعدة لا يمكن تطبيقها في المورد المذكور ، وهذه فائدة ينبغي الالتفات إليها ، وحاصلها:- هو أنّ قاعدة التمسّك بالعموم ثم نقول خرج ما خرج فهذا يتم فيما إذا فرض أنّ العموم يمكن الأخذ به وبظهوره كما قلنا في مثل ﴿ أوفوا بالعقود ﴾ ، وأما إذا لم يمكن الأخذ به فحينئذٍ لا يمكن تطبيق هذه القاعدة بل يمكن أنّ يكون المقصود شيء آخر غير ظاهره بأن يحمل على التنزيه والحكم الأدبي الأخلاقي ولا يبقى على ظاهره ، أو يحمل - كما قلنا - على مرتبةٍ خاصّةٍ إن أمكن ذلك.

الدليل الثالث:- صحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام:- ( سمعته يقول لا سبق ألا في خف أو حافر أو نصل يعني النضال )[1] ، والمقصود من النضال هو الرمي والمراماة ، ناضله يعني راماه ، فاستعمال النصل في الرمي لا بأس به ، والمقصود من النصل ما كان في رأسه حديدة كالسهم أو الرمح الذي في رأسه حديدة ، وكلمة ( يعني ) حينما جاءت هنا هي ليست من الإمام عليه السلام - ولا أقول جزماً - بل من الوجيه أن تكون من الراوي.

والرواية وردت في أكثر من سند وهي ببعض أسنادها وإن كانت ضعيفة إلا أنها بالبعض الآخر صحيحة السند حيث رواها الكليني عن عليّ بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن حفص عن أبي عبد الله عيله السلام ، والكلّ ثقات لا مشكلة فيهم.

إنه قد يتمسّك بها على تحريم المغالبة في غير هذه الموارد الثلاثة ، وحيث إنّ المغالبة في الصورة الرابعة التي هي محلّ كلامنا ليست من هذه الثلاثة وإنما هي مغالبة بالركض مثلاً فحينئذٍ يثبت أنها حرام.

وفيه:-

أوّلاً:- فلأنّ التمسّك بها على الحرمة يكون على قراءة كلمة السبق بسكون الباء فـ( لا سَبْق ) بمعنى لا مسابقة ، أمّا إذا قرئ بفتح الباء - يعني ( لا سَبَقَ ) - فيكون المنفي هو الجُعل والرهن ، يعني أنَّ الرهن باطل والرهن حرام في غير هذه الأمور ، وكلامنا في الصورة الرابعة المفروض أنه لا يوجد رهنٌ ، وحيث إنّ العبارة مردّدة بين الأمرين فحينئذٍ تكون مجملة فلا يصح التمسّك بالرواية المذكورة لإثبات التحريم في الصورة الرابعة.

وقد يراجع البعض أحدى الطبعات فيرى كلمة ( سَبْق ) بالسكون فيقول:- إذن كيف تقول هذه الرواية مجملة ؟

والجواب:- إنّ هذا اجتهاد من المحقّق وهو أنا وأنت ولا يصير حجّة إلا علينا ، وهذه قضية ينبغي الالتفات إليها ، فالتحريكات الموجودة في الروايات التي يتوقف عليها الاستدلال لا يمكن الأخذ بها مادام يوجد احتمال آخر فإنها اجتهاد من قبل المحقّق.

ثانياً:- لو سلّمنا أنّ الوارد هو ( لا سَبْق ) – اي بالسكون - فكيف تثبت التحريم فإنّ ( لا ) نافية للجنس وليست ناهية فعلى هذا الأساس كيف تستفيد التحريم ، ولم نقرأ في الأصول أنّ لا النافية للجنس تدلّ على التحريم ؟ فإذن الحديث مجملٌ فكيف نستفيد التحريم منه إذ هو صالح لإرادة التحريم وصالح لإرادة الكراهة ؟!!

فإذن لا يمكن التمسّك بالرواية من جهتين.

والخلاصة من كلّ ما ذكرناه في هذه الصورة الرابعة:- هو أنّه توجد ثلاثة أدلّة قد يتمسّك بها لإثبات التحريم وقد اتضح أنّ جميعها قابل للمناقشة ، بل قد يستدل على الجواز بما أشرنا إليه في كلام صاحب الجواهر(قده)[2] ، بل يمكن أن يقال يوجد دليل على الجواز في الصورة الرابعة وهي السيرة التي نقلها صاحب الجواهر(قده) والرواية التي نقلها عن فعلي سيدي شباب أهل الجنة عليهما السلام وإن ناقشنا في الرواية سنداً ودلالة ولكن السيرة قد يقال بأنها تامّة ويمكن التمسّك بها ، لكن بضمّ غير مسلك الشيخ الأصفهاني(قده) ، وإلا فعلى مسلكه الذي يرى أنّ دليل الامضاء يتوجه إلى المساحة الفعلية فلا يمكن إثبات التعميم للجواز.

وبهذا ننهي حديثنا عن هذه المسألة بأجمعها.

ولكن نذكر نقاط في المقام:- هناك نقاط أربع لا بأس بالتعرّض إليها:

النقطة الأولى:- حكم المسابقات الرياضية أو القرآنية أو ما شاكل ذلك ، وهو(قده) لم يتعرّض لها في عبارة المتن فإنه وإن كان قد يفهم منه الجواز ولكنه لم يتعرّض لها بالصراحة.

النقطة الثانية:- حكم الشطرنج وما شاكله في الوسائل الحديثة كالموبايل والحاسوب فهذا ايضاً لم يتعرّض له في المتن.

النقطة الثالثة:- حكم الشطرنج إذا أصبح وسيلةً علميّةً وخرج من القمارية.

النقطة الرابعة:- حكم أوراق اليانصيب.


[2] وانا ذكرت كلام صاحب الجواهر في المحاضرة السابقة ولكن من المناسب ذكره هنا.