37/05/06


تحمیل

الموضـوع:- معونة الظالمين - مسألة ( 18 (- المكاسب المحرمة -كتاب التجارة.

الأمر الثاني:- ذكرنا فيما سبق أن المحرّم في المسألة عنوانان عنوان إعانة الظلمة وعنوان أعوان الظلمة ، وهذان العنوانان ذكر كلاهما في الروايات وهذا ثبتت له الحرمة وذاك ثبتت له الحرمة أيضاً ، ولكن هناك فارق وهو أنه في إعانة الظلمة ربما يشترط في الحرمة أن تكون الاعانة إعانة على الظلم أو على مطلق الحرام دون ما إذا كانت في أمرٍ مباح ولو لأجل أن المنصرف من تحريم إعانة الظلمة أي بما هم ظلمة وفي ظلمهم ، وهذا بخلافه في عنوان أعوان الظلمة فإنه متى ما صدق حرم ولو كان ذلك في المباح ، كأن يفترض أن شخصاً يذهب إلى مجلس السلطان ويجلس في كلّ يوم ساعة مثلاً فإنه إذا تكرر منه ذلك فقد يصدق عليه عرفاً عنوان أعوان الظلمة فيكون ذلك حراماً حتى وإن لم يكن معيناً له على ظلمه فإنّ هذا المقدار يكفي لصدق العنوان عليه.

وأكد الشيخ الأعظم(قده) في الكاسب هذه القضية أيضاً حيث قال:- ( وقد تبين مما ذكرنا أن المحرّم من العمل للظلمة قسمان أحدهما الاعانة لهم على الظلم والثاني ما يعد معه من أعوانهم والمنسوبين إليهم بأن يقال هذا خياط السلطان وهذا معماره وأما ما عدى ذلك فلا دليل معتبراً على تحريمه )[1] .

والمطلب واضحٌ والذي نريد أن نقوله:- هو أنه ربّ قائل يقول:- ما الفارق بين الموردين ؟ فلماذا قال الفقهاء في باب اعانة الظالم أنّ المنصرف هو إلى ظلمه أما في باب أعوان الظلمة قلتم إذا صدق الأعوان ولو في المباح كخياط السلطان ونديمه ومعماره وما شاكل ذلك فهذا يكفي في الحرمة ولم تأخذوا قيد الظلم - وأن يكون ذلك يكون في مجال الظلم - فما الفارق بين الموردين ؟

ووضح أنه إذا لم نتمكن من الاجابة فلازمه أنّ هذه التفرقة لا وجه لها ، فلابد وأن نوحّد بين الموردين ، فإما في الاثنين يعتبر أن يكون ذلك في مجال الظلم أو في الاثنين لا يعتبر ذلك.

والجواب:- إنه إذا شعرنا بقضية الانصراف من خلال الوجدان بأن فرّق الوجدان وقال إنّه في إعانة الظالمين والظلمة يعتبر أن يكون في مجال ظلمهم فإنّ المنصرف والمفهوم هو هذا ، فحينما يقال يحرم إعانة الظلمة يعني في مجال ظلمهم بينما هناك لا يوجد هذا الانصراف ، يعني حينما يقال ( ينادى يوم القيامة أين أعوان الظلمة ) لا يفهم منه أن ذلك في مجال ظلمهم بل من صدق عليه الأعوان ، فبحسب الوجدان نشعر بأن هناك انصراف - أي في إعانة الظالمين - ولا يوجد هذا الانصراف في أعوان الظلمة ، ومادمنا نشعر بهذه القضية الوجدانية ولم نشكك فيها كفى في الفارق ، وبعد أن فرّق الوجدان بين الموردين بالشكل المذكور كفانا ذلك حجة للتفرقة ، ولا يشكل علينا حينئذٍ ويقال كيف فرقتم ؟ فنقول:- نحن فرّقنا بسبب أننا شعرنا بالوجدان أنّ هناك يوجد انصراف بينما هنا فلم نشعر به.

ولكن إذا أردنا أن نصير فنيّين نقول:- لعل النكتة هي أنه في باب أعوان الظلمة لا نشعر بالوجدان باعتبار أن تكون الاعانة في الظلم بل يكفي أن يصدق عليه أنّ هذا خيّاط السلطان أو نديمه أو غير ذلك لعل النكتة هي أنه في كلا الموردين يعتبر الظلم - أي في باب الاعانة وفي باب الأعوان - ولكن في باب الأعوان حيث يفترض أنّ الشخص يتكرر منه الفعل الواحد فهو يحظر في كلّ يوم في ديوان السلطان فهذا الحضور بالتالي يقوم مقام الظلم وبالتالي كأنه يصير هذا الحضور الدائمي نحواً من المساعدة في الظلم ، فهو بنفسه يحقّق عنوان الظلم ، وبالتالي صار هو من أعوان الظالم في ظلمه بسبب تكرّر حضوره ، فهذا الحضور يصير دعماً للظلم والظالم وحينئذٍ يكفي نفس الحضور باعتبار أنه دعمٌ للظلم.

وهذا بخلافه في معونة الظالمين فإنّ الفعل قد يتكرّر مرّة واحدة أو مرّتين لا أكثر فلا يكفي ذلك لانتزاع عنوان دعم الظلم ، بل يقال هو اعانه في المباح كبيع الخبز أو الطعام عليه أما الدعم للظلم فلم يتحقّق ، بخلاف ما إذا حضر مجلسه كلّ يوم فإنّ نفس الحضور اليومي هو دعم للظلم والظالم ونفس كونه خياطاً للظالم - أي حينما تصدق هذه الاضافة - هو نحو دعم للظلم والظالم.

