37/05/05


تحمیل

الموضـوع:- معونة الظالمين - مسألة ( 18 (- المكاسب المحرمة -كتاب التجارة.

وهل توجد رواية يستفاد منها أنّ من الراجح مثلاً أن نتملّق لهم ؟

والجواب:- لعله(قده ) يشير إلى هاتين الروايتين:-

الأولى:- رواية ابن مسكان:- ( قال أبو عبد الله عليه السلام:- إني لأحسبك إذا شتم علي عليه السلام بين يديك لو تستطيع أن تأكل أنف شاتمه لفعلت ؟ فقال:- أي والله جعلت فداك إني لهكذا وأهل بيتي ، فقال لي:- فلا تفعل فوالله لربمّا سمعت من يشتم علياً وما بيني وبينه إلا اسطوانة فأستتر بها فإذا فرغت من صلواتي فأمر به وأسلم عليه وأصافحه )[1] [2] .

الثانية:- حديث عنبسة عن أبي عبد الله عليه السلام:- ( إياكم وذكر عليّ وفاطمة فإنّ الناس ليس شيء أبغض إليهم من ذكر عليٍّ وفاطمة عليهما السلام )[3] .

عودٌ إلى صلب الموضوع:- عرفنا فيما تقدم أنّ إعانة الظالم على الأمور المباحة يمكن أن يقال بجوازها لوجهين ، فإذا أضفنا وجهين آخرين صار المجموع أربعة:-

الأوّل:- القصور في المقتضي كما أشرنا ، يعني قلنا بأنّ أدلة حرمة الاعانة لا اطلاق فيها على حالة الاعانة على المباح ، وهذا ما تقدمت الاشارة إليه ، وهو طريق سالم وجيّد لمن يعتقد بالقصور في الاطلاق.

الثاني:- السيرة المتشرعيّة ، فإنها دليل في الجملة على ما أوضحنا.

الثالث:- الالتزام بالكراهة ، يعني أنَّ اعانة الظالم في المباحات مكروهة ، والوجه في ذلك:- هو أنه ورد في رواية ابن أبي يعفور المتقدّمة:- ( ما أحبّ أني عقدت لهم عقدة ولا وكيت لهم وكاءً ) [4] ، إن التعبير بفقرة ( لا أحب ) يفهم منه الكراهة دون الحرمة ، فتحمل بقية الروايات التي ليس فبها تعبير ( لا أحب ) والتي ظاهرها التحريم في المباح على الكراهة بسبب هذه الرواية فإن التعبير الوارد فيها يدلّ على الكراهة.

وواضحٌ أنّ هذا شيء جيّد على رأي من يلتزم بأنّ تعبير ( لا أحب ) يدل على الكراهة - ويوجد من يلتزم بذلك - فتكون النتيجة هي أنّ إعانة الظالم في المباحات جائزة ولكن على كراهة.

وفيه ما أشرنا إليه أكثر من مرّة:- من أنّ هذا التعبير حيادي ، فهو كما يلتئم مع الكراهة يلتئم مع الحرمة أيضاً ، وعلى هذا الأساس يبقى اطلاق بقية الروايات - لو كان هناك اطلاق ودلالة على الحرمة - على حاله ، فيبقى الإطلاق على حاله والحرمة تبقى على حالها من دون موجبٍ للجمع بالكراهة لما أشرنا إليه.

الرابع:- ما ذهب إليه الشيخ النراقي(قده) حيث ذكر أنه كما توجد عندنا مطلقات في مقامنا تدل باطلاقها على حرمة إعانة الظالم حتى في المباح عندنا روايات أخرى تدل على رجحان قضاء حاجة المؤمن والسعي في قضاء حوائج الاخوان وغير ذلك ، فتحصل معارضة في مورد المباح فيتساقطان في مادّة المعارضة فنرجع إلى الأصل العملي وهو البراءة ، فصارت النتيجة هي الجواز بعد تحقق المعارضة بين الطائفتين ، ونصّ عبارته:- ( والاولى أن يُعلَّل[5] بمعارضة تلك المطلقات[6] مع الاخبار المتكثرة الواردة في الموارد العديدة في الحث على اعانة المسلمين وقضاء حوائجهم ومودتهم والاهتمام بأمورهم المعاضدة بالكتاب[7] وبعمل كافة الأصحاب حيث لا مرجّح[8] فالعمل على الأصل المقطوع[9] به )[10] .

يبقى أنه كيف نصوّر المعارضة ؟

والجواب:- وهو أن نفترض أنّ الظالم يأتي إلى شخصٍ ويطلب منه قضيّةً مباحة كأن يقول له اشتر لي طعاماً أو آجرني داراً أو غير ذلك ، فمقتضى دليل حرمة اعانة الظالم في المباح يقول لا تعنه لأنّ مقتضى إطلاق أدلة حرمة الاعانة هو الحرمة ، ولكن إلى جانب ذلك يوجد عندي ( من قضى حاجة لأخيه المؤمن قضى الله له .... )[11] يقول اقض حاجته فإنّ في ذلك ثواباً وبإطلاقها تشمل هذا المورد أيضاً ، فتحصل معارضة فيتساقطان في هذا المورد فنتمسّك بأصل البراءة وتكون النتيجة هي الجواز.

وفيه:-

أما بالنسبة إلى الاطلاق الأوّل:- فنحن لا نرى تماميته بلحاظ المباح ، ولكن هذا ردّ مبنائي وليس بالشيء المهم.

وأمّا بالنسبة إلى الاطلاق الثاني:- فربما يقال إن روايات قضاء الحاجة ناظرة إلى قضاء الحاجة بما هي قضاء حاجة ، أمّا الخصوصيات بأن يكون الطالب ظالما أو منافقاً أو قاتلاً أو غير ذلك فهي ليست ناظرة إليه وليست في مقام البيان من هذه الناحية ، فنظرها فقط وفقط هو إلى أن قضاء الحاجة بما هو قضاء حاجة شيء راجح ، وواضح أنه آنذاك نتمسّك بالقدر المتيقن - أعني قضاء حاجة المؤمن - ، أمّا الزائد على ذلك فإن كان هناك جزم بعدم الخصوصية عرفاً فنتعدّى ، وأما إذا كان هناك احتمال الخصوصية - كما في مسألة الظالم وهو أنه أنت اقض حاجة المؤمن إذا لم يكن ظالماً أمّا الظالم فلا يجزم بإلغاء الخصوصية من هذه الزاوية - فالتعدّي إليه ودعوى شمول هذه الاطلاقات له شيءٌ صعب ، ولكن كما قلت هذا لا أجزم به.

ولكن الذي أريد أن أقوله:- هو أنّ عنوان المؤمن أو المسلم الوارد في هذه الروايات لا ينطبق على الظالم ، يعني أنّ الظالم خارج تخصصاً ، وذلك لأنه توجد مغايرة عرفيّة ، فالعرف يرى أنّ عنوان من مشى في حاجة أخية المسلم أو المؤمن يختصّ بالمسلم الذي لا يتلبّس بعنوان الظلم ويُعَدُّ من الظلمة ، فهو وإن كان في واقعه مسلماً ويتشهّد الشهادتين لكنه لا يراه منطبقاً عليه ولو لأجل الانصراف مثلاً أو غير ذلك ، بل المهم أنّه لا يرى شموليّةً لهذا العنوان بنحوٍ يشمل الظالمين.

وبناءً على هذا لا يعود لدينا إطلاق من روايات من مشى في حاجة أخيه المؤمن حتى يعارض ذلك الاطلاق ومن ثم نرجع إلى البراءة.

فالأوجه إذن هو الجواب الأوّل ، أو بإضافة الجواب الثاني ، دون الجواب الثالث والرابع.


[2] سفينة البحار، المجلسي، ج2، ص612.
[5] أي الجواز.
[6] أي مطلقات حرمة الاعانة.
[7] مثل قوله تعالى ﴿ وتعاونوا على البر والتقوى ﴾.
[8] أي في مادة الاجتماع بعد فرض عدم المرجح.
[9] أي القطعي وهو أصل البراءة فالنتيجة تكون هي الجواز.