31/11/10


تحمیل

العنوان: عقد الصيانة

قلنا: ان عقد الصيانة هو العقد الذي يوجد بين مالك الادوات او مالك الابنية وبين الصائن، فالتعهد بعقد الصيانة على ثلاثة صور تقدمت، وقد كيف عقد الصيانة بتكييف قانوني وهو ان عقد الصيانة هو عقد مقاولة بل هو اخص من عقد المقاولة، نحن بالامس بينا ان عقد الصيانة يختلف عن عقد المقاولة فالتكليف القانوني للمقاولة لايأتي في عقد الصيانة.

ثم قلنا ماهو التكليف الشرعي(لا القانوني) لعقد الصيانة بصوره الثلاثة هنا ذهب بعض علماء السنة الى ان التكليف الشرعي لعقد الصيانة وعقد التعهد بالصيانة هو تنزيله منزلة الجعالة فهو شبيه بعقد الجعالة التي هي صحيحة فان عقد الصيانة بما انه يحمل جهالة في مقدار وساعات العمل وفي تبديل قطع الغيار وفي استخدام الزيوت والدهون والشحوم وباستخدام الالات توجد جهالة فعقد الجعالة ايضاً فيه جهالة في العمل.

ان عقد الصيانة فيه اربعة جهالات:

اولاً: مقدار العمل مقدار . ثانياً: تبديل قطع الغيار . ثالثاً: مقدار الزيوت والشحوم والات التنظيف. رابعاً: مقدار الاجهزة التي تستعمل في كشف العيب.

فعقد الجعالة فيه ايضاً جهالة في مقدار العمل فكم يستعمل من الاجهزة وهكذا مقدارها غير معلوم فالصيانة فيها جهالة كثيرة وهكذا الجعالة فيها جهالة كثيرة وقد صحح عقدها فهكذا في الصيانة لنحكم بصحة عقدها فالجعالة تصح على العمل المجهول الذي يعسر ضبطه وتعينه وبه تمتاز الجعالة عن الاجارة، ففي الاجارة لابد ان يكون العمل والمنفعة مضبوطة كالثمن، وفي الجعالة الثمن والجعل هو المضبوط فقط اما العمل الذي يأتي به من جعل له هذا العمل فهو غير مضبوط، اذاً فالصيانه ليست اجارة لأن الاجارة لابد ان تكون فيها المنفعة معينة ومضبوطة مع ان الصيانه العمل فيها غيرمضبوط، فالجعالة على الاتيان بالحيوان الضال او المال الضائع او العبد الآبق هي الامثلة المضروبة في صحة الجعالة.

فعقد الصيانة التي يكون فيها العمل مجهولاً لايكون اكثر من جهالة ارجاع البعير الضال .

ذهب الى هذا التوجيه جماعة من اهل السنة ممن قدّم ابحاثا للندوة الفقهية الرابعة لبيت التمويل الكويتي في شوال، وقد اخذت الندوة الفقهية الرابعة في الكويت بهذا الراي وجاء في قرارات الندوة مايلي:

ان عقد الصيانة هو عقد مستحدث،مشروع، تنطبق عليه الاحكام العامة للعقود، ولايخالف نصاً او قاعدة شرعية، وهو في تكييفه الفقهي اقرب مايكون الى عقد الجعالة حيث ان معظم صور الصيانة لا يمكن فيها تحديد مقدار العمل بشكل دقيق.

ونحن الآن مع هذا القرار، فالقرارات اذا كانت من المتخصصين لابد من ان نقف امامها موقفا حاداً اذا كان فيها نوع من الانحراف،

فنقول: ان قرار الندوة بدأ بداية جيدة حيث اعتبر عقد الصيانة عقداً جديداً مستحدثا مشروعا ثم بعد ذلك عاد وجعله عقد جعالة مع ان عقد الجعالة ليس عقداً جديداً مستحدثاً بل هو عقد قديم من ايام التشريع الاولى.

فاذا كان مستحدثاً فهو ليس جعالة واذا كان جعالة فهو ليس بجديد، فهناك تناقض في الفتوى

طبعا هذا اذا كان عقد الصيانة بدون تبديل قطع غيار واما اذا بدلت قطع الغيار فقالوا هذا جعالة مع بيع اما عقد الصيانة بدون تبديل قطع الغيار فهو جعالة لان العمل غير معلوم (هذا ماقالته الندوة الفقهية) .

ونحن نقول: هناك فرق بين الأمرين فان الجعالة هي كأن يقول من رد علي ضالتي فله كذا، وهذا بخلاف ما نحن فيه فان مانحن فيه نظير ان يقول صاحب القطيع من الغنم الذي لم يضيع منه شيئ من اغنامه يقول: اجعل مبلغا شهريا او سنويا لمن ياتيني بما يضل من هذه الرؤوس من الغنم دون ان يخصص جعلا مستقلا لكل رأس شارد فهذه ليست جعالة من صاحب القطيع من الغنم على هذه الكيفية، او هل تصح الجعالة لصاحب الزروع المختلفة ذات مواسم حصاد متتالية ان يجعل مبلغا معينا واحدا لمن يحصد له كل زروعه كلما آن وقت حصاد واحد منها، فان صحت الجعالة هنا صح عقد الصيانة لمن يجعل مبلغا مقطوعا شهريا او سنويا لمن يصلح له ماتعطل منها فلو صحت الجعالة في الزروع المتعددة فتصح الجعالة في الصيانة.

نحن نقول ليس ببعيد ان تصح هذه الجعالة نظير من يقول من حصد لي هذه الزروع في مواسمها فله كذا، فانها جعل على عمل غير معلوم سواء كان العمل واحدا او كان العمل متعددا كأن يقول جعلت الف دينار لمن ياتيني بسيارتي المسروقه ومحبسي الضائع وولدي الشارد او يقول جعلت الف دينار لمن ياتيني بكل جمل شارد من هذا القطيع فهذه جعالة على عمل غير معلوم.

والاشكال يأتي فيما قالوه من أن هذه الجعالة في عقد الصيانه معلقة على اصلاح العيب الذي سيوجد فهو عقد تعليقي متمركز على اعطاء مبلغ من المال على اصلاح ما سيوجد من خلل في المعمل فالعمل المجهول يصح في الجعالة اما الجعالة التعليقية لا تصح لان العقود التعليقية باطله للاجماع على عدم صحة التعليق في العقود.

لكن هذا الاشكال مردود، فنقول: ان الصيانة ليست عقدا معلقا لان الصيانة هي جعل شيئ لمن يلتزم بالصيانة والالتزام هو موجود وليس معلقا بل هو امر منجز، اذاً هو التزام شركة الصيانة بالصيانة ومع ذلك فاننا نقول هناك فرق لان الجعالة منجزة ومتعلقها حاصل بينما الصيانة ايضا منجزة ولكن متعلقها غير حاصل وهو اصلاح العيب وهذا غير حاصل فالالتزام منجز ومتعلق الالتزام غير موجود .

واشكال ثاني: وهو فيما اذا استحق الصائن بعض الاجر قبل اتمام عمله، بينما الجعالة يكون فيها الاجر مستحقا بعد اتمام العمل وهذا بخلاف الصيانه فالصائن يستحق بعض الاجر قبل اتمام العمل بينما في الجعالة لايستحق الاجر قبل اتمام العمل .

وثالثا: ان الجعالة جائزة والعمل مباح حيث انه يقول من رد علي ضالتي فله كذا، فالعمل بالجعالة مباح وليس واجب، وهذا بخلاف الصيانة فان العمل فيها يجب على العامل ولايجوز له ترك العمل بعد العقد لانه لازم، فكيف نقول هي كالجعالة، وهذه فروق ثلاثة اهمها الثالث والاخير. والجعالة لايستحق المجعول له شيئ من الأجر الاّ بعد اتمام العمل بينما في الصيانة يستحق الصائن بعض الاجرة اذا كانت شهرية (وهذا فرق جوهري)، ثم ان الجعالة منجزة ومتعلقها معلوم بينما الصيانة منجزة متعلقها غير معلوم وغير حاصل فكيف ننزل هذا العقد الازم الذي لايجوز للصائن ترك العمل ننزله على الجعالة التي هي جائزة وغير لازمة.

نعم عقد الصيانة قد ينقض بقوة قاهرة كما اذا احترق مورد الصيانة مثلاً اما الصائن بنفسه فلايجوز له ان ينقض عقد الصيانة، فالجعالة تشترك مع الصيانة في امور وتختلف عنها في امور كما ان البيع يشترك مع الاجارة في امور ويختلف في امور.

فهنا نقول: ان عقد الجعالة والصيانة يشتركان في ان محل العقد في الجعالة اتمام العمل ومحل العقد في الصيانة هو اتمام العمل ايضاً، فالجعالة عملها يتضمن مشقة ومؤنة وكذا الامر في الصيانة فيه مشقة، والجعالة يستعمل فيها ادوات وكذا الصيانة، اذاً الجعالة تشابه عقد الصيانة في الجهالة وفي محل العقد، والعمل يتضمن مشقة في كليهما الاّ ان الجعالة تختلف عن الصيانة في كون الجعالة عقداً مباحاً والصيانة عقد لازم، وايضاً فعقد الجعالة لايستحق العامل شيئ قبل اتمام العمل بينما في الصيانة يستحق شيئاً، وهكذا الجعالة عقد منجز والمتعلق حاصل وهذا بخلاف الصيانة فالمتعلق غير حاصل وعليه فلا يمكن فرضهما عقد واحد، ثم ان عقد الصيانة محدد بأجل وزمان معين وهذا بخلاف الجعالة فلا يجوز فيه ضرب الاجل أو لا أجل فيه أصلاً، لأن الهدف من الجعالة تحقيق نتيجة معينة ولو في ساعة واحدة ،بينما الصيانة فأن الوقت والزمان هو أمر جوهري فيها، اذاً لايمكن تمثيل عقد الصيانة على عقد الجعالة .