37/05/25


تحمیل
الموضوع:- الولاية للجائر – مسألة ( 36 ) – المكاسب المحرمة.
وإن شئت قلت:- إنّ الفارق بين التعارض والتزاحم هو أنه في كليهما يوجد تنافٍ بين الدليلين إلا أن التنافي في باب التعارض هو في مقام الجعل والتشريع، وأما في باب التزاحم فالتنافي هو في مقام الامتثال، وهذا شيء مسلّم ولا خلاف فيه.
والذي أردت أن أضيفه هو إنك قلت:- لماذا صار التنافي هناك في باب الجعل والتشريع وصار هنا في مقام الامتثال فما هو الميزان ؟ فلماذا لا نقول كلاهما في عالم التشريع أو كلاهما في عالم الامتثال ؟
وإذا قال قائل:- إنّ المائز هو أنه في باب التزاحم يوجد عنوانان، فأحد الحكمين متعلّق بالإنقاذ والحكم الثاني متعلّق باجتياز الأرض المغصوبة - فيحرم اجتياز الأرض المغصوبة ويجب الانقاذ - وكلّ عنوان له حكمٌ فلا يتحقق تنافٍ في مقام الجعل لأنّ العنوان مختلف.
فنقول له:- إنه في باب التعارض بنحو العموم من وجه أيضاً يوجد عنوانان، ومثالنا الذي ذكرناه هو ( أكرم الفقير ولا تكرم النحوي )، فأحد العنوانين هو الفقير، والعنوان الثاني هو النحوي، فالعنوان مختلفٌ، فماذا صار في أحدهما تنافٍ من حيث التشريع وفي الآخر تنافٍ من حيث الامتثال بعد الالتفات إلى أنّه في كلا الموردين يوحد عنوان، فما هو المائز ؟
قلت:- إنّه في ( أكرم الفقير ولا تكرم النحوي ) صحيحٌ أنه يوجد عوانان لكن العنوانين يلتقيان في مصداقٍ واحد - أي في الفقير النحوي -، فالفقير قد يكون مصداقاً للنحوي والنحوي قد يكون مصداقاً للفقير، فإذا اجتمعا في واحدٍ فهنا سوف يصير تعارض في هذا الفرد لأنه سوف يصير تكاذب في عالم التشريع.
وهذا بخلافه في باب الانقاذ والصلاة فإنّ الصلاة ليست مصداقاً للإنقاذ أو الازالة، والازالة أو الإنقاذ ليست مصداقاً للصلاة، فهما ليس أحدهما مصداقاً للثاني حتى يجتمع كلا الحكمين في موردٍ واحد، وإنما كلّ واحدٍ في موضوعه الخاص، وأحدهما لا يكون مصداقاً للآخر ولكن في عالم الامتثال لا يمكن امتثالهما معاً.
عودٌ إلى ما ذكره الشيخ الأعظم(قده) في مقام الاشكال على صاحب الجواهر(قده) حيث اشكل بإشكالين:-
الاشكال الأوّل:- إنّه في مورد التعارض بنحو العموم من وجه يكون الحكم هو التوقّف والرجوع إلى الأصل دون التخيير.
ويقصد من التوقّف هنا التساقط، لأنّه قال بعد ذلك ( التوقف والرجوع إلى الأصل ) وهذه قرينة على تساقطهما، فلابد وأنها يتساقطان ثم نرجع إلى الأصل.
ثم بين أنّ الأصل ماذا يقتضي، فهو بلحاظ الولاية يقتضي البراءة والاباحة لأنّا نشك هل التولي حرام أو لا فتجري البراءة، وأما بلحاظ الامر بالمعروف فالأصل يقتضي الوجوب لأنّ العقل مستقلٌّ بلزوم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
وروح هذا الإشكال هو الجواب على المبنى، فهو يريد أن يقول إنّ مبناي هو التساقط والرجوع إلى الأصل، وليس مبناي التخيير، يعني هذا ردٌّ مبنائيٌّ وليس رداً عليماً.
ونعلّق - بقطع النظر عن مسألة المبنائية- فنقول:-
أوّلاً:- إنّ ما ذكره يتمّ إذا فرض أنّ مقصود صاحب الجواهر(قده) من التخيير هو التخيير في مقابل التساقط، لأنه يوجد خلاف في باب التعارض بنحو العموم من وجه وهو أنّ الموقف في مادّة الاجتماع هل هو التخيير أو التساقط ؟ فإذا كان صاحب الجواهر(قده) يقصد منه التخيير في مقابل التساقط فتعليق الشيخ الأعظم(قده) يكون تاماً باعتبار أنّ مبناه هنا هو التساقط وليس التخيير فيصير جواباً مبنائياً.
ولكن من القريب أن يكون مقصود صاحب الجواهر(قده) هو الجمع العرفي ويريد أن يقول إنّ العرف يجمع بين هذين الدليلين في مادّة المعارضة بالتخيير كجمعٍ عرفيّ وليس التخيير في مقابل التساقط، فإذا أراد الشيخ الأعظم(قده) أن يناقش فمن المناسب أن يناقش ويقول إني لا أرى العرف يجمع بالجمع المذكور وهذا ادعاءٌ على العرف فهذه دعوى جمع عرفيّ بلا شاهد.
يبقى من حقك أن تسأل وتقول:- كيف قلت إنّه من القريب أنّ مقصود الجواهر(قده) من الجمع بالتخيير هو الجمع العرفي وليس التخيير مقابل التساقط ؟
قلت:- إنَّ القرينة هي تعبيره حيث قال:- ( فيجمع بالتخيير) فإذا كان المقصود هو التخيير في مقام التساقط فالتعبير بلفظ ( يجمع ) لا معنى له، وهي قرينة ظريفة جداً، بل من المناسب أن يقال ( يحكم بالتخيير ) لا أن يقول ( يجمع بالتخيير )، ثم لاحظ تكملة عبارته حيث قال:-( فيجمع بالتخيير المقتضي للجواز رفعاً لقيد المنع من الترك من أدلّة الوجوب ... )، فإذا كان المقصود من التخيير هو التخيير في مقابل التساقط فهذا التخيير مدركه الروايات فبعض الروايات قالت ( إذن فتخيّر )، أمّا التعليل بقوله ( رفعاً لقيد المنع .. ) فهذا لا معنى له فإنّ هذا التعبير لا يتناسب مع التخيير الذي هو في مقابل التساقط، فقوله ( رفعاً ) يعني أنّ العرف هكذا يجمع، فالعرف يرفع هذا القيد من الحرمة ويرفع ذاك القيد من الوجوب فتصير النتيجة هي التخيير.
ولا أقل كان من المناسب للشيخ الأعظم(قده) ابداء هذا الاحتمال.
ثانياً:- إنّ الشيخ الأعظم(قده) قال بعد ذلك المناسب التوقف والرجوع إلى الأصل - وقلنا التوقّف هنا بمعنى التساقط بقرينة قوله ( الرجوع إلى الأصل ) -.
ثم قال:- إنّ الأصل في جانب التولي يقتضي الاباحة.
وهذا لا كلامنا لنا فيه.
وأما في جانب الأمر بالمعروف فهو يقتضي الوجوب لاستقلال العقل.
وهنا ونقول له:- إذا كان العقل حقاً يستقل بوجوب الأمر بالمعروف[1] فعلى هذا الأساس لا يحصل شكّ في حكم التولي حتى نرجع إلى أصل الاباحة، بل بعد استقلال العقل بأنّ الأمر بالمعروف واجبٌ فسوف يحكم بالتبع بلزوم التولي وبالتالي لا شكّ حتى نرجع إلى أصل الاباحة بلحاظ التولي.
الاشكال الثاني:- سلّمنا أنّ الحكم هو التخيير في مورد التعارض بنحو العموم من وجه دون التساقط ولكن أي تخيير ؟ هو التخيير الظاهري دون التخيير الواقعي.
والمقصود من التخيير الواقعي الاباحة الواقعية، مثل شرب الماء فالتخيير فيه واقعي بمعنى الاباحة، فيجوز لك واقعاً أن تشرب ويجور لك واقعاً أن لا تشرب، فكلّ إباحةٍ واقعية هي تخيير واقعي، فإذا أردنا أن نوقل بالتخيير في باب المتعارضين بنحو العموم من وجه فهو أي تخيير ؟ إنّه ليس التخيير الواقعي الذي سوف تصير نتيجته الواقعية هي أنك مخيّر بين أن تتولى للجائر وتأمر بالمعروف فهذا جائز لك، وبين أن تترك التولي ولا تأمر بالمعروف، مثل الماء تريد أن تشريه واقعاً أو لا تريد أن تشربه واقعاً، فالتخيير ليس هو التخيير والوقعي وإنما هو التخيير الظاهري، والتخيير الظاهري يعني أنّ من حقك أن تلتزم بهذا الدليل الذي يقول بالتولي عن الجائر ونتيجته تصير هي وجوب التولي، ومن حقك تأخذ بدليل الأمر بالمعروف وسوف تصير نتيجته نتيجة أخرى وهي لزوم التولي ولزوم الأمر بالمعروف، فالتخيير تخيير بين الأخذ بهذا الدليل الذي له نتيجة معينة وبين الأخذ بذلك الدليل الذي سوف تكون نتيجته نتيجة مختلفة وهذا هو التخيير الظاهري.
ولكن يوجد سؤالان:-
الأوّل:- من أين عرفت أيها الشيخ الأعظم(قده) أنّ مقصود صاحب الجواهر(قده) من التخيير هو التخيير الواقعي ؟
الثاني:- من أين أثبتَّ أنّه في باب التعارض الموقف يقتضي التخيير الظاهري دون التخيير والواقعي ؟
أمّا بالنسبة إلى السؤال الأوّل فجوابه:- هو أنّ قرينته هي أنّ صاحب الجواهر(قده) عبر وقال:- ( رفعا لقيد المنع من الترك من أدلة الوجوب وقيد المنع من الفعل من أدلة النهي )، يعني نرفع اليد عن هذا القيد ونرفع اليد عن ذاك القيد ونتيجة رفع اليد عن القيدين هي الاباحة الواقعية لا أنه مخيّر بين الأخذ بهذا الدليل أو الأخذ بذاك، وهذه قرينة واضحة على أنّ المقصود هو التخيير الواقعي.
وأمّا جواب السؤال الثاني فهو:- أنّ روايات التخيير تقول ( إذن فتخير ) ،والمقصود من ( تخيّر ) يعني تخيّر أحد الدليلين عند فقدان المرجّح ن ونتيجته سوف تصير هي التخيير الظاهري، يعني إمّا أن تلتزم بدليل التولّي فيصير التولّى عن الجائر شيئاً واجباً، أو تلتزم بذاك فتصير النتيجة هي ترك الأمر بالمعروف وترك التولي، فالظاهر من الأدلة أنّ المقصود من ( تخيّر ) هو التخيير الظاهري دون الواقعي.


[1] - وواضح أنّ المقصود من استقلال العقل يعني الحكم القطعي وإلا فحكم العقل ليست له أي حجية إذا لم يكن قطعياً فلابد وأن يكون هناك حكم قطعي بوجوب الأمر بالمعروف.