إذن في كليهما يعتبر أن يكون ذلك في مجال الظلم لكن صدق دعم الظلم في باب أعوان الظلمة يتحقّق بالفعل المتكرّر فإنّ العرف ينتزع من الحضور المتكرّر في مجلس السلطان دعم الظلم وأّن هذا من أعوان الظلمة - يعني في مجال ظلمهم بسبب حضوره المتكرر -.

إذن هذا يمكن أن يكون تحليلاً للفارق الوجداني بين الموردين ، وأبقى أأكد على أنه مادمنا نشعر بالفارق الوجداني فنأخذ به كما أخذ به الفقهاء ، غايته أنّه في مقام التحليل لهذا الوجدان ربما يحلّل بالشكل الذي أشرنا إليه ، وسواء أمكننا أن نحلّله بهذا الشكل أو بذاك فهذا لا يؤثر بعد الشعور الوجداني بالفارق الذي أشرنا إليه.

الأمر الثالث:- من هو الظالم والظالمون ؟

هل المقصود بذلك خصوص من تسلّم السلطة في تلك الفترة التي صدرت فيها النصوص أعني مثل المأمون والرشيد وغيرهما فتختص بهؤلاء أو أنه يعمّ على من كان على وتيرتهم في كلّ زمان ؟ كما أنه ماذا يقصد من الظالم هل هو كلّ ظالم أو خصوص من تسلمّ السلطة من غير حق ؟ فربما نعمّم لكلّ زمانٍ ولكن نقول هل هو كلّ ظالمٍ أو خصوص من تسلّم السلطة بغير حقّ ؟

ربما يقال:- إنّ المفهوم بادئ الأمر من بعض النصوص أن المقصود هو خصوص خلفاء الجور في عصر صدور النصوص:-

من قبيل:- رواية عذافر المتقدّمة:- ( نبئت أنك تعامل أبا أيوب والربيع ..... إنّ أعوان الظلمة في سرادق من نار... ) [2] فهنا الاشارة جاءت إلى أبي أيوب والربيع فلا يستفاد من ذلك التعميم لكلّ ظالم بل خصوص هؤلاء.

ومن قبيل:- رواية ابن أبي يعفور:- ( ما أحبّ أني عقدت لهم عقدة ووكيت لهم وكاءً )[3] ، وضمير ( لهم ) يرجع إلى المعهود الذهني أو الخارجي الموجود في ذلك الزمن لا كلّ ظالم.

ومن قبيل:- رواية صفوان:- ( مَن أحبَّ بقاءهم فهو منهم )[4] فالضمائر ترجع إلى الموجودين.

ومن قبيل:- رواية ابن أبي حمزة التي تقول:- ( لولا أنّ بني أميّة وجدوا لهم من يكتب ويجبي لهم الفيء .... )[5] ، فأيضاً هي ناظرة إلى بني أمية.

ومن قبيل:- رواية ابن صبيح الكاهلي:- ( من سوّد اسمه في ديوان ولد سابع حشره الله خنزيراً - حيراناً - )[6] ، يعني في ديوان ولد العباس - فسابع هو مقلوب عباس -.

فهذه الروايات ربما يفهم منها الايحاء إلى كون المقصود من الظلمة والظالمين خصوص من كان في تلك الفترة.

ولكن هذا مجرد إيحاء بدوي فإنّ تمام النكتة لا تكمن في هؤلاء بما هم هؤلاء بل بما هم تسلّموا السلطة بغير حقّ ويقومون بظلم العباد لا يحتمل أن لذواتهم خصوصية.

إذن احتمال الخصوص للخلفاء في تلك الفترة ضعيف جداً ، بل المناسب التعميم لكلّ من تسلّم السلطة ويقوم بظلم العباد.

أمّا من تسلّم السلطة بغير حقٍّ ولكن لا يقوم بظلم العباد ، ولا أقصد أنه لا يظلمهم أصلاً بل المقصود أنه ليس ذلك الظلم القوي المؤلم للناس فلا تشمله هذه النصوص ، ولماذا ؟ نقول:- إنَّ الشمول يحتاج إلى دليل ونحن لا نجزم بشمول النصوص له.

ومن هنا تنحلّ مشكلة قد تعلق في الذهن وهي أنّ بعض علمائنا في زمن القاجارية أو الصفوية كانوا يتفاعلون مع أصحاب السلطة فكيف نفسّر ذلك ؟

والجواب:- إنّ بعضهم كان منصوباً من قبل الفقيه ، فهم بعدما نالوا السلطة أمضى الفقيه حكمهم كما ينقل عن الشاه طهماسب أو غيره من قبل المقدّس الأردبيلي أو غيره ، فهو أمضى مقامه وإذا فرضنا أن الأمر هكذا فلا مشكلة ، أو نفترض أن الفقيه لم يمض ذلك ولكن كان هذا السلطان ليس ظالماً بذلك الشكل وإنما كان العباد يعيشون من ناحيته فهذا لا يجزم بشمول عنوان معونة الظالم أو أعوان الظلمة له ومادام لا يجزم بذلك فلا تعود مشكلة من هذه الناحية.

بهذا أنهينا مسألتنا هذه ، ولكن نريد أن ننتقل إلى المسالة أخرى وقد ذكرت أنه يوجد عندنا عنوان آخر وهو التولّي للجائر كأن يصير وزيراً له فهل يجوز هذا أو لا ، وقد ذكر السيد الماتن(قده) هذه المسألة برقم ( 36 ) ، ولكن لأجل تقارب مباني وروايات المسألتين - أي مسألة 18 ومسألة 36 - سوف نذكر مسألة( 36 ) إلى جنب هذه المسألة – أي مسألة ( 18 ) -.