37/07/05


تحمیل

الموضوع: فصل في شرائط صحة الصوم الاول الاسلام والايمان.

أما بالنسبة للروايات فالمقصود بها ما دل على بطلان العبادة من دون الولاية التي سيأتي بحثها مفصلاً في شرطية الايمان, وقد استدل بها الفقهاء على بطلان عبادة الكافر بالأولوية.

وهذا الدليل يبتني على تسليم دلالة الروايات على بطلان عمل المخالف بالمعنى المقصود في المقام.

وهناك رواية استدل بها بعض الاعلام المعاصرين على بطلان عبادة الكافر مباشرة لا من جهة عدم قوله بالولاية, وحينئذ يمكن فصلها عن الروايات الاتية وهي معتبرة جابر( قال : سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول : إنما يعرف الله عز وجل ويعبده من عرف الله وعرف إمامه منا أهل البيت ومن لا يعرف الله عز وجل و [ لا ] يعرف الامام منا أهل البيت فإنما يعرف ويعبد غير الله هكذا والله ضلالا)[1]

فهي تقول بأنه يعبد غير الله ولازم ذلك بطلان عمله, وقال المستدل بهذا الحديث ونظير ذلك رواية أبي حمزة (قال : قال لي أبو جعفر عليه السلام : إنما يعبد الله من يعرف الله ، فأما من لا يعرف الله فإنما يعبده هكذا ضلالا قلت : جعلت فداك فما معرفة الله ؟ قال : تصديق الله عز وجل وتصديق رسوله صلى الله عليه وآله وموالاة علي عليه السلام والائتمام به وبأئمة الهدى عليهم السلام والبراءة إلى الله عز وجل من عدوهم ، هكذا يعرف الله عز وجل)[2]

والرواية ضعيفة بالمعلى بن محمد فلم تثبت وثاقته, والفرق بينها وبين الرواية المتقدمة أن الاولى تصرح بأنه يعبد غير الله, وهذه تقول بأنه يعبد الله لكن عبادته ضلال.

والظاهر انها ناظرة إلى مراتب المعرفة, وان المرتبة العليا لمعرفة الله سبحانه وتعالى هي المقترنة بمعرفة الرسول والامام عليهما الصلاة والسلام, وظاهر الرواية أن العبادة المقترنة بالمعرفة الناقصة تكون ضلالاً, أي أن عبادته تكون ناقصة من هذه الجهة لا من جهة نقصان العمل الصادر منه لكي يستفاد من الرواية عدم الاجزاء, فالنقصان من جهة عقائدية, والتعبير بالضلال قرينة على ذلك.

أما رواية جابر فيمكن تقريب الاستدلال بها في محل الكلام فهي تتكلم عن شخص لا يعرف الله وبالتالي لا يعرف الامام عليه السلام, وتقول (يعرف ويعبد غير الله) واذا كان يعبد غير الله لا يمكن افتراض صحة عبادته.

لكنه لابد من افتراض ضرب من التجوز في الرواية لعدم الملازمة بين عدم معرفة الله وعدم معرفة الامام عليه السلام وبين عبادة غير الله, فيمكن افتراض شخص لا يعرف الله ولا يعبده ولا يعبد غيره, ويتأكد هذا المعنى (عدم الملازمة) اذا قلنا أن الرواية تتحدث عن شخصين (احدهما لا يعرف الله والاخر لا يعرف الامام عليه السلام ) لا شخص واحد وهذا يمكن استفادته من مفهوم الجملة الاولى (إنما يعرف الله عز وجل ويعبده من عرف الله وعرف إمامه منا أهل البيت) فيدخل في مفهومها كل من انتفت فيه معرفة الله أو معرفة الامام عليه السلام وقد اشار ذيل الرواية إلى مفهوم الحصر في صدرها وهو أن الذي لا يعرف الله يعبد غير الله والذي يعرف الله ولا يعرف الامام يعبد غير الله ايضاً.

 

الا أنه لابد من حمل الرواية على مفاد رواية ابي حمزة بأعتبار عدم الملازمة بين كون الشخص لا يعرف الله ولا يعرف الامام عليه السلام وبين أن يكون عابداً لغير الله, وكأن الرواية تريد أن تقول أن عبادة هذا الشخص بمنزلة عبادة غير الله, لا أنه عبادته واقعاً لغير الله.

واستدل صاحب المستند برواية المفضل بن عمر (أن أبا عبدالله ( عليه السلام ) كتب إليه كتابا فيه: إن الله لم يبعث نبيا قط يدعو إلى معرفة الله ليس معها طاعة في أمر ولا نهي، وإنما يقبل الله من العباد بالفرائض التي افترضها الله على حدودها مع معرفة من دعا إليه، ومن أطاع، وحرم الحرام ظاهره وباطنه، وصلى، وصام، وحج، واعتمر، وعظم حرمات الله كلها، ولم يدع منها شيئا، وعمل بالبر كله، ومكارم الاخلاق كلها، وتجنب سيئها، [ ومن ] زعم أنه يحل الحلال ويحرم الحرام بغير معرفة النبي ( صلى الله عليه وآله ) لم يحل لله حلالا، ولم يحرم له حراما، وأن من صلى، وزكى، وحج، واعتمر، وفعل ذلك كله بغير معرفة من افترض الله عليه طاعته فلم يفعل شيئا من ذلك ـ إلى أن قال ـ ليس له صلاة وإن ركع وإن سجد، ولا له زكاة، ولا حج، وإنما ذلك كله يكون بمعرفة رجل من الله على خلقه بطاعته، وأمر بالأخذ عنه، الحديث)[3]

وفي صدر هذه الرواية مسألة القبول (وإنما يقبل الله من العباد..) وعدم القبول اعم من البطلان, وفي ذيلها تقول (ليس له صلاة وإن ركع وإن سجد، ولا له زكاة، ولا حج....) وهذا التعبير اوضح في نفي الصحة واقرب اليها من نفي الثواب, ولكن الحديث غير تام سنداً من عدة جهات منها محمد بن علي الكوفي الذي يحتمل قوياً أنه ابو سمينة الذي ضعف صريحاً ويحتمل أنه غيره _ كما ذكر السيد الخوئي (قد) _ لكنه لم تثبت وثاقته ايضاً ثم عن محمد بن سنان ولم تثبت وثاقته عندنا عن صباح المدائني ولم تثبت وثاقته ايضاً .

واستدل صاحب المستند على عدم صحة عبادة الكافر بصحيحة عيص بن القاسم (قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قوم أسلموا في شهر رمضان وقد مضى منه أيام هل عليهم أن يصوموا ما مضى منه أو يومهم الذي أسلموا فيه؟ فقال: ليس عليهم قضاء ولا يومهم الذي أسلموا فيه إلا أن يكونوا أسلموا قبل طلوع الفجر)[4]

واستدلاله مبني علي رأي المشهور في مسألة تكليف الكافر بالفروع وكأنه يريد أن يقول أن الرواية تفرق بين حالتين:-

الاولى: حالة الاسلام قبل طلوع الفجر فتحكم بوجوب القضاء.

الثانية: حالة الاسلام بعد طلوع الفجر فتحكم بعدم وجوب القضاء.

ولا فرق بين الحالتين من ناحية وجوب الصوم فهو مكلف به على كل حال لأن المفروض أنه مكلف بالفروع, و الذي اوجب التفريق في الحكم هو صحة العمل في الحالة الاولى وعدمه في الثانية, حيث لابد من الالتزام بعدم صحة صومه في الحالة الثانية لعدم الفرق بينهما غيره.

ويلاحظ أن هذا الكلام مبني على دعوى الملازمة بين عدم القضاء على الكافر وعدم صحة الصوم, وهي ليست ثابته, لأن عدم وجوب القضاء يمكن أن استناده إلى حديث الجب, فهو يسقط كل التبعات الا ما خرج بدليل كالزكاة